الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قمنا باختيار دينك مسبقًا

يوسف نبيل

2017 / 2 / 24
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لقد قمنا باختيار دينك مسبقًا قبل أن تولد، وستظل تحمل أوراقًا رسمية مثبت بها الديانة التي لم تخترها، وسيعاملك القانون حسب تفسير كهنة هذا الدين الذين يطرحون رؤية معينة يخالفها كثيرون من أبناء الديانة نفسها، ولن يكون بإمكانك فعل شيء، فأنت في مصر.
هكذا الأمر بصراحة ووضوح واختصار.
عندما يتحدث كثيرون عن مشاكل الزواج الثاني عند الأقباط نادرًا ما يتطرق الأمر للحديث عن هذه النقطة، والتي تبدو لي شديدة البداهة والأهمية. فلنفترض أن رأي الكنيسة بخصوص الطلاق والزواج الثاني هو فعلا رأي المسيح، فهل اختار أحد ديانته حتى يلتزم بهذه التعاليم؟ ببساطة ووضوح ما من اختيار آخر أمامه، فانت إن لم تعترف بالمسيحية في مصر فما من طريق سوى تغيير الديانة إلى الإسلام، وماذا إذن عن أي رأي آخر؟ وماذا حتى عن التزام بأي فلسفة أو ديانة أو فكرة أخرى؟ ماذا حتى عن تفسير آخر للمسيحية غير تفسير الكنيسة؟ هل يمكن أن نحاسب الناس قانونيًا في التوريث والزواج والمعاملات المالية على قناعة لم يقتنعوا بها من الأساس؟ مئات، بل آلاف من المسيحيين يتزوجون كل عام في الكنيسة، ولا تربطهم بالمسيحية أي علاقة حقيقية، ويجاهر كثير منهم بعدم إيمانهم من الأساس بكثير من معتقدات المسيحية. كيف يمكن أن يتزوج هؤلاء؟
المضحك أن كثير من المسيحيين يعتقدون أن ثمة زواج مدني في مصر، وهي كذبة روَّج لها البابا شنودة عندما قال: "اللي عايز يتجوز بره الكنيسة يتجوز"! لقد وصل الانحطاط والتزييف إلى إنكار حتى الوقائع القانونية المعروفة، ففي مصر، وطالما الزوجان مصريين فلابد أن يوقع عقد الزواج إما شيخ أو قسيس، وكل منهما له التزامات دينية معينة لا يمكن أن يخرج عنها، ناهيك عن الاختلاف داخل الديانة الواحدة في الأراء عن هذه الاتزامات، ولكن لأن القوانين الإسلامية تبيح الزواج والطلاق وتعدد الزوجات، فالمشاكل التي تظهر هناك أقل ومن نوع آخر.
الأمر ببساطة أن ثمة شخص وُلِد ليجد نفسه مندرجًا تحت ديانة المسيحية، وعليه أن يتعامل قانونيًا على هذا الأساس حتى إن كان على غير قناعة بذلك، وما من فرصة لترك هذه القناعة إلا إن قرَّر الاتحاق بالإسلام! عبث.
النقطة الأخرى التي أود التحدث عنها، وهي مطالبة المسيحيين للكنيسة بتوسيع رخصة الزواج الثاني. هذا حق مدني أصيل للدولة، وهي من تخلت عن حقوقها طواعية للكنيسة، وكل ذلك تحت اعتبارات معروفة، فالتحالفات بين النظام والكنيسة من جهة، وبين النظام والأزهر من جهة أخرى معروفة للجميع، لذا كان في صالح الدولة أن تتخلى عن بعض حقوقها المدنية لتضم قطاعات واسعة تحت لواء الكنيسة، والتي يسيطر عليها النظام بعدة طرق، أهمها أنه من المستحيل أن يصل إلى كرسي الباباوية شخص غير مرغوب فيه من النظام، ويعلم الكثيرون عن الموافقة الأمنية التي لابد أن تتم على الأسماء المرشحة للباباوية قبل القرعة الهيكلية الأخيرة.
على المسيحيين أن يطالبوا الدولة في الأساس بمنحهم حق الزواج المدني. لن تتخلى الكنيسة أبدًا عن حقوقها في السيطرة على البشر في كافة متطلبات حياتهم المدنية، ولابد من انتزاع هذه الحقوق بالقوة لا بالطلب والترجي. إن حقوق المسيحيين الضائعة في رقبة الدولة في المقام الأول، والتي لا تعرف التعامل مع المواطنين سوى على أساس الديانة، فكل أمامها إما مسيحي او مسلم.. إما كنيسة أو أزهر... إما تاوضروس أو الطيب!
الحل الجذري للمشكلة لا يتوقف على توسيع تصاريح الزواج الثاني، بل يأتي في الأساس من المطالبة بإلغاء خانة الديانة من البطاقة، وسن قوانين مدنية للجميع، ومن يود أن يلتزم بالقانون الديني فهذا شانه لا شأن الدولة. من يريد أن يتزوج في الكنيسة بقوانينها فليتوجه لها، ومن يريد أن يتزوج خارج الكنيسة على الدولة أن توفر له هذا الخيار، وللكنيسة الحق الكامل في رفض الاعتراف بهذا الزواج.. هذا شأنها. أما التفاصيل العقيدية عن جواز ذلك من عدمه فهذا أمر يُترك للمناقشة داخل الكنيسة، ولكن على الدولة أن توفر قانونًا مدنيًا للجميع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - رأي الأخ صباح ابراهيم مطلوب
عبد الله اغونان ( 2017 / 2 / 24 - 22:38 )

ليس المهم دائما عرض الاعتقاد فالدين اعتقاد وتشريع وخلق ومصالح

وكما يقول فقهاؤنا أينما وجدت المصلحة فثم شرع الله

مشكلة الزواج والطلاق في المسيحية عويصة ومثيرة وتسبب مشاكل لمعتنقيها

يهمني معرفة رأي مسيحي سلفي كنموذج أخينا صباح ابراهيم

اخر الافلام

.. الجماعة الإسلامية في لبنان: استشهاد اثنين من قادة الجناح الع


.. شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية




.. منظمات إسلامية ترفض -ازدواجية الشرطة الأسترالية-


.. صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها




.. كاهنات في الكنيسة الكاثوليكية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24