الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإمارات والكفيل والعودة للوطن-مقطتفات من السيرة الذاتية

عبدالجواد سيد
كاتب مصرى

(Abdelgawad Sayed)

2016 / 12 / 4
الادب والفن


الإمارات والكفيل والعودة للوطن - مقتطفات من السيرة الذاتية

بقى لى قصة أخيرة مع السعودية، قبل أن أغادر إندونيسيا للعمل فى الإمارات سنة 1989، هى قصة مشروع التأمين على العمالة الإندونيسية فى السعودية، والذى كنت شاهداً عليه من بدايته حتى نهايته المأساوية. كانت مشاكل العمالة الإندونيسية فى السعودية هى حديث الساعة فى إندونيسيا فى الثمانينات ، فلم يكن من الممكن الإستغناء عن هذا الباب الواسع للرزق لفائض العمالة الكبير، خاصة من عديمى المهارات ، ولاكان يمكن فى نفس الوقت معالجة المشاكل التى يواجهونها هناك بسبب غياب قوانين حماية العمال الأجانب، وقد فتح هذا باب الإجتهاد الجاد لمعالجة هذه المشاكل ، وفتح أيضاً باب المغامرات ، ومنها مغامرة التأمين التى قادها صاحب مكتب إستقدام من جدة إسمه عبدالعزيز طيبة، مع شركة تأمين سعودية إسمها شركة السليمان ومديرها اللبنانى جابى سوريكاتى ، وعبدالملك صاحب شركة ألماس للعمالة فى إندونيسيا ، وصديقه عضو البرلمان السابق منصور سنكالا ، وقد قرر هذا الفريق الرباعى المغامر قطف هذه الثمرة الثمينة تحت شعار حماية العامل الإندونيسى المسكين ، ونجحوا بالفعل فى الوصول إلى وزير العمل الإندونيسى كوزموس باتوبارا ، ووقعوا معه عقد تأمين حصرى لشركة السليمان ، والذى بمقتضاه يفرض على شركات العمالة الإندونيسية عشرة دولارات تأمين عن كل عامل مغادر إلى السعودية لصالح شركة السليمان ، مقابل التأمين على إصابات العمل والحوادث وحالات الوفاة، صفقة بالملايين ، فقد كان عدد العمال الإندونيسين المغادرين إلى السعودية سنوياً يقدر بالملايين ، ولكن وبصرف النظر عن نصيب المغامرين الأربعة منها ، فلم يكن بها مايضير ، فقد كانت فى النهاية فى صالح العامل الإندونيسى ، الذى لم يكن يتمتع فى ذلك الزمن سوى بتأمين حكومى بسيط ، كما كانت ، وبالمصادفة الغريبة ، فى صالحى أنا أيضا ، حيث قرر جابى سوريكاتى ، تعيينى موظفاً فى مكتب التأمين فى جاكرتا مع الموظفين الإندونيسيين ، بدلاً من إرسال موظف جديد من السعودية ، وهكذا تبدلت أحوالى فى غمضة عين ، فبدلاً من الراتب الإندونيسى البسيط ، أصبح لى راتب سعودى ثمين ، وبدلاً من إرسال العمالة للمجهول ، أصبحت أساهم فى التأمين عليها ، وكأننا فى حلم ، فسرعان ماصدرت بوليصة التأمين، وأقيم إحتفال كبير فى أحد الفنادق الكبرى فى جاكرتا ، بهذه المناسبة العمالية السعيدة ، حضره وزير العمل الإندونيسى والسفير السعودى ومديرى شركات العمالة وحشد إعلامى كبير، ووفرت لنا وزارة العمل مكتباً مجانياً لتحصيل أقساط التأمين ، ولم يبق سوى التنفيذ ، ولكن وفى خضم هذه العجلة كان هناك شئ ناقص ، لم يلاحظه أحد ، حتى السفارة السعودية فى جاكرتا ، وهو موافقة وزارة العمل السعودية على هذا المشروع ، وفى اللحظة الأخيرة ، أرسلت وزارة العمل الإندونيسية وفداً إلى السعودية للحصول على موافقتها على المشروع ، أو على الأقل لضمان عدم ممانعتها له ، وعشنا على نار فى إنتظار الوفد الذى عاد أخيراً بخفى حنين ، فقد رفضت وزارة العمل السعودية المشروع على أساس أنه مخالف للشريعة الإسلامية؟
كانت تلك الصدمة القاسية هى آخر علاقة لى بالسعودية ، وبعد أشهر قليلة غادرت إندونيسيا للعمل فى مكتب توظيف فى الإمارات. كان جمال الإمارات وحريتها الإجتماعية مفاجأة كبيرة ، عوضت سنوات الغربة وتقلب الأحوال ، ولم تعد الإقامة فيها مجرد رحلة العمل ، كما هو الحال فى معظم دول الخليج ، بل أيضاً إستمتاعاً بالحياة ، وإحساس بدفء الوطن القريب ، وكان من الطبيعى أن يكون النجاح فى إنتظارى هناك ، فلم تكن الإمارات قد عرفت بعد إستقدام العمالة الإندونيسية ، وكان من الطبيعى أن أجد نفسى خبيراً فى هذا المجال حتى بدون قصد ، وهكذا وفى حدود حوالى ثلاث سنوات من وصولى هناك ، وبالتحديد سنة 1993 بدأ معظم أهالى أبوظبى يقبلون على إستقدام خدم المنازل وبعض العمال الإندونيسيين بشكل كبير، وكان من الطبيعى أن يكون مكتب التمنى ، الذى كنت شريكاً فيه ، هو صاحب النصيب الأكبر من هذه الثروة المفاجئة ، وكما هى العادة فى الحياة ، الثروة تتبعها ثروات ، وهكذا أسسنا أنا وزوجتى شركة فى إندونيساً أيضاَ ، وأصبحت أرباحنا من هنا وهناك ، وكما جلب المال المال ، فقد جلب أيضاً الحرية ، وأصبح هناك فائض وقت يمكننى أن أفعل به ماشئت ، فأصبح فى إمكانى السفر بحرية بين الإمارات ومصر وإندونيسيا ، فى أى وقت ومتى شئت ، وأن أقرأ مرة أخرى، وأن اسأل نفسى للمرة الأولى منذ غادرت مصر، ماذا أريد ؟، وهكذا كان إختيارى بالعودة إلى مصر سنة 2000 والحصول على دبلوم الدراسات العليا فى الترجمة الإنجليزية ، من نفس كلية الآداب التى حصلت منها على ليسانس التاريخ قبل أكثر من عشرين عاماً ، لم يكن إختيارى مزيد من العمالة أو مزيد من المال ، كان إختياراً غريباً بعد كل هذه السنين الطويلة التى قضيتها بحثاً عن لقمة العيش بأى طريق وأى وسيلة ، ربما كان إختياراً بالعودة إلى الذات ، وبالمصالحة مع الحياة ، كانت النية هى تغيير المسيرة أو ماأمكن منها على الأقل ، من خلال تأسيس مكتب ترجمة بجانب مكتب الخدمات ، الذى لاغنى عنه لأسرتى فى إندونيسيا ، بحيث تستمر حياتنا جميعاً ، كان قراراً حكيماً ، تكون لاشعورياً ، ولكن تأتى الرياح بما لاتشتهى السفن ، فبعدما إنتهيت من الدراسة وحصلت على الدبلوم ، كان العالم حولنا قد تغير تغيراً كبيراً ، لم يكن أبداً فى الحسبان.
بدأت العمالة الإندونيسية تنضب ، وبدأ الباقى منها يتحول فى إتجاه آسيا الصاعدة ، كما بدأت إندونيسيا الجديدة بعد سوهارتو، تحطم القيد الخليجى ، وترفض أن تكون بلداً مصدراً للخادمات ، وهكذا تجمعت فجأة سحب كثيفة ، أزاحت عصراً ، وفتحت الأبواب لعصر جديد ، وبدا إفلاس شركات العمالة الإندونيسية ، بإستثناء من تخصص منها فى أسواق آسيا، أمراً محتوماً ، وهكذا إنهمكنا جميعاً فى مقاومة ذلك المصير ، ونسينا أهدافنا الأخرى ، وكان تخفيض النفقات هو الخطوة الطبيعية الأولى ، فلا سفر بعد اليوم ولاهوايات ، ولاترخيص خاص للإقامة على كفالته بحرية ، ولا مشاركة فى دفع أى إيجارات ، وهكذا قررت البحث عن عمل وعن كفيل ، كأى وافد جديد ، وهكذا إلتقيت بعلى حسن الحوسنى ، صاحب مؤسسة المدينة للخدمات بأبوظبى سنة 2005 ونقلت كفالتى إلى مكتبه الجديد فى دبى الذى أطلق عليه إسم مكتب النخبة للخدمات ، وفى خلال عام واحد كنت أنا وحقائبى فى المطار ، فبعد أن أنتهيت من تأسيس المكتب وأخذ يتحرك إلى الأمام قليلاً، قرر الحوسنى تغيير الإتفاق ، لاسفر بحرية إلى أندونيسيا لمتابعة ظروف مكتبى هناك كما كان الإتفاق ، بل أجازة سنوية واحدة كأى موظف عادى ، ولامكافآت على النشاط ، كما كان الإتفاق ، بل مجرد الراتب الشهرى الرمزى ، كأى موظف مبتدئ ، وعندما إعترضت على ذلك الغدر، وطالبت بالسماح بالبحث عن كفيل آخر ، وجدت نفسى مشحوناً مع حقائبى فى أحد الطائرات ، عائداً إلى إندونيسيا عوداُ أبدياً ، بعد سبعة عشر عاماً قضيتها فى الإمارات ، لم أستطع خلالها أن أحصل حتى على حق نقل الكفالة ، وخرجت منها خاوى الوفاض ، كما دخلتها خاوى الوفاض ، وفى خلال أشهر قليلة أفلست شركتى فى إندونيسيا أيضاً ، نتيجة لغياب الدعم الكبير الذى كان يمثله لها وجودى فى الإمارات ، وهكذا عدت إلى الوطن سنة 2007 ، لاأحمل من هذه الرحلة الطويلة سوى دبلوم الترجمة الذى حصلت عليه مصادفة فى آخر سنوات الرخاء ، وعليه إعتمدت وبه بدأت من جديد. المال قد يضيع ، العلم لايضيع أبداً ، اللعنة على الكفيل ، وعلى كل عصر النفط.
سلام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أحمد فهمي يروج لفيلم -عصـ ابة المكس- بفيديو كوميدي مع أوس أو


.. كل يوم - حوار خاص مع الفنانة -دينا فؤاد- مع خالد أبو بكر بعد




.. بسبب طوله اترفض?? موقف كوميدي من أحمد عبد الوهاب????


.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: كان نفسي أقدم دور




.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: -الحشاشين- من أعظم