الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النقد الفلسفي والنقد الايديولوجي:

رشيد الأطلسي

2016 / 12 / 28
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


ان الاشتغال بمسائل الفكر، وسلك دروبه الوعرة، والتخصص في الافكار المجردة، يؤدي حتما الى ممارسة النقد، لانه لاوجود لفكر دون نقد،فالنقد بداية الفكر ومنتهاه.وقد عرف التاريخ الانساني انماطا متعددة من التفكير،واكبت تطوره وتقدمه في التاريخ، منذ ان كان مجرد كائن حي، الى ان أصبح بفضل التطور البيولوجي كائنا عارفاhomo sapiens ثم بعدها كائنا يعرف انه يعرفhomo sapiens sapiens.وقد بدا التفكير الانساني بسيطا جدا، حيث كان يعتمد السحر والخرافة لتفسير ظواهر الكون.لكن شيئا فشيئا، سيتطور تفكير البشر خاصة حينما تم اختراع الرمز الذي شكل في نظر ارنست كاسيرر ماهية الكائن الإنساني، وذلك من خلال اختراع الكتابة، في الحضارة السومرية القديمة، وفور ذلك سيبدأ التاريخ، منذ 3500 ق،م. وسيعتبر ماقبله عصور ماقبل التاريخ، وباختراع الكتابة سيتقدم الانسان خطوة جد هامة في تاريخه، حيث سيتحول الخطاب الى خطاب مكتوب، يوفر بيئة حاضنة للفكر المركب والمجرد الذي يتم التعبير عنه بالرموز، وهو ماحدث مثلا في الحضارة اليونانية خلال القرن 6ق،م. حيث ستتشكل لأول مرة في التاريخ، نظرة مغايرة للنظرة الأسطورية، وسيقام فهم جديد للعالم مبني على اللوغوس، يتجاوز كل التفسيرات المافوقية التي كان البشر يفسرون بها الظواهر،فكانت بداية الفلسفة العظيمة مع فلاسفة ملطية الكبار، الذين حاولوا الاجابة عن سؤال الوجود بطرق تعتمد العقل والتفسير المنطقي. ان هذه البداية شكلت مرحلة جديدة ستتطور بشكل مطرد، رغم بروز نمط فكري آخر، لايوظف العقل بقدر توظيفه للعواطف والايمان، والمقصود هنا الخطاب الديني، الذي شكل نمطا تختلط فيه النظرة السحرية بالنظرة الاسطورية للعالم، ويتوخي حجب الأسئلة المؤرقة والاجابة عنها وطي الصفحة ، وهي أسئلة المصير الإنساني. الدين سيدخل في صراع مع الفلسفة خلال القرون الوسطى لكنه لم يستطع القضاء عليها فوظفها لصالحه، من أجل نزع الطابع المنطقي على بعض منطوقاته، لكن في الأخير سيتوارى الدين عن الساحة العمومية، بعد المعركة الشرسة التي خاضتها الشعوب ضده، خلال عصور التنوير المجيدة، كما أن الخطاب الديني ستتهافت مقولاته أمام الخطاب العلمي، الذي انفصل عن الفلسفة خلال القرنيو 16و 17م. اذ تم تخريب النظرة الأسطورية التي دافع عنها الدين، وقتل من أجلها ونكل، وهي القائمة على النظرة المغلقة للكون، المستندة لنظرية بطليموس الفلكية القائلة، بسطحية الأرض وبدوران الشمس حولها. هذا التصور سيزول في العصور الحديثة مع نظرية كوبرنيك. وسيصاب الانسان بجرج نرجسي غائر حيث أصبح مجرد نقطة تافهة في كون شاسع. والعلم هو نمط التفكير الذي يفسر العالم استنادا إلى النظرية والتجربة، كمايقوم بتكميم الطبيعة وتحويلها، ليوفر للانسان التحكم فيها، والتحول من عبد لها الى سيد عليها، كما دعا إلى ذلك ديكارت خلال القرن السادس عشر. والمعروف ان وجود الانسان محكوم بمجموعة من المحددات، أهمها أنه كائن اجتماعي بطبعه، لايمكنه أن يعيش بمعزل عن الآخرين، وبالتالي ظهرت أشكال متعددة من التضامن بين الأفراد، ويقسم عالم الاجتماع الفرنسي دوركهايم، أنواع التضامن بين الجماعة إلى تضامن آلي ميكانيمي وآخر تضامن عضوي. وهو الفارق بين المجتمعات البدائية والمجتمعات الحديثة. ومن أجل تنظيم الجماعة لابد من توزيع للسلطة بطريقة تضمن استمرارية الجماعة، وعدم تفتتها أو زوالها، لهذا كانت السياسة هي الطريق الأنجع لممارسة السلطة،هذا الموضوع الذي شغل حيزا هاما من الفكر الفلسفي خلال القرن العشرين. فالسياسة لايجب النظر إليها، كجهاز أو سلطة مادية، لكنها أقرب إلى مايسميه مشيل فوكو بميكروفيزياء وماكوفيزياء السلطة، أي أنها تتخد مظهرين أساسيين، والمظهر الخفي أشمل من المظهر الجلي، لهذا كانت السلطة دائما في حاجة إلى خطاب يشرعن وجودها،وهو الخطاب الايديولوجي، الذي أسال الكثير من مداد المفكرين والفلاسفة منذ ماركس، الذي كتب كتابا سماه بالايديولوجية الالمانية، والذي دعا فيه الى فضح المستغلين في البنى الاقتصادية الراسمالية، التي تستغل الأفراد وتزيف وعيهم بأفكار لاصلة لها بالقوانين الاقتصادية المادية، التي تحرك التاريخ. لهذا كثر الخطاب في القرنين 19م و20م حول الايديولوجيا. ووقع سوء فهم كبير لها. لكن هي في أبسط تعريف لها نظرة للعالم. تستند الى الفكر وتمارس في السياسة. فالايديولوجيا بهذا المعنى فكر يتوخى تغيير الواقع أو تشويهه أو تبريره وهي الوظائف التي حددها لها بول ريكور.
إذن لايجب في نظري اعتبار الايديولوجيا شيئا سلبيا يجب تجاوزه، لأن ذلك غير ممكن عمليا، مادامت العلاقات الاجتماعية مبنية على السلطة التي تعتبر الايديولوجيا، جزءا كبيرا من خطابها.لكن السؤال الذي يؤرق بالي هو حول علاقة الخطاب الفلسفي بالخطاب الايديولوجي، وهي الاشكالية التي شهدت نقاشا واسعا من طرف المفكرين،لكن وجهة النظر التي اعتقدها هي أن الخطاب الفلسفي خطاب غاية في ذاته، لايتوخى الوصول إلى غاية أخرى تجعلها وسيلة. لهذا كانت الفلسفة دائما حينما تريد أن تعرف ذاتها، تجد عدم سوء فهم كبير من لدن المتلقي، الذي يبحث دائما عن الغاية، وهو ما لاتستطيع الفلسفة الاجابة عنه بسطحية، لأن الفلسفة هي غاية ذاتها، وهي البحث عن الحقيقة المطلقة والاجابة عن الأصل الأكثر عمومية، لهذا نجد كثيرا من الفلاسفة الماركسيين يميزون بين "الفلسفة المادية" و"الفلسفة البورجوازية" فكل فلسفة في نظرهم لا تلبس لبوس الايديولوجيا المادية ولا تفضح الايديولوجيا البورجوازية ليست بفلسفة، وشعارهم في ذلك هو أن وظيفة الفلسفة هي "تغيير العالم وليس فهمه" وهي الجملة الشهيرة لماركس.
لكن إن تم اعتبار الفلسفة بهذا المنطق ستظل مجرد وسيلة، من أجل غاية وهي تغيير العالم. لكن السؤال المطروح هو : كيف يمكن تغييرالعالم بدون فهمه؟ فالفهم الشامل للعالم يمنح فرصة أكبر وأعظم من أجل تغييره. لهذا كان دائما هناك صراع بين الخطاب الايديولوجي والخطاب الفلسفي، ولا ينبغي أن نفهم هذا الصراع بالمعنى الذي نفهم به صراع الفلسفة والدين. فالدين يدعي لنفسه الحقيقة مادام يتجاوز عالم الانسان نحو عالم ماورائي هو عالم "الحقيقة المطلقة" ، لكن الايديولوجيا، هي خطاب يستند الى فهم الواقع الموضوعي، لكن رغم ذلك لابد من الاشارة إلى أن الايديولوجيا تستند احيانا إلى الدين، فتكون بذلك ايديولوجيا دينية، كحركات الاسلام السياسي مثلا، التي ليست دينا، بل ايديولوجيا، لأنها تتوخى التأثير في الواقع وتمارس السياسة استنادا إلى الدين. كما أن الايديولوجيا قد تستند الى الفلسفة، خاصة في النزعات المذهبية، فالماركسية هي ايديولوجيا، تستند الى الفلسفة المادية. كما ان الايديولوجيا قد تستند الى العلم كما يتحدث عن ذلك يورغز هابرماس في كتابه، العلم والتقنية كايديولوجيا.
لكن المشتغل بالفلسفة لايجب في نظري، أن يظل حبيس أفكاره المجردة، ولا أن يظل مكتوف الأيدي،في علاقته بالواقع الاجتماعي والتاريخي والسياسي الذي يعيش فيه، لهذا كان لزاما أن ينخرط في حركة التاريخ، فكرا وممارسة، وهي الدعوة التي دعت اليها فلسفة البراكسيس الماركسية،اذ يجب الانخراط في التاريخ وفضح الاكاذيب ونزع السحر عن العالم، ووضع الفرد تجاه مصيره، ونشر الوعي وتشجيع الافق الرحب، ومواجهة كل نزعات الشر التي تملأ العالم، لكي يتحقق الدور التاريخي للمثقف بمفهومه الغرامشي. لهذا لابد من التاكيد في الاخير على أن انواع الخطابات لا تنفصل كلية، ولكن نجد امتدادات بعضها في البعض الاخر، لهذا فان الاشتغال بالفكر يظل مسؤولية جسيمة يجب على من يصنف نفسه داخلها، أن يتحملها وان يذهب بنفسه الى أقصاها وان اقتضى ذلك التضحية، كما فعل سقراط مثلا.
كاتب مغربي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بلينكن ينهي زيارته إلى الصين، هل من صفقة صينية أمريكية حول ا


.. تظاهرات طلابية واسعة تجتاح الولايات المتحدة على مستوى كبرى ا




.. انقلاب سيارة وزير الأمن الإسرائيلي بن غفير ونقله إلى المستشف


.. موسكو تؤكد استعدادها لتوسيع تعاونها العسكري مع إيران




.. عملية معقدة داخل المستشفى الميداني الإماراتي في رفح وثقها مو