الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


امينة الزعري و - لن افكر في-

محمد هالي

2016 / 12 / 3
الادب والفن


نظرا لما تحمله القصيدة من صور فنية، سأحاول نقل ما خفي شعرا، ليتضح نثرا ، و حتى يتابع القارئ التحليل ،سأضع القصيدة كاملة رهن اشارته، لكي يتابع التحليل بطريقة متماسكة.
سأنزع ساعة اليد،
أترك الوقت حراً بدون مشنقة
سأتمشى وأفكر فقط أني أتمشى.
لن أفكر في
حذائي المقسوم من أسفل
وهو يعضُّ خذوذ الطريق
ويقشر وجه الخطوات.
لن أفكر في
المدينة التي أصبحت بلا طريق
معلقةٌ على ظفيرة شمس،
وما تبرير الظلام إن سقطت.
لن أفكر في
تعريف جازم للموت ،
والحياة لا تستحمل التعاريف.
لن أفكر في
أبي مُحَمَّدٍ وحُبه لنساءٍ أُخريات
ونساءهُ محنطات بالشمع الأحمر
ولا بأمي التي تنازلت عن
حقها في اللذة.
لن أفكر في
الحرب التي لم تتعلم من النمل
استراتيجية الفصول
ولِما الأبيض شعار السلام.
لن أفكر
كيف استسلمتِ الأشجار للعاصفة
وكيف تحزنُ الطيور
عن يأس السن وتجاعيد القلب
لن أفكر حتى
في أبسط الأشياء:
كيف للبحر أن يكون أزرقا
أو من أين يتبول القرش
سأتمشى وأتمشى
وأفكر في
الفكرة التي هَرِمَتْ
والحكمةُ، لم تبلغ بعدُ سن الرشد.


في زمن القتل، و الابادة الجماعية، التي أصبحت تسري في عالمنا العربي، نرى الذهول يتسرب في عمق الأزمنة الخالية من الوقت، مادام أن الوقت متوقف عن التحرك، مثله مثل توقف التاريخ في هذا العمق الدموي، فتوقف معه فكر الإنسان أمام يأسه، بل إحباطه، و لم يبق له سوى التصرف في عمق الأزمنة الخالية من الوقت. هذا الأمل الجدير بالتوقف، تنتابه نوبة المشي في زمن اللاأدرية، "سأتمشى وأفكر فقط أني أتمشى."
فتصطاده غريزة النسيان، و لكي يبقى في الحركة الدؤوبة، عليه أن ينسى المحيط ، و الحسي ، و الخيال التجريدي، و يعيش فقط المأساة، الشيء المتذكر هنا ، هو حركة المشي، الى أين؟ يجيب إليا أبو ماضي :"لست أدري" ، هذه اللعبة المشؤومة، و الخطيرة ، أصبحت تنتاب كل فقير ، و جائع، و كل من تصطاده القنابل، و الصواريخ، و كل متعاطف، و غيور، بل كل من يحمل في جعبته ذرة الإنسانية.
تعبر الزعري عن هذا الهم المفتعل من طرف أعداء الحرية، و الديموقراطية ، و هي توقن أن الخلل ليس موجودا الآن، بل في الزمن الغائب، و كان التاريخ ماض يتمأسس في الحاضر. لهذا فهي تتصفح التاريخ، لكي يعيد النظر في ذاته، في سيرورته، و أن تبحث عن سر الخطأ، لأن المأساة متوفرة، و محاطة بنا من كل النواحي.
ان امينة الزعري بهذه القصيدة استطاعت أن تقتنص لحظة الفن، مادام انه بتشكل في لحظة صعبة قبل التبلور، و هي لحظة تأتي بعد شتات المبدع ، و عليه أن يقتنصها قبل أن تموت، و تنتهي ، و بالتالي ينطفئ الإبداع ، و لم يعد يقوى بعد ذلك على الظهور ، فهي اقتنصت اللحظة لتنتقد المأساة ، وتجرنا إلى عوالم عديدة، أهمها الأصل، و الينبوع لهذا البلاء، لتضعه في محل النقد، الذي يعد من صميم الوجع المباشر للمعنى التسلسلي للقصيدة، فهي تطلب من الزمن، و التاريخ، و الوقت ان يختصر المأساة في التوقف، و السكينة و الهدوء، إلى أن يكشف الزمن عن عناصر الخطأ ، و الخطيئة لأن الذات أصبحت متوقفة، في مركز واحد، أو نقطة واحدة، و عليها أن تسير عكس التيار الذي جرف الأخضر، و اليابس، في منطقة صفتها القتل، و الموت، و الحرب. فانطلقت كالسهم في مرحلة التصويب:
سأنزع ساعة اليد،
أترك الوقت حراً بدون مشنقة
سأتمشى وأفكر فقط أني أتمشى.
كل مقطع ينبض خفقانا لتوضيح القادم لينجلي من جديد، فأصبحت كل فكرة عبارة عن صور مؤلمة يتداخل فيها الواقعي بالمتخيل، فتجرك ان تسبح في فضاء الأحلام، لتفسر مغزى المعاني و الصور، فما جدوى اللغة إن لم تكن قابلة لتحديد هذا التعدد، و التلون، و يفرض عليك أن تفك الغاز هذا العلو المتناقض بجدلية خاصيتي الايجاب، و السلب الذي يحمله ديالكتيك الجدل الهجيلي الملتحم بالقلب الماركسي، فحرية الوقت، كالزمن اللامتناهي ، الذي يعبر عن واقعية الموضوع ، حينما يشاهد المشانق الداعشية المقيدة له ، في لحظه اختزال الحياة في الموت، وأمام مشنقة الاختصار للحياة، تضيع الذات، و تتلوث متعلقة بقشرة النجاة، المحاطة بتحطم الازقة، و الشوارع، التي أصبحت معرضة لتعرية الحذاء المقسوم، و هو يظهر الخطوات، ان الذات هنا كالطريق في وضع صعب، ما داما قد وضعا في خاصية المهملات، أمام الخراب المتفشي في كل مكان، و هي تجسد عن حق: ان تبدع معناه ان تحول المأساة الى فن:
لن أفكر في
حذائي المقسوم من أسفل
وهو يعضُّ خدود الطريق
ويقشر وجه الخطوات.
لهذا ينمحي التفكير دائما، في مدينة خربت، و خربت معها كل السبل ،فما على الحذاء سوى أن يخطو مقسما، في مدينة أصبحت "معلقة على ظفيرة شمس"، فهي لم تعد محمية، لا من أشعة الشمس، و لا من برودة المطر، فكل أشكال الحماية خربتها القنابل، و الصواريخ، و البراميل المتفجرة، حتى أصبح من الصعب أن نبرر هذه الأشكال المتداعية في أمكنة الخراب المختلفة، إن كل التأويلات التى انشأت هذه الحركات الظلامية و التي لوثت كل أشكال الحياة باللون الأسود " و ما تبرير الظلام أن سقطت،" فالشمس التحمت مع الارض، مع التراب، كما التحم الانسان مع الموت، بعدما ازيلت كل اشكال الحماية الاسمنتية، التي كانت تقي البشر، و المدينة قبل ذلك، و بهذا عادت الامكنة الى حالة الطبيعة، بعدما خربت حالة الثقافة المبنية على الطمع، و الجشع، و التوجه الى نيل المصالح، بمبررات الثقافة المختلفة، لهذا توقف التفكير فيما يحيط بالإنسان، و توقف التبرير، امام هول الهزائم التي منيت بها الاوطان المخربة :
"لن أفكر في
المدينة التي أصبحت بلا طريق،
معلقةٌ على ضفيرة شمس،
وما تبرير الظلام إن سقطت".
و نتيجة لذلك فقدت الموت دلالتها فلم يعد للموت اذن أي معنى لأن الموت، هي الحياة التي فقدتها البشرية، انها الثورة تنقلب الى حرب:
لن أفكر في
تعريف جازم للموت ،
والحياة لا تستحمل التعاريف،
و في الحرب يتساوى الموت مع الحياة ، بل ان المعني الحقيقي للموت خرج عن التحديد، فكل حي ميت في بؤرة ما، او معركة ما، أو في سفر ما، من أجل الهروب بالحياة، فتستقبله الموت بمخالب موج البحر، او ثقب سفن ترفع الماء كالسنة تضع البشر في لعبة النجاة المحتمل، او في طوفان الموت القادم، سواء من البر، أو من البحر، كيف نحدد الموت ؟ و الموت ذوبان" حياة لا تستحمل التعريف"، لهذا تؤكد الزعري اثناء حل هذا اللغز المستعصي عن الحل، انه اختفاء ينبلج في الحاضر، او لنقل ان الحاضر ما هو الا مجرد نتيجة او تركيب لما حدث في الماضي، لهذا فالقصيدة عبارة عن وثيقة تاريخية جمحت كل متناقضات المرحلة، التي نعيش في ظلها، في ظل الهجوم التيارات الرجعية المغلفة بما هو ديني، و تؤدي ادوارا جليلة للأنظمة العربية المستفيدة من نهب ثروات المنطقة، على حساب شعوبها، و الامبريالية العالمية التي تطمح بالفعل على بقاء التخلف، و الانحطاط، من اجل تكميل السيطرة و ديمومتها، لهذا يجب ان يتحد الماضي مع الحاضر، لكي يؤثر الماضي في الحاضر، لكن لا يجب الانصهار فيه، و في الزمن العربي المقهور، لم يتعد الزمن بالانفصال فيعيش الماضي في الحاضر بل يتأسس عليه فيفعل الماضي فعله في الحاضر. و يؤثر فيه. فكل شيء له مسبباته، خصوصا التداخل القائم بين الماضي و الحاضر، فهذه السببية هي التي تجعل الصراع قائما بين الانسان و الانسان، و المشكلة الاساسية ان الحاضر يريد ان يستوعب الماضي، ان يبتلعه، لكي يسير بخطاه، فيقع الحاضر في ازماته ، العلية هنا لم تصدق الا في خلق التناقض، و التطاحن الفكري، و الاقتصادي، و المذهبي، فيؤثر على الاجتماعي، من هنا تتداخل الصور ، و تتكاتف، و ذلك بربط العلة بالمعلول، فما نعيشه في الحاضر، يتأتى نتيجة خلط الازمنة ، تدرك الزعري هذا جيدا تدرك ان اخطاء الحاضر ناجمة عن اقتحام اللامعقول للمعقول، أو اقتحام الماضي للحاضر، لهذا على الحاضر ان لا يتكثف بتداعيات الماضي و يسير، ان لا يقع فيه دون تمحيص، و نقد، لا كمساهمة الى الخلف فيسقط فيه، فيتخلف في التخلف ، فتحدث عدم امكانية التقدم ، فينتشر الجهل بالتحديث، و يعوض بما لا يحتمل عقباه ، التطاحن، ثم القتل و التشرد اللامتناهي:
لن أفكر في
أبي مُحَمَّدٍ، وحُبه لنساءٍ أُخريات،
ونساءهُ محنطات بالشمع الأحمر،
ولا بأمي التي تنازلت عن
حقها في اللذة.
ان كان القالب الشعري المشحون باللامساواة، من خلال الفضاءات المؤسسة لخضوع الطرف الأضعف(المرأة) في المجتمع، الى الطرف الأقوى ( الرجل) ، فاللامساواة هي التي ادت بالغريزة ان تتجه للطرف الاقوى، الى درجة المطلق، فالرجل الشرقي جعل من اللامساواة الطريق الأمثل للاستغلال، و القهر الاجتماعيين، هو ما وضحته القصيدة ب"الشمع الاحمر" لكونه يؤمن بتملك المرأة، وفي نفس الوقت التفرد بتملك الغريزة، مثلما يتم تمليك كل الاشياء، لهذا الغرض على الاصل أن يطهر اللامسواة لأنها وضعت في خدمة لذة المجتمع الرجولي.
يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أقرب أصدقاء صلاح السعدني.. شجرة خوخ تطرح على قبر الفنان أبو


.. حورية فرغلي: اخترت تقديم -رابونزل بالمصري- عشان ما تعملتش قب




.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث