الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدين والفكر الديني ( 2 )

سعادة أبو عراق

2017 / 1 / 16
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


إن هذا الكلام النظري في الفكر الديني، قانون ينطبق على كل المبادئ والأديان، ذلك انه قانون طبيعي، تسير وفقه الأمور إلى الصواب بل هو الذي يسيرها، وإن مخالفة هذا القانون الطبيعي، سوف تؤدي حتما إلى الفشل، ولم نكن نحن في تاريخنا الحضاري بخارجين عن هذا القانون، ونظرة سريعة توضح لنا ذلك.
1- حينما انتهى التنزيل القرآني ، وانتقل الرسول إلى الرفيق الأعلى، هنا انتهى نزول الدين، وبدأ الفكر الديني، فالصحابة شرعوا باستعمال عقولهم حسب فهمهم للنصوص، فاختلفوا واتفقوا وفق فهمهم حول حروب الردة، وانتخاب خليفة, وكتابة القرآن الكريم ، وتسيير الفتوحات وغيرها، ولم يكن اختلافهم إلا نابعا عن فهم كل واحد للآيات القرآنية، لذلك ما قاله الصحابة وما فعلوه لا يجب أن يكون موضع تقديس غير قابل للمناقشة، ولا مكملا للقرآن كي لا يضاف إلى الدين، بحيث لا يحسب على الدين سوء فهم بعضهم أو خطأه.
1- أما المرحلة الثانية فقد كانت مرحلة الفقه، نتيجة لتوسع الدولة وتطور المجتمع، وما كان الفقه إلا رؤية للحياة الجديدة بهدف تنظيمها، وحل مشاكلها المستجدة التي ولدتاها الظروف المحيطة، من خلال فهم القرآن والسنة، في أواخر القرن الثاني للهجرة، حيث بدأها الإمام مالك في المدينة وأبي حنيفة في بغداد، فالإمام مالك رأى في أهل المدينة نموذجا يجب أن يحتذى بهم، وبنى فهمه على هذا الاعتقاد لأن أهل المدينة تتلمذوا على يد الرسول, ودليله الذي استرشد به هي الأحاديث النبوية، أما الإمام أبو حنيفة النعمان فقد كان يواجه رجال الكلام أي المتفلسفين في بغداد والكوفة، فأراد أن يظهر عقلانية الإسلام، ويصادر عليهم قولهم، وكان مبدأه أن ما يقبله العقل يقبله الدين. وأصبح للإمام مالك أتباع والإمام أبي حنيفة أتباع، ولكن لم يحدث بين الفريقين مخاصمة فكرية، لأن احدهما لم يستطع أن يقول عن فكر الآخر انه خاطئ، إنما هناك وجهة نظر أخرى مباينة.
2- حينما جاء الإمام الشافعي فتى صغيرا إلى المدينة، جلس يستمع للإمام مالك وقد ناف عن السبعين من عمره، وتعلم على يديه، لكن مذهب شيخه لم يرق له، لذلك وضع مذهبا جديدا، لا يعتمد في صحة فتاواه على سلوك أهل المدينة، إنما على القرآن أولا ثم السنة ثم مسترشدا بأقوال الصحابة وآرائهم ثم التابعين، وإنه لم يقل عن شيخه انه أخطأ، كما أن المالكية لم يتهموه بالخروج عن فقه مالك، ذلك أن كليهما يرى انه يقدم وجهة نظر، لا يقولون عنها أنها خاطئة ولا يقولون إنها صائبة صوابا مطلقا.
3- في بغداد أيضا وجدنا الإمام أحمد بن حنبل يتخذ مذهبا متشددا شعاره( اتبع النص ) و(لا اجتهاد مع النص) بعكس مذهب أبي حنيفة العقلاني المنفتح، ذلك انه كان يواجه الباطنية الذين يفسرون القرآن والأحاديث على هواهم، وأيضا المعتزلة، إنه يقدم وجهة نظر لمعالجة مشكلة مستفحلة، لم يقل له الأحناف أخطأت ولم يقل للأحناف أنتم مخطئون.
4- إن فتاوى الإمام الشافعي في بغداد اختلفت عنها في مصر ذلك أن الظروف والمشكلات في مصر تختلف عنها في بغداد، وهذا يدلنا انه لا فكر يكون صائبا في كل زمان ومكان، لأن الفكر أصلا نابع من البيئة ويصب بها، فإذا ما اختلفت البيئة ستختلف القضايا والمشكلات ، وبالتالي ستختلف الأفكار في أسلوب المعالجة.
5- توالى بعد ذلك ظهور الأئمة والتيارات الفكرية في مختلف بقاع الديار الإسلامية، ومعظمهم كما نتصور لم يكونوا على صلة مباشرة مع الآخرين، فكل منهم يفتي بما يناسب مجتمعه من قضايا، من هنا نفترض هذا الكم الهائل من الفتاوى أو الفكر الديني، يحتوي على قدر من الاختلاف والتضارب، بمقدار اختلاف البيئات في هذا العالم، وبالطبع هذا دليل صحة وحيوية ونشاط، وليس دليل الفوضى والتخلف.
أن فقهاءنا ومفكرينا وفلاسفتنا الذين اقتنعوا بهذه الفكرة، فرقوا قديما بين القرآن كمصدر للدين، وبين الفكر الديني الذي نما منه أو عليه، من علوم القرآن والحديث والفقه والدراسات الدينية من تلاوة وتفسير وسيرة نبوية ومغازي وغيرها ،ولم يقل أحد منهم بأن هذه العلوم هي الدين ، وأنها علم مؤكد أو تام، لا يجوز مناقشة صحته أو تهذيبه، أو التوسع به، بل ظلوا يراجعون كتابات بعضهم، إما بالكتابة على الحواشي أو بالرد على بعضهم بعضا، أو باتخاذ وجهات نظر أخرى. مما أثرى حضارتنا وسما بها.
كان مفهومهم للحضارة مفهوما راقيا ومتقدما، ولكننا اليوم وفي عصر الحضارات المتقدمة أصبحنا أكثر الأمم تخلفا، بسبب أننا لم نفرق بيم الدين الثابت، والفكر الديني الذي يجب أن لا يكون ثابتا، بل متحركا وناميا ومتغيرا، لذلك أصبحنا بالدين نحارب الدين, وبالدين نحارب الحضارة, وبالدين نحارب بعضنا، ذلك أننا نحمل أفكارا ومبادئَ لا نملك مناقشتها ولا نسمح لأحد بمناقشتها حفاظا على الدين، كما ذلك المريض الذي يكابر في مرضه ويدعي سلامته من كل داء، لذلك لا يسمح للطبيب أن يكشف عليه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الدين والفكر الديني توأمآن متلاصقان
سمير أل طوق البحرآني ( 2017 / 1 / 17 - 12:27 )
الدين والفكر الديني سببا مآسي لا حدود لها ولا زلنا نعاني منها والدين هو الاساس وليس الفكر الديني لا ن الفكر الديني مبني على الدين نفسه واذا كنت تعتقد بان ما حدث بانه اجتهادات بشرية فهذا بذاته يؤكد ان لا تنزيل ولا هم يحزنون وحاشا الله ان يدع دينا لآرآء بشر يسبب قتالا بينهم. فهل حرب الردة كما يسمونه كان سببه اجتهاد ابو بكر ام ان هناك نصوص تسانده؟. هل خروج عآئشة على الامام علي وقتال علي ومعاوية وتصفية اهل بيت النبي من واقعة كربلاء ووقعة الحرة والقوي هو الفآئز كلها اجتهادآت بشرية؟؟. فاذا كان حقا ما تقول فهذا يؤكد ان الدين حبكة سياسية ولا علاقة له بالسماء او ان الرسول لم يؤدي رسالته على الوجه الاكمل اذ انه اتى بعبارات مطاطية وتركها لآراء الصحابة وكل راي له ما يدعمه من نصوص.الدين الاسلامي سبب ويلات على المسلمين انفسهم اذ انه اعتبر غزو البلدان الاخرى فتح واحتلالها رحمة. في الوقت الذي ننتقذ فيه اسرائيل لاحتلالها لفلسطين نؤيد عاصفة الحزم وقتل اليمنيين ولا نعتبره احتلال لجيوش اجنبية لا علاقة لها بالشان اليمني. بالامس نفذت حكومة البحرين الاعدام في ثلاثة شبان بتهمة قتل ضابط اماراتي في البحرين


2 - الدين والفكر الديني توأمآن متلاصقان ـ تابع
سمير أل طوق البحرآني ( 2017 / 1 / 17 - 12:27 )
ولا نعرف سبب مجيئه للبحرين فهل كان سبب مجيئه حماية للبحرين من غزو اجنبي ام لقتال اهاليها المطالبين بالاصلاحات وهو شان داخلي ولا علاقة لاي دولة للتدخل في شئونهم الا بالكلمة الطيبة. اليس مجيئه يعد تعد سافر ام انه مشرع طبق اجتهاد علماء البلاطات والذي ادى الى قتله بيده وليس بيد من اتهموا بقتله ؟؟. اوليس الفكر الديني هو السب في كل هذه المآسي (انصر اخاك ظالما ومظلوما) وكل يفسره حسب اجتهاده؟؟. من قتل الشهيد الشيخ محمد سعيد البوطي؟؟. اليست فتوى فقيه البيت الابيض القرضاوي لان الفتاوى اصبحت تباع كما تباع العبيد في سوق النخاسة عند المسلمين بسبب كارثية النصوص المبهمة. اخي الكريم لا حل الا بابعاد الدين عن السياسة وجعله شان شخصي والانسان حر فيما يعتقد وليكن الدين لله ـ حسب معتقد الانسان ـ والوطن للجميغ. ولتعلم ايها الاخ الكريم بان هناك فرق بين تعاون الدول على مصالح دنيوية لا علاقة لها بالاديان وتعاون الدول العربية والاسلامية على ظلم الناس متخذين من الدين وسيلة لتنفيذ ذالك بفتاوى لها نصوص دينية تشرعنها.


3 - المشكلة لبست بأدانة احد الأطراف انما البحث عن جذور
سعادة أبو عراق ( 2017 / 1 / 17 - 16:48 )
شكرا أخي سمير على هذا الرأي ،ارجو العلم اني لست متدينا ، ولست ممن يؤيدون او يناوئون المذاهب السنية او الشيعية وغيرها ، انما انا في كل مقالاتي التي نشرت وتنشر أحاول فيها ان اصحح مفاهيم وقيم ومعتقدات ورثناها على انها صحيحة وفي الحقيقة خاطئة، وانا في مقالاتي وطرحي لا اسخف ولا ارفض ولا اكفر انما آتي بالمفهوم السائد وافكفكة واجد مكان الخطأ واناقشة ، مشكلة العلمانيين _ وانا علماني انهم لا يناقشون افكار الخصم بجدية بل يذهبون إلى السخرية والتسخيف والإنكار ، وبذلك تكون النتيجة صفرا ،ان القضايا السياسية التي طرحتها وهي مؤلمة للجميع ، وما كان لها ان تحدث لولا الخلل في الفكر الديني وسوء فهم النصوص عن قصد مسبق او جهل مطبق، اتكلم كعقلاني حريص على امتي وعروبتي وانسانيتي ، مع وافر المحبة الصادقة _


4 - الاخ الكريم سعادة ابو عراق المحترم
سمير أل طوق البحرآني ( 2017 / 1 / 18 - 03:29 )
اشكرك جزيل الشكر على ردك المهذب والى مزيد من العطاء مع تمنياتي لك بالعمر المديد.

اخوك سمير.

اخر الافلام

.. الجماعة الإسلامية في لبنان: استشهاد اثنين من قادة الجناح الع


.. شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية




.. منظمات إسلامية ترفض -ازدواجية الشرطة الأسترالية-


.. صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها




.. كاهنات في الكنيسة الكاثوليكية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24