الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانتهازية العلمية ورواية الدكتور ابراهيم لذو النون أيوب

ابراهيم خليل العلاف

2017 / 1 / 12
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


الانتهازية العلمية ورواية الدكتور ابراهيم لذو النون أيوب
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس –جامعة الموصل
وذو النون أيوب ، قاص ، وروائي عراقي موصلي رائد .إنه من أوائل الذين كتبوا القصة والرواية الحديثة في العراق ، وهو مدرس رياضيات تخرج في دار المعلمين العالية (كلية التربية فيما بعد ) .كان كاتبا ماركسيا انضم الى الحزب الشيوعي العراقي وكان من أقطابه ، لكنه سرعان ما إنشق عنه وترك العراق وعاش في فيينا في النمسا وتزوج هناك إمرأة المانية كان يدعوها بأم هريرة .. له مذكرات مثيرة للجدل وهو نفسه مثير للجدل بسبب أفكاره ورؤاه التي عبر عنها ضمن فترات ومراحل تاريخية مختلفة .كُنتُ أراه في الموصل حيث هو من ابناء محلتي رأس الكور ، وكان شقيقه (أحمد ايوب ) شيوعيا اصدر في الموصل جريدة بإسم (الشبيبة ) وقد اضطر لترك الموصل بعد حركة الشواف في الموصل سنة 1959 .
كان ذو النون من مؤسسي مجلة (المجلة ) التقدمية المتنورة التي صدرت في الموصل ثم انتقلت الى بغداد وقد كتبتُ عنها .. ولدي اعدادها في مكتبتي الشخصية وهي مجلة بشرت بمبادئ الحرية والتقدم . كانت مجلة يسارية .
الذي يهمني اليوم ان اقف عند رواية ذو النون ايوب : (الدكتور ابراهيم ) وقد قرأتها وسمعت من والدي انه كان يقصد فيها الدكتور محمد فاضل الجمالي الذي عمل مديرا عاما للمعارف ووزيرا للمعارف ووزيرا للخارجية ثم رئيسا لوزراء العراق في العهد الملكي . وبعد ثورة 14 تموز 1958 حوكم امام المحكمة العسكرية العليا الخاصة (محمة المهداوي ) وحكم عليه بالاعدام وبعدها اطلق سراحه ورحل لى تونس وهناك حفظ له الحبيب بورقيبة رئيس جمهورية تونس صنيعه عندما كان صوتا عراقيا مؤيدا لاستقلال تونس في الامم المتحدة ، فعينه استاذا للتربية بالجامعة التونسية وبقي هناك حتى وفاته .وعندما كنت اكتب اطروحتي عن السياسة التعليمية في العراق 1914-1932 راسلته وسألته عن التأثير الاميركي في مسيرة التعليم العراقي واحتفظ برسائله وقد نشرت احداها في النت وفي جريدة فتى العراق (الموصلية ) .
صدرت الطبعة الاولى من رواية (الدكتور ابراهيم ) سنة 1939. ويقول الاستاذ يوسف نمر ذياب في كتابه (قراءة في كتب لم تصدر حديثا ) الذي صدر ببغداد سنة 1981 ان ذا النون ايوب قد بدأ بروايته (الدكتور ابراهيم ) مرحلة جديدة في الرواية العراقية مرحاة اكثر نضجا في الشكل الفني حتى ان الناقد العربي الدكتور سهيل ادريس قال عنها في مجلته (الاداب ) انها تقف في طليعة النتاج القصصي في الادب العربي المعاصر من حيث انعكاس الاوضاع الاجتماعية في مرآة الادب .. وقد عد الدكتور سهيل ادريس ذو النون ايوب بداية المرحلة الثانية للقصة العراقية التي بدأت مرحلتها الاولى بما كتبه محمد احمد السيد .
اصل الرواية اقصوصة بعنوان (نحو القمة ) اتهم فيها ذو النون ايوب بعد نشرها بأنه يعرض بموظف كبير في الادارة العراقية ذي نفوذ فعوقب الكاتب ونقل الى منطقة بعيدة في شمال العراق وكان مدرسا ثانويا اداريا بسبب ذلك فكان ذلك دافعا لان يعيد كتابة قصته القصيرة في شكل رواية .
كانت حياة الدكتور ابراهيم ، حياة شاب عاش في وسط عائلي كل ما فيه مزيف من ناحية القيم .. كان أبوه رجلا استغل سذاجة الناس العوام ، وطيبتهم وبنى له مكانة على الدجل والكذب ، وسار الابن على سر أبيه ، واستطاع الحصول على بعثة حكومية علمية الى انكلترا .. ومن احدى الجامعات الانكليزية حصل على شهادة الدكتوراه وتزوج هناك امرأة من البلد الذي كان يدرس فيه . وعاد الى الوطن وكانت الانتهازية طريقه الى الارتقاء على سلم الوظائف الحكومية ، لكن سلوكه سرعان ما بان للاخرين فحبل الكذب قصير ، وجاء ذلك بعد ان اصطدم بحامل دكتوراه في العلوم امتنع الدكتور ابراهيم من توظيفه بدائرته ونال منه ما ناله من الضرب المبرح فلم يجد الدكتور - بعد ان افتضح أمره وفصل من وظيفته - الا ان يسافر مع زوجته الى امريكا .
من الطريف ان نشير الى ان الروائي قال فيما بعد انه كان يوما يجلس في مقهى ببغداد جاءه رجل وقال له انه هو الدكتور ابراهيم المقصود في قصته (نحو القمة ) وقد تخيل الكاتب ان الرجل الذي تحدث معه هو الذي اوحى لهذا المتنفذ الكبير بأن ذا النون ايوب يقصده فكان ما كان من امر نقله الى شمال العراق . وفي شمال العراق استلم القاص والروائي رسائل من اعداء الدكتور ابراهيم وكارهي نفوذه ، وفي هذه الرسائل قدموا الكثير مما لم يكن يعرفه عن سيرة واخلاق وخصوصيات الدكتور ابراهيم بطل روايته ، والتي تمثل –كما قال الكاتب – نوعا خاصا سماه الانتهازية العلمية او العصرية .
ومهما يكن من أمر فأن رواية (الدكتور ابراهيم ) كانت من نوع الروايات التي انتهج في كتاباتها الكاتب الاسلوب الواقعي وسواءقصد فيها الدكتور محمد فاضل الجمالي ام غيره الا انها تعكس حالة الطرق الانتهازية التي طالما يسلكها بعض المثقفين من اجل الوصول الى المواقع العليا في الدولة ضاربين عرض الحائط الكثير من قيم الصدق والنبالة والشرف والنزاهة وهذا مما يطعن في مصداقيتهم العلمية ورصانتهم الاكاديمية ودورهم الرسالي كأساتذة في الجامعة وكحاصلي اعلى الدرجات العلمية التي يفترض من حامليها ان يكونوا صادقين في تعاملهم مع قضايا شعبهم ووطنهم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سرّ الأحذية البرونزية على قناة مالمو المائية | #مراسلو_سكاي


.. أزمة أوكرانيا.. صاروخ أتاكمس | #التاسعة




.. مراسل الجزيرة يرصد التطورات الميدانية في قطاع غزة


.. الجيش الإسرائيلي يكثف هجماته على مخيمات وسط غزة ويستهدف مبنى




.. اعتداء عنيف من الشرطة الأمريكية على طالب متضامن مع غزة بجامع