الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل أرحنا أنفسنا من زيف الكلام ؟

عبد اللطيف بن سالم

2017 / 2 / 7
الادب والفن


هلاّ أرحـــنا أنــفسنا من زيف الكــلام؟

أجل هل يكفينا فخرا أن نفهم وأن نتكّلم إذا لم نكن " نعمل" بما نفهم وبما نتكلم؟ وما هذه "الكلمة" التي بها يصنع الكلام، هذا الكائن السحري العملاق والذي يضرب بجذوره في أعماق الأرض ويطال بفروعه عنان السماء وبواسطته يتحرّك العالم؟ وما الكلام، هذه العملة الصعبة التي يتوفّر عليها اللسان والتي يتصرّف فيها كما يشاء ولا ينضب معينها أبدا على مدى العصور والأزمان؟
أعتقد أنّ في " الكلمة" كلّ ما هبّ وما دبّ وما قدُم أو جدّ في حياة النّاس وأنّ خارجها لا وجود لشيء على الإطلاق أبدا ... ورغم ما تدّخره الكلمة هذه في وجودها من طاقات إيجابية لا محدودة فإنّها كانت ولا تزال أخطر سلاح ذي حدّين. فهي من جهة يمكن استعمالها لتهديد الإنسانية أو القضاء عليها، وهي من جهة أخرى يمكن استغلالها لفائدتها والأخذ بيدها إلى شاطئ الأمان والسؤدد والرفاه.
ظهرت " الكلمة" في تاريخ العالم فجأة في لحظة من لحظات التطور- كما يرى علماء الأنتروبولوجيا - فأكسبت ما صار يُسمّى لا حقا بـ" الإنسان" نقلة نوعيّة هامّة حوّلته من كائن أعجمي حيواني بريء إلى كائن بشري ناطق وذكي، ومن هنا بدأت المشكلة إذ بسبب " الكلمة" هذه، إلى جانب ما تحقق للبشرية من تواصل وتعاون ومعرفة وعلوم وآداب وثقافة كانت الكلمة أيضا سببا في كلّ ما تتعرّض له هذه البشرية في حياتها من مشاكل وصعوبات وجودية وفي كلّ ما يُصيبها من هزّات وحروب ومصادمات تكاد تبتعد بها كثيرا عن حالتها الطبيعية الأمّ التي وجدت بها وتكاد تزيّف واقعها تزييفا لا رجعة فيه. وربّما يكون لهذين الحدين المذكورين علاقة تلازم في الوجود مستمرّة دائما .
ومن وجهة نظر أخرى - والحقيقة ذات وجوه- فإنّ الكلام الذي لا يتحوّل إلى فعل حقيقي هو كلام باطل وهو إلى الخُدعة والتمثيل والتظليل أقرب منه إلى أي مدلول آخر يشير إليه. ألم يقل بعض الفلاسفة " إنّه لا وجود لأيّ كلام بريء ؟ " وإنّ " اللوقوس "Logos الذي هو " العقل" في الفلسفة اليونانية القديمة ما كان ليُوجد لولا وجود "الكلمة" ولعلّه في الأصل من معانيها إذا لم نقل بأنّهما في الحق وجهان لشيء واحد، لكنّ المؤسف أنّ من الكلام الجميل أحيانا ما يصير تافها ومُقرفا إذا ما ثبتت عدم فاعليته وعدم جدواه في الواقع العيني.
ولنا- في هذا الزمن- من هذا النوع من الكلام الشيء الكثير، منه ما نسمعه في القنوات التلفزية ومنه ما نقرأه على الصحف والمجلات أو ما نستمع إليه في المجالس والندوات والقمم والمؤتمرات ولا يتحقق منه على أرض الواقع إلا النّزر القليل (مثل المؤتمرات العديدة حول الأرض وحماية المحيط ) (ومثل الندوات العديدة الواعدة بمواطن الشغل للشباب ) ( ومثل المجالس العديدة التي تحدثت عن التفكير في مقاومة الإرهاب ) . وهكذا لم يعد الناس يعتقدون في أنّ هذا الزخم المتلاطم من الكلام فيه ما ينفع الناس ويلبّي حاجاتهم المتكرّرة والملحّة إلى الأمن والرخاء ما لم يكن مدعوما بالمواقف الجريئة والفاعلة بحق في السّاحة والمؤثرة بحقّ في سير الأحداث وتوجيهها أو تغييرها إلى الأفضل ... ولنا في قضية الصحافة الدنماركية التي نشرت الصور الكاريكاتورية المسيئة للرسول محمد (عليه الصلاة والسلام) خير مثال على الكلام الذي يتحوّل إلى إجراء وما يحصل منه بالفعل من النتائج: القطع مع البضائع الدنماركية وما خلفه في الحال من الاضطراب والفزع في الدانمارك والمجموعة الأوربية بأكملها مما أدّى بالفعل إلى الاعتذار الشعبي والرّسمي على ما فعلوه... وإنّه لو تمّ الاتفاق الفوري على إيقاف ضخّ النفط قبل اندلاع الحرب على العراق ولو لأيام قليلة أو أغلقت الموانئ البحرية في بعض البلدان العربية أو أغلقت فقط قناة السويس، ربّما جرت الرياح إذن بما لا تشتهي السّفن ( وبما لا تشتهي الطائرات والبوارج الحربية الأمريكية ) ولأرسى بنا التاريخ على شواطئ أخرى أكثر أمنا وسلاما ممّا يصفون.
كما أنّه لنا في مشروع الاتحاد المغاربي مثالا آخر إذ لا يزال الناس يتساءلون دائما: ألم يحن الوقت بعد لتنفيذ بنود الاتفاق على وحدة المغرب العربي الكبير التي وضعها زعماؤنا منذ زمن بعيد أم أنهم قد نسوا ما اتفقوا عليه؟
ألم يبشرونا بعهد جديد ، عهد تزول فيه الحدود- وتتكوّن فيه السّوق المغاربية المشتركة- وتتوحّد فيه العملة- وتُمنح فيه للمواطنين بطاقة تعريف مغاربية . وهكذا وبالتالي يشتد ساعدنا وتقل نسبة بطالتنا ويزدهر اقتصادنا ويكبر طموحنا وتُصان كرامتنا ويكون لنا في كلّ ذلك بأس شديد أم أنّنا سنلجأ كالعادة إلى تبرير مواقفنا- علنا أو ضمنا- بالعجز والاستسلام لمخططات الغير؟ ليس للغير في الحق أن يفعل بنا شيئا ما لم نمدّ له اليد أو ننبطح له أرضا . قيل أنّ أحد الفراعنة قد سئل مرّة: لماذا أنت تستبدّ بالسلطان وتؤله نفسك ؟ فأجاب : لأنّي فقط لم أجد من عارضني في ذلك أبدا...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث


.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم




.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع