الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صورة صدام بين الأمس واليوم

محمد لفته محل

2017 / 1 / 3
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


أثار الرئيس العراقي السابق (صدام حسين) الجدل حوله في حياته وبعد اعدامه التي مضى عشر سنين عليها، فهو القومي الذي احتل دولة عربية وحارب العرب! (حرب الخليج الثانية)(1) وهو البعثي الذي صفى جسدياً كبار قادة البعث وعادى دولة بعثية مجاورة (بدل الوحدة معها "سوريا" كما تقول شعاراته)! وهو العلماني الذي استأصل كل الأحزاب العلمانية والدينية وصاحب الحملة الإيمانية فيما بعد الملقب (عبد الله المؤمن) والذي كتب على العلم العراقي (الله أكبر) واطلق ذقنه بالمحاكمة! النرجسي الذي لم يترك مكان إلا ونصب عليه صورته أو تمثاله أو اسمه حتى ظن نفسه حكيما يطلق الحِكم؛ وروائيا يكتب الروايات في أواخر أيام حكمه، وكما يقول الجنابي (أن اغلب كلماته وخطبه المشبعة بالأنا ينبغي تفسيرها بمقولات ومفاهيم علم النفس وليس العلم السياسي.)(2) وهو حليف أمريكا ثم عدوها فيما بعد، محبوباً من العرب كونه تحدى أمريكا وقصف إسرائيل، مكروها من العراقيين أثناء حكمه لاتهامه بالعمالة لإسرائيل في فترة الحصار، ثم محبوباً من السنة مكروها من الشيعة بعد سقوطه على يد الاحتلال، فصارا رمزا طائفياً للسنة ورمزا طائفياً ضد الشيعة، اختلف في إلقاء القبض عليه وفي إعدامه ومصير جثته. يهدف هذا المقال الى تبين صورة صدام في ذهن الناس وليس صدام بذاته.
بعد هذه المفارقات ماذا يمكن القول عن صدام بعيدا عن السياسة؟ ولماذا هذا الاختلاف فيه ولم يحضى رجل بمثل هذا الاختلاف قبله؟ لماذا لم نتفق على أن صدام مستبد مسؤول عن خراب العراق؟ وبقي الشيعة يشيطنونه والسنة يجعلوه بطلاً؟ في حين يتفق الغرب على استبداده؟ إن صورة صدام بكل تناقضاتها تمثل مستوانا الثقافي الذي يعيش على ذاكرة الماضي ورموزها؛ فصدام امتداد ل(صلاح الدين) عند السنة وامتداد ل(يزيد) عند الشيعة(3)، السنة جعلوه بطلهم ومنقذهم، بينما الشيعة شيطنوا صدام وحملوه كل ما جرى وما لم يجري في حياته ومماته فأي تفجير تسارع (قبل إجراء تحقيق!) الحكومة إلى اتهام البعث الصدامي! وتخوف الشيعة من عودة البعث للسلطة وان البعث اخترق داعش، والاصرار المحموم على حظر البعث الصدامي بالدستور الخ، وصار لعن صدام كرديف للشيطان فعبارة (خره بصدام) تستعمل في الحياة اليومية كرديف التعوذ بالشيطان في النسيان أو الضجر أو تقلب الظروف الخاصة أو الاستهزاء الخ، وسماه رجال الدين (هدام) بدل صدام، وعهده سمي في الأدبيات السياسية الشيعية (المقبور) وصار تسقيط أي زعيم شيعي يتم برفع صورة لنصف وجهه يكمل نصفها الآخر نصف وجه صدام. لكن خلف هذه الصورة الطائفية، صدام كامن في نفس الشيعي مثل نفس السني، فهو مجرد سني يكره الشيعة وليس مستبد! وبعضهم يعبر عن ذلك (صحيح هو ظالم بس جان سبع، ما يخاف) (صدام نعلتله عليه، بس بنى وعمّر) (احنا شعب ما نجي إلا بالخوف) (ما يفيدنا إلا الحزب الواحد) (ما يفيدنا إلا نظام رئاسي) وهي جميعها صفات نظام صدام، وكان منطقيا أن يحضى (نوري المالكي) بالتأييد لكونه يحمل صفات صدام ذاتها ولولا الظرف الذي لم يساعده على البقاء بالسلطة لاستولى على حكم العراق وأكمل مسيرة صدام. هذا يعني أن الشيعة ليس لديهم مشكلة مع سياسة صدام إنما ضد منع طقوسهم فقط! بالتالي لديهم تقبل على انتخاب المستبد وصناعة نجوميته، وهنا لا اقصد الشيعة كأفراد بل كوعي جمعي عام يشمل السني والشيعي. أي أن المجتمع العراقي فيه إمكانية صناعة المستبد كونه مجتمع رجولي يقدس الرموز والأشخاص الأحياء والأموات. وهنا من حق القارئ أن يسأل كيف كان صدام مكروهاً في حياته ثم تقول إن الشعب العراقي ينتج الاستبداد؟ أقول أن صدام كان مكروها في فترة الحصار لأنه جوع الشعب أما في الثمانينات كان محبوباً رغم جرائمه الوحشية ضد الأكراد ومعارضيه في الداخل وتعسفه ضد الحريات العامة.
إن لصدام صورتان صدام أثناء حكمه وصدام المتخيل بعد حكمه (البطل والشيطان)، في حكمه يكرهه عامة الشعب في فترة الحصار ولم تكن صورته الطائفية موجودة إلا بعد التسعينات وبين شيعة الجنوب حصرا كونهم تضررُ من قضائه على التمرد الشيعي المسلح، والذي زاد صورة صدام الطائفية هو الحكم الطائفي بعده الذي اتهم صدام بالطائفية وهو من حَكم طائفيا بصورة رسمية علنية، فصار أي حديث عن صدام يقارن بالحكم الذي بعده في متلازمة تشبه المثل الذي يقول (ليشوف الموت يرضى بالصخونه) دون القدرة على تقييم صدام بما قبله أو من هم بجواره أو حكمه بذاته بمعايير الدول الحديثة. ولان الأمن غائب بعده صار الأمن هو منجز صدام العظيم الذي لن يتكرر! ومن الطريف أن يظهر بعض صغار السن الذي شهدوا سقوطه وهم لم يتجاوز العقد الثاني من العمر، تراهم يدافعون بحماس عن صدام وكأنما كانوا واعين كامل الوعي لحكمه! هؤلاء اسخر منهم بالصمت وعدم الرد، لان الصورة التي يدافعوا عنها هي صورة صدام المتخيل (البطل) التي صنعها الإعلام ورد فعل الوعي الجمعي السني تجاه الحكم الطائفي الذي جاء بعده.
بدأت أسطورة صدام بعد اختفائه من التلفاز(4) واحتلال القوات الأمريكية لبغداد، فشاع بالرأي العام السني أن صدام في خطابه الأول كان يضغط على أزرار تطلق صواريخ مدمرة لأمريكا عندما كان يذيع (أطلق لها السيف) كإشارة للإطلاق لكن الأزرار عُطلت بفعل خيانة! ثم ظهرت في نفس الفترة أن صدام شارك بمعركة المطار بسلاح (RBG) مع ابنه قصي الذي كان يناوشه العتاد! وشاعت أن صدام سيعود للحكم في أول ميلاد له بعد الاحتلال ويعدم الخونة (سمعت شخصيا من رجل قال أن لصدام قصر وحماية يجهل الأمريكان مكانها) وظهر كتاب (شبيه صدام) المليء بالأكاذيب وشاعت أقوال عن أصل صدام الحرام (ابن زنى) وانه كان لصاً أو أشبه بزعيم عصابة. عند إلقاء القبض عليه تشعبت وتفرعت الإشاعات ليس بين الرأي العام السني إنما محبيه وكارهيه من الشيعة، أنكر السنة أن يكون المقبوض عليه صدام وإنما الشبيه، وشهدت شخصيا مظاهرة احتفالية في منطقة الصليخ تحتفل بهذه الإشاعة وعندما اقتربت منهم لاستعلم سبب الاحتفال أعطاني شخص في مقدمة المظاهرة قطعتين شكولاته وقال (طلع مو هو صدام هذا الشبيه)! واستدل البعض على صدق الخبر/الإشاعة إن صدام لم يتكلم (ليش ماطلع يحجي؟) لان فيديوهات القبض التي عرضها الأمريكان كانت بدون صوت. أما المصدقون فقالوا أن المكان تم تخديره حتى يمسكوا صدام حياً بدون مقاومة، وأنه قبض عليه قبل أشهر بدليل شجرة التمر المثمرة والفصل الذي أعلن خبر إلقاء القبض هو الشتاء! بينما أعدائه من الشيعة اتهمه بالجبن كالجرذ في حفرة. أثناء المحكمة تفاعل كثير من السنة ومحبيه من الشيعة مع جسارة صدام أمام القاضي وافتخروا بها كشجاعة (وهذا يعني انه صدام وليس الشبيه كما ادّعوا!) وفي الإعدام قال البعض انه الشبيه وأقاموا له مآتم في المناطق السنية! وأشيع عن رؤية وجهه بالقمر وتداولته الهواتف، أما الشيعة فقد رأو الإعدام نصرا لرجال الدين الذين أعدمهم صدام (رأو في سقوط بغداد 9/4/2003 ذكرى إعدام زعيم حزب الدعوة لعنة إلهية لصدام!). وانتقل الاختلاف حتى لجثته فقد شاعت أخبار عن نبش جثته ثم نقلها لمكان مجهول بعد دخول تنظيم (داعش) ثم هدم ضريحه بعد تحرير تكريت على يد الحشد الشعبي، والى الآن هناك رأي بين البعض أن صدام حي وسيعود للسلطة بعد عشرة سنين من إعدامه! (يسميه المحامين اغتيال). الحقيقة أن قصة إلقاء القبض على صدام متناقضة بين صدام وبين أتباعه، فمحامين الدفاع قالوا (كان يصلي) عند إلقاء القبض عليه الذي يسمونه (الأسر) وصدام بنفسه قال بالمحكمة: (الامريكان من دﮔ---و علي الباب، ﮔ---لتلهم أنا صدام حسين) وأشار إلى انه يعرف من بلغ الأمريكان عن مكانه، والرأي العام السني منقسم ما بين إشاعة التخدير والشبيه.
لازالت قنوات فضائية وفيديوهات على اليوتيوب تروج لفكرة أن صدام حي يلقي بيانات ويقود الجهاد وسيعود للسلطة، كون الفكرة لها صدى عند الرأي العام السني، وفوبيا عند الرأي العام الشيعي، وبقائنا في هذه العقلية التي تحن لعودة بالماضي أو التي تخاف عودته هو جزء من أزمتنا السياسية في بناء حكم وطني عادل يتجه صوب المستقبل لعبور الأزمة والكارثة التي مررنا بها.
من غرائب المدافعين عن صدام أنهم يبررون حكمه بالسلامة الشخصية للفرد دون علاقة بغيره فيسألونك (صدام دك بابك؟) أي هل اعتقلك، ونستطيع توجيه السؤال نفسه للشخص حول الاحتلال الأمريكي الذي جاهدوه (الأمريكي دك بابك؟) فإذا قال لا، بطلت حجة الجهاد على غير المتضررين، وهذا ما لا يقبله أي عراقي شريف، وطبعا هذا السؤال يطالب منا أن نتغاضى عن وفاة مليون طفل عراقي بالحصار والمأساة التي عاناها المدرسون والأساتذة برواتبهم المتدنية مادمنا لم نذق ألم وفاة طفل أو عوز! وعلينا أن نسكت عن انتهاك السيادة بحظر الطيران على الجنوب وانفصال الشمال ذاتيا بالحكم عن العراق الذي رضي به صدام! أي أن نكون مواطنين صالحين كطرشان الزفة!. هناك عبارة أخرى يتداولها أنصار صدام شبيهة بسابقتها (لا تندك بصدام، ما عليك شي) أي لا تصطدم بالسلطة تضمن الأمن! عدم الاصطدام هذا مفتوح الحدود لديهم يصل لمجرد الاختلاف بالرأي أو الشك بالولاء السياسي يعتبر جريمة! ليقلب مقولة (الشعب مصدر السلطات) إلى (الرئيس مصدر السلطات)! هكذا يريدنا أتباع صدام أن نفهم ونقبل السلطة! كأنها ملك لصدام ولاحق للشعب في المشاركة بها وهذه السلطة هي من تقرر مصير هذا الشعب. وكما يقول (ميثم الجنابي) (فعندما تقول "حزب" (في النظام التوتاليتاري) فانك تعني جهازا بوليسيا، وعندما تقول "جهاز بوليسي" فانك تعني حزبا.)(5) وكان المدافعون يقولون أن المقابر الجماعية هي (أسرى، أو فارين من الجيش!) في حين أن الملابس المدنية كانت تغطي الضحايا الذين كانوا من الشيوخ والنساء أيضا! ثم أن للأسرى حقوق دينية وقانونية (اتفاقية جنيف لحقوق الأسرى) أما الفارين من الخدمة فلماذا لم تسلم جثثهم لأهلهم كما كان يفعلون عادة؟ ومن الطريف أن يقول المدافعون عن المقابر الجماعية أن الجرائم التي حدثت بعد الاحتلال أكثر من السابق! وكأن الجريمة اللاحقة تمحي الجريمة السابقة! وعليه فإذا أتى نظام أكثر دموية من النظام الطائفي الحالي يحق لنا وفق هذا المنطق أن نلغي جرائم الحكم الطائفي! أما مجزرة (حلبجة) فقال البعض أن إيران هي من ضربتها بالكيميائي، وقال البعض أنها تمت بموافقة جلال ومسعود! وقال البعض أنها أفلام سينمائية! إذا كانت إيران هي من قصفتهم لماذا سكتت الحكومة عن التشهير بها خمسة عشر عاما؟ بل غطت على الجريمة بأكملها؟ ولماذا لم يَتهم المدانون بها إيران بالمحكمة؟ ثم من أين لإيران سلاح كيميائي بتلك الفترة؟ وإذا كان جلال ومسعود مجرمين ليوافقا على ضرب (حلبجة) هل هذا يخول النظام ليكون مجرما مثلهما؟ أما القائلين بالسينما فجرائم الأمريكان لا تقل سينما عن جرائم صدام. ويكفي أن نعرف أن هذه الحجج المدافعة عن جرائم صدام هي ذاتها العقلية التي أنتجت صدام وبررت حكمه (قبل الحصار). وان أنصار صدام يعتبرون بعض التهم فضائل يقرونها ولا ينفوها مثل بطشه بخصومه باعتباره (سبع وبطل) فصدام "عادل" ما لم تعارضه! وإبليس نفسه عارض الله دون أن يقتله كما تقول الأسطورة الدينية! أو يؤيدون قتله للأحزاب واحتلال الكويت والحرب على إيران! يقول الجنابي إن (الانهيار المريع للدولة التوتاليترية البعثية والدكتاتورية الصدامية يكشف عن طبيعة الخلل المتراكم في فكرة الوحدة والجماعة الوطنية العراقية. إذ لم تكن التوتاليتارية البعثية الصدامية قادرة على صنع هوية خاصة قومية أو وطنية.)(6)
_____________
1_سماها صدام (ام المعارك) وسماها الامريكان (عاصفة الصحراء) والاسم المحايد (حرب الخليج الثانية).
2_ميثم الجنابي، التوتاليتارية العراقية، تشريح الظاهرة الصدامية، حوار وتقديم: يوسف محسن، الطبعة الأولى2010م، دار ميزوبوتاميا_بغداد، ص317.
3_بعيد اعدام صدام ظهرت نكته تتحدث عن مصير صدام في الآخرة وهي محبوكة كالتالي: اعطي صدام في الاخرة ورقة مكتوب عليها غرفة رقم 7 وهي الحكم الالهي الذي صدر بموجبه، وراح صدام يسأل الناس عن مكان هذه الغرفة، وكلما يسأل شخص يبدوا على وجهه الاستغراب حتى وصل لشخص جثيث ملتحي استطاع ان يدله، لكنه سأله قبل ذهابه: انت بغرفة رقم سبعة؟.
صدام:اي
الشخص الملتحي: لعد شمسوي بالعالم حتى حطوك بهاي الغرفة؟ لك آني (يزيد) كتال الحسين انحكمت بغرفة رقم ستة. ومن الواضح ان النكته صناعة شيعية وهي تثبت صورة صدام في ذهنهم كرمز طائفي.
4_كانت هناك إشاعات في حياة صدام هي إن لصدام جن يحرسوه يكشفون له محاولات الاغتيال أو السحر المعد له ويقومون بإفشالها. في الفترة الأخيرة لحكمه حين اتجه لكتابة الرواية والوعظ ظهرت إشاعة إن رفع صورة صدام بالبيت يجلب الرزق للعائلة وقد آمنت أمي بالقصة وعلقتها.
5_ميثم الجنابي، التوتاليتارية العراقية، ص49.
6_نفس المصدر، ص58.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مخاوف من استخدامه كـ-سلاح حرب-.. أول كلب آلي في العالم ينفث


.. تراجع شعبية حماس لدى سكان غزة والضفة الغربية.. صحيفة فايننشا




.. نشاط دبلوماسي مصري مكثف في ظل تراجع الدور القطري في الوساطة


.. كيف يمكن توصيف واقع جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة؟




.. زيلنسكي يشكر أمير دولة قطر على الوساطة الناجحة بين روسيا وأو