الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جريمة الكاتدرائية المصرية

سمير الحمادي

2016 / 12 / 12
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


عن انفجار الكاتدرائية في القاهرة صباح اليوم (11 / 12 / 2016):

أنا مسلم، ولا يوجد حرف واحد في عقيدتي يبرر أو يفسر ما حدث خارج دائرة الإدانة المطلقة، أقول هذا بثقة كاملة، وعن معرفة وفهم. ومع ذلك، أجدني للمرة المليون متهماً بجريمة لم أرتكبها، وعلي أن أدافع عن نفسي وعن ديني، وأدخل في سجالات بيزنطية عن علاقة الإسلام بالتطرف والعنف لا تنتهي إلى نتيجة: فلا أحد يقتنع.

لماذا كل هذا؟ لأن حفنة من الأوغاد أو الحمقى المتشددين (إما تحركهم المصالح أو الأوهام)، ليس بيني وبينهم سابق معرفة أو صلة، قرروا، لأسباب تخصهم وحدهم، اقتراف جريمة شنيعة أنا نفسي، لا أعلن رفضي لها فقط، بل أشعر بالتقزز والغثيان لمجرد التفكير فيها، فإذاً: السيئة يجب أن تعم، كل المسلمين يجب أن يقفوا بالطوابير في دائرة الاشتباه، ولا أبرياء في الحكاية.

أخطر معضلة واجهت الإنسان منذ بدء التاريخ هي الأيديولوجيات التي تستلهم الدين: إقحام الأديان في صراعات سياسية وسلطوية مركبة ومعقدة، على نحو يوحي بأنها موجهة لها، خطر كبير جداً، يدفع ثمنه الجميع، والتاريخ مليء بالتجارب والمآسي في هذا السياق.

في حالة الإسلام المسألة أكثر تعقيداً، وقد تمت دراسة هذا الجانب كثيراً، على يد مسلمين، وصدرت مئات الكتب والأبحاث (وهي صادمة جداً)، التي حفرت في الموضوع بطريقة عنيفة وقاسية، ووضعت يدها على أصل الداء بشجاعة ووضوح، وبلا مواربة.

وللعلم فقط: ثمة ثلاثة أنساق أساسية هيمنت على بنية الحالة الإسلامية على مدار التاريخ: نسق الإسلام السلطوي، نسق الإسلام الاحتجاجي، ونسق الإسلام الانسحابي.

تاريخياً، ظهرت انقسامات الإسلام الكبرى عقب وفاة النبي محمد (ص)، وتحديداً خلال السنوات الأخيرة من العهد الراشدي (ما يعرف في التاريخ الإسلامي بالفتنة الكبرى، وهذا المصطلح: الفتنة، هو الأساس الذي بني عليه كل الفقه الإسلامي: كله، وهو الذي يفسر التاريخ الإسلامي من أوله إلى الآن)، وهي الفترة التي شهدت أزمات وانقلابات عنيفة في السياسة والدين والمجتمع، غيرت كل شيء في البنية الذهنية والنفسية الإسلامية.

بيد أن هذه الانقسامات لم تتجذر، ويجري التنظير لها وتقعيدها بشكل واضح ونهائي، إلا في العصرين الأموي والعباسي (والعباسي تحديداً)، ومع اشتداد المنافسة والصراع بين هذه الإسلامات، أتيح لكل نسق أن ينبني، وأن يتراكم، وأن يطور مسلماته الفقهية وأدواته الأيديولوجية.

داخل هذه الأنساق، تتحرك الوحدات الإسلامية الحالية، وتنزلق في اتجاهات مختلفة، لكنها كلها تتصارع على حلبة الإسلام، وفي الوقت نفسه، تتشابك مع بعضها على نحو بالغ التعقيد (أي أنها تتصارع وترتبط مع بعضها في آن واحد بخيوط وثيقة، لكنها غير مرئية من الخارج):

هناك الإسلام الرسمي الذي يجسد النسق السلطوي (إسلام الدولة والأزهر في مصر مثلاً)

والإسلام الصوفي (الطرق والزوايا) الذي يجسد النسق الانسحابي

والإسلام السياسي الذي يجسد النسق الاحتجاجي (إسلام الإخوان المسلمين، وهو نسق من الممكن أن ينزلق إلى العنف في حالات معينة: كما فعل التيار القطبي في الستينات).

أما المروحة السلفية، وهي الأهم والأخطر والأكثر تأثيراً اليوم، فتتوزعها سرديات إسلامية متعددة (تقليدية وحركية وجهادية)، كلٌّ منها يجسد أو يتقاطع مع واحد من الأنساق المذكورة.

فالسلفية التقليدية تجسد نسق الإسلام السلطوي (عبر الإعلاء من مفهوم الطاعة أو الامتثالية السياسية)

والسلفية الحركية تجسد نسق الإسلام الاحتجاجي (وهي الأقرب لفكر الإخوان)

أما السلفية الجهادية، التي تضرب اليوم في العالم كله، فهي تجسد نسق الإسلام الاحتجاجي العنفي (عبر تفعيل وتكييف قراءات تراثية خاصة لمفاهيم الطاغوت والحاكمية والولاء والبراء والتكفير والجهاد أُنتِجت في بيئات وسياقات صراعية كما هو الحال مع الإرث الفقهي لابن تيمية)، وقد تعرضت بدورها لشرخ خطير في العام 2013 على خلفية الثورة السورية، وانقسمت إلى جناحين:

الجناح الخراساني الذي يتزعمه تنظيم القاعدة في أفغانستان

والجناح العراقي الذي يقوده تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في العراق وسوريا

والاثنان يكفران بعضهما ويقتتلان بلا هوادة أو رحمة، في سوريا وليبيا وجبهات أخرى، وقد سقط بينهم مئات القتلى، بل إنهم صاروا يقتلون بعضهم أكثر مما يفعلون مع خصومهم.

بعيداً عن كل هذه التفاصيل، ما هو الحل المناسب للخروج من هذا المأزق الحضاري والإنساني الذي يواجهه الإسلام والمسلمون اليوم؟ إنه، بلا فلسفة، في وضع اليد على الجرح: أي التراث الفقهي الإسلامي المسئول عن كل هذا العنف والقتل والدم، وليس الدين الإسلامي الذي تعرض لعملية أدلجة تاريخية قد تكون الأطول والأكبر والأسوأ في تاريخ الأديان.

هذا التراث بحاجة إلى عملية كنس ومسح وتنظيف واسعة وشاملة وعميقة لا تبقي ذرة غبار إلا أتت عليها، من أول تاريخ الإسلام، وليس في عصوره الوسطى والمتأخرة فحسب.

البداية ينبغي أن تكون من هنا، بعد ذلك كل شيء سيأخذ مجراه الطبيعي، فضرب الأساس كما يجب، بشكل منهجي وجذري وكامل، وعلى مرأى من الجميع، سيؤدي إلى تصدع وتداعي البنيان بأكمله: من تلقاء نفسه، بلا مشاكل، وبلا ضحايا.

لا يوجد حل آخر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - جريمة الكاتدرائية المصرية
شاكر شكور ( 2016 / 12 / 12 - 02:24 )
شكرا سيد سمير على هذه المعلومات النسقية الثلاثة (نسق الإسلام السلطوي والاحتجاجي والانسحابي) ، زين شنو القبض من هذه التصنيفات ؟؟ ماكو نتيجة غير 25 جثة ممزقة داخل الكنيسة عدا الجرحى والله يستر من الآتي ولا نزال نجد تبريرات لتبرئة المجرم الحقيقي ، بعد كل حادث اجرامي نقوم بحقن انفسنا بحقنة مخدرة وذلك برمي اللوم على التراث على اساس ان التراث هو اساس المشاكل ونترك اخو التراث الأكبر منه طليق بحجة انه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، إذن المجرم الحقيقي لا يزال طليق ويقوم بتفجير الكنائس من عن بعد ومن داخل قبر مؤسس الإسلام ، الم يكن الأولى بك يا سيد سمير ان تبدأ بالنسق الإسلام الإجرامي لكي نصدق بأنك تواسي عوائل الشهداء ؟ تحياتي للجميع


2 - كلام فارغ
emad.emad ( 2016 / 12 / 12 - 15:08 )
كلام فارغ لا قيمه له ولا معنى
اسمع
لن نكلمك عن ايات القتل فى القران
سوف تبررها تبرير لا يقبله عاقل
او تانى بايات مثلها من الاديان الاخرى تبررها
الحل سهل وبسيط ومعروف
لكن لا توجد الجراءه او النيه للتنفيذ

مثلا لا بد من حل مؤسسه الازهر الارهابيه
وجعل جامعه الازهر جامعه مدنيه لكل المصريين
الغاء تدريس الدين فى المدراس
الدين مكانه معبده
اموال الزكاه تحصل لصالح الدوله بدلا من الضرائب
اعلانها دوله مدنيه
الغاء كل القوانين المستمده من القران
اللى عايز بتجوز اربعه ولا اللى عايز يقسم ميراثه حسب شرعه هو حر
لكن لا تدعمه الدوله فى اى شئ
لكن كلامك هذا
لا يغنى ولا يشفى ولا يحل

اخر الافلام

.. الجماعة الإسلامية في لبنان: استشهاد اثنين من قادة الجناح الع


.. شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية




.. منظمات إسلامية ترفض -ازدواجية الشرطة الأسترالية-


.. صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها




.. كاهنات في الكنيسة الكاثوليكية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24