الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل كان للكرد أدباء وفلاسفة قبل الإسلام - الجزء الرابع

محمود عباس

2017 / 2 / 20
القضية الكردية


حسب المراجع التاريخية والأنثربولوجية كانت العلاقة بين الكرد والفرس متينة حتى الفترات المتأخرة من الحضارة الساسانية، والصراعات كانت على السلطة، إلا أن الثقافة ظلت متداخلة في العديد من جوانبها، رغم تفضيل طرف على خلفية العنصر المهيمن، فلغتيهما المتشابهة أبقت نتاجاتها متشابكة على مر الحضارات، وأدباءهم وفلاسفتهم لم يكن بينهم تمييز واضح، من حيث الأسماء والنتاج، وتتبين هذه من خلال التسميات المتتالية للحضارات، والتي لم تسمى أية منها بالكردية أو الفارسية، إلا متأخراً، وعلى الأغلب في منتصف الخلافة العباسية، وتشكلت عند المؤرخين الإسلاميين. وعلى الأغلب الطفرة الانتقالية من الواقع القبلي إلى حيز الشعب ظهرت في نهايات الحضارة الساسانية.
وكان التداخل الثقافي والاجتماعي والديني حاضراً خلال الحضارات الميتانية والميدية إلى الأخمينية والساسانية، فحتى عندما كان الكرد فيها يقودون الحضارة الميدية والفرس بدو، كانت شريحة منهم في السلطة، ولولا ذلك لما تمكنوا من السيطرة على الإمبراطورية الميدية ومن داخلها، وعملية اعتماد أحد أمراء الميديين على الفرس لاستلام السلطة معروفة للمؤرخين، لذلك فالمرحلة الأخمينية استمرار للميدية خاصة من الناحية الحضارية، استورثوا أكثر مما دمروا، فتعلموا من الكرد الميديين العديد من العادات والتقاليد الاجتماعية، واستمروا على نفس النهج الثقافي، وأخذوا منهم طريقة استخدام العربات العسكرية في الجيش، وفي هذا يقول ول ديورانت: أن الفرس عندما سيطروا على الحضارة الميدية قلدوا الكرد في أناقتهم وطريقة لبسهم وغيرها من العادات الاجتماعية في الأكل والمجالس. ولا شك هذا الرقي الحضاري بالنسبة لتلك الفترة الزمنية، كان يرافقه تطور ثقافي، من آداب التعامل إلى الأدب الفكري، كالشعر والفلسفة، وغيرها من المعارف.
رغم قلة الأسماء الثقافية الخالدة من تلك الحضارات، إلا أن تأثيرها استمر على المجتمع حتى بعد قرون من الحكم الإسلامي العربي. وهي الشريحة المنتمية إلى حضارات الكرد والفرس، وليس من السهل عزلهما، وما حدث في القرون اللاحقة من الفرز، وتعريفهم بالصفة الفارسية، كانت على خلفية هيمنة سلطتهم، في عهد الصفويين، والسلطات الفارسية اللاحقة، إلى جانب إطلاق المؤرخين العرب على جميع شعوب المنطقة أسم الفرس، مثلما فعلوها بالشعوب الأوروبية، وتسمية الجميع بالفرنج.
وبداية مرحلة تصعيد الاسم الفارسي على حساب الكردي أو السرياني أو الشعوب الأخرى، تعتبر فترة فبركة وتحريف تاريخ الحضارات المنتمية إليها الكرد والفرس، ولا تختلف عن التزوير الجاري لتاريخ الكرد منذ هيمنة السلطات العروبية. وجميع الأسماء التي سنأتي على ذكرهم الأن كانوا في الماضي يدرجون تحت أسم الساسانيين، أي الكرد والفرس، وما تلاه من التعتيم للكرد وتضخيم الأسد الفارسي، كان تعديا على التاريخ. ولا نظن أن أي مؤرخ صادق يستطيع التحديد الدقيق لانتماء أي من الفلاسفة الروحانيين، أو الأنبياء الفلاسفة : كزرادشت، وماني، ومزدك، والفيلسوف جاماسب، معاصر زرادشت، وكتب عنه كتاب سمي بـ(جاماساب نامك، أي رسالة جاماساب بالكردية والفارسية)، أو الفيلسوف أوستانيس المختلف على أصله بين اليونانيين والساسانيين والمعروف بأنه أوستانيس الزرداشتي وكان مرافقا للملك كسريكسس أثناء حروبه على اليونان، والفيلسوف السياسي تانسار(موباد) كان زرداشتي الديانة وعاش في عهد الملك أردشير، والفيلسوف والطبيب بورزويا عاش في عهد الملك الفيلسوف كيخسرو الأول وضاعت جميع كتبه المنسوخة بالحروف السنسكريتية بعد الغزوات الإسلامية باستثناء كتاب منسوخ بالحروف البهلوية، أخذ عنه أبن المقفع كتاب كليلة ودمنه، والملك الفيلسوف (كيخسرو الأول) صاحب الفلسفة التي قال بذاته عنها بانها تبحث عن اكتشاف الحقيقة، وعلى هذا المبدأ فتح المجال لجميع الأديان في مملكته بممارسة شعائرهم، وقال بأنه لا يرفض الناس بسبب دينهم، فاق في ثقافته أو اهتمامه بالعلوم والفلسفة القيصر الروماني الفيلسوف ماركوس أوريليوس (مات عام 180م). ولا شك هناك العديد من الفلاسفة الذين لم تصلنا أسمائهم، كما ولا يعقل وجود هذه الشريحة من الفلاسفة دون مرافقة مجموعة من الشعراء والأدباء، وحيث وجود المراكز الثقافية المتقدمة، كجامعة نصيبين، كما يسميها (غيل مارلو تايلور) وكنديشابور، والمدائن، والرها؛ وأربيل وغيرها.
يقول (غيل مارلو تايلور) بروفيسور جامعة كاليفورنيا، في كتابة (الأطباء في كنديشابور) (كنديشابور تعني قرية شابور باللغة الكردية، بناها الملك شابور الأول، وزوجته ابنة الإمبراطور الروماني أورليان، وهي تقع ضمن منطقة قبائل اللور الكردية) ذاكراً في النسخة الإنكليزية " كانت تدرس في جامعة كنديشابور الفلسفة؛ والطب؛ والفيزياء؛ والشعر؛ والبلاغة؛ والفلك، وكان المركز التعليمي يستقبل الطلاب الوافدين من اليونان للتعلم وتبادل المعلومات" وكنا قد ذكرنا سابقاً، كيف أن الشعراء الجاهليين العرب تعلموا سجع الشعر من شعراء دواوين الإمبراطورية الساسانية وقياصرة البيزنطيين وملوم الإسكندرية.
لا بد من التنقيب، والبحث عن الفلاسفة والشعراء الذين طمرت أسمائهم ونتاجهم ولم يتمكنوا من مواجهة موجات الطمس والنسيان ولربما التدمير، إن كان متعمدا أو غير متعمد. فهذا الضياع الجدلي، حتى الأن، وعدم بذل الجهد المطلوب من قبل الباحثين والكاتب المتخصصين في مجالات الأدب الكردي وتاريخه، وعدم العثور على ذاك التراث الحضاري، تراث ما قبل الإسلام، ستؤدي إلى استمرار منطق عدم وجود الأدباء والشعراء والفلاسفة الكرد أو الفرس أو السريان أو غيرهم في المنطقة قبل الإسلام، وهي إشكالية تاريخية تقحم فيها العديد من الرؤى والاحتمالات. الناقد والباحث (إبراهيم محمود) خير من درس هذه الظاهرة، وتعمق فيها، وقد تناولها في عدة دراسات، وأهمها كتابه (الكرد في مهب الريح) عام 1995م في الفصل الأول، والمعروض تحت عنوان (إشكالية التاريخ أم عدم اعتراف).
للإحاطة بهذه الإشكالية، وبطريقة أخرى، لا بد من العودة ثانية إلى ذكر كتاب (الفهرست) لأبن النديم (توفي في عام 438هـ998م) فعند التدقيق فيما وراء صفحات فهرسه، يمكن ملاحظة ظاهرة (إشكالية التاريخ) فابن النديم يأتي على ذكر أسماء معظم الشعراء والأدباء والفلاسفة الكرد والفرس والسريان واليونانيين وغيرهم، وفي فترات تمتد تاريخيا من عصره وحتى عصر سقراط، وهيرودوت، خارج الجغرافية التي احتلها العرب المسلمون، ولا يأتي على ذكر أسم أديب أو شاعر أو فيلسوف من الحضارات الميدية أو الساسانية أو الذين عاصروا غزوات القبائل العربية الإسلامية للمنطقة (ما عدى الأسماء التي أوردناها سابقاً) علماً أنه لا يترك شاعرا عربيا واحدا مهما صغرت مكانته وشح نتاجه، ومن جنوب الجزيرة العربية أو من اليمانيين، إلا ويدرجهم في كتابه، حتى أولئك الذين لم يكن يجدلوا الشعر باللغة القريشية. فعلها قبله المؤرخون المسلمون العرب أو غير العرب، أمثال (الطبري) و(البلاذري) وغيرهم. ومن اللافت للنظر، لو طال الاحتلال العربي الإسلامي حينها الأراضي اليونانية لغابت أسماء فلاسفتهم وشعرائهم وعلمائهم ونتاجهم، ولربما ما كنا سنعرف اليوم شيئا عن سقراط وأفلاطون وأرسطو وغيرهم من مدرسي المدرسة الرواقية، مثلما حدثت لفلاسفة ومدرسي مدرسة كنديشابور ونصيبين والتي لم تكن أقل رقيا عن المدرسة الرواقية بل وكانت، حسب المقارنات التاريخية، أوسع اختصاصا، وكما ذكرنا، فحتى اليونانيين كانوا يقصدونها للتعلم، وهذه المقارنة تجري على جميع المدن المحتلة حينها، وخاصة في مراحل الغزوات الأولى.

يتبع...

د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
[email protected]
9/12/2016م








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصر تعرض على إسرائيل عدة أفكار جديدة كقاعدة للتفاوض حول الأس


.. Amnesty International explainer on our global crisis respons




.. فيديو يظهر اعتقال شابين فلسطينيين بعد الزعم بتسللهما إلى إحد


.. مواجهات واعتقالات بجامعة تكساس أثناء احتجاجات على دعم إسرائي




.. مراسلة العربية: إسرائيل طلبت إطلاق سراح 20 من الأسرى مقابل ه