الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العقد العراقية المعتقة

عبد الحسين شعبان

2017 / 2 / 22
مواضيع وابحاث سياسية



إذا كان علينا ألاّ نعيش في التاريخ، فعلينا في الوقت نفسه ألاّ ننسى التاريخ، ففي الحاضر جزء منه، مثلما سيكون في المستقبل، وإنْ كان التاريخ أحياناً ماكراً على حد تعبير هيغل، الأمر الذي يقتضي الاستفادة من دروسه وعِبره.
خلال الأيام القليلة الماضية أعادتني إلى التاريخ ثلاث قضايا:
أولاها - العنف الذي مورس في مواجهة المتظاهرين أمام المنطقة الخضراء ببغداد وقتل 7 أشخاص وجرح المئات منهم، وهو عنف يكاد يكون مزمناً ومتأصّلاً.
ثانيتها - استمرار تلويح رئيس إقليم كردستان بإعلان الاستقلال، خصوصاً مع تفاقم المشكلات مع حكومة بغداد الناجمة عن ضعف الثقة وعدم التوصّل إلى توافقات تاريخية.
ثالثتها - اجتماع ممثلي السنّة العرب في جنيف بحضور ديفيد بتريوس قائد الفرقة 101 المحمولة جواً التي احتلت الموصل عند غزو القوات الأمريكية للعراق العام 2003، ثم عيّن قائداً للقوات الأمريكية في العراق خلفاً للجنرال جورج كيسي. وهذا يعني أن الطائفية السياسية أخذت تتجذّر، لا سيّما في البحث عن دعم خارجي لمشكلة الحكم في العراق.
أليس ما يجري اليوم يعيدنا إلى الإشكاليات الجوهرية التي عانت الدولة العراقية منذ تأسيسها في العام 1921؟ وإذا كانت الدولة العراقية قد نشأت دولة مركزية بسيطة، فإنها تحوّلت حتى دون رغبة منها إلى دولة لا مركزية "فيدرالية - اتحادية"، حيث انفصلت فعلياً المنطقة الكردية في أواخر العام 1991، وأعلن برلمان كردستان المنتخب لأول مرّة "الاتحاد الفيدرالي" من طرف واحد 1992، ومنذ ذلك التاريخ اختلفت مسارات الإقليم عن مسارات الدولة، حيث يزداد التباعد بينهما.
العُقد المزمنة ازدادت اشتباكاً واستعصاءً وبدلاً من حلّها جرى تكريسها في مجلس الحكم الانتقالي الذي شكّله بول بريمر الحاكم المدني الأمريكي العام 2003 وفقاً لنظام المحاصصة الطائفي - الإثني الذي ابتدعه والذي وجد طريقه لاحقاً في قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية لعام 2004 وفي الدستور العراقي الدائم العام 2005، وهذه العُقد هي:
العقدة الكردية - وكانت اتفاقية لوزان لعام 1923 قد التفّت على معاهدة سيفر لعام 1920 التي اعترفت جزئياً بحقوق الكرد، الأمر الذي دفعهم لعدم المشاركة في الاستفتاء الأول عند تأسيس الدولة العراقية، علماً بأن الإشارة إلى الحقوق الكردية كانت قد وردت في قرار لمجلس وزراء الحكومة العراقية المؤقتة، التي نادت بالأمير فيصل الأول ملكاً على العراق، حين جرى التأكيد على مشاركة الأكراد في انتخابات المجلس التأسيسي وفقاً لما نصت عليه معاهدة سيفر.
ولكن القضية الكردية منذ مؤتمر لوزان اختفت من الأروقة الدولية، وتعرّض الأكراد إلى عمليات اضطهاد وقمع مستمرّين، وأصبحت مصدر قلقٍ وتوتر للعديد من دول المنطقة واستخدمت وسيلة للتدخّل الخارجي في شؤونها، كما ساهمت في إضعاف الدولة العراقية والهويّة الموحّدة، ناهيك عن تأثيراتها السلبية في مسألة التنمية والديمقراطية وحقوق الإنسان بشكل عام. وقد سنحت الفرصة للقضية الكردية بالعودة مجدداً إلى الواجهة الدولية بصدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم 688 في 5 نيسان (أبريل) 1991 الذي قضى بوقف القمع الذي يتعرّض له السكان في العراق والذي شمل المنطقة الكردية باعتباره تهديداً للسلم والأمن الدوليين.
العقدة الطائفية - وتتعلّق بقوانين الجنسية؛ لا سيّما قانون الجنسية الأول رقم (42) لعام 1924، الذي بذر بذورها، وهو ما عزّز الشعور بالتمييز، خصوصاً حين اقترنت بعمليات تهجير ونزع للجنسية. وقد شملت حملة التهجير في الثمانينات نحو نصف مليون مواطن عراقي بحجة "التبعية" وعدم الولاء السياسي، ومن جهة أخرى فقد أجّجت الثورة الإيرانية الصراع الطائفي في المنطقة بين السنّة والشيعة، خصوصاً وقد اقترنت بفكرة "تصدير الثورة" والتمدّد إلى الخارج.
وإذا كان الشعور بالتمييز في العراق قد شمل أوساطاً من الشيعة في السابق وبنت عليه الشيعية السياسية مشروعها، فإن نظام الحكم الطائفي - الإثني الذي أقيم بعد الاحتلال شمل أوساطاً واسعة من السنّة، وهو ما تحاول أن تؤسس عليه السنيّة السياسية مشروعها أيضاً، خصوصاً بعد احتلال "داعش" لنحو ثلث الأراضي العراقية، الأمر الذي أخذ يضغط أكثر لتأسيس "مرجعية سنية" مقابل "المرجعية الشيعية" بزعم هضم الحقوق والمظلومية، وهي المبرّرات ذاتها التي تعكّزت عليها الشيعية السياسية.
عقدة الهويّة - وتتجلى بعدم اكتمال وتبلور هويّة عراقية جامعة وموحدة على أساس المواطنة، والسبب يعود إلى ضعف وهشاشة البُنى والتراكيب الدولتية "الحكومية" وانحسار موجة الحداثة والثقافة المدنية والحقوقية وإضعاف دور الطبقة الوسطى وهيمنة الفكر والثقافة التقليديين بالتدرّج.
إن فشل المشروع الحداثي بتياراته المختلفة ساهم في صعود المشروع الديني الطائفي، بطبعته التقليدية (الشيعية - السنية) أو بطبعته الإرهابية "الداعشية"، ولذلك فإن استعادة الهويّة العراقية والتخلّص من تبعات الاستبداد والتمذهب لا يتم بطائفية مقابل طائفية، ولا بتقسيم المجتمع إلى مكوّنات أو بالتلويح بالانفصال إذا ما أريد العيش المشترك، بقدر ما يقتضي التمسك بمبادىء المواطنة التي تقوم على المساواة والحريّة والعدالة والشراكة والمشاركة الحقيقية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجيش الروسي يستهدف قطارا في -دونيتسك- ينقل أسلحة غربية


.. جامعة نورث إيسترن في بوسطن الأمريكية تغلق أبوابها ونائب رئيس




.. قبالة مقر البرلمان.. الشرطة الألمانية تفض بالقوة مخيما للمتض


.. مسؤولة إسرائيلية تصف أغلب شهداء غزة بالإرهابيين




.. قادة الجناح السياسي في حماس يميلون للتسويات لضمان بقائهم في