الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رأس المال الثقافي (الهيكل الثقافي) وأثره على التنمية الإقتصادية

تامر البطراوي

2017 / 3 / 6
الادارة و الاقتصاد


رأس المال الثقافي (الهيكل الثقافي)
هناك اتجاهان لتعريف مفهوم الثقافة كمعرفة غير متخصصة والتي لخصها العقاد بأنها "أن تعرف شيئ عن كل شيئ ، بينما التخصص أو العلم أن تعرف كل شيئ عن شيئ" (الزغبي، 2012) -ولكي يكون تعريفه أكثر دقة يمكن استبدال كل بكثير- ، الإتجاه الأول يرى أنها تلك المعرفة المتجسدة داخل الأفراد والمنطبعة على سلوكهم وعلاقاتهم ، أما الإتجاه الثاني يضم إلى ذلك المفهوم تجسد تلك الثقافة على الواقع المادي المحيط وانطباعها وأثرها على العمران ، ومن الأبرز التعريفات التي تناولت الثقافة وفقًا للإتجاه الأول (الفكري والسلوكي) تعريف "هنري لاوست" الثقافة بأنها "مجموعة الأفكار والعادات الموروثة التي يتكون منها مبدأ خلقي لأمة ما ، ويؤمن أصحابها بصحتها ، وتنشأ منها عقلية خاصة بتلك الأمة فتمتاز بشخصية مميزة عن سواها" (الصاوي، 1997) ، وتعريف "تايلور" بأواخر القرن 19 في كتابه "الثقافة البدائية" بأنها " ذلك الكل المعقد الذي يشمل المعرفة والعقيدة والفن والأخلاق والقانون والعادات وأية قدرات أخرى أو عادات يكتسبها الإنسان بصفته عضو في المجتمع" (عكاشة، 2008) ، وتعريف "والاس" للثقافة المجتمعية بأنها "أبرز أساليب السلوك وأساليب حل المشكلات بالمجتمع" (عكاشة، 2008) ، كما تعرف بأنها "الحصيلة الطبيعية للقراءة الواعية والدراسة المستمرة والإطلاع الواسع على أفكار الآخرين ومشاعرهم وتجاربهم ونظرياتهم" وتعرف أيضا بأنها "نظرية في العلاقة ما بين المعرفة والسلوك" (الدبسي، 2008) ، أما تعريفات الإتجاه الثاني (البعد الفكري والسلوكي والمادي) فمن أبرزها تعريف "روبرت بيرستد" بانها "ذلك الكل المركب الذي يتألف من كل ما نفكر فيه أو نقوم بعمله كأعضاء في المجتمع" (الصاوي، 1997) ، وتعريف "كلباتريك" بأنها "كل ما صنعته يد الإنسان وعقله من الأشياء ومن مظاهر في البيئة الإجتماعيه ، فهي كل ما اخترعه الإنسان أو اكتشفه وكان له دور في البيئة الاجتماعية" (عكاشة، 2008) ، كما عرفها "البرغوثي" بأنها "نظرية في المعرفة ومنهجا في السلوك ، ومنهجية في العمل والبناء" (البرغوثي، 1993) ، وعرفها "مالك بن نبي" بأنها "مجموعة من الصفات الخلقية والقيم الاجتماعية التي تؤثر في الفرد منذ ولادته ، وتصبح لاشعوريا العلاقة التي تربط سلوكه بأسلوب الحياة في الوسط الذي ولد فيه ، فهي على هذا الأساس المحيط الذي يشكل فيه الفرد طباعه وشخصيته والذي يعكس حضارة معينة" (بن نبي، 1959) ، كما تعرف بأنها "ثمرات الفكر من علم وفن وقانون وأخلاق ومبادئ والمنعكسة على حضارة أمة معينة" (الدبسي، 2008) ، كما تعرف بأنها ذلك القدر من المعرفة المتكاملة من مصادرها المختلفة والتي يكتسبها الفرد بالإضافة إلى إتقان العديد من المهارات التي تمكنه من اتخاذ مواقف ووجهات نظر شخصية تعبر عن ذاته، مما يساعده على التفسير والتنبؤ واتخاذ القرار المناسب بشأن ما يواجهه من مواقف ومشكلات في مجتمع دائم التغير في جميع مناحي الحياة ، ومجالات النشاط الإنساني المختلفة (حكمي، 2008) ، كما تعتمد اليونسكو هذا الإتجاه في تعريفها للثقافة (1982) على أنها "جـمـيـع الـسـمـات الـروحـيــة والـمـاديــة والـفـكـريــة والـعـاطـفـيــة الـتــي تـمـيـز مـجـتـمـعـا بـعـيـنـه وتـشـمـل الـفـنـون والأداب وطـرائـق الـحـيـاة والـحـقـوق الأساسية للإنسان ونظم القيم والتقاليد والمعتقدات (اليونسكو، 1989).
وبناءًا عليه فإن الثقافة هي الكل المعنوي غير المتخصص من المعارف والقيم والمعتقدات المتراكمة والمتغيرة داخل الأفراد والمجتمعات والمتفاوت كميا ونوعيا وفقا للتأثر بالعوامل الإجتماعية والبيئية ويتحدد على أساسه سلوك الأفراد وأسلوب حياتهم وينطبع على حضارتهم وتراثهم المادي والمعنوي فيتحدد على أساسه ويختلف مجتمع عن غيره ، الثقافة درجة من المعرفة لا يرتقي صاحبها إلى مستوى المتخصص أو العالم في مجالٍ معين ، الثقافة ليست وصفًا نوعي مدمجًا ، فهناك الثقافة العلمية والثقافة المعاصرة والثقافة الشعبوية ، بعض التخصص العلمي يستلزم عادة ثقافة بالعلوم المتاخمة على قدر ارتباطها بالتخصص ، وفي ضوء هذه المفاهيم يتضح أن الفلاح الأمي في قرية نائية لا يوصف بكونه منعدم الثقافة بل ملم بالثقافة التي أفرزتها بيئته المكانية والوظيفية والتاريخية وفي نفس الوقت يجهل بالثقافة العامة والحد الأدنى من المعرفة العامة ، نفس الأمر ينطبق على أصحاب التوجهات العقائدية المنعزلة والمتفاوتون في الإلمام بالثقافات المتعلقة بمجتمعهم الخاص ، يتضح من ذلك تعدد أقسام الثقافة وفقا لمنهج التقسيم فمن ناحية الحقول المعرفية يمكن تقسيمها إلى (ثقافة علمية، وثقافة أدبية وثقافة فنية ...) ومن النواحي الأيديولوجيه والعقائدية (ثقافة دينية إسلامية ، ثقافة يهوديه ، ثقافة مسيحية ؛ بوذية وكونفوشيوسية والطاوية والبراهمية... ، وثقافة لادينية) ومن الناحية الإقليمية (ثقافة مصرية ، ثقافة عربية ، ثقافة أوروبية ، ثقافة عالمية ...) ، فالثقافة نسق نسبي نوعيا وكميًا يستلزم اكتسابه كنعت مجتمعي مستوى معين من المعارف النوعية والمتغيرة بتغير المجتمعات وأزمانها بدون تلك الحدود الكمية والكيفية لا يرتقي الفرد أو المجتمع لمستوى الثقافة كنعت ، فهناك حد أدنى من الثقافة الذي يجب على الفرد اكتسابه لتسهيل تفاعله داخل المجتمع ، كما هناك حد أدنى من الثقافة المجتمعية للمجتمع لتسهيل تفاعله مع المجتمعات الأخرى وحد أدنى لثقافة الدول لتسهيل تفاعلها بالمجتمع الدولي (الزغبي، 2012) الثقافة بمعناه الواسع تمثل المحرك الأساسي لسلوكيات الأفراد داخل المجتمع وسمة إنتاجهم الإقتصادي وحجمه ، فهي عاملا جوهريًا في دفع عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية (شروق للدراسات، 2011) فهناك مفاهيم وعناصر ثقافية محفزة للنهوض المجتمعي والتنمية الإقتصادي كتقديس العمل والتناسب بين الإدخار والإستهلاك واحترام الآخرين وترشيد استغلال الموارد ونبذ الفساد ، بينما هناك عناصر ثقافية أخرى مثبطة ومعيقة للنهوج المجتمعي والتنمية الإقتصادية ، فمن الثقافات الإقتصادية المعيقة للنمو ثقافة التوسع في الإستهلاك على حساب الإستثمار والإنتاج وثقافة التشاطر بأعمال الإنتاج الإقتصادية فضلاً عن ثقافة التواكل والإنتهازية والتعصب أو الإغتصاب ، وهو ما دعا رائد نظرية رأس المال الثقافي الفرنسي "بيير بورديو" (Pierre Bourdieu) التأكيد بأعماله على دور الثقافة في التنمية الإقتصادية ، بالإضافة إلى نظرية الإختيار الرشيد لجيمس كولمان (James Coleman) بالثمانينات (حمد، 2015، صفحة 142) ، ولذلك فإن المجتمعات المعاصرة تهتم بشكل كبير بتنمية الوضع الثقافي بها خاصة من خلال التعليم بالإضافة إلى دوره التخصصي (زوهير، 2012) وتشمل التنمية الثقافية "الإجراءات والعمليات المتتالية والمستمرة التي يقوم بها الفرد أو المجتمع للتحكم بقدر ما في مضمون واتجاه وسرعة التغير الثقافي والحضاري بهدف إشباع الحاجات" ، فهي رفع قدر نوعي من المعارف إلى مستوى العموم المجتمعي ، بحيث يشمل بشكل أساسي تنمية المواهب والكفاءات والطاقات على اختلافها ، هذا التغير يكون أكثر مرونة بثقافات المجتمعات المتمدنة على خلاف الثقافة في المجتمعات التقليدية والتي تتسم ببطء التغير وبطء التأثر بالمجتمعات المحيطة ، وفي حالة إدخال عنصر ثقافي داخل محيط إجتماعي تم تكوينه خارجه فإن تفاعل ذلك العنصر يُحدث تناقض مع السياق الإجتماعي العام ، يؤدي بدوره إلى حدوث إضطراب في تفاعلات المجتمع الداخلية تظهر في هيئة تناقضات بالمجتمع تقود الثقافة المجتمعية إلى التغير (يوسف ج.، 2011) ، وتتميز السمات المعاصرة الأكثر أهمية بالتنمية الثقافية العالمية والتي يحرص المجتمع الدولي على رفع مستواها بالتكوين الثقافي المجتمعي أربع سمات رئيسية وهي؛ رفع المركز الإجتماعي للمرأة ، والتحرر من العادات والتقاليد الموروثة السلبية ، وتحرير العلاقات الاجتماعية خارج حدود الأسرة والعائلة والعشيرة والقبيلة والقوميات ، تعزيز القدرة على الانفتاح العقلي على الأفكار الجديدة.
أثر الثقافة على المستوى الإقتصادي
بعام 2015 تفوقت الصين ذات 1.3 مليار نسمة والثقافة العلمانية من حيث إنتاجها الإجمالي بقيمة 19.7 تريليون دولار دولي على الهند ذات 1.3 مليار نسمة والثقافة الدينية والتقليدية من حيث الناتج الإجمالي والذي بلغ 7.9 تريليون دولار دولي ، وبالرغم من أن هناك عوامل أخرى ذات أثر مباشر على النمو الإقتصادي بالإقتصادين ، إلا أن اختبار العلاقة ما بين الثقافة العلمانية وبين مستوى التنمية الإقتصادية بالمجتمع الدولي أثبت وجود علاقة طردية متوسطة بدرجة 0,679 وبنسبة ثقة أعلى من 95%.





البطراوي، تامر (2017). أبحاث في الإقتصاد السياسي، مطبعة بيبول: الطبعة الثانية، الأسكندرية.

Facebook: Tamer Elbatrawy
Email: [email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موجة الحر في مصر.. ما الأضرار الاقتصادية؟ • فرانس 24


.. الرئيس الفرنسي يحث الاتحاد الأوروبي على تعزيز آليات الدفاع و




.. تقرير أميركي: طموحات تركيا السياسية والاقتصادية في العراق ست


.. إنتاج الكهرباء في الفضاء وإرسالها إلى الأرض.. هل هو الحل لأز




.. خبير اقتصادي: الفترة الحالية والمستقبلية لن يكون هناك مراعي