الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


- وداعا يا زكرين -سيرة بلدة فلسطينية 1948.

محمود شاهين
روائي

(Mahmoud Shahin)

2017 / 1 / 3
الادب والفن


محمود شاهين
بعد مجموعة من الأعمال القصصية والروائية منها : أيام الحب والموت . البكاء على صدر الحبيب. العشاق . شبابيك زينب . سأرى بعينيك يا حبيبي. الرب لم يسترح في اليوم السابع . إضافة إلى أعمال أخرى : آه يا بيروت ،ورائحة التمر حنة ، وثماني مجموعات قصصية ،وغيرها. يعود رشاد أبو شاور ليطل على قرائه بروايته الجديدة "وداعا يا زكرين" التي يرصد فيها وقائع ما جرى في بلدته " زكرين " قضاء الخليل ، بين أعوام امتدت من هزيمة تركيا في الحرب العالمية الأولى إلى حرب 1948 وسقوط البلدة في أيدي العصابات الصهيونية وتشرد سكانها مع آلاف الفلسطينيين الذين شردوا عن وطنهم وتحولوا إلى لاجئين ومشردين وما يزالون .
صدر أكثر من رواية فلسطينية عن النكبة الفلسطينية منها ما هو لإبراهيم نصر الله ، ويحيى يخلف ، ومحمود شقير، وغيرهم . وتأتي رواية رشاد في هذا الإتجاه الذي يسعى جاهدا للتأريخ للنكبة " ابراهيم نصر الله في "زمن الخيول البيضاء" ، أو الإتكاء عليها كما فعل محمود شقير في " فرس العائلة " و"مديح لنساء العائلة " أو الإستناد إليها وهو ما فعله رشاد متتبعا السيرة الذاتية لأسرته ، حيث يظهرجده ووالده في الرواية ، إضافة إلى رشاد الطفل نفسه، ومتتبعا حياة الناس في البلدة وما طرأ عليها ابان الحرب العالمية وأواخر سني الإحتلال التركي وسوق الناس للمشاركة في حروب السلطنة العثمانية ،وعودة من نجا منهم منها ، ومن ثم ما طرأ على حياتهم إبان الإحتلال البريطاني ، وقدوم المهاجرين اليهود وبدء الصراعات انتهاء بحرب 1948 .
لن أتطرق إلى وقائع الرواية والخوض في أحداثها ، فهي بالتأكيد تتطرق لأوجاع ونضال بشر في أزمنة احتلال إضافة إلى الميول الإنسانية في الحب والكره والغيرة وعثرات الزمن ، صاغها رشاد بتمكن . لكني سأضطر إلى التطرق لشخصية تظهر لأول مرة في الأدب الفلسطيني حسب ما أعلم ، . وهي شخصية اللص النبيل! وهو في الرواية يفترض أنه جد رشاد لأبيه . فسلمان هذا لا يسرق إلا الأثرياء والميسورين . ولا يسرق إلى ما يسد الحاجة . وحين يضطر إلى سرقة بقرتين مع لصين أخوين استعانا به ليعلمهما فن اللصوصية ،تلحق بهم صاحبة البقرتين مستغيثة مستنجدة هاتفة " طنيبة عليكم يا أخوتي في عرضكم ،أنا مثل خواتكم ، جوزي يشك بي ... فإن سرقتم البقرتين ، سيتهمني في عرضي ، وسيفضحني بتهمة أنني أعطيتها لعشيقي ،وأنا والله شريفة وبنت ناس ،وجوزي عقله زغير وناقص ، أستروا عرضي ،وردوا البقرتين ،وصونوا شرف أهلي في البلد "
يقترح أحد اللصين المتدربين اغتصابها وقتلها . وهذا ما أغضب سلمان . سدد ( طبنجته ) إلى رأس اللص وهتف :
" يا عديم الشرف المرأة تنتخي بنا وأنت تريد هتك عرضها يا ناقص .. يا حرامي .. يا نذل .. والله إذا لم تهرب أنت وشقيقك لأقتلكما حالا وأترككما للكلاب . يلا من قدامي .. "
وهكذا هرب اللصان . وأعاد سلمان البقرتين والمرأة إلى بيتها . وحين هرع سكان البلدة مشهرين عصيهم ليقتلوه ، أخبرتهم أن هذا الرجل هو من حمى عرضهم . فأكرموه وأحسنوا إليه واستضافوه لثلاثة أيام وثلث اليوم حسب العادات القديمة . وحملوه بالهدايا حين غادرهم . وعلى أثر هذه الواقعة . تخلى سلمان عن السرقة .
المسألة الثانية التي تستحق التطرق إليها وهي جديدة على الأدب الفلسطيني أيضا . هي الوفاء والمحبة بين رجلين عاشا معا ويلات الحرب العالمية الأولى ورجعا معا بعد الحرب وكانا يساعد أحدهما الآخر في كل شيء. وكانا قد تعاهدا على الصداقة الأبدية وحتى الدفن في قبر واحد بعد الموت . مات ( حرب ) أولا . وحين مات (مرشد) دفن معه حسب وصية الصديقين ،رغم أن حرب مدفون مع شقيقته في القبر نفسه.
لا شك أن الرواية تتطرق إلى مشاهد مؤثرة كثيرة . وخاصة سقوط زينب في الطاحونة وبتر يدها ونهدها وساقها ووفاتها فيما بعد .
****
في معظم ما قرأته من أعمال أدبية لرشاد لم أجد أنه يلجأ إلى تقنيات غير تقليدية في كتابة الرواية . فهو يلجا إلى الأسلوب التقليدي المتمكن منه بجدارة . بداية . صعود. تطور. ذروة درامية . يندر عند رشاد الإسترجاع ،والدخول في لا وعي أبطاله ،ومتاهات دواخلهم . يتجاوز الزمن الذي طالما شكل تجاوزه عبئا ثقيلا على الروائيين بيسر . فأن تتحدث عن حياة بلدة في زمن يقرب من أربعة عقود . فأنت تحتاج إلى مقدرة في فن السرد تشعر القارئ أنك جعلته يعيش هذا الزمن . وخاصة إذا ما كانت البطولة جماعية كما هي في رواية رشاد الحالية . فقد سجلت أسماء 78 شخصية حسب ما ترد في الرواية ، لأعود إليها إذا ما دعت الضرورة ، وفكرت في كتابة دراسة مطولة .. علما أن هؤلاء ليسوا جميع الشخوص .
والناحية المهمة عند رشاد في معظم أعماله الأدبية ،هي حرصه على الواقعية التاريخية في تصوير المجتمع ، فهو لا يلجأ إلى شخوص تتجاوز واقعها مثلا لاستشراف المستقبل ، أو تبدو متفوقة عليه ، كما لا يبدو أن رسم الشخصية يكون معدا مسبقا من قبله ، فيحاول قدرالإمكان أن يجعلها تبدو لنا وكأنها تعيش واقعها حسب رؤيتها وليس برسم من المؤلف . وقد لا يتصور أحد أنني أحد هؤلاء الذين لا يحبذون الشخصيات الواقعية فينتجون شخصيات متخيلة (من ضمن الشخصيات الواقعية) يستشرفون عبرها آفاق ما مستقبلية . طبعا هذه مسألة أخرى أتقنها جبرا ربما اكثر مني بكثير . مسألة أخرى يتجاوزها رشاد وهي اسقاط أو إقحام الأمل في حياة أبطاله في نهاية العمل الروائي ، وأبرز ما يتجلى ذلك عند يحيى يخلف وبعض الكتاب لا يحضرونني الآن ، وهو مالم يكن على الإطلاق عند رائدينا سميرة عزام وغسان كنفاني ،وخاصة ( في رجال في الشمس ) وهذا ما اتبعته أنا فيما بعد . فأبطالي لا ينتصرون . أو يموتون في نهاية أعمالي . وأظن أن هذه الحقبة التي راجت لفترة من الزمن في القرن الماضي بفعل تأثير ما أطلق عليه أدب الواقعية الإشتراكية قد انقرضت .
أخيرا :
في الإمكان القول إن " وداعا يا زكرين إضافة مهمة إلى مجموع الأعمال الأدبية التي طمحت في التأريخ للنكبة الفلسطينية . ولا شك أننا نحتاج إلى الكثير من هذه الأعمال التي قد ترقى في المستقبل إلى آفاق إنسانية عالمية تعبر عما تمخضت عنه النكبة وليست على ما سارت عليه فحسب . وبالتأكيد لن تكون المسألة سهلة على الإطلاق .
**








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: كان نفسي أقدم دور


.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: -الحشاشين- من أعظم




.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: خالد النبوي نجم اس


.. كل يوم - -هنيدي وحلمي ومحمد سعد-..الفنانة دينا فؤاد نفسها تم




.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: -نجمة العمل الأولى