الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قرارات ترامب هوجاء مفاجئة أم مدروسة تسعى لتكريسه زعيما لا مجرد رئيس آخر عابر

ميشيل حنا الحاج

2017 / 1 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


كلما جلس الرئيس دونالد ترامب وراء مكتبه، وحمل القلم ليوقع به أمرا تنفيذيا جديدا، تهبط القلوب في صدور المدافعين عن حقوق الانسان، تخوفا من الجديد الذي سيأتي به الأمر الجديد الجاري توقيعه. فكل أمر تنفيذي وقعه منذ جلس على مقعد الرئاسة، كان يثير ضجة وجدلا في المجتمع الأميركي وفي العالم، بدءا من توقيعه الأمر القاضي بتجميد العمل بقانون أوباما كير الذي رحب به لدى تنفيذه ملايين الأميركيين، واذا به يلغيه بجرة قلم. كما وقع الأمر القاضي ببناء جدار فاصل على امتداد الحدود الأميركية مع المكسيك. وهو حر في توقيع قرار كهذا، لكنه ليس حرا في اجبار المكسيك على تسديد كلفة البناء. ولدى رفض المكسيك تحمل مسؤولية بناء الجدار أو تحمل أيا من كلفته، اضطر للاعلان بأنه سوف يستوفي كلفة الجدار من ضرائب تفرض على البضائع المستوردة من المكسيك. واضافة الى هذين القرارين وقرارات أخرى، جاء أخيرا القرار الأكثر اثارة للضجة، وهو قرار حظر السفر الى الولايات المتحدة الذي فرض على سبع دول اسلامية هي سوريا والعراق وليبيا واليمن والصومال والسودان وايران، بل واعتبار تأشيرات الدخول الصادرة قبل المنع لا غية، ومثلها وثائق الجرين كارد التي تأذن للبعض بالاقامة تمهيدا لحصولها على الجنسية...هذه أيضا لاغية.

وأثار القرار ضجة كبرى لأنه لا يفرض حظرا مستقبليا، بل حظرا بأثر رجعي يلغي مفاعيل تأشيرات صدرت فعلا، وبطاقات جرين كارد فاعلة وقطعت شوطا في هذا المضمار. ولكن الأهم من ذلك، أن أوامره التنفيذية المتسارعة تلك، تؤكد جديته في كل ما طرحه في حملته الانتخابية، واعتقد البعض أنها مجرد طروحات لغايات انتخابية، وتبين الآن أنه جاد بها جميعها، مما ينذر أيضا، بعد أن نفذ توجهه الحذر نحو المسلمين، أن يلحقه بطرد ملايين المقيمين اقامة غير شرعية في الولايات المتحدة وغالبيتهم من الاسبان، أي المكسيكيين ومن دول أميركا اللاتينية، وأن يتشدد في اضطهاد حتى المقيمين منهم اقامات شرعية، وربما لاحقا في التوجه نحو تمييز الأبيض الأميركي على الأجناس والاثنيات الأخرى، مما قد يؤدي تدريجيا الى انبعاث حركات كوكلاكس كلان التي طالما اضطهدت السود بل والكاثوليك أيضا.

لكن الأخطر في قراره الخاص بحذر دخول الولايات المتحدة على مسلمين من ست دول عربية اضافة الى ايران،
أنه لم يستند الى أسس صحيحة ومبررات جدية. فهو كما يقول ترامب ويدعي، قد فعل ذلك كي يبعد خطر الارهاب عن بلاده، باعتبار أن هؤلاء المسلمين من تلك الدول، هم ارهابيون بطبيعتهم. ولكنه عندما فعل ذلك واتخذ هذه الخطوة الجبارة المبتعدة تماما عن كل المفاهيم الانسانية ومبادىء حقوق الانسان، ومنها حق اللجوء اذا تعرضت حياة الانسان للخطر. فعلى أرض الواقع مثلا، لم يقم الصوماليون الممثلون بشباب الصومال، بأي عملية أرهابية في الولايات المتحدة (غير واحدة)، اذ اقتصرت هجماتهم في الداخل الصومالي وفي بعض دول الجوار أحيانا ككينيا مثلا. أما في الولايات المتحدة، فلم تسجل العمليات الموصوفة بالارهابية، الا حادثة واحدة نفذها في 18 أيلول 2016، رجل من أصل صومالي يرتدي ملابس رجل امن، عندما هاجم سوقا تجاريا مزدحما في حي سانت كلاود في مدينة مينوسوتا الأميركية. وقام بطعن تسعة من رواد السوق التجاري. وقال شهود العيان أنه كان يسأل من يهاجمه ان كان مسلما أم لا، قبل أن يستخدم سلاحه الأبيض في طعنه. فهل هذه الحادثة الفريدة، بل اليتيمة من نوعها، التي ارتكبها صومالي خلال الأعوام الأربعة التي ظهر فيها الارهاب للعالم، تبرر فرض حظر على دخول كل الصوماليين الى الولايات المتحدة؟

وكما الأمر بالنسبة للصومال، هناك أيران. فالواقعة الوحيدة التي نفذ فيها عمل ارهابي مواطنون من أصل ايراني، تمثلت في ذاك الهجوم المسلح الذي نفذه في الثاني من كانون أول 2015 ، الزوجان من أصل ايراني رزوان فاروق وزوجته تاشفين ماليك، عندما هاجما بسلاح رشاش مركزا طبيا في مدينة بيرناردينو بولاية كاليفورنيا، وتسبب الهجوم بمقتل أربعة عشر شخصا. فهذه هي الواقعة الوحيدة التي نفذها، في مدى أربعة أعوام من انتشار الارهاب، مواطنان من اصل ايراني، وبطبيعة الحال لا تبرر أبدا فرض حظر على كل الايرانيين، ما لم يكن الغرض من وراء فرض الحظر عليهم، هو التعويض عن عجزه عن احباط اتفاق دولي وقعه الرئيس أوباما، أراد ترامب الغاءه، ولكنه لم يفلح بعد في ايجاد المبررات المقنعة أميركيا ودوليا لذلك. والمقصود بذلك الاتفاق النووي الذي وقعته مع ايران، دول خمسة زائد واحد. فالتاريح الحديث، لم يسجل أعمالا ارهابية نفذها ايرانيون أو أميركيون من أصل ايراني كالزوجان رزوان فاروق وتاشفين مالك السابق ذكرها.

الأمر ذاته ينطبق على السوريين والعراقيين والليبيين والسودانيين، اذ أن عمليات الارهاب منذ أربعة أعوام والى الآن، لم تسجل عمليات ما، ولو واحدة، نفذها مواطنون من هذه الدول الأربع. وأنا اتحدى الرئيس ترامب أو مساعديه، بأن يسموا عمليات كهذه ارتكبها سوريون، عراقيون أو ليبيون أو سودانيون خلال الأعوام الأربعة الماضية، أي منذ ظهر الارهاب بظهور داعش والدولة الاسلامية.

والواقع انني اناقش هذا الأمر بثقة تامة، لأن موضوع العمليات الارهابية التي ينفذها ذئاب منفردة متعاطفة مع الدولة الاسلامية في دول العالم بما فيها الولايات المتحدة، كانت موضوع دراسة مكثفة لي اضطرتني للبحث والتنقيب طويلا في عدة مراجع، تمهيدا لاصدار كتاب لي حمل عنوان "الذئاب المنفردة - وجه آخر للدولة الاسلامية". فقد تابعت وقائع كهذه ، لا في الولايات المتحدة فحسب، بل في دول العالم كلها. وتضمن كتابي الذي انتهيت من صياغته مع اليوم الأخير من الشهر العاشر من عام 2016 جدولا تفصيليا بكل العمليات الارهابية التي نفذت في الدول الأوروبية، في كندا، استراليا، وفي الولايات المتحدة. ولم يتضمن ذاك الجدول غير عملية بيرناردينو التي نفذها ايرانيان، وعملية واحدة نفذها أميركي من أصل صومالي.

والغريب في الأمر أن هناك دول أخرى نفذ رعاياها عدة عمليات ارهابية في الولايات المتحدة وكانت نتائجها ضارة للأميركيين، ومع ذلك لم يفرض حظر على رعاياها يمنع قدومهم للولايات المتحدة. ففي 24 أيلول 2016 هاجم مسلح أسواق سكاي التجارية قي مدينة بيرمنجتون بولاية واشنطن،وتسبب بجح تسهوة أشخاص. وتبين لدى القء القبض عليه أنه من أصل تركي، اسمه "أركان جيتين" وعمره 20عاما. ولكن لم يشمل حظر السفر تركيا رغم هذه الواقعة ورغم كونها اسلامية. وهو لم يشمل أيضا افغانستان التي نفذ بعض رعاياها عدة عمليات ارهابية بين الاعوام 2013 - 2016، ومع ذلك فان هذا الحظر لم يشمل الرعايا الأفغان. ومن العمليات الضارة جدا التي نفذها افغانيون (أو من أصل أفغاني) في الولايات المتحدة، بدءا من عام 2013 وانتهاء بالشهر العاشر عام 2016، عندما انتهيت من وضع كتابي:

* في الخامس عشر من نيسان 2013، نفذ الأخوان Tamerlan & Dzhokhar Tsarnaem، عملية تفجير في مدينة بوسطن خلال سباق ماراثون في المدينة، ادى لمقتل ثلاثة من المتسابقين وجرح 260 منهم.
* في الثاني عشر من حزيران 2016 ، أقدم عمر متين الأميركي المنحدر من أصل أفغاني، بمهاجمة ناد ليلي في مدينة أولاندو، مستخدما رِشأِشأ، فقتل49 من رواد الملهى وجرح 53 .
* في 16 أيلول 2016 فجرت قنبلة وضعت في حاوية للنفايات في حديقة هايد بارك في نيوجيرسي. وفي اليوم التالي فجرت قنبلة أخرى في أحد أحياء مانهاتن في نيويورك أدى الى جرح 29 شخصا جراح أحدهم كانت خطيرة. واكتشفت لاحقا عبوة ناسفة اخرى ابطلت قبل ان تنفجر. وكشف التحقيق أن منفذ عمليتي نيوجرسي ومانهاتن ، هو أحمد خان رحيمي ، أميركي من أصل أفغاني.

ولغايات الدقة، كانت هناك بعض العمليات التي نفذها بعض المنتمين لدول شرق أوسطية، لكن لم يجر تحديد انتمائهم لدولة ما. ومن هذه العمليات:

* في الثالث من أيار 2015، قام رجلان باطلاق النار على معرضCurtis Culwell Center في تكساس حيث كانت تعرض صور للنبي محمد (ص). وقتل المهاجمان، ولكن لم يكشف النقاب عن هويتهما.
*في تموز 2015 أقدم محمد يوسف عبد العزيز بمهاجمة مركز اميركي للتجنيد والتدريب في تشاتانوغا في الولايات المتحدة. لكن لم يكشف عن البلد الشرق اوسطي الذي انحدر منه محمد يوسف عبد العزيز.
* في الرابع من تشرين أول 2015 قام "فيصل محمد" بطعن أربعة أشخاص في جامعة كاليفورنيا قبل أن يتمكن رجال الأمن من قتله. وكشف عن وجود ميول اسلامية لديه، لكن لم يحدد البلد الشرق أوسطي الذي جاء منه.

والأهم من ذلك أن هناك العديد من العمليات الارهابية التي نفذها أميركيون لم ينحدروا من دولة اسلامية شرق أوسطية، بل كانوا أميركيين بكل معنى الكلمة. ومنهاعلى سبيل المثال لا الحصر:

* في الأول من تشرين أول 2013 ، أقدم الأميركي Paul Anthony ، على مهاجمة أمن الاستقبال في مطار لوس أنجيلوس مستخدما عدة أنواع من الأسلحة. وقتل رجل أمن وجرح عددا من المسافرين.
* في 13 نيسان 2014 ، قام الأميركي Frazier Glenn Miller ، القائد السابق لحزب البيض المطالب بتفريق البيض عن السود والمنادي بمعاداة السامية، باطلاق النار على مركزو اجتماعي لليهود في منطقة Overland Park في ولاية كنساس، فقتل ثلاثة منهم.
* في 23 تشرين أول 2014 أقدم Zale F Thomson عمره 32 عاما، وهو أميركي اعتنق الاسلام، بمهاجمة أربعة من رجال الشرطة في مدينة نيويورك، مستخدما السيف في هجومه، فأصاب أحدهم في يده وآخر في عنقه. وقال "جون ميللر" المسؤول عن مكافحة الارهاب أن "تومسون" كان متعصبا للفكر الاسلامي.

* في السابع من كانون الثاني 2016 قام الأميركي Edward Archer بمهاجمة دورية للشرطة في ولاية بنسلفانيا، ولدى التحقيق معه قال انه فعل ذلك باسم الاسلام، لكون الولاية تنفذ قوانين تتعارض مع الاسلام. والأرجح أنه قصد بذلك بيع الخمور.

بطبيعة الحال لم يشمل قرار ترامب أيضا رعايا المملكة السعودية التي شارك 18 من رعاياها في عمليات تدمير البرجين في نيويورك وفي قصف البنتاعون مما أودى بحياة ثلاثة الاف مواطن اميركي. وعزز ادانة ما نفذه سعوديون وادى الى هذه المذبحة، صدور قانون جاستا الذي أقره مؤخرا الكونجرس الأميركي المسيطر عليه من قبل الجمهوريين، واذن للمواطنين الأميركيين بمقاضاة السعودية على الأضرار المادية والمعنوية التي اصابتهم. وحاول الرئيس أوباما الحيلولة دون تنفيذ القرار. لكن الكونجرس بثلثي أعضائه والمسيطر عليه جمهوريا، أصر على تنفيذه ورفض رفض الرئيس اوباما له. ومع ذلك فها هو الرئيس ترامب، يتجاهل ما الحقه مواطنون سعوديون من اذى فعلي وفاحش بالشعب الاميركي، فلم يفرض حتى مجرد رقابة على تجولهم أثناء تواجدهم في الولايات المتحدة.

وبطبيعة الحال فان هذا امر طبيعي تقتضيه المصلحة الاميركية، اذ أن الرئيس ترامب الذي انذر وتوعد دول الخليج خلال حملته الانتخابية، لم يلبث حتى تراجع عن موقفه الرافض لتقديم الحماية لهم بدون مقابل مجزي. ولعل تراجعه عن هذا الموقف هو التراجع الوحيد عما لوح وتهدد به خلال حملته الانتخابية. فمصلحة الصناعة الأميركية، وبالذات الصناعة العسكرية، ستكون مهددة لو تشبث بموقفه ذاك، خصوصا وأن حجم مشتريات السلاح لدول الخليج السنوي، يقارب الأربعين مليار دولار. فتوقف السعودية ودول الخليج عن استيرادها من الولايات المتحدة، سيؤدي لتعطيل بعض أنواع الصناعة، صناعة التسليح، التي تشكل دول الخليج سوقها الرئيسي، مما سيؤدي لتزايد البطالة، الامر الذي جعل محاربتها (أي البطالة) واحدا من أهم ما يسعى ترامب اليه.

والواقع أن الولايات المتحدة هي أقل الدول تضررا من قضايا اللاجيئن والأعمال الارهابية، وأكثرها تضررا هي فرنسا والمانيا وبلجيكا والدانمرك. وهذه الدول تحاول التعامل مع الأمر في نطاق القوانين الانسانية, وها هو الرئيس أولاند وكذلك المستشارة ميركل، أكثر من أدان قرار ترامب هذا. والواقع ان هذا القرار الترامبي مجرد بعض من فيض، ونفحة من أهوال قد تهطل على الولايات المتحدة وعلى العالم. فهذا الرئيس الجديد، الذي لا يتوقف لدى افتقاره للخبرة السياسية، يتمتع بطموح كبير لأن يصبح شيئا أكبر من مجرد رئيس. أنه يتطلع لأن يكون زعيما وقائدا تاريخيا للولايات المتحدة، تماما كجورج واشنطن وابراهام لينكولن. ولادراك ذلك لا بد من قراءة خطابه في حفل تدشينه رئيسا. أنا شخصيا توقفت طويلا أمام نقطتين: قوله أن أميركا أولا، وثانيا أنني سأعيد السلطة لكم، للشعب...انها السلطة التي سلبها منكم سياسيون في واشنطن. وسياسيو واشنطن هما السياسيون في الحزب الدمقراطي وفي الحزب الجمهوري اذ غالبا ما يكون احدهما في الموقع التنفيذي والآخر في الموقع التشريعي. كلماته هذه أوحت لي بأن هذا الرجل الطموح الذي عارض الحزب الجمهوري ، حزبه، عارض ترشحيه... هذا الرجل قد يطيح قريبا بالحزبين وبالديمقراطية، واتوقع له ان يؤسس الحركة الترانبية التي يريدها ان تبقى طويلا.... وطويلا جدا. وآمل أن أكون مخطئا في تقييمي هذا.
الكاتب، المفكر والمحلل السياسي: ميشيل حنا الحاج
مستشار في المركز الأوروبي العربي لمكافحة الارهاب - برلين.
عضو في مركز الحوار العربي الأميركي - واشنطن.
عضو في اتحاد الكتاب والمفكرين الأردنيين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إدارة بايدن وملف حجب تطبيق -تيك توك-.. تناقضات وتضارب في الق


.. إدارة جامعة كولومبيا الأمريكية تهمل الطلاب المعتصمين فيها قب




.. حماس.. تناقض في خطاب الجناحين السياسي والعسكري ينعكس سلبا عل


.. حزب الله.. إسرائيل لم تقض على نصف قادتنا




.. وفد أمريكي يجري مباحثات في نيامي بشأن سحب القوات الأمريكية م