الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الموروث الديني الاسلامي و التطرف

مولود مدي
(Mouloud Meddi)

2017 / 1 / 10
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لا يمكن لأحد ان ينكر بأن مواجهة الارهاب عموما و داعش خصوصا لن تبدأ الا بالحرب الفكرية على منابع هذا الارهاب و جذوره, و عندما ننتقل لمواجهة الارهاب فكريا فأن ذلك يتطلب الاقتراب من بعض المناطق الحساسة في العقل العربي : الدين !, و بالتحديد الموروث الديني الاسلامي الذي اصبح يثير الكثير من الجدل بين المفكرين, و يثير الكثير من الذهول في اوساط عامة المسلمين لأنه تم اخفاء الكثير من التفاصيل في التاريخ الاسلامي اقل ما يقال عنها انها جرائم و حشية بحق الانسانية.
لقد كان المجتمع العربي قبل ظهور الاسلام يتصف بعدة صفات قبلية و عنصرية و بدوية, فالعرب كانوا أكثر الناس افتخارا بالأنساب و كانت تنشأ الحروب بين القبائل العربية لهذا السبب ان لم يكن لأتفه الأسباب كحرب ’ داحس و الغبراء ’, فحتى عصرنا الحالي لا يزال العرب مملوئين برواسب الجاهلية العمياء و التطرف و التعصب, فالتطرف بدأ من الحزب القرشي, لقد استحق لقب المتطرف بكل جدارة, فلم يستطع ايجاد حل للقضاء على دعوة محمد الى دينه الا تدبير محاولة اغتيال فاشلة.
بعد وفاة رسول الاسلام’ بدأت تطفوا الى السطح النوايا الخبيثة عند البع و ظهر ما أخفي طيلة حياة رسول الاسلام, فسلّت السيوف في سقيفة بني ساعدة من اجل السلطة, فلم يستطع البعض التخلص من الجذور التاريخية المنتمية الى البيئة البدوية المتوحشة فأجهضت كل محاولة حوار للفصل في القضية فكانت هذه الحادثة احطّ متاجرة بالدين الاسلامي من اجل السيطرة على الحكم, و عندما حاز القريشيون على السلطة استحوذوا على الدين .. فهم من يمثلون الاسلام و يتحججون بالقرابة مع رسول الاسلام فيجب على المسلم ان يفكر مثل الصحابة و عليه ان يعيش مثلهم و سياسة الدولة يجب ان تكون مثلما حكموا, و الا كان المسلم كافرا, فولّد هذا الفهم المتطرف للدين اعلاء النقل على العقل و طارد رجال الدين الفلاسفة و العقلانيين و الخطابات السياسية اصبحت تبنى على التكفير و الجهاد و قتل المرتد, ثم نشأ التلفيق و الافتراء على رسول الاسلام باختراع احاديث لا تمت له بصلة و اهمها احاديث ’’ الخروج عن الحاكم ’’, اما كتب رجال الدين المسلمين ارتكزت على عقلية ’’ يستتاب او يقتل ’’ و ’’ كافر باجماع الأمة ’’ و ’’ من خرج على الاجماع فهو فاسق ’’ رغم ان الاجماع من غير المقبول ان نتج حكما شرعيا و الا اصبح المسلم مشرّعا في مكان الله, كما تزايد التقديس المبالغ فيه لشخصيات اسلامية مثل الصحابة رغم انهم بشرا مثلنا بل يوجد منهم من ارتكب جرائم شنيعة يندى لها الجبين, ووصل التطرف الى تكفير كل من عارض تقديم النقل عن العقل, فالذين يسمون ’’ ابن تيمية ’’ شيخ الاسلام يذكرنا التاريخ انه قد كفّر كل الفلاسفة و المناطقة بمقولة ’’ من تمنطق تزندق ’’ فكان عصره عصر الرداءة بامتياز يسانده بعض الادباء و الشعراء بمقولة ’’ تفلسف الحمار فمات جوعا ’’ فالهمجية الدينية صعدت و انتصرت على العقلانيين بسبب هذا التطرف الاعمى فلن نتعجبعندما يخرج علينا الدواعش ليعلنوا لنا ان مرجعيتهم هي ’’ ابن تيمية ’’ فبالاستعانة بكتب هذا الرجل التي فاقت كتب الفاشييين في التطرف, فمن كفّر علي بن ابي طالب بالأمس يكفّرون الأمة الاسلامية لنفس الاسباب مثلما فعل سيد قطب يوما و جعل الأمة محسوبة على الجاهلية ان لم تتبنى رؤيته للاسلام.
ان تغييب العقل في التاريخ الاسلامي قد مهّد لظهور طبقة من الكهنة و الرهبان تحرّم كل ما يحلوا لها بدون نص شرعي و بقياس و منطق اقل ما يقال عنه انه تافه, فالاسلام الذي لا تتجاوز المحرمات فيه عدد اصابع اليد الواحدة .. اصبحت المحرمات لا تعد و لاتحصى, فيكفّرون المسلمين ليلا و نهارا كبيرا كان ام صغيرا , فبعض المتطرفين يكفّرون من يحلق لحيته و لا يتركها تصل الى قدميه او من يستمع المسلمين او من يدخّن سيجارة, رغم ان العقل البسيط يمكن ان يفهم بأن هذه الامور من المكروهات و لا يوجد اي اتفاق على تحريمها و الدليل انها لاتزال موضع خلاف, كما يتميز هؤلاء الكهنة بأنهم لا يأخذون العلوم الدينية الا من بعض الاشخاص بعينهم بل حرّموا من يأخذ من غيرهم, فهكذا نشأ خطاب الكراهية ضد الأخر و رفض الرأي الأخر , فمن العجيب ان الذين يدّعون محاربة داعش ينفقون الاموال الطائلة و يستنزفون قدرات الأمة الاسلامية في حلول ترقيعية و يتغاضون عن مفارخ هذا الارهاب الحقيقية مثل المؤسسات الدينية , فالأزهر لا يزال يدرّس لابناء المسلمين اسلام ضرب الرقاب و قتال المخالف في العقيدة و باختصار الاسلام السلفي الوهّابي, فمراجعة هذا الموروث الديني اصبحت ضرورة ملحّة و لن تأتي الا بغربلة هذا الموروث و فصله عن اصول الفقه الاسلامي لأنه سبّب الفاهم الخاطئ للدين و بسببه ظهرت الحركات الارهابية في العالم الاسلامي و اصبحت خطابات الغوغاء و الكراهية مقبولة في العالم الاسلامي, كما ان بعض المؤسسات الدينية مثل الأزهر لا تكفّر داعش لان حسبها تطبق الاسلام الحقيقي و لكنها لاتتورع عن تكفير المسلمين و اخراجهم عن الملّة و مطاردة الادباء و المفكرين الذين يطالبون بالتعامل بصرامة مع هذا الموروث, فهذا الصراع تسبب في مقتل المفكّرين مثل فرج فودة .
ان اي تقدم للأمة الاسلامية الا بقول الحقيقة للمسلمين و مصارحتهم بالتاريخ غير المروي لهم , فالعيب ليس في التاريخ لأن كل الامم لديها تاريخها و امجادها و اخطائها و جرائمها و لكن من العيب ان تصبح بعض جزئيات هذا التاريخ دينا و عقيدة للمسلم بحد ذاتها, ان اي تقدم للامة الاسلامية لن ياتي الا بتحرير عقل المسلم و تعليمه ان يكون انسانيا نقديا لا يقبل ايّ شيئا الا بعد تفكير و تحليل و الا اصبح فريسة سهلة للجماعات الارهابية, كما يجب منع رجال الدين من استغلال وظيفتهم كرجال دعوة لانتاج احكام جديدة في الدين الاسلامي, فمهمّتهم مقتصرة على الارشاد و تعليم المسلمين احكامهم الدينية و لا يجب ان يِؤخذ الافتاء على انّه حكم شرعي بل جواب لقضية فقهية فليس لأحد ان يشرّع بعد الله فحتى رسول الاسلام عندما حرّم شيئا عاتبه ربه في القرأن – يا ايّها النبي لما تحرّم ما احلّه الله لك تبتغي مرضاة ازواجك - كما يجب ان لا يساء فهم مفهوم ’’ الدعوة ’’ فالدعوة في الاسلام عبارة عن دعوة الى الفضائل – و هي من اختصاص رجال الدين – و ليس من هب و دب فليس لأحد الحق ان ينصّب نفسه وصيّا على الناس كما لا يجب ان تكون الدعوة للتمذهب و التحزّب.
و في الاخير, لا مناص من الاعتراف بأن مصدر الدين هو النص القرأني فلا ’’ شيخ الاسلام ’’ و لا ’’ حجّة الاسلام ’’ لهم الحق في احتكار الدين فالعقل هو الخكم على النص و يجب فهمه في ضوء السياق الذي اتى فيه لا في ضوء معناه اللغوي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي