الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قيود أمّي. الفصل الأوّل -3-

نادية خلوف
(Nadia Khaloof)

2017 / 3 / 3
الادب والفن


-ماما. استيقظي. أنا جائع، وخائف.
-أين أنا؟
-أنتِ هنا، أهزّك، و لا تستيقظين.
-حاضر يا تميم. سوف أعد لك الطّعام.
كأنّني كنت في حالة موت ثمّ عدت إلى الحياة. لا. لم يكن موتاً. كنت ألبس فستاناً أبيض، أنتظر قرب القمر. رأيت نفسي منسجمة مع الجاذبية، نظرت من الأعلى إلى الأرض . رأيتها معتمة، ثمّ أتى رجل أحببته منذ النظرة الأولى. حملني بين ذراعيه، رقصنا على سطح القمر، قبّلني واستسلمت له فذبنا معاً في حبّ لا يشبه حبّ البشّر. ما أجمل أن أستطيع أن أحبّ! ليت كريم يفسح لي المجال كما فسح لي ذلك الرجل المجال!
أؤمن بالمنامات. أفسّره بنفسي. يبدو أنّني سوف أموت، وأنا شابة.
تعال يا تميم. عملت لك بيضاً مقلياً، سخنت لك الخبز، وجلبت لك بندورة مقطعة. بعد قليل سوف نذهب إلى بيت جدّتك.
لماذا لا أشعر أنّني أحبّ أمي؟ لا شكّ أنّني مخطئة. وربما موقفي منها مثل موقفي من تميم، يتحدثون عن حبّ أمهاتهم، أو أولادهم، ولا أستطيع أن أفعل مثلهم . أشفق على أمّي أحياناً ، أقوم بتنظيف منزلها، وجلي الصّحون. إخوتي لا يرحمونها.
لو كانت أختي تحبّني، لأصبحت أنا وهي أصدقاء، تحدّثت لها بكلّ شيء. لكنّها متفرّغة للجدال مع أمّي وأخوتي. أرغب أحياناً أن أقف بوجهها، لكن لا أتجرأ. أخشى أن تضربني، فعندما تثور تصبح كالمجنون.
هيا يا تميم. سوف نمرّ على الصّيدليّة كي أشتري صبغة شعر. سوف أصبغ شعر أمّي. شعرها بنّي، سوف أختار البنّي الغامق.
-أحبّ جدّتي. تحكي لي القصص.
-ها قد وصلنا.
هل أنت وحدك يا أمّي؟
-نعم . الجميع ليس هنا . إخوتك في أعمالهم، وزوجاتهم في بيت أهاليهم.
-أين أختي سمر؟
-لن تأتي الآن. ذهبت إلى صديقتها نور، سوف تساعدها في تحضير الطّعام من أجل وليمة لأهل خطيبها. لا تخافي من سمر. قلبها أبيض، فقط لسانها سليط. حتى أنا أحسب حسابها، فلو كانت موجودة أتصرف بشكل مختلف.
سوف أحكي لتميم حكاية، وأنت تصبغين شعري كي لا يملّ.
-أحبّ حكاياتك يا جدّتي. هل سوف تتحدّثين عن الجنّ؟
- لا. عن قصّة حقيقيّة، فالجنّ نتخيّلهم ولا نراهم.
وقد لا يكونون موجودين. اسمع:
."كان في قريتنا جامع وحيد، وفيه شيخ واحد، يساعده أحد الأشخاص في ترتيب الجامع ، وتنظيفه. كنّا نسمّيه الشّيخ طهماز، وهناك شيخ آخر لا علاقة له بالجامع. يعلم الأطفال القراءة، والكتابة، هو شيخ الكتّاب ،ويختمون معه القرآن . اسمه الشّيخ إحسان.
كان الشّيخان يذهبان إلى المآتم معاً ، وكلّ واحد منهما يعطي موعظته لأهل الميّت وأحبابه.، ويدعونهم لطعام اليوم الثالث بعد وفاة الشّخص، وكان عادة يتألّف من الرّز واللحم. كان الشّيخ طهماز يأخذ معه سحلول مساعده.
الشّيخ إحسان يذهب إلى المأتم ليظهر علمه ومعرفته، ويسرد لهم حكايات أشعب، وألف ليلة وليلة، ولا يتقدّم للطّعام إلا بعد أن ينتهي الجميع ولا يبقى غير الأرز من دون اللحم ،فيأكل ملعقة، ويقول: رحم الله ميّتكم. كان خير خلف لخير سلف.
أمّا الشّيخ طهماز، فكان يحبّ اللّحم كثيراً، لكنه يأكل عدّة لقيمات من على وجه المنسف كي يستطيع الأكل في مكان آخر، كان يحبّ النساء أيضاً، لكن ليس لديه سوى زوجة واحدة، فقريتنا صغيرة جداً، والنّساء لا يتزوّجن رجل متزوّج، طلب يد أرملة ، لكنها رفضت.
"في إحدى المرات. جلس الشّيخ طهماز إلى منسف الرّز واللحم، وبينما بدأ -سحلول - مساعده بأكل أوّل كردوش لحم. قال الشّيخ: رحمة الله على ميّتكم، وفي هذه الحالة يجب أن ينتهي سحلول من الأكل حسب العرف، وكاد يختنق بالكردوش لولا حلم الله.
أراد سحلول أن يجعله الشّيخ يتمتّع بالطّعام، لذا عليه أن يقول له شيئاً يجعله لا ينسى في المرّات القادمة، وبينما ترافقا إلى وليمة عزاء في قرية قريبة ، وقبل أن يصلا، ويقطعا التّلة التي تفصل بين القريتين. أمسك سحلول بالشّيخ، قال له: عندما نبدأ في الطّعام لا تنته من الأكل حتى أنتهي، وإلا قتلتك.
وصلا إلى وليمة العزاء، وبدءا في الطّعام، ونسي الشّيخ ما هدّده سحلول به . فتناول لقمة، وقال: رحمة الله على ميّتكم. نظر سحلول إليه ، وقال له: هل تذكر يا شيخنا ما قلنا خلف التّلة؟ لم يجب الشّيخ . بل تناول ملعقته وشرع بأكل الطّعام من جديد وهو يقول: من عاد إلى الزّاد عاوده الله إلى الجنّة"
-ها. ها. خاف من العقاب.
-ماما. تميم صغير . لا يفهم ما تحدّثت عنه.
-لقد فهمت ماما. الحكاية حلوة.
أفكّر أن عصر أمّي وجدتي أكثر انفتاحاً ، ينظرون إلى رجل الدين على أنّه إنسان. لكنّ تميم صغير، ولو تحدّث بالحكاية لأتت مصيبة على رأسي من أهل زوجي. لقد سمعها، وانتهى الأمر.
خرج تميم ليلعب مع أولاد الحي، وكنت طبيعيّة إلى حدّ ما إلى أن بدأت أمّي تنصحني:
"نفّذي كلّ طلبات زوجك. إيّاك أن تعودي إلينا مطلّقة. عندما أقول ذلك فإنّني أرى مصلحتك من خلال خبرتي في هذه الحياة. لديك عمّ شرّير، ومحيطنا ضيّق. قد يكون مصيرك مجهولاً"
هذه المرّة الأولى التي كنت مسرورة فيها عند زيارة أمّي، لكنّني أصبت بالإحباط بعد نصيحتها. هل تعرف ما جرى لي مع عمّي؟ وهل جرى لها ما جرى لي؟
كأنّ في الأمر سرّ لا أفهمه.
كلّما جلسنا إلى مائدة الطّعام يتوّقف تميم عن الأكل، أقول له. لماذا لم تأكل؟ يعود وهو يضحك، ويقول لي : " من عاد إلى الزّاد. عاوده الله إلى الجنّة".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث


.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم




.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع