الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الهوية الحائرة... تغريبة -الحسن الوزان- او -ليون الافريقي-

منير ابراهيم تايه

2017 / 1 / 22
الادب والفن


"ليون الافريقي" أو "الحسن بن محمد الوزان" دبلوماسي عبقري بكامل تعقيد ظروفه الإنسانية والإجتماعية والسياسية وشخصية جدلية شخصية إشكالية في تاريخها فجوة غير معروفة التفاصيل بدقة أثارت مشاعر متناقضة من الحب والاعجاب، شخصية عربية على درجة مهمة من الثقافة العابرة للحضارات من المعيب ان تبقى حبيسة اقبية التاريخ حتى يـأتي المستشرق الفرنسي لويس ماسينيون ليبعثه من جديد بعد دراسته لكتاب ليون "وصف افريقيا"، ليأتي أمين معلوف من جديد الذي يذهب إلى التاريخ ويعود في رحالات منتظمة، وجولات ساحرة، نبيلة الغايات وعبر هذه الرواية الشيقة ليعيد الحياة لرحالة عرف في أوروبا، ولم يعرف في عالمنا العربي والاسلامي، بشكل انطباعي إلى حد ما ورومانسي بالتركيز على حياته الشخصية وحياته الخاصة انطلاقا من الأزمنة والأمكنة التي زارها وعايشها، وعن سبب اختياره لــ "ليون الإفريقي" موضوعا لروايته يقول: "إنني اخترته لأنه شخصية منسية إلى حد ما، وأنا أعتبر أنه ينتمي إلى التاريخ الذي أنتمي إليه أنا؛ ولذا فاني أشعر بأن هناك صلة روحية بيني وبينه، فمن الضروري إضاءة حياة رموز في حضارتنا عرفت بالانفتاح واشتهرت بالمغامرة والتوثب؛ والطموح إلى كشف المجهول والغامض؛ وكانت جسورا بين حضارات مختلفة مثلما كان "ليون الإفريقي" وصار رمزا للحوار والتفاعل الحضاري بين الشرق والغرب كون الشخصية الروائية بنيت لتكون متسامحة، فـ"ليون" لم يعان من صراع داخلي بين هوياته العرقية والدينية، رغم طبيعة الظروف التاريخية التي شهدها والحياة التي عاشها، وهنا لم يبد الكاتب مقنعا حين تحول "ليون" إلى المسيحية، فالتحول الديني تحول مفصلي، من الطبيعي أن يثير إشكاليات داخل النفس البشرية، ولكن الكاتب عرض له وكأنه تصرف طبيعي.
الحسن بن محمد الوزان رحالة مشهور عرف باسم "ليون الإفريقي"، ذاع صيته بعد صدور رواية "ليون الإفريقي"، واعتقدت أن المعلوف هو الذي اكتشف هذه الشخصية وحياته الأسطورية وتنقلاته العجيبة، ولد بمدينة غرناطة وانتقلت أسرته إلى مدينة فاس، عمل بعد لدى السلطان محمد الوطاسي المعروف بالبرتغالي الذي قربه اليه واصبح من سفراءه، مما جعله يكتسب معرفة كبيرة ببلاد المغرب وإفريقيا وبعض البلدان الشرقية والأوربية. وهو ما شجعه على كتابة مؤلفه "وصف إفريقيا"، وأثناء عودته في سنة 1519 من إحدى رحلاته وقع أسيرا في يد قراصنة صقليين قدموه للبابا جون ليون العاشر بمدينة نابولي الإيطالية حيث تم تنصيره وتسميته ب "ليون الإفريقي" أو "يوحنا الأسد الغرناطي"، حيث اندمج في أوساط المجتمع والمثقفين الايطاليين، ونسج علاقات صداقة ومودة مع كبار الرسامين الايطاليين الذين تعرف إليهم، واستطاع أن يخلد وجوده الملتبس، ولما كانت اللغة العربية تعني الحضارة كلها، فقد كلف بتدريس اللغة العربية لرجال الكنيسة، لانها كانت تعني ان من يدرس لغة العرب، إنما ينقل الى لغة قومه وفكرهم تراث مئات السنين من المعارف الفلسفية والعلمية والأدبية والجغرافية والتاريخية... وبهذا، تمكّن حسن الوزان من أن يساهم، وإن كان تحت اسم "ليون الافريقي" في بعث نهضة فكرية في تلك الديار... اختفى من روما في ظروف غامضة حوالي 1550 ورحل إلى تونس ليعود إلى إسلامه. ومن تم انقطعت أخباره فلا يعرف أعاد إلى بلاده أم بقي في تونس. ويرجح أنه توفي في نفس السنة.
تبدأ الرواية من غرناطة وتحديدا عام 1488، قبل سنوات من سقوط غرناطة وطرد آخر الحكام المسلمين منها، متنقلا بين ممالك تسقط وإمبراطوريات تبزغ، بين شموس تغرب وأخرى تشرق، بين غرناطة الضائعة وفاس الحائرة، وتمبوكتو المحترقة، والقاهرة ومكة وتونس والقسطنطينية وروما. عوالم تجول فيها الوزان الذي انتهى به المطاف لكي يصبح "ليون" عند البابا في روما بعد أسره من القراصنة، دونما وعي منك تشدك احداث بحبل من الحنين الآسر، تعجب ببطلها حتى تضائلت كل الشخص الى جانبه، وأنت تتلمس خيوط الرواية يأخذك معلوف معه إلى غرناطة مسقط رأس الوزان ، فيبعث فيك مشاعر الانكسار والأسى، ثم إلى فاس حيث تشهد أحط مظاهر الانحطاط والخسة وانت ترى الذين أنهكتهم محاكم التفتيش يجدون من يتاجر بأوجاعهم في هذه المدينة التي يباع فيها كل شيء، وكلما سافرت مع هذا الرجل تتوضح الصورة أكثر فأكثر، فتشهد أحوال غرب إفريقيا وممالكها الإسلامية، ثم يأخذك إلى القاهرة في أحلك أوقاتها، صراع الإخوة الأعداء، صعود العثمانيين ومذبحة القاهرة سنة 1517م ، ستعرف من الخائن ومن السفاح، من كان رجلا ومن لبس قناع الرجولة ولما صعد السلم قذف به بعيدا إلى البحر، وفي ذروة تصاعد الأحداث تجد نفسك في القمة، روما ، مدينة عاصمة البابا، حيث يجد بطل الرواية نفسه دون إرادة منه، ساقته الأقدار إليها بعد رحلة اختطاف عسيرة، لقد عُمّد على يدي ليون العاشر بابا روما، وأصبح ليون الإفريقي من أسرة أل ميديتشي، وهناك في روما حيث كانت تصنع مصائر الناس وجد نفسه ممن يصنعون تاريخ أوروبا، فشهد صراعات الكنيسة وشارلكان إمبراطور اسبانيا الطامح، ويحاول عبر دبلوماسية الحلول الممكنة إنقاذ البابوية وآل ميديتشي، ليجد نفسه في وضع غريب، فهو يسمع بانتصارات السلطان سليمان القانوني في شرق أوروبا، أيفرح بما يفعله أبناء أمته القديمة ؟ أم يأسى على حال أبناء دينه الجديد؟
ثم تبرز حركة الإصلاح الديني من ألمانيا ، مارتن لوثر ينتقد الكنيسة والبابا ثم ما يلبث أن يزلزل الأرض تحت أقدام البابا وزعامته ، وتسقط روما مرة أخرى هذه المرة على يد شارلكان ومرتزقته المشبعين بفكر لوثر المحتج ، وهنا ينجو صاحبنا مرة أخرى من الإعصار، ينجو كما كان يحدث دائما فقد كان في قلب الأحداث في كل مرة ، في غرناطة ... في فاس... في قلب القاهرة ثم روما التي أعطته اسمها وسلطتها وعنجهيتها ، ويعود ليون بعدها إلى العش الذي انطلق منه قبل أربعين سنة ، ليس معه سوى بقايا مجد صنعه ذات يوم في كل مكان مما وطأته قدماه من العالم .
وما أن تنتهي صفحات هذه الرواية حتى ترى كل الأحداث التي قرأتها أو عشتها في سطورها، ماثلة أمامك، تحس بها وتكاد تتلمس خيوطها بين أناملك: تاريخ أوروبا وآسيا وأفريقيا كله بين يديك، مجسّدا في شخصية رجل واحد. كل ما في الأمر أن أمين معلوف عرف كيف يكتب التاريخ في عذوبة وسلاسة، دون أن يعبث بقدسية تاريخية مزعومة، ولا أن ينحني أمام سطوة التاريخ الرسمي المفروض
اربعون عاما من المغامرة ما بين غرناطة وفاس تمبكتو والقاهرة واسطنبول و روما وفرنسا و غيرها من المدن و الامصار التي جابها يتكلم كل اللغات و يمارس كل المعتقدات ويشرب من جميع المشارب صال وجال وسافر وفي كل مرة ينجو من مخاطر المغامرة في غياهب القرون الوسطى لتنتهي الرواية والحسن يخاطب ابنه في طريق العودة "مرة جديدة يا بني يحملني هذا البحر الشاهد على جميع أحوال التيه التي قاسيت منها، وهو الذي يحملك اليوم إلى منفاك الأول. لقد كنتَ في روما "ابن الإفريقي"، وسوف تكون في إفريقيا "ابن الرومي"، وأينما كنت فسيرغب بعضهم في التعقب في جلدك وصلواتك. فاحذر أن تدغدغ غريزتهم يا بني، وحاذر أن ترضخ لوطأة الجمهور! فمسلما كنت أو يهوديا أو نصرانيا عليهم أن يرتضوك كما أنت، أو أن يفقدوك. وعندما يلوح لك ضيق عقول الناس فقل لنفسك أرض الله واسعة، رحبة هي يداه وقلبه، ولا تتردد قط في الابتعاد إلى ما وراء جميع البحار، إلى ما وراء جميع التخوم والأوطان والمعتقدات. أما أنا فقد بلغت نهاية رحلتي... إلى ذلك المثوى الأخير الذي لا يحس فيه أحد قط بالغربة أمام وجه الخالق".
الرواية بلا شك مذهلة ويبدو لي انني وصلت في نهايتها إلى فكرة ربما يكون أمين معلوف حاول بذرها من خلالها، وهي مسألة التعايش مع الآخر والتي أصبحت ضرورية وملحّة في ظل الهويات المركبة في أغلب البلدان العربية...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث


.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم




.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع