الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


منهج النخبة المقاومة ومشروع التغيير

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2017 / 2 / 15
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


في زمن الأنهيارات الأجتماعية وأختلاط القيم والمحددات الضابطة لحركة المجتمع والفرد والحامية والمحصنة لهما واحدة من العلامات التي تؤكد شيئين متناقضين الثورة أو الفناء، سيكون ظهور العشوائية والتشتت الكينوني والشعور بالأغتراب والتهميش للفعل الثقافي والمعرفي والعلمي نتيجة حتمية في ينيان تجربة الإنسان الواعي أولا وتحديدا، من هنا يأت التركيز على الفوضوية كخيار للقوى الفاسدة كحل وحيد للأستمرار بمنهج التخريب المجتمعي وبالتالي تعميق الهوة بين الواقع وفعل الثورة في مسعى لأجهاض فعل الإنسان الخالق لظروف التغيير وعرقلة لمشروع البعث والنهضة، وليس هناك من أستراتيجية فاعلة في هذا المجال من اللجوء إلى التدين وأشاعة ما يسمى بالتأريخية القداسية والمقدس التأريخي طريقا لضرب الوعي المسئول وتحييد العقل عن مساره الطبيعي المفترض.
لقد شكل التعاط الديني التأريخي المتناقض داخليا وموضوعيا في الفهم أو في الممارسة وتقسيم المقسم والمضي بعيدا في تغيب المغيب إمعانا في التجهيل المتعمد بسوء النية وحرمان وتحريم النقد الأجتماعي والمعرفي، واحدا من أخطر المناهج التزيفية التي تضرب الوعي الوجودي وتشل حركة العمل فيه تحقيقا لمبدأ (من لا يتعقل الوجود لا يمكن له أن يتغير أو يغير)، لقد عانت البشرية من تهافت المنطق الكهنوتي الفرضي بما فيه من قابلية النمو الوجداني ليس لأنه صالح بذاته وطبيعته، ولكنه يتعامل مع أسس النفس البشرية التي تخشى عاملي الخوف والشك والقلق من نكران أو محاولة معرفة إشكاليات التناقض بين الحياة كواقع وبين الحياة كهدف، لذا فليس من مصلحة الإنسان هنا أن يضع نفسه في أزمة أضافية قد تسبب له وحسب ما يعتمده المنهج الكهنوتي ويشيعه من مغبة تجاوز الفرض بوجود الكائن البشري على هامش طريق أخر هو الأصل وهو النتيجة التي يجب أن تكون.
هذا التشخيص والتحديد ليس بالجديد والسؤال الذي يجب أن يدور ويطرح ما هي الأستراتيجيات التي يمكن بها مواجهة عملية الفوضى والتشتيت وتغريب الوعي الأجتماعي والفكري، السؤال وحده يشكل نقطة بداية جيدة ومفتاح للكثير من الأفكار التي يمكن من خلالها بناء منظومة تصحيحية تعتمد عكس الحالة الفكرية نحو التركيز على قضايا الوعي وعقلانية التحشيد المقابل، الحقيقة التي يجب أن تطرح أن المواجهة الفكرية هي الركيزة الأساسية في تخطيط المعالجة طالما أن أس المشكلة ومحورها هو تغريب الوعي وإشغال العقل في معارك جانبية، إن أستجرار الماضي وتقديمه على أنه الشرطي المهتم بقضايا المجتمع والقادر على ربط التوازن مضافا له مسحة قدسية كان السبب الأساس في حالة التراجع والنكوص، وهذا يستلزم حلا مقابلا بنفس الأدوات ويستخدم ذات الفكرة بتعرية هذا الأستجرار والتسخير.
بداية العمل إذا لا بد أن يؤسس لمشروع ثقافي فكري حضاري يعتمد على الكشف عن أهمية الزمن براهنيته الحاضرة ومشروعه المستقبلي، ثم تجسيد هذه الرؤية بمنظومة فكرية فلسفية تقود العقل المشوش وتضبط حالة اللا توازن بين واقع متهرئ وبين هدف يراد له أن يناقض الواقع ويتغلب عليه من خلال منح العقل القدرة على النقد والأكتشاف والبناء المزدوج، نقض ثقافة الماضوية والسلفية المرتبطه به معرفيا من جهة والعمل على تقديم النموذج الأقدر على تصويب حركة المجتمع، القضية برمتها لا يمكن البدء بها دون فكرة أساسية تتلخص بأن المستقبل هو القادم وليس وظيفة الإنسان أن يجره أي الزمن إلى فكرته الخاصة أو الذاتية طالما أنه لم يعد أن يقدم ماضي جديد.
السؤال الأخر من يمكنه أن يقدم هذه الرؤية ويعمل عليها والمجتمع عامة والنخبوي المثقف مرتهنا بحركة المجتمع والواقع وأشتراطات وهو أعزل من غير سلاح مناسب، الحقيقة أن المثف النخبوي والمعرفي والعلمي لا يمكنه أن يكون مرتهنا للواقع وفي أتعس الظروف الموضوعية التي يحشر فيها، من يتحرك الآن باسم النخبة ويتعامل ممثلا عنها ليس متاحا له أن يكون عنصرا متقدما في مجتمعه لسبب بسيط جدا أنه يعيش بسلام مع الواقع ومتصالح معه، النخبوي الحقيقي والمثقف صاحب الرسالة هو المحارب والمنبوذ من قيم المجتمع ومنتهك الحرية لأنه يمثل وبكل الحقيقة المشروع التغييري الذي تحاربه كل قوى الواقع الأجتماعي لأنه يشكل الخطر المتقدم.
نحن أمام صنفين من النخب إذا جاز لنا التعبير، نخبة إنهزامية مصلحية تبحث لها عن مكان في تمجيد ومجد الواقع وتظهر بقوة ودون صدى ولا صوت حقيقي، ونخبة مضطهدة تملك المشروع التحريري وتصارع من أجل البقاء وهي تحمل كل جذور وبذور الثورة وتؤمن بمستقبلها، هنا نجح الواقع التأريخي المتلبس بالماضوية والقدسية بتحييد جزء كبير ومهم من المنظومة المعرفية والثقافية ونجح في جرها إلى تناقض وتنازع في المشروع وفي المنهج وفي تحديد الهدف، لكنها لا تدرك أن جذوة التغيير وبفعل العوامل الموضوعيه السننية التي أثبتتها التجربة الإنسانية أن طغيان التسلط لا يعني إلا بداية أنهيارها وإنكشاف عورتها، لأن قضية الصراع بين الماضي والمستقبل ليس بين النخبة والواقع، بل الواقع والزمن وأشتراطاته وأحكامه، ومن ينتصر في كل منازلة هو الزمن وحده والمستقبل الآت حتى لو تأخر في إثبات وجوده لكنه الحقيقة التي لا يمكن لأحد إلغائها.
إن الشعوب الحية والتي تمتلك من الوعي بالضرورة ولو في جزء صغير منها هي القادرة على فرض الزمن القادم وتؤمن أن الماضي بغض النظر عن إنجازاته كان فعلا قد تم تجاوزه وأن الكثير من شواخصه وشواهده لا يمكن التعويل عليها أبدا في بناء نظرة ورؤية تتناسب مع المتغير الثابت الوحيد واقعيا، لذا فدور النخبة التغييرية ليس أفتعال الصدام مع المجتمع ومع من يطرح نفسه ممثلا عن نخبة الواقع، بل بكشف المسارات الممكنة والتي تقود إلى الطريق الأخر وأن تمضي متسلحة بحقيقة أن صراعها الأول هو مع نفسها كي لا تسقط في شراك وحبائل التحريف والتشويش والفوضى، وأيضا أن تؤمن أن طريقها ليس طريق مصالح ذاتية ولا منافع شخصية لأن الخسارة فيه تكون خسارة مركبة وقاتلة أحيانا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة الأمين العام الرفيق جمال براجع في افتتاح المهرجان التضا


.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة إيمرسون بأ




.. شبكات | بالفيديو.. هروب بن غفير من المتظاهرين الإسرائيليين ب


.. Triangle of Love - To Your Left: Palestine | مثلث الحب: حكام




.. لطخوا وجوههم بالأحمر.. وقفة احتجاجية لعائلات الرهائن الإسرائ