الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ترامب المرشح للرئاسة وترامب الرئيس (1/2)

حسين كركوش

2017 / 1 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


مأتم جنائزي


عندما كنت يوم الجمعة الماضي أتابع مع الملايين وقائع نقل مشهد تنصيب ترامب ، تولد عندي انطباع أن ليس غريمة ترامب المخذولة المنكسرة ، هيلاري كلينتون ، وحدها ، ولا زوجها الرئيس السابق وحده ، وإنما أيضا زملائه الرؤوساء السابقين ، بما في ذلك أوباما ، قد حضروا إلى مأتم جنائزي أو لمجلس فاتحة أقيم لعزيز لهم فقدوه ، وليس لحفل تنصيب زميل لهم أو مواطن أميركي مثلهم ، يعبرون فيه عن سعادتهم ، أو أقله عن رضاهم. و قد بدوا وكأنهم حضروا مجبرين ورغما عنهم.
هل كانوا يخشون ما سيقوله ترامب سليط اللسان ؟ أم أنهم كانوا يشعرون بالأسى لأن (المؤسسة Estblishment) الأميركية التقليدية القائمة التي توارثوها ستتعرض لتغيير عميق ؟



صفعات على الوجوه

صحيح أنهم اعتادوا على أقوال وتصريحات ترامب ، لكن ربما كانوا يعتبرونها (قفشات) ليس إلا ، كانت تمليها متطلبات المنافسة الانتخابية ، وكانوا يعتقدون أن اقترابه رسميا من المنصب سيغيره.
لكن ترامب خّيب ظنهم تماما.
كان ترامب الرئيس هو نفسه ترامب المرشح للرئاسة. كان ترامب الرئيس وفيا جدا لترامب المرشح. ترامب الرئيس ردد حرفيا ما كان يقوله ترامب المرشح.
لم يغير ترامب أفكاره وأرائه السابقة حتى ولو مثقال واحد. وحالما بدأ خطابه كانت كلماته بمثابة صفعة قوية على وجه كل واحد منهم (ديمقراطيين وجمهوريين) ، بدوا على أثرها وكأنهم أُصيبوا بالشلل ، حتى أن الرئيس المنصرف أوباما ظل ساكنا في مكانه وكأن على رأسه الطير ، كما تقول العرب ، رغم أن ترامب في خطابه أطرى عليه وعلى زوجته.

بدأت صفعات ترامب على وجوه رؤوساء أميركا ، بل على وجه (المؤسسة) الأميركية التقليدية ، منذ الكلمات الأولى عندما قال :

( الرئيس كارتر ، الرئيس كلينتون ، الرئيس بوش ، الرئيس أوباما ... نحن المواطنون الأميركيون نجتمع هنا لإعادة بناء بلادنا ) ثم تحدث بالتفصيل عن أنواع الخراب. و بالطبع ، ما كان ترامب بحاجة بعد ذلك لأن يقول مكملا : بلادنا التي هدمتموها أنتم ، أنتم جمهوريون وديمقراطيون.


(البلشفي) ترامب يخاطب (المناشفة)!!

ثم ، وفي مفارقة تاريخية مغرقة في غرائبيتها وعجائبيتها ، وفي سرياليتها ، بدى ترامب ، و هو الملياردير الذي يضع يده على مسدسه حال سماعه كلمة اشتراكية والذي وضع هدفه الأول إلغاء قانون الرعاية الاجتماعية الذي سَّنه أوباما ، أقول ظهر وكأنه (بلشفي) أميركي جديد يهاجم (المناشفة) الجالسين أمامه من الجمهوريين والديمقراطيين ، مصمما على فضحهم أمام الشعب ، ومتوعدا إياهم بإنشاء مجالس لمفوضي الشعب الأميركي !!
قال ترامب : ( إن مراسيم اليوم لها معنى خاص للغاية ، لأننا اليوم لا نقوم بمجرد نقل السلطة من إدارة اخرى أو حزب اخر ، بل أننا ننقل السلطة من واشنطن العاصمة ونعيدها للشعب الأميركي. اليوم أصبح الشعب هو حاكم هذه البلاد.)

يقول كاتب أسمه توماس فرانك في مقال له نشره في جريدة الغارديان إن أميركا تعيش (لحظة تاريخية شعبوية محملة بالغضب) ضد إداء المؤسسة الأميركية. وهو على حق تماما. ونحن نقول إن ترامب هو أبرع شعبوي يميني عرفه التاريخ الأميركي لتوظيف واستثمار هذه اللحظة التاريخية.



(شلع قلع)

يروي تاريخ العراق السياسي القريب إن العراقيين كانوا يرددون أهزوجة في العهد الملكي ، تقول (نوري سعيد القندرة وصالح جبر قيطانها) ، أي أنهم ما كانوا يفرقون بين رئيس وزراء وآخر مثله يتم اختياره وقتذاك لإدارة شؤون البلاد ، فكلهم سواء في السوء.
وفي تاريخ العراق هذه الأيام يردد قائد التيار الصدري ، السيد مقتدى الصدر ، عبارة (شلع قلع) ، وهو يتحدث عن رداءة جميع رجال الطبقة السياسية الحاكمة حاليا.

ترامب و الأميركيون الذين انتخبوه رددوا مع أنفسهم ، بل كادوا أن يقولوا بصوت عال ، ( الديمقراطيون قندرة والجمهوريون قيطانها) ، ونريد إزاحتهم كلهم (شلع قلع). لا تنسوا هنا أن الرئيس بوش ، مثلا ، لم يصوت لصالح ترامب ، وهو أمر فسره ترامب بأنه انتقام منه لأنه عارض الحرب على العراق التي شنها بوش.



ترامب سيجد تفويضا غير مشروط من ناخبيه

هولاء الناخبون الذين صوتوا لترامب ، وغالبيتهم الساحقة من المواطنين البسطاء المخذولين المتقوقعين داخل شرانقهم والذين يتحدد سير حياتهم اليومية بين كنائس يذهبون إليها أيام الآحاد يطلبون منها النذور لتخفيف محنهم اليومية و بين محلات البقالة الرخيصة و بين غرف النوم الخالية من أي أحلام كبيرة ، هولاء لا يفكرون أبعد من أرنبة الأنف. هولاء لا يهمهم إلا تحسن ظروف حياتهم المعاشية ، أولا ، و ثانيا الحفاظ على نمط عيشهم التقليدي الذي ألفوه. ولهذا فأن ترامب ضرب في خطاب تنصيبه على هذين الوترين فقط ، لا غيرهما.
الأول هو ، توفير فرص عمل ورخاء.
والوتر أو الموضوع الثاني هو توفير حياة آمنة ، عن طريق (توحيد العالم المتحضر ضد الإرهاب الإسلامي المتطرف الذي سنزيله بشكل كامل من على وجه الأرض) ، ولو أكما ترامب لقال : حتى تكونوا أيها الأميركيون الذين انتخبتموني في منأى عن رعب الإرهاب الذي عانيتم منه خلال تفجيرات برجي التجارة ، وفي مدن أميركية آخرى بعد ذلك.
بفضل هذه الوعود الذهبية سيجد ترامب تضامنا غير مشروط من ناخبيه ، وسيصفقون له بحرارة في أي حرب سيخوضها ، لأنهم لم يصوتوا لترامب السياسي ، وإنما صوتوا لترامب (المنقذ) الذي يعدهم بالمعجزات ، والذي يظنون أنه القادر على تحقيق المعجزات. لو أن ترامب سيقول غدا بأنه سيضرب الدولة الفلانية أو الجهة العلانية بالقنابل استباقا لهجمات إرهابية يراد شنها داخل أميركا ، فسيصدقه و سيؤيده فورا هولاء الناخبون.


الإرهاب الإسلامي المتطرف

الآن ، لنترك الشق الأول الذي يتحدث فيه ترامب عن الأوضاع الداخلية الأميركية ، ونتوقف عند ما يهم منطقتنا ، وهو موضوع الإرهاب.
ماذا يعني ترامب وأي جهة يقصد عندما تحدث عن (توحيد العالم المتحضر ضد الإرهاب الإسلامي المتطرف ، وإزالته من على وجه الأرض) ؟
مَن هو العالم المتحضر عند ترامب ؟
و مَن يدخل في تعريف (الإرهاب الإسلامي المتطرف) ؟

هنا نفضل العودة بالتفصيل ، وبالتفصيل الممل ، إلى خطاب موسع ألقاه ترامب في 15 آب الماضي وخصصه للقضايا الخارجية ، وتوقف خلاله بالتفصيل عند الإرهاب الإسلامي المتطرف.
في ذاك الخطاب قال ترامب حرفيا : (سنهزم إرهاب الإسلام المتطرف تماما مثلما هزمنا كل خطر واجهناه في كل حقبة سابقة. ولكننا لن نهزمه بعيون مغمضة وبأصوات خافتة في أشارة إلى هيلاري كلينتون وأوباما وعموم الديمقراطيين . فأي شخص منا لا يسمي عدونا بالأسم لا يصلح لقيادة بلدنا. و أي شخص لا يدين الكراهية والاضطهاد وعنف الإسلام المتطرف Radical Islam هو شخص يعوزه الوضوح الاخلاقي ولا يمكنه ان يقود بلادنا.)
ترامب في ذاك الخطاب وضع داخل خانة واحدة الإرهاب الإسلامي المتطرف (إيران التي هي أكبر دولة راعية للإرهاب ، والدولة رقم واحد الراعية للإرهاب الإسلامي المتطرف
Iran, the world’s largest state sponsor of terrorism. Iran, the number one state sponsor of Radical Islamic Terrorism.(

ومع إيران وضع ترامب سواء بسواء ( تنظيم الدولة الإسلامية / داعش الذي (ينشر الرعب). ترامب يساوي بين الطرفين ، إيران وداعش ، ويّحملهما معا مسؤولية نشر ما أسماها (ّآيدولوجية الكراهية ، آيدولوجية الموت التي يتبناها الإسلام المتطرف.)
الفرق المذهبي الإسلامي الشيعي- السني ليس مهما عند ترامب ولا يعيره أي أهمية ولا يتوقف عنده. النظام الإسلامي الشيعي في إيران ، وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) السني هما عند ترامب سواء بسواء.
ولأن الفروقات المذهبية الإسلامية لا يتوقف عندها ترامب ولا تهمه من بعيد أو قريب ، فأنه ألقى في نفس خطابه ، باللائمة على الرئيس السابق أوباما عندما زار القاهرة في بداية عهده وألقى هناك خطابه الشهير عن الإسلام والمسلمين ، وتحدث فيه بنبرة تصالحية عن علاقة الإسلام بالغرب عموما وبالولايات المتحدة على وجه الخصوص.

قال ترامب في خطابه الذي نحن بصدده ، وهو ينتقد بعنف خطاب أوباما في القاهرة :
( لا يوجد ، ربما ، خطاب أكثر تضليلا نحو العالم الإسلامي أكثر من ذاك الخطاب الذي ألقاه أوباما في القاهرة عام 2009. نعم ، لا نجد أي ذرة شجاعة في خطاب اوباما في القاهرة. فبدلا من إدانة اضطهاد النساء والمثليين في بلدان إسلامية عديدة، وبدلا من إدانة الخرق المنظم لحقوق الإنسان ، أو تمويل الإرهاب العالمي ، فأن الرئيس اوباما حاول أن يساوي بين سجل حقوق الإنسان عندنا في أميركا والغرب عموما وسجله هناك في البلدان العربية والإسلامية. كانت كلمات اوباما ساذجة تبعتها ممارسات ساذجة.)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التوتر يشتد في الجامعات الأمريكية مع توسع حركة الطلاب المؤيد


.. ما هي شروط حماس للتخلي عن السلاح؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. استمرار تظاهرات الطلاب المؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمي


.. وفد مصري إلى إسرائيل.. ومقترحات تمهد لـ-هدنة غزة-




.. بايدن: أوقع قانون حزمة الأمن القومي التي تحمي أمريكا