الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما بين الحزب الشيوعي والإخوان المسلمين من تماثل

سعادة أبو عراق

2017 / 2 / 15
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ما بين الحزب الشيوعي والإخوان المسلمين من توافق
لا أحد يكتب مقالا أو يعتلي منبرا للخطابة أو يؤلف كتابا أو يقوم بدعوة أو ينشئ حزبا، أو حتى يفتح متجرا أو مؤسسة تجارية أو صناعية إلا ويكون في ذهنه تصور للمخاطبين أو الزبائن الذين سيتعامل معهم .
الحزب الذي لا يستطيع أن يعرف الشريحة الاجتماعية التي ينشد استقطابها، هو حزب فاشل مسبقا. فمن والواجب أن يعرف الحزب أول ما يعرف القضايا المهمة للشريحة الاجتماعية المقصودة، وبالتالي يطرح قضاياها للنقاش ويظهرها كقضايا إنسانية، ويجعلها موضوع برامجه الحزبية، وإلا سيكون حزبا فاشلا.
وأحزابنا في العالم العربي أحزاب فاشلة، لأنها لا تقوم على مثل هذا النمط من التكوين.
ولعل الحركة الشيوعية هي أول حركة قامت لتصحيح أوضاع العمال والفلاحين من عسف الإقطاعيين والرأسماليين وبذلك تكون قد استهدفت قطاعا اجتماعيا كبيرا هم العمال والفلاحين، لذلك فإنها وجدت المناصرة التامة والتأييد الكبير من هاتين الفئتين المنتهكتين، وأصبحت حركة عالمية قوية ضد التحكم الإقطاعي والرأس مالي .
أما حركة الإخوان المسلمين التي كانت نشأتها الأولى على يد مؤسسها حسن البنا، كانت حركة صوفية هدفها هو تعميق الإيمان في النفوس، وزيادة التقوى والمظهريات الدينية التي تتفرد بها الطرق الصوفية، وهذه الحركة التي لم يكن من هدفها إصلاح اجتماعي أو سياسي أو اقتصادي، فقد لاقت نصيرا من الاستعمار الإنكليزي بمصر، أو تم غض الطرف عن نموها واتساعها، لأن مشروعها لم يتقاطع مع المشروع الإستعماري لمصر، وغيرها من بلاد المسلمين، لذلك وجدت انتشارا واسعا في الوسط المصري، لأنها توجهت لبسطاء الناس والمهمشين، وما أكثرهم، لعلهم يجدون لهم مكانا في الجنة، بعد أن فقدوه في الدنيا، إذ لا يحتاج المريد لكي ينضم لهذه الفرقة سوى أن يقول آمين. أفهِمَ ما يقال له أو لم يفهم، مما جعل المنضوون إليها أعدادا لا تحصى، مما أغرى القياديين لاقتحام العمل السياسي، وهنا وقع ما لم يكن في الحسبان، فالعمل السياسي يحتاج إلى قضية يربط نفسه بها، وبرنامج سياسي لكي يكون واضحا لنفسه ولغيره، ويحتاج إلى قياديين بالفطرة، وبحاجة لمفكرين وإعلاميين في مستوى الحدث، وإلى أعضاء يناقشون ويشاركون بالعمل لا أن يقولوا أمين.
ومن جانب آخر فإن ممارسة العمل السياسي يجب أن يقوم على موهبة القيادة والذكاء الخارق والثقافة والمعرفة المتنوعة، والقدرة على الاتصال مع (الكفار) والذين لا تتفق معهم بالرأي. والتعامل معهم في مجال السياسة والاقتصاد والتحالفات، إن هذا لا يتفق مع الصوفية التي توثر الانعزال والزهد والتقشف وتكريس الوقت للعبادة وإطلاق شعار ( لا تأمنوا إلا لمن اتبع دينكم ).
لم يكن انخراط الإخوان سهلا في العمل السياسي، ذلك أن العمل السياسي الذي يقوم على التفكير الديناميكي الحر. لا يتفق مع توجهات المتصوفة وأسلوب تفكيرهم، ولا يتفق أيضا مع بساطة أعضائهم الذين لا يقدرون على فهم ألاعيب السياسية، لأنهم يرون كل شيء بمنظار ديني، ومن ناحية ثالثة لا يستطيعون أن يتنازلوا عن هويتهم الدينية مقابل الهوية السياسية .
هكذا استعصى عليهم أن يكونوا حزبا سياسيا بما تعنيه الكلمة، وظلوا جمعية تمارس العمل السياسي أو حزبا يمارس العمل الاجتماعي الدعوي، لأنهم ما ملكوا بداية قيادة فكرية رائدة ومبدعة ، تقف في مستوى قامة رواد النهصة في مصر، الذين كان جهدهم منصبا على مصر حديثة، بينما ينصب جهدهم على بناء دولة دينية، أو إعادة الخلافة العثمانية .
إن موقفهم لم يكن بمستوى أولئك الذين كانوا ينحتون الصخر في سباق حضاري بمضمار الغرب المتقدم، بينما مشروع الدولة الدينية لا يكلف أكثر من قراءة السيرة النبوية والسيرة الذاتية لعمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز وصلاح الدين، ولم تفز الحركة الإسلامية إلا بكاتب غير مشهور وهو سيد قطب، ويبدو انه كان سائرا في ركاب طه حسين والعقاد في محاولة قراءة حديثة لتاريخنا وتنقيته من الشوائب وتقديمه بما يليق بالعصر الحديث، إذ ألف كتاب النظام الاجتماعي في الإسلام، وهذا الكتاب لفت انتباه الإخوان فضموه إليهم ، وبدل أن يظل صاعدا في نهجه التحديثي انكفأ إلى التقوقع داخل جماعة الإخوان.
لنعد إلى الحزب الشيوعي الذي كان واضحا في مشروعه لإعادة توزيع الثروة بين المواطنين، من خلال إعطاء الأجور الحقيقية والضمانات والتعليم والصحة وغيرها مما جعل المؤيدين للحزب بالملايين، رغم أن الغالبية العظمى منهم لا يفقهون ما يرطن به دهاقنة الشيوعية. ما داموا بعملون على استئصال الجوع والمرض والأمية والصراع الطبقي .
أما الإخوان المسلمون فإنهم أوعدوا من ينضم إليهم ويسير في ركبهم بالجنة التي عرضها السماوات والأرض، ذلك أنهم هم الفرقة الناجية. وأن ضمان هذا الوعد هو مرتبط بالإخلاص للجماعة وتقديم قسم الطاعة للمرشد. كما وعدوهم بقيام دولة إسلامية على خطى الخلفاء الراشدين. وراح سيد قطب ينظر لهذه الدولة .
إن الشيوعية التي نامت على فراش من حرير مطمئنة إلى سلاحها الأقوى المكون من العمال والفلاحين والطبقة الوسطى، قد وجدت فجأة أن هذا الفراش ما كان إلا وهما، فعندما زلزلت الأرض زلزالها من تحت أقدام الاتحاد السوفيتي، وتشظى إلى دول كثيرة، وتوجهت هذه الدول إلى اقتصاد السوق ونبذت الاقتصاد الاشتراكي لم تهب ملايين العمال والفلاحين لإنقاذ الحزب الشيوعي من السقوط .
والآن، والإخوان المسلمون إذ يتيهون بقاعدتهم الشعبية الهائلة، التي أفادتهم بأصواتها في صناديق الاقتراع، هذه القاعدة لم تلمس المكاسب الحياتية التي كسبها العمال والفلاحون من الشيوعية، فمن الواضح أنهم سوف ينفضون عن الجماعة إذا جد الجد وحزب الأمر، لأن وعودهم بالجنة وبالدولة الإسلامية وعود ليست في متناول أيديهم، فهم يبيعون وهما للأغبياء، بالإضافة إلى أن قواعدهم الشعبية هذه، قواعد مرتبطة عاطفيا، وهذا ارتباط هش وليس كالارتباط النفعي والفكري، لذلك فإننا نلاحظ انحسار شعبيتهم في جميع مواقعهم التي كانوا يتمددون عليها براحة واطمئنان، والسبب راجع إلى أن هذه الطبقة الدنيا من المجتمع، لا تملك أن نفعل أكثر من الدعاء على أعدائهم بأن يمحقهم ويجعل تدميرهم في تدبيرهم، فهم كما يقال لا في السدة ولا الهدة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي


.. كاتدرائية واشنطن تكرم عمال الإغاثة السبعة القتلى من منظمة ال




.. محللون إسرائيليون: العصر الذهبي ليهود الولايات المتحدة الأمر


.. تعليق ساخر من باسم يوسف على تظاهرات الطلاب الغاضبة في الولاي




.. إسرائيل تقرر إدخال 70 ألف عامل فلسطيني عبر مرحلتين بعد عيد ا