الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الماركيز دي ساد و التنوير

مازن كم الماز

2016 / 12 / 3
العلاقات الجنسية والاسرية


يجسد دي ساد بعض أهم خصائص مشروع التنوير : إن فلسفته تمثل في الواقع النتيجة المنطقية للكثير من أفكار التنوير . إنه يكشف مثلا أن الأخلاق مشروطة أو محددة تاريخيا و ثقافيا , أي أنها مجرد أعراف و عادات و تقاليد لمجتمعات محددة في زمان و مكان محددين . أحد تلك العادات الأخلاقية ليس صحيحا أو حقيقيا أكثر من بقية العادات أو التقاليد الأخرى . استخدم دي ساد أدلة و تقنيات الأنثربولوجيا المقارنة بنفس الطريقة التي استخدمها فيها أشخاص جريئون آخرون منذ ستينيات القرن الثامن عشر , ليكشف عدم وجود شيء اسمه عادات عامة و بالتالي عدم وجود شيء اسمه أخلاق أو دين عامين أو شاملين لكل البشرية . ليس هناك إله بالطبع , فقط مبادئ ميكانيكية يمكن اكتشافها أو تفاعلات كيميائية تحدد كل الأفعال و المشاعر , نظرة شاركه فيها كثير من المؤلهة و الربوبيين أيضا . كان دي ساد من أكبر الدعاة إلى الفلسفة الطبيعية , و اعتقد خاصة أن الملاحظة العلمية أكثر دقة من المنطق العاطفي . الطبيعة , كما فهمها , خالية تماما من أي نوايا أو أغراض أخلاقية , تتألف أساسا من تكرار لا غاية له , و ضياع و تدمير . القواعد الطبيعية العالمية الوحيدة هي المصلحة الذاتية و السعي وراء اللذة , تحديدا اللذة الجنسية . الرجال و النساء هم مخلوقات طبيعية بالكامل , كالحيوانات تماما , و يمكن الحكم عليهم ( أو محاكمتهم ) فقط اعتمادا على قواعد الطبيعة . الفعل الوحيد "غير الأخلاقي" هو أن تقاوم طبيعتك . و المعيار الأخلاقي الوحيد هو ذلك الذي أكده بولونيوس في هاملت شكسبير : أن تكون أنت حقيقة , و ألا تكون مزيفا أمام أي إنسان آخر . لهذا كانت ممارساته السادية المازوخية في حياته الفعلية مهمة جدا لفلسفته : هي التي حددت حقيقة "أخلاقه" لأنها تكشف أنه ليس مخادعا , أو محتالا فكريا . كان رسولا ( نبيا ) تفكيكيا ( 1 ) : فقد سعى لفضح نفاق كل الأنظمة الأخلاقية و علاقات القوة أو السلطة الموجودة داخلها , ثم قام بتدميرها أو قلبها ليحرر الفرد كذات حقيقية ( أصيلة ) غريزية , عوضا عن أن يكون موضوعا تحدده الثقافة أو الإيديولوجيا . قضى دي ساد كثيرا من وقته في تفكيك مفهوم "التكاثر" ( الإنجاب ) , و كشف حقيقة أن كل السلوكيات في الطبيعة التي تصنف تحت خانة "التكاثر" تتألف أساسا من أ - أفعالا غير تكاثرية , و ب - أفعال مضادة للتكاثر . مثلا , إن الطبيعة مبذرة جدا في الطريقة التي تتعامل فيها مع بذور الحياة : تموت ملايين النطاف بينما يقوم أحدها فقط بتخصيب البيضة , و يتم إنتاج أعدادا لا حصر لها من تلك البيوض كل شهر فقط ليتم التخلص منها بكل بساطة في نهاية المطاف دون أن تتحول إلى ثمار . الغالبية العظمى من الأفعال الجنسية لا تؤدي إلى الإخصاب و هي كثيرة و متكررة باستمرار بحيث لا يمكن أن يكون هدفها الحقيقي هو الإخصاب . يبدو أن سيلان المفرزات , لا الإخصاب , هو الهدف الحقيقي لما يسمى برغبة "التكاثر" أو الإنجاب . "ينتج المني ليطرح خارج الجسد , مثل أية مفرزات أخرى" ( قصة جولييت - دي ساد ) , أي أن القذف يتنكر في شكل التكاثر في رؤية الرومانسيين ( العاطفيين ) للطبيعة . استخدم دي ساد الملاحظات عن غلبة عدم التكاثر و معاداته في الطبيعة ليحتفي بالتفوق الطبيعي للعادة السرية و الجنس الشرجي ( اللواطة ) على الاتصال الجنسي التقليدي . ثانيا , إن أغلب ما يسمى بفصل التزاوج لا يتألف من التزاوج نفسه , بل من المعارك التي يحاول من خلالها الذكر المهيمن أن يتأكد من أن بقية الذكور لن يحصلوا على فرصة للتكاثر أو الإنجاب . في الحقيقة لا يوجد أي تعاون لضمان بقاء أو حفظ "ال"نوع أو "ال"جنس , بل صراعات بين الفروع و الأسر المختلفة داخل تلك الأنواع , تتقاتل فيم بينها للسيطرة على منطقتها . أكثر من ذلك , لا تكترث الطبيعة حقا ببقاء أي من الأنواع أو الأجناس . من الشائع أن يحاول أحد هذه الأجناس القضاء على جنس آخر ( حتى لو فقط عن طريق التهام كل أفراده ) . و أكثر من هذا , فإن الزلازل , الفيضانات , المجاعات , الحرائق , الأوبئة , شائعة أيضا في الطبيعة , دون أن يكون لها أي "غرض" محدد لكي تحققه . ليست الاستمرارية و المحافظة هي أبرز سمات الطبيعة , بل التغير و التدمير . يدافع دي ساد عن ( أو بالأحرى , يحتفي ) بالسادية - المازوخية بعدة طرق : أولا , نجد في الطبيعة ممارسة الجريمة أكثر بكثير من منعها . الكائنات الطبيعية ( مثل الحيوانات التي لم تلوثها الحضارة ) هي لا مبالية بقسوة تجاه مصير الآخرين , مستغرقة بكل أنانية في ملذاتها الخاصة , و تسعى لممارسة السيطرة الكاملة على الآخرين , و هي تسبب لهم الآلام و تستخدم التخويف و التدمير لتحقق سلطتها تلك , و تسبب الألم للآخرين حتى في سبيل متعتها الخاصة فقط . ( الأشخاص الذين يحملون رؤية عاطفية أو رمانسية عن الطبيعة صعقتهم تماما تلك الفترة من حياة ديفيد أتينبورغ على سطح الأرض التي كشف فيها أن حيتان المينك ترمي صغار الفقمة بعيدا و تقتلها فقط من أجل المتعة ) . ثانيا و ربما الأكثر انتشارا , قال دي ساد ببساطة أن رجالا و نساءا معينين يجدون في داخلهم ( من طبيعتهم ) أنهم – أنهن يحصلون على المتعة من خلال التسبب بالألم الجنسي أو التعرض له . أي أن هذا سلوكا "طبيعيا" بالنسبة لهم , و أنهم محقون في التصرف وفق طبيعتهم : "في كل الأحوال ليس لك أي حق لكي تندهش أو تدينني , لأني أتصرف حسب الطريقة التي صنعتني بها الطبيعة , لأني أسير في الطريق الذي أعدته لي , و لأني عندما أفرض عليك الانضمام إلى عالم شهواتي القاسية و المتوحشة , فإن ذلك لأن وحدها القادرة على أن تقودني إلى أقصى درجات اللذة , إني أتصرف هكذا حسب نفس مبدأ الحساسية المرهفة مثل العاشق ذي العواطف الباردة الذي لا يعرف سوى أزهار العاطفة بينما لا أؤمن أنا إلا بالأشواك , لأني عندما أعذبك , أقطعك إربا , أفعل الشيء الوحيد الذي يمكنه أن يحركني , تماما كما أنه عندما يضاجع عشيقته ( حبيبته ) يفعل ذلك الشيء الذي يحركه , لكنه يملك حساسية مخنثة , لكن ذلك الشيء ليس لي" ( قصة جولييت ) . يقر دي ساد بأن تلك الرغبة هي أشبه "بالهوس" , لكنه هوس طبيعي , و أن الأسس الطبيعية هي الأسس الوحيدة التي يمكن الحكم من خلالها على تلك الرغبات الطبيعية . ثالثا و الأكثر أهمية , أن السادية المازوخية هي تكنيك أو أداة لإعادة الصلة بين الإنسان و الطبيعة . كما أوضح دي ساد ذلك في جولييت , إنها تمثل "صدمة" قوية بما يكفي لإعادة توجيه الإنسان من المسار المزيف للحضارة إلى المسار الأصيل ( الحقيقي ) للطبيعة . ( لو أن دي ساد استخدم تعبيرا تشبيها من السكك الحديدية , لقال أن السادية المازوخية هي الهزة أو الصدمة الكهربائية الذي تنقل العربة من المسار الخاطئ و يضعه على المسار الصحيح ) . الفاسق ( الخليع ) السادي يعرف أكثر اللذات قوة , أشدها , و أكثرها إثارة , من خلال إيقاع الألم بضحيته , و من ثم الرعب . هذه الرغبة "المتوحشة" حرفيا تجرد كل المشاركين من أية إنسانية , سواء من يمارس السلطة المطلقة كما الضحايا الذين يختزلون إلى عجز مطلق , و الذين يمكنهم من خلال ذلك أن يدركوا أنهم مجرد مخلوقات للطبيعة , الأمر الجيد بالنسبة لدي ساد . بكلمات أخرى السادية المازوخية هي أداة للثورة . يمكن استخدام الهرطقة أو الكفر لنحرر أنفسنا من أغلال الدين بنفس الطريقة التي تحررنا بها السادية المازوخية من القيود المعادية للطبيعة . هذا رغم أن الهرطقة لا تحدث من خلال الطبيعة الحيوانية , لكنها تكنيك مبرر و مقبول يستخدمه الفاسقون لإعادة بناء النظام الطبيعي بدلا من النظام المسيحي . إن الهرطقة و السادية المازوخية مرتبطان معا بقوة في عالم دي ساد , و أنا أعتقد أن الطريقة الشفافة التي يستخدم بها دي ساد الهرطقة أو الكفر تساعدنا في رؤية كيف يستخدم السادية المازوخية بنفس الطريقة كأداة سياسية , كوسيلة لهدفه أكثر من أن تكون غاية بحد ذاتها . كأداة للتنوير و التحقق ( الوعي ) الذاتي . لقد قيل , منذ روسو , أن "السعي الجامح و الهوسي نحو السعادة يجعلنا تعساء" . لكن هذا لا ينطبق على حياة دي ساد . لقد قضى دي ساد معظم حياته الناضجة في السجن , مع فرص محدودة للأسف ليسعى وراء سعادته , و أيا تكن المعاناة أو البؤس التي عاشها فإنها ترتبط بعقابه أكثر من هواجسه . لقد قيل من قبل أن البشر بعيدون عن أن يكونوا أحرارا , أنهم مستعبدون , و منحطون و أن شهواتهم تدمرهم . لكن دي ساد كان مستعبدا و دمر في الحقيقة بسبب رد فعل المجتمع على شهواته , ليس بسبب شهواته نفسها . لقد أدين دي ساد لأنه "مستمني" ( ممارس للعادة السرية ) . يدهشني أنه ما يزال من الممكن في القرن الحادي و العشرين القول بأن العادة السرية هي فعل جنسي منحط , أو أنه يمكن اعتبارها تعويضا مريضا أو هوسيا أو أنها الملجأ الأخير . على العكس من خصوم ( منتقدي ) العادة السرية في القرن الثامن عشر و بعدها في القرن التاسع عشر , كان دي ساد من أوائل الذين اعتبروا أن العادة السرية طبيعية تماما , و أنها متعة ذات قيمة في حد ذاتها . أعتقد أن معظم أطباء اليوم قد انتهوا إلى رؤية دي ساد بعيدة النظر التي لا تعتبر العادة السرية مرضية . يزعم الكثيرون أن قراءة الكثير من كتابات دي ساد تبعث على الملل و الخمول , و أنها تستخدم البرونوغرافي ( الأدب الإباحي ) بشكل سيء جدا . لكني لا أعتقد أن هذا يعبر عن كل تجربة قارئي دي ساد . أعتقد أن هذه عبارة مجازية تعود إلى البلادة يستخدمها ذوي العقول المترفعة ليدحضوا قوة البرونوغرافي ( الأدب الإباحي ) . يحتاج معظم مستخدمي البرونوغرافي إلى تكرار صور غير متغيرة , و غالبا محددة و ذات طابع فيتشي ( فيتشية ) . غالبا ما يكون ذوق قارئ البرونوغرافيا يتعلق بالتفاصيل , قد يبدو أن ما يحقق له ( أو لها ) أقصى إشباع مملا أو مضحكا لذوي الأذواق المختلفة . طبعا من المخجل أن نقول علنا أن عمل فاحش ما هو مثير , لذلك فإن الذين يقولون عادة أنه ممل هم الذين ينتصرون . أعتقد أن هذه العبارة المجازية عن الملل تأتي أيضا من التجربة العامة جزئيا عن استخدام برونوغرافي الجنس المحرم , ففي اللحظة التالية للإشباع ( القذف ) , يتبعها شعور بالقرف أو الاشمئزاز الذاتي . لكن التغلب على هذا القرف هو متعة ( سعادة ) الفاسق . إني أجد أعمال دي ساد منعشة فكريا , بتعابير الفلسفة الجنسية – حتى بعد قراءة أعماله الكاملة , و لو بترجمتها إلى الانكليزية , مرتين على الأقل , و قراءة أعماله الأقصر و جوستين أربع إلى خمس مرات . في كل مرة يذبح فيها بقرة مقدسة , ننملكني موجة عارمة من الفرح . أعتقد أن استخدامه لأسلوب سقراط في الحوار رائع , و لا أفهم كيف يعجز القراء عن فهمه أو الإعجاب به . مقاله "حوار بين رجل دين ( قسيس ) و رجل يحتضر" , و بعض كتاباته القصيرة الآخرى ( و بعض المقاطع "غير الفاحشة" من جوستين ) يمكن مناقشتها بالفعل في الفصول الجامعية دون الخوف من تهمة الترويج للبرونوغرافي , و أنا واثق من أنها ستحظى بمناقشات جدية داخل تلك الفصول . بينما يمكن القول أن روسو هو على العكس من ذلك , يحوي الكثير من الهراء . اعتمد كتاب فرانسين دي بليسيكس غراي "في المنزل مع الماركيز دي ساد" كثيرا على الفرويدية . و كذلك كتاب أنجيلا كارتر "المرأة الدي سادية" ( 1979 ) , رغم أنها تقر بأن نظريات فرويد قد تكون "حقائق شعرية" لكنها علم نفس مزيف . لكن كارتر تعتمد أكثر على نظريات يونغ ( تلميذ فرويد - المترجم ) ( الأكثر مناسبة لدي ساد بما أنه يتعامل مع الثقافة أكثر من العائلة ) . إن مقال كارتر الموسع هو في المجمل نقد راقي و توضيحي لأدب دي ساد الإباحي و فلسفته , خاصة فيما يتعلق بالتحرر الجنسي للنساء . قصة كارتر تجسد المخيلة السادية المازوخية ( و قد قرأت أعمالها الكاملة أيضا ) , لذلك غالبا ما يكون تحليلها الاحتفالي لدي ساد ممتعا , خاصة لأنه يأتي من نفس المدرسة . من المثير أيضا أن دي ساد كان أيضا ناقدا أدبيا في بعض الأحيان , و كان قد تعرف على الأدب الانكليزي المعاصر له الذي كان قريبا من فلسفته . قرأ دي ساد خاصة ريتشاردسون , و لو فقط من ترجمة بيرفوست , و امتدحه كثيرا . و قرأ أيضا فيلدينغ , و "الراهب" للويس , و أسرار أودولفو لرادكليف , و واحدة أو اثنتين من رواياتها الأخرى ( مترجمة إلى الفرنسية ) . تقييم دي ساد للتقليد التاريخي للرواية و نصائحه لروائيي المستقبل : الفكرة الأساسية للرواية ( 1800 ) يستحق القراءة . تحليل دي ساد لريتشاردسون خاصة مثير و هدام عادة : "إن ريتشاردسون و فيلدينغ هما اللذان علمانا أن دراسة قلب الإنسان فقط , تلك المتاهة الحقيقية للطبيعة , يمكنها أن تحفز كاتب الرواية , الذي يجب أن يجعلنا عمله نرى الإنسان ليس فقط كما هو أو ما يكشف هو عن نفسه ( إن هذه مهمة المؤرخ ) , بل لما قد يصبح أو ما قد يصبح تحت تأثير الرذيلة و ضربات الرغبة . لذلك من الضروري أن نعرفها جميعا و أن نستخدمها جميعا إذا رغبنا بأن نعمل في هذا المجال . تعلمنا أيضا أن المصلحة لا تتحقق دائما بجعل الفضيلة تنتصر , أنه من الضروري أن نبقى نسير باتجاهها طالما كان ذلك ممكنا , لكن تلك القاعدة لا توجد لا في الطبيعة و لا عند أرسطو , لكن مع أنها القاعدة الوحيدة التي نرغب أن يخضع لها كل البشر في سبيل سعادتهم , فإنها ليست ضرورية بأي حال من الأحوال في الرواية , و لا يجب حتى أن تتغلب على المصلحة . لأنه عندما تنتصر الفضائل , و تكون الأشياء "كما يجب أن تكون" , فإن دموعنا ستجف قبل أن تهرق , لكن إذا شاهدنا أنه بعد آلام شديدة القسوة , كيف تسحق الرذيلة الفضيلة في النهاية , فإن أرواحنا لن تجد عندها مفرا من الشعور بالفظاعة أو الذعر , و تكون عندها تلك الرواية التي حركت أعماقنا بقوة , قد أغرقت قلوبنا في الدماء , كما قال ديدرو , ستتحقق عندها الفائدة , الشيء الوحيد الذي يضمن الشهرة . لنطرح هذا السؤال : لو أن ريتشاردسون الخالد أنهى الرواية بعد 12 أو 15 فصلا بشكل أخلاقي ( قائم على الفضيلة ) بأن يغير لوفيلاس و يجعله يتزوج كلاريسا بكل بهدوء , هل كنا سنذرف الدموع السخية التي تصدر فقط عن المخلوقات مرهفة الحس ؟ إنها الطبيعة التي يجب أن نتعامل معها و نحن نعمل هنا , قلب الإنسان , أقوى أعماله , لا الفضيلة أبدا , لأن الفضيلة , مهما بدت جميلة و ضرورية , ليست إلا واحدا من تلك الأمزجة المتعددة لذلك القلب المدهش , التي تكون دراستها العميقة ضرورية لكاتب الرواية ( الروائي ) , و التي يجب على كل تطور في الرواية , تلك المرآة الصادقة لذلك القلب , أن تسجلها" . لقد وصمت روايات دي ساد بأنها مجرد "كراهية قاسية للنساء" , لكني أعتقد أن موقفه من النساء أكثر تعقيدا من ذلك . لقد كان تدمير( قلب ) دي ساد للقيم الأخلاقية التقليدية قويا جدا ( متطرفا جدا ) بحيث أن تعبير "كراهية المرأة" أصبح بلا معنى في هذا السياق . لكن بغض النظر عن هذا , كان دي ساد نسويا بطريقة ما , طريقة حقيقية جدا , رغم أن نسويته شديدة التطرف , تدعو إلى أكثر من مجرد إحراق حمالات الأثداء . عرف دي ساد أن النساء كن سجينات في فكرة المرأة نفسها , و أن الخاصية المركزية في هذه الفكرة هو تعريف المرأة بقدرتها البيولوجية على الإنجاب . قال دي ساد صراحة أن المرأة الجديدة يمكن أن تتحرر فقط إذا رفضت بالكامل فكرة أن التكاثر ( الإنجاب ) ضروري في طبيعتها , إذا رفضت فكرة أنها توجد فقط كتابع للرجل , بتأكيد أنها ذات جنسية ( لا موضوعا جنسيا ) يمكنها أن تتمتع بالجنس لمتعتها الخاصة فقط . يقر دعاة النسوية منذ القرن الثامن عشر أن العائق الأساسي أمام حرية المرأة هي فكرة أو صنع المرأة كزوجة و أم و طفلة – الذي يختزل المرأة في مبدأ التكاثر أو الإنجاب البيولوجي . أراد دي ساد تحرير النساء بإزالة الهالة المحيطة بهذه الفكرة عنهن كنساء . لذلك تقوم إيوجيني في "الفلسفة في غرفة النوم" باغتصاب أمها بقضيب اصطناعي كبير , و تحاول أن تعديها بمرض السفلس ( الإفرنجي 2 ) , ثم تخيط فرجها ( فتحتها التناسلية ) أمها بإبرة و خيط . هذه ليست خيالات جنسية شخصية لشخص كاره للمرأة , بل سلسلة من الصور التي تستخدم بشكل منهجي لتدعم رؤية أو فكرة التحرر الفردي و الجنسي . إليك بعض الأفكار من تحليل أنجيلا كارتر لفكرة الرواية هذه ( من مقالها المرأة الدي سادية ) : "على إيوجيني أن تقضي على جنسانية أمها قبل أن تصبح حرة .. إن أيوجيني , على عكس أوديب , تتصرف و هي تعلم أنها ترتكب جريمة . إن جريمتها هي نتيجة لبحثها عن المعرفة . إنها تضاجع أمها بدافع الانتقام و تجد نفسها بالتالي في وضع أوديب أنثوي لكنها لا تصاب بالعمى , لقد أبصرت النور ... أساس الحكاية هو علاقتها بأمها و انتصارها الأخير المتناقض على مبدأ الأنوثة كما يتجسد في وظيفة الإنجاب ... لذلك فإن العداوة الجنسية هي علاقة حتمية بين الأم و الابنة , طالما اعتبرت الأم أن الجنسانية تتطابق مع الإنجاب و أنه بالتالي فعل مقدس تشارك فيه فقط الأم المقدسة نفسها ... ( إن الأم في روايات دي ساد ) هي مدفن ( قبر ) الجنسانية الإنجابية . لذلك فإنها تجسد بنفسها قمع اللذة الجنسية ... الأم نفسها هي النفي المجسد لفكرة اللذة الجنسية بما أن جنسانيتها توجد فقط في خدمة وظيفة الإنجاب فقط ... الانتقام , الاعتداء , المجد ! تدير إينجيني مؤخرتها لأمها و تطلب منها أن تقبلها . إن حصولها على استقلالها يشترط تحطيم كل تابو قد تخشاه ... إن نفي الفتنة المفلسة للرحم يعني التخلص من القسم الأكبر من السحر المخادع في فكرة المرأة , لتكشف عن المرأة كما هي , ككائنات من لحم و دم , تنحرف أفكارها عن الضرورة البيولوجية لتجبرها على التخلي عن , ربما بشيء من الندم أو بشيء من الراحة , عن الكهنوت المزيف أو المخادع لوظيفة الإنجاب المقدسة" . يمكننا بالطبع أن نختلف مع تحليل كارتر لكنها على الأقل أحد النسويات اللواتي اعتقدن أنه من الخطأ تفسير دي ساد على أنه يكره أو يخاف جنسانية المرأة : إنها فقط جنسانية المرأة المصطنعة كامرأة هي ما يكرهه دي ساد . في هذه السنة ( 2014 ) تمر ذكرى مرور قرنين على موت دي ساد في 2 ديسمبر كانون الأول 1814 , إنه الوقت المناسب , ليس فقط لنحتفل بسقوط آخر معقل للنظام القديم ( كما كان النظام الملكي قبل ثورة 1789 يسمى ) , بل أيضا لنتذكر الكلمات الخالدة لآخر السجناء السياسيين في الباستيل , الماركيز دي ساد ( 3 ) : "انهضوا و أعيدوا رسم الحدود بين الخطاب المهيمن و بين الآخر , اهدموا , أيها الرفاق , اهدموا !" .

( 1 ) التفكيكية نظرة نقدية طورها دريدا عن العلاقة بين النص و المعنى
( 2 ) السفلس أو الإفرنجي مرض منتقل جنسيا , سماه العرب بالإفرنجي , كتعبير عن الهوموفوبيا , التي تشيطن الآخر و تقدس الذات
( 3 ) قبل مهاجمة الجماهير الباريسية للباستيل كان دي ساد يصرخ من نوافذه قائلا للناس أن الحراس يقتلون السجناء في الباستيل و كان يلقي بقصاصات يردد فيها ذلك , لكن عندما اقتحم الباريسيون الباستيل لم يكن دي ساد داخله , كان قد نقل إلى سجن آخر

نقلا عن
http://rictornorton.co.uk/though21.htm








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حملة في المغرب لدعم ناشطات حقوقيات يدافعن عن تعديل قوانين مد


.. تشييع جنازة امرأة وطفلة عمرها 10 سنوات في جنوب لبنان بعد مقت




.. د. جمال فرويز استشاري الطب النفسي:فيه أولاد عندها حرمان عاطف


.. إيران توسع حملات الاضطهاد ضد النساء والفتيات




.. د. جمال فرويز استشاري الطب النفسي: في بنات بتنتحر وأولاد بته