الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-الويل للمهزومين- - البلشفية طريق الثورة

آلان وودز
(Alan Woods)

2017 / 2 / 12
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


البلشفية طريق الثورة

الفصل الثالث: مرحلة الردة الرجعية

"الويل للمهزومين"


ترجمة: هيئة تحرير موقع ماركسي

كان للرومان القدماء عبارة تقشعر لها الأبدان لوصف مصير الشعوب المهزومة: "Vae victis!"، "الويل للمهزومين!". ومصير العمال بعد كل ثورة مهزومة في التاريخ يؤكد تماما هذا التهديد الدموي. لم تكن الثورة الروسية عام 1905 استثناء. استشعر النظام أن الخطر المباشر قد انتهى فكثف حملة القمع. وبسرعة رميت وعود أكتوبر الديمقراطية في مكب القمامة. أطلق العنان لنظام ارهاب دموي في كل مكان، في دول البلطيق وبولندا والقوقاز. نشرت الحملات العقابية الإرهاب في القرى، من خلال القتل والاغتصاب وحرق المنازل. كتب أورلاندو فيجيس: «ارتكب القوزاق، السكارى بالفودكا، فظائع رهيبة ضد الفلاحين. تم اغتصاب النساء والفتيات أمام أعين أقربائهن الرجال، وشنق مئات الفلاحين تحت الأشجار دون أي محاكمة. وتشير التقديرات أنه ما بين منتصف أكتوبر وافتتاح أول مجلس للدوما في أبريل 1906، أعدم النظام القيصري في المجموع حوالي 15.000 شخص، وجرح ما لا يقل عن 20.000 ورحّل أو نفى 45.000».[1]






مشهد من فيلم "مدرعة بوتمكين" يصور مذابح القوزاق والمائة السود في مدينة أوديسا
الصورة من موقع ويكيبيديا

استمرت عربدة الرجعية متواصلة لشهور متتالية بلا هوادة. وبحلول أبريل 1906، وبصرف النظر عن 15.000 شخص الذين قتلوا بالرصاص أو أعدموا شنقا، كان هناك 75.000 آخرون يقبعون في سجون النظام القيصري. قطارات خاصة تحرسها فرق الإعدام القيصرية تقدمت ببطء، على طول خط السكك الحديدية بين موسكو وقازان، نحو أعماق سيبيريا المتجمدة، في انتقام مخيف من العمال. عانى البلاشفة من هذا القمع أكثر نسبيا من جميع التيارت الأخرى، لأنه كان لديهم عدد أكبر من المناضلين العماليين الثوريين. انتهت تقريبا منظمتهم بين عمال السكك الحديدية في سيبيريا. ومن بين الذين قتلوا كان عضو اللجنة المركزية والقيادي في الحركة الثورية في سيبيريا، أ. إ. بوبوف. وتعطينا الأسطر التالية، التي كتبها لوالدته، من زنزانة الإعدام، صورة مؤثرة عن روح هؤلاء المقاتلين: «أغادر عالم الظلام والقمع هذا مرتاح الضمير، مفسحا المجال لقوى شابة أخرى. وإذا كنا قد حققنا القليل، فسوف يكملون هم ما بدأناه نحن. أموت وأنا على قناعة تامة بأن أجسادنا ستوفر أساسا متينا سيقوم عليه مستقبل أفضل لوطني الذي عانى طويلا».[2]

تحت ضربات مطرقة الردة الرجعية، بدأت المنظمات الاشتراكية الديمقراطية تتحول تدريجيا إلى غبار. العديد من المناضلين تم اعتقالهم أو قتلهم. وأجبر آخرون على الاختفاء وتغيير المدينة أو الفرار إلى الخارج. ومن أجل الإسراع في خنق الثورة، لجأت الحكومة لخدمات مساعدين خاصين تم تجنيدهم من بين صفوف البروليتاريا الرثة، تلك "الحثالة المتعفنة المستسلمة" كما نعتها ماركس، والتي خدمت في أكثر من مناسبة أغراض الثورة المضادة. نشرت عصابات المئات السود الرعب في القرى، عادة على شكل مذابح معادية للسامية.

قال كيرينسكي، الذي كان في ذلك الوقت محاميا ويقوم أحيانا بالدفاع عن الثوريين المتهمين: «استمر الانتقام، الذي جاء في أعقاب ثورة 1905، من أواخر عام 1906 إلى أوائل عام 1909. وبعد سحق انتفاضات الفلاحين وغيرها من الانتفاضات الأخرى بواسطة الحملات التأديبية، تحولت المسألة إلى عمليات صيد لبقايا المنظمات الثورية، أو العصابات كما كانت تسمى. كان يتم تسليم الضحايا الى المحاكم العسكرية. كانت حملة إرهاب قضائي منظم». حوكمت العديد من القضايا السياسية أمام محاكم عسكرية. وكان المدعي العام العسكري في ذلك الوقت، الجنرال بافلوف، رجلا لا يرحم، كان لا ينتظر سوى أن يقوم القضاة "بواجبهم" دون ايلاء أي انتباه إلى حجج الدفاع. لم يدم بافلوف طويلا. وبما أنه كان يتوقع حدوث محاولات لاغتياله، اتخذ كل الاحتياطات. لم يكن يغادر مبنى المحكمة العسكرية الرئيسي، حيث كانت لديه شقة بحديقة محاطة بسور عال. لكن ذلك لم ينقذه، فقد سقط ضحية لرصاصة إرهابي في حديقته الخاصة. لكن الإرهاب الفردي عاجز ضد الدولة. إذ سرعان ما تم استبدال مسؤول رجعي بمسؤول رجعي آخر. واشتد القمع أكثر.

ضرب الانتقام الوحشي بشكل خاص دول البلطيق لاتفيا واستونيا، حيث كان لانتفاضة العمال والفلاحين ضد ملاك الأراضي الألمان طابع عنيف. الحملات العقابية التي بدأت من دجنبر، واستمرت ستة أشهر، قتلت 1200 شخص، ودمرت عشرات الآلاف من المنازل، وجلد خلالها الآلاف من العمال والفلاحين. وفي نهاية 1906 وبداية 1907 تم عقد ما يسمى بمحاكمة جمهورية توكوم في ريغا. كان خمسة عشر من جيش الفرسان قد قتلوا خلال انتفاضة في توكوم عام 1905. كيرينسكي، الذي كان واحدا من محاميي الدفاع، يتذكر ما حدث: «ترأس المحاكمة أحد القضاة العسكريين الخاصين في مقاطعات البلطيق، وهو جنرال يدعى كوشيليف. كان شخصا ساديا لديه عادة مشاهدة الصور الإباحية في المحكمة خلال جلسات الاستماع لحالات يمكن أن يتعرض فيها المتهم للحكم عليه بالإعدام. سرعان ما أصبح واضحا في المحاكمة أن كوشيليف لم يكن مهتما بمحاولة إثبات الحقيقة، بل فقط باختيار 15 من المتهمين لقتلهم انتقاما للفرسان الذين قتلوا. تم إعدام جميع المتهمين الخمسة عشر. كان القيصر سعيدا بنتائج حملته على البلطيق وأثنى على ضباطه بسبب "الإنجاز الرائع"».[3]

وعلى الرغم من كل شيء، استغرق الأمر 18 شهرا كاملا لتصفية الحركة الثورية. ثبت أنه من الصعب للغاية إطفاء جذوة الثورة. ولم تكن تتم استعادة النظام في منطقة، حتى تكون الحركة قد اندلعت في أماكن أخرى. كانت فئات جديدة تدخل باستمرار إلى النضال، في حين كانت فئات أخرى تتخلى عن الساحة، متعبة ومهزومة. كانت الصورة العامة ما تزال غير واضحة، واستمرت كذلك طوال عام 1906. وفي بداية عام 1906، كانت حركة الإضرابات ما تزال قوية، وإن كانت أقل من الربع الأخير من عام 1905. شهدت الفترة الممتدة ما بين يناير ومارس إضراب 260.000 عامل. والشيء المعبر هو أن ثلثا تلك الإضرابات كانت إضربات سياسية. وفي ربيع عام 1906، ظهرت أعراض نهوض ثوري جديد. وشهد الربع الثاني طفرة جديدة لحركة الاضرابات، بمشاركة 479.000 عامل، أكثر مما كانت عليه حتى خلال صيف 1905. ومرة أخرى كانت هناك إضرابات اقتصادية وسياسية. ولم تنته كلها بالهزيمة. فمن بين 222.000 عامل شاركوا في إضرابات اقتصادية، تمكن 86.000 منهم من الانتصار، بينما انتهى 58.000 منهم إلى حل وسط، ولم ينهزم سوى 78.000 فقط. وحتى وقت متأخر من صيف عام 1906، كان يبدو أن موجة الإضرابات، أبعد ما تكون عن التباطؤ، بل كانت تزداد كثافة. وفي عام 1906 ككل، شارك في الإضرابات أكثر من مليون عامل.

هل كانت هزيمة دجنبر في موسكو دلالة على نقطة تحول حاسم في مصير الثورة؟ هل كان الخط العام للحركة تصاعديا أم تنازليا؟ بالحكم على الأحداث بعد وقوعها تبدو الإجابة واضحة، لكن هذا لا يعني أن القضية كانت واضحة في ذلك الوقت. لم تكن حركة الجماهير آنذاك متشابهة في تطورها. كانت القرى متخلفة وراء المدن، ولم تبدأ في التحرك على نطاق كبير إلا عام 1906. والقمع الدموي الذي شهدته القرى لم يمنع من ظهور حركات جديدة، حيث دخلت مناطق ساراتوف وشيرنيغوسك وخاركوف وموغيليوف، الواحدة تلو الأخرى ساحة المعركة. كان من بين عوامل ذلك عودة العمال المطرودين إلى القرى. لقد شكل الفلاحون المبلترون، الذين تعلموا في مدرسة حياة المصنع الصعبة وصقلتهم تجربة الإضرابات والانتفاضة، حافزا للحراك في القرى، وووفروا الخميرة اللازمة لأشقائهم وشقيقاتهم في الريف. مع الحكمة التي تحصل بعد وقوع الأحداث (والتي هي أرخص جميع أنواع الحكمة)، يبدو ذلك مجرد صدى لحركة قد استنفذت بالفعل قوتها. لكن هذا لم يكن واضحا لأولئك الذين كانوا يشاركون بنشاط في النضال في ذلك الوقت، وخاصة للجناح الأكثر ثورية داخل الحركة، الذي كان يمثله البلاشفة، والذين لم يتسرعوا في توقيع شهادة وفاة الثورة.

كانت للطبقة العاملة أيضا احتياطيات أخرى. فالمسألة القومية، مثلما توقع لينين، صعدت بسرعة إلى الأمام واتخذت كثافة شديدة. اندلعت نيران مشاعر الغضب ضد الاضطهاد القومي، التي استمرت جذوتها لفترة طويلة تحت السطح، في بولندا وفنلندا والقوقاز ودول البلطيق. كل هذا أدى بلينين إلى الاعتقاد بأن الثورة لم تستنفد بعد إمكاناتها. كان لتحديد الطبيعة الدقيقة للوضع، ودينامياته الداخلية ومنظوره، أهمية حاسمة لتحديد التكتيكات والشعارات الصحيحة اللازمة لحفظ وتقوية الروابط بين الجماهير وبين الطليعة البروليتارية. لكن هذه المهمة، التي ليست سهلة أبدا، تصبح ألف مرة أكثر صعوبة في خضم الثورة، عندما يمكن لمزاج الجماهير أن يتغير بسرعة البرق. كان سؤال "في أي مرحلة نحن؟"، هو بالضبط السؤال الذي أثار أشد الصراعات في صفوف الثوار في تلك الفترة. كانت هناك أمزجة متناقضة داخل صفوف الطبقة العاملة. هل يمكن للموجة الثورية في الريف أن تشعل من جديد الحركة في المدن؟ لم يكن يمكن إعطاء أي إجابة واضحة على هذا السؤال. وقد كان لينين بالتأكيد ينظر إليه على أنه احتمال وارد وبنى تكتيكاته وفقا لذلك.

هوامش:

[1] O. Figes, A People’s Tragedy, p. 202.

[2] Istoriya KPSS, vol. 2, p. 164.

[3] A. Kerensky, Memoirs. Russia and History’s Turning Point, p. 76.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأميركية تواجه المتظاهرين بدراجات هوائية


.. الشرطة الأميركية تعتقل متظاهرين مؤيدين لفلسطين وتفكك مخيما ت




.. -قد تكون فيتنام بايدن-.. بيرني ساندرز يعلق على احتجاجات جام


.. الشرطة الفرنسية تعتدي على متظاهرين متضامنين مع الفلسطينيين ف




.. شاهد لحظة مقاطعة متظاهرين مؤيدون للفلسطينيين حفل تخرج في جام