الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جدلية الانسان و الدين .. المسلم أهم من الاسلام

مصطفى العمري
(Mustafa Alaumari)

2016 / 12 / 9
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


جدلية الانسان و الدين .. المسلم أهم من الاسلام


قبل الخوض في هذا الموضوع , دعني أسألك أيها القارئ العزيز : أيهما أفضل و أقدس المسلم أم الاسلام ؟ و قبل أن تسترسل بالقراءة يجب ان تحدد جوابك و بوصلتك .

صعّرَ بعض المتشددين الاسلاميين من لهجتهم ( الاسلام هو الحل ) حتى غدا هذا الشعار سيمفونية تتردد على شفاه البسطاء دون التمعن بحيثياته و مضمونه , هكذا تُمرر قضايا و مشاريع كبيرة من خلال عناوين واسماء كبيرة ايضاً . هتفت معظم الشعوب العربية و الاسلامية بهتافات ببغاوية دون اي اكتراث او مراجعة لماهية هذا او ذلك الشعار , فبالوقت الذي يصرخ فيه أنصار سيد قطب (الاسلام يقود الحياة) يرتد عليهم صدى الاسلام العراقي المتأثر بثقافة الاخوان المسلمين ( الاسلام من طنجا الى جاكرتا ) بالوقت ذاته ينفعل الاسلام السعودي و يتفاعل و يُفعّل حركته التوسعية في البلدان العربية و الاجنبية , حاملاً سيفاً و قنبلةً و رايةً كتب عليها بثقة عالية ( لا إله إلا الله ) تحت تلك الراية سقطت رؤوس بني البشر غير المؤمنين بهذه الدعوة . في ايران تتمدد سلطة الولي الفقيه لتغزو بلداناً و تحتلها بذريعة الإله او التبشير الاسلامي , ولا مانع من سيلان الدماء تحت يافطة كتب عليها ( الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا .. العنكبوت اية 69) .

أطنب المجتمع العربي بإيمانه بالشعارات و الصور و الايماءات الاتية له من بعض رجال الدين, حتى فقد ميزة التفكير من كثرة الاحباطات و التوصيات الاجتماعية و الدينة , و لهذا السبب بات لم يعبأ بالاخر الذي لا يشاركه فكرته او بالخصم الذي يتبنى الفكرة المغايرة له. فقدت أغلبية المجتمعات العربية,المجس الانساني او الشعور بالمختلف , و تمسكت بالفارغ من الاسم فقط .

معظم مجتمعاتنا الاسلامية ترى ان الاسلام أهم من الانسان ! و هذا التفكير قاد حشد من المتطرفين الى قتل الانسان الذي لا يؤمن بما يؤمنون به هؤلاء المتطرفين , قُتِل الانسان لأنه يسأل و يكتب و يشكك و يبحث, قُتل الانسان لأنه أساء لرمز او لأنه تهكم على فكرة او لأنه يعتبر الحقائق غير مكتملة المعالم و الدلائل . مشروع قتل الانسان لا يحرك بالمبرمجين شيئاً لكن الاعتراض او التشكيك على فكرة إبتدعها الانسان و اختلقها و حولها الى دين باسم الدين ,بالتأكيد سيثور لها كل الدهماء و المعطوبين فكرياً .

أنظروا معي الى المساحة الجغرافية للوطن العربي , ستجدون الدمار و القتل و التفجيرات و الرايات السوداء و الرؤوس المتدحرجة و الجحافل المتحركة و الجثث الملقية على الطرقات , كل هذا المنظر لم يحرك بالواقع العام للشعوب العربية , ولم نسمع ان ثورة قامت ضد الثورة ,لأن اغلبية المسلمين يعتقدون ان الدين الذي هو نصوص منقولة عبر وسائل غير أمينة, أهم من المسلم و أقدس من الانسان في هذه الحالة يتحول العقل من الحركية النشطة الى عضو خانع خلف النص الديني الجامد , عندها ينتكس هذا الخانع لكي يرى ان الاخبار المنقولة بصفحات الكتب القديمة , أهم و أقدس من جميع بني البشر . لم ينتبه المسلمون ان الاديان تأتي من أجل الانسان و في خدمته و لرقيه و صفاء نفسه و ليس العكس كأن تأتي للقتل و التحريض و الألغاء و سيلان الدماء بذريعة الحفظ على الدين !

رقدت معظم مجتمعاتنا على وهمية الشعارات و قدسية النص و نامت دون إكتراث بما هو عليه العالم . الناس نيام ينتبهون عندما يقوم شاذ هولندي برسم كاريكاتير للنبي محمد , فيهبون و يحرقون و يقتلون . ينتبهون عندما يقوم طالب شهرة متسكع فارغ من فلوريدا, بحرق القرآن الكريم , فتخرج المظاهرات في جميع البلدان العربية .

نيام عندما تقوم داعش بقتل آلاف من الشباب , ينتبهون عندما يسحق احدهم راية داعش التي كتب عليها اسم الله . نيام عندما تغتصب النساء باسم الاسلام , ينتبهون عندما لا يعرف أحدهم الغُسل الاسلامي بعد الاغتصاب . نيام عندما تُنحر الشباب و الاطفال , ينتبهون عندما يسمعون همس إمرأة .

ليس المهم الاسلام , دعني أُكررها , ليس المهم الاسلام , بل المهم المسلمون نوعيتهم , صدقهم , انسانيتهم ,تعاملهم مع الناس , اريحية عقولهم .

الذي اريد قوله هنا ان الانسان أهم من الاديان و أهم من المعابد و المساجد , الانسان هو ثروة الله في الارض وكل المفاهيم الكونية جاءت في خدمة الانسان .

وفي جدلية الدين و الانسان التي ستستفز عقل البعض , يمكن ان نطرح اسئلة مهمة في أيهما أولى بالحفظ و الاهتمام .

و إذا ما اعترض معترض بان الاسلام أهم من الانسان , فسنقول له عن أي اسلام تتحدث , السني , الشيعي , الاباظي , السلفي , الصوفي؟ ثم حتى داخل تلك المسميات هناك طرق و تعبدات مختلفة , اذا كنت تدافع عن الاسلام السني فهل تعتبر الاسلام الشيعي اسلاماً ؟ و نستطيع ان نسأل كل هذه الفرق نفس السؤال .

أيها القارئ الكريم , هذه الفرق المتشظية, فيها نسبة من الاسلام الاصلي و ليست هي كل الاسلام , أما أنت فإنسان مسلم و لا يمكن المساس بهويتك الانسانية , التي هي أكبر و أعظم من الهوية الرمزية التي إختلقها لك بعض المستفيدين و المحاولين تعطيل القدر الاكبر من خلاياك العقلية , لكي يوهموك ان الله سيعذبك و يحرقك و يشوي لحمك في حال فكرت او تساءلت في أيٍّ من قضايا العقيدة.

في كتابه الدين و الظمأ الانطلوجي يقول الدكتور عبدالجبار الرفاعي ( ليست المهمة الاصلية للاديان رسم صورة مرعبة لرب العالمين و تحويل الدنيا و الاخرة الى سجون أبدية و وضع الكائن البشري في قلق متواصل و زرع الخوف في قلب الانسان ص150)

عندما يشخص الطبيب مرضاً يجده في المريض لا يعتبر ذلك الطبيب متجاوزاً او محبطاً ، يمكن ان نصفه عارفاً مدركاً مشخصاً ، حتى ولو لم يصف الدواء لكنه تمكن من اكتشاف الخلل , هنا استطيع ان أقول انني أهتم بالمسلم أكثر من الاسلام و بالانسان أكثر من الاديان ,لا ادعو للتقارب بين الاديان و الطوائف لكني ادعو ارباب الدين لكي يشذبوا أديانهم و يرفعوا منها و عنها المصدوء و الرديء و السام القاتل.
انا ادعو الانسان ان يحرك عقله الخاص و لا يستعيض بعقل غيره ، يفكر هو بدل ان يُفكر عنه ، يدرس حركته التعبدية بدل الاتكاء على الآخرين.
عندما نفكر باستقلالية فتأكدوا اننا سنلتقي بدون مؤتمرات و نحب بدون تكلف .
عندما يشتغل العقل سيتمرد على السراب و سيسحق الوهم
و ستكون الواقعية هي الأصل بدون حواجز التاريخ و سيكون الانسان هو المهم و سينتعش التدين بتفعيل العقل مع الدين . و كما يقول الامام مالك إستحسان الناس للاشياء هي الدين .
اذن كفانا صراخاً الاسلام يقود الحياة ! الاسلام هو الحل ! و اتركوا المسلم يتحرك بعقل منطلق غير مقيد او مؤدلج .
يجب ان تكون المرحلة المقبلة هي : المسلم و مشروع النهضة , لأن الاسلام أضحى نصوص تتعارك عليها الملل و الطوائف أيهما الاصدق و الاكثر جرحاً و تعديلاً و توثيقاً و الحمدُ لله الجميع يدعي ذلك. الاسلام اصبح إسلامات و قراءات متعددة و رؤى مختلف عليها و قضايا نُحر بسببها طوابير من البشر , الاسلام متعدد لكن الانسان واحد , الاسلام نص جامد لكن المسلم كائن متحرك , نصوص الاسلام قديمة لكن عقل المسلم حداثوي يتطلع نحو المستقبل.
تمكين النص من العقل توهين و إهانة للانسان وها نحن نشهد على تاريخ يمضي به اصحاب النص بقوة للايغال في طمس اي انبثاق فكري او علمي . اذن المسلم أهم من الاسلام .










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تأبين قتلى -وورلد سنترال كيتشن- في كاتدرائية واشنطن


.. تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!




.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي


.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي




.. كاتدرائية واشنطن تكرم عمال الإغاثة السبعة القتلى من منظمة ال