الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


آراء في وقت الفراغ والديمقراطية والتكاثر السكاني – قراءة في كتاب -في مدح الكسل- لبرتراند راسل

كلكامش نبيل

2016 / 12 / 31
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


يتكلم راسل في مقالته الأولى "في مدح الكسل" عن دور الفراغ في صنع الحضارة – الفن والأدب والإنجازات الأخرى – ودور ذلك الفراغ الذي حظيت به الطبقات الأرستقراطية في تكوين تلك الحضارة. لكنه، في الوقت نفسه، يدين أخلاقيات العبيد وإصرار الأرستقراطيين على أن العمال لن يجيدوا إستغلال وقت الفراغ وتصويره على أنه كسل ورفضهم منح الطبقات الدنيا فرصة الحصول على وقت أكثر لا يزاولون فيه أعمالهم. يقول راسل، "لولا هذه الطبقة المنعمة التي يدين لها الفراغ لما خرجت الانسانية أبداً من غياهب البربرية". لكنه يشك في أن الطبقات المترفة ستعطينا أشخاص رائعين كثر، حيث نقرأ، "قد تتمخض هذه الطبقة عن داروين واحد. ولكنها في مقابل ذلك تشمل عشرات الألوف من سادة الريف الذين لم يعن لهم أن يفكروا في أي شيء على الإطلاق أكثر ذكاء من صيد الذئاب ومعاقبة سارقي حيوانات الصيد". أعتقد أن كلام راسل صحيح ومن حق كل إنسان أن يحصل على وقت فراغ ولكن المناقشة الأخرى حول كون الكثيرين غير قادرين على إستغلال وقت الفراغ بالطرق المثلى صحيحة هي الأخرى. الفراغ قد يتولد عن أمور سلبية كثيرة أيضاً. في النهاية وقت الفراغ قد يستغل بطريقة سيئة من قبل الغالبية من الطبقات العليا والدنيا، وإستغلاله بطريقة جيدة مسألة تعتمد على الإستعدادات والإهتمامات الفردية لقلة من الأشخاص بغض النظر عن طبقاتهم.

في المقال المعنون "دفاع عالم عن الديمقراطية"، يتكلم راسل عن أهمية الديمقراطية والحرية في إنتعاش الحضارة وإزدهار الفنون والعلوم، وهي فكرة أدركتها منذ وقتٍ مبكر في مراهقتي. يذكر راسل إضطهاد الأيديولوجيات للحرية الفكرية، حيث نقرأ، "في الدول المسيحية تعرض الرجال للحرق لتشككهم في التفسير الرسمي للإنجيل، وفي الدول الإسلامية كان من الرعونة البالغة إثارة الشك حول أي جزء من القرآن وفي روسيا الحديثة يغامر المرء بالتصفية الجسدية إذا اختلف مع تفسير الكرملين لماركس وإنجلز." ويؤكد على أهمية الحرية في الفقرة التالية، "إن الصلة بين العلم والديمقراطية أوثق مما يظن البعض أحياناً وحلقة الإتصال المشتركة بينهما هي تأكيد المناقشة الحرة كنقيض للسلطة التي لا تقبل الجدل فهناك في أي عصر أو مجتمع غير علمي محتكرون رسميون للحكمة مثل الكهنة في مصر القديمة أو التبت، والذين يمتلكون الحكمة الرسمية هم الذين يمتلكون زمام السلطة". يصف راسل أيضاً الفرق بين رفض الحقائق العلمية ورفض الأيديولوجيات، وكيف أن رفض الأخيرة مخاطرة لأنها صادرة عن سلطات قمعية. عن هذا نقرأ عن تصديقنا للعلم قوله، "إننا نقبل هذه المعلومات لأنها صدرت عن أشخاص نعتبرهم جديرين بالتصديق ليس لأنهم يعتنقون رأياً قائما منذ قديم الأزل أو لأنهم قادرون على الاستناد إلى كتاب مقدس أو لأننا إذا ما عارضناهم فسوف يقطعون رؤوسنا أو يزجون بأسرنا في معسكرات الاعتقال فكل إنسان حر تماما في أن يعتنق الرأي الذي يهواه بشأن سرعة الضوء، والعقاب الوحيد الذي يناله لاعتناقه رأيا غير مألوف هو أن يرميه الناس بالغباوة ونتيجة للنقاش الحر يصل كل القادرين على تكوين حكم إلى اتفاق بينهم لا يفرضونه على غيرهم إنما يقبله الغير بالاقتناع". ويقول راسل أيضاً، "لا يمكن المحافظة على التقدم وقتا طويلا إلا في جو من الحرية حتى في أمور مثل التكنيك العسكري". ويضيف أيضاً في موضع آخر، "حيثما تتعرض هذه الآراء للقمع فإن المجتمعات تصاب بالجمود، ولذلك فإنني أثق أن الدول تحافظ على الحرية العلمية والفكرية ستكون أكثر كفاءة في الحرب من تلك الدول التي تخضع للدكتاتورية". ولهذه الأسباب لا أعتقد بأن الثقافات التي تهيمن عليها الأديان قادرة على تكوين حضارات فاعلة.

يدافع راسل عن الديمقراطية أيضاً، حيث نقرأ، "إن الديمقراطية تجسد العدالة والنقاش الحر يجسد التفكير الرشيد، ولا يمكن إيجاد وسيلة للتخلص من الأخطار التي تهدد بها الحرب الحديثة الجنس البشري إلا باتباع العدالة والتفكير الرشيد". لكنني أضيف بأن هذا يعني بالضرورة تبني منظومة ديمقراطية كاملة وليس اختزال المسألة على صناديق الاقتراع وإلا فان الديمقراطية ستتحول إلى دكتاتورية أغلبية وقد تصبح قوة تخلف في المجتمعات غير المتحضرة. ويذكر آراء بعض السياسيين حول أن الديمقراطية يجب أن تطبق ضمن فئات، أي أن ينتخب العمال ممثليهم فيما يتم إنتخاب السلطة العليا من الطبقات الأخرى الناهضة. لا يتفق راسل مع ذلك ولكنني أراه منطقياً.

يتناول الكتاب أيضاً إنطباعات راسل عن مشاهير وكتاب وفلاسفة قابلهم في حياته، وكل الإنطباعات جميلة وراقية وتنقل حقيقة كون أن الشخص الذي نعجب بإنجازه الفكري لا يشترط أن يكون مثاليا في حياته الشخصية أو محبوباً ولطيفا على المستوى الشخصي. يصور راسل أيضاً علاقاته بالسياسيين وجده وزيارة الدبلوماسيين والملكة فكتوريا لمنزلهم والطبقة الأرستقراطية التي نشأ في أوساطها.

في الفصل الثاني – مقدمة في تحديد النسل، نقرأ عن مشكلة التكاثر السكاني ومستقبله بقلم جوليان هكسلي، صديق راسل. يتكلم هكسلي بواقعية عن المشكلة ويعرض دور روبرت مالثوس في إثارة هذه المسألة وما أسماه بـ "موجة الرعب" حيال الانفجار السكاني. يرى مالثوس أن "الفقراء مكتوب عليهم الفقر الأبدي مهما سعت الدولة للتخفيف عنهم، فزيادة نسلهم المروعة تبتلع كل محاولة لتحسين أحوالهم وتدمرها". بل إن مالثوس يرى أن "المجاعات والحروب والأملاق نعمة تمنحها الطبيعة للطبقات الكادحة." يدعو مالثوس للفضيلة الجنسية ويرى أن "استمتاع الفقراء بالجنس جريمة لا تغتفر" وهو لا يذكر ذلك صراحة لكن كلامه يشير إلى ذلك. وكانت لي أفكار بخصوص تحديد النسل وجدت لها صدى في الإجراءات التي اتخذتها السلطات النمساوية في عهد مترنخ والتي تتطلب حصول الراغبين في الزواج على تصاريح لذلك ووجود نزعة لحرمان المعدمين من حق الزواج. ويعبر هكسلي في الفصل الخاص بمستقبل المشكلة عن قلقه حيال الزيادة الرهيبة في السكان وتوقعه أن يصل تعداد سكان العالم إلى 6.4 مليار إنسان بحلول عام 2000. وبعد قراءة هذه المقالة ندرك بأن الفئات الواعية كانت تدرك هذه المشكلة لكن أحداً لم يبذل الجهود المناسبة لوقف هذه الزيادة الكبيرة في السكان وها نحن اليوم نعيش في خضم نتائج هذا التضخم السكاني ولا يبدو أن هناك أملاً يلوح في الأفق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بلينكن ينهي زيارته إلى الصين، هل من صفقة صينية أمريكية حول ا


.. تظاهرات طلابية واسعة تجتاح الولايات المتحدة على مستوى كبرى ا




.. انقلاب سيارة وزير الأمن الإسرائيلي بن غفير ونقله إلى المستشف


.. موسكو تؤكد استعدادها لتوسيع تعاونها العسكري مع إيران




.. عملية معقدة داخل المستشفى الميداني الإماراتي في رفح وثقها مو