الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نظرية الاخلاق في عقيدة الحياة المعاصرة الجزء الثاني

رياض العصري
كاتب

(Riad Ala Sri Baghdadi)

2017 / 3 / 10
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


ذكرنا بان معايير القيمة الانسانية تتمثل في ( الفضيلة ، المعرفة ، العمل ) وان معايير الفضيلة تتمثل في ( الحق ، الخير ، التضامن الايجابي ) هذه المعايير تمثل جوهر نظرية الاخلاق في فلسفة عقيدتنا ، واننا سوف نقوم بالقاء المزيد من الاضواء على هذه المعايير لتوضيح معالم نظرية الاخلاق :
أولا ) الحق : من معايير الاخلاق الفاضلة ، وهو معيار مطلق لا يتأثر بظروف الزمان والمكان ، ونعرّفه بانه هو حالة كل سلوك يسلكه الانسان بالافعال او بالاقوال ليحقق به وضع الشيء في مكانه الصحيح ، الحقيقي ، الفعلي ، الواقعي من غير أي معالجات او تداخلات ، وبعيدا عن أي مؤثرات او ميول او عواطف ، وبغض النظر عن تحقق المنفعة او عدم تحققها للفاعل او للمفعول لاجله ، فالحق لا يشترط حصول المنفعة او اللذة .
ـ مفاهيم الحق تشمل : الصدق ، العدل ، الشفافية ، الحقيقة ، الانصاف ، الامانة ، الوفاء ، المبدأية ، الحرية ، المساواة ، عدم التمييز ، عدم الانحياز .
ـ تعريف الحقيقة : هي كل فعل أو قول يعبر عن الحق والصدق والمنطق والواقعية ويتقبله العقل السليم بموجب ادلة وبراهين لا تطالها الشكوك ولا تقيدها ظروف المكان والزمان .
ـ الممتلكات المادية والمعنوية تمثل حقوق ، وان احترام حقوق الاخرين يستلزم احترام ملكيتهم ، وهذا الاحترام يجب ان يكون تعبيرا عن الايمان بالحق والالتزام به وليس بدافع الحصول على منفعة ، الحق يجب ان يأخذ مجراه بشكل مجرد من غاية المنفعة ، كل صاحب فعل او قول يجب ان يتحمل نتائج افعاله او اقواله ، ان كانت خيرا فله نتائجها ولا يجوز حرمانه منها ، وان كانت شرا فعليه نتائجها ولا يجوز تهربه منها ، مكافئة المخلص حق ، معاقبة الغشاش حق ، ان صاحب أي ملكية مسؤول عن ملكيته وهي حقه فلا يجوز للاخرين حرمانه منها طمعا فيها او كراهية لها ، كما انه هو ذاته لا يجوز له ان يتنكر لملكيته تهربا من عواقبها اذا كانت غير حميدة ، طالما انها تعبر عن الحقيقة وعن الصدق فلا يجوز انكارها ، الظلم انتهاك وعدوان على الحق ، ان من أخذ أكثر من حقه فقد ظلم غيره ، ومن أعطي أقل من حقه فقد ظلمه غيره ، والظلم ليس اعتداء على المظلوم فحسب بل وعلى البشر جميعا .
ثانيا ) الخير : هو كل سلوك يسلكه الانسان ( بالأفعال أو بالأقوال ) فيحقق به منفعة مادية او معنوية الى الاخرين بشرط ان لا يكون مقابل ثمن او خدمة او منفعة .. وان لا يكون على حساب الحق والعدل ، أي ان الغاية هنا هي المنفعة الخالصة لوجه الانسانية ... البعيدة عن أي غرض او مصلحة او مكسب للفاعل والا تجرد الفعل من صفة الخير وتحول الى نوع من الاعمال التجارية ، وان القيمة الحقيقية لهذه المنفعة لا ترتبط بمقدار الجهد المبذول من قبل الفاعل وانما بمقدار الحاجة الفعلية لها من قبل المفعول لاجله ، ويجدر بنا الاشارة الى ان المنفعة ذاتها ان كانت مادية او معنوية فان لها فترة صلاحية ، فما هو نافع في زمن معين قد لا يكون نافعا في جميع الازمنة ، كما ان ما هو نافع لمجتمع ما قد لا يكون نافعا لجميع المجتمعات ، لان الخير مفهوم نسبي .. وان فعل الخير تخضع قيمته لظروف الزمان والمكان
ـ ان جميع الاعمال ان كانت على شكل انفاق أموال او تقديم خدمة أو بذل مجهود بدني او عقلي او حتى بالكلام فقط والتي تؤدي الى ازالة او تخفيف الالام والمعاناة المادية اوالمعنوية عن الاخرين واشاعة الشعور بالطمأنينة والاستقرار والارتياح والفرح دون ان تكون هذه الاعمال مقابل ثمن فهي تعتبر من اعمال الخير بشرط ان تكون جميعها تحت مظلة الحق .
ـ مفاهيم الخير تشمل : الشفقة ، العطف ، المحبة ، المساعدة ، المروءة ، التسامح ، الاحترام ، الايثار ، النجدة ، الكرم ، الصداقة ، النظافة .
ـ تتجسد أعمال الخير في الاعمال التي تقوم على منفعة الاخرين دون مقابل ، مع التأكيد بشدة على أن ما يبنى على باطل لن يحمل صفة الخير حتى لو أدى الى منفعة ، ان الغاية لا تبرر الوسيلة ، فقد يولد خيرا ما من رحم الباطل ... ولكن خيرا يولد بهذه الطريقة هو خير فاقد للشرعية ، فالحق أولا ثم الخير ، وان اعمال الخير تفقد صفة الخير اذا كانت على حساب الحق ، واننا لن نرضى بالاعمال الخيرية عندما تكون على حساب الحق والعدل .
ـ ان فعل الخير عندما يصبح مقابل ثمن فانه يتجرد من صفة الخير ويتحول الى صفقة تجارية ، كما ان فعل الخير عندما يقوم على أساس التعامل بالمثل فانه يتجرد أيضا من صفة الخير لانه سيتحول الى ما يشبه أسلوب المقايضة او اسلوب الاقتراض في الاعمال التجارية ، ان الاعمال التجارية شيء والاعمال الخيرية شيء آخر، فالاعمال التجارية حركة ذات مسارين ( بيع وشراء ) بمعنى تعطي لكي تأخذ ، بينما الاعمال الخيرية حركة ذات مسار واحد ( هبة دون مقابل ) بمعنى تعطي من غير ان تأخذ .
ثالثا ) التضامن الايجابي : يقصد به الوقوف مع قضايا الحق والخير بالافعال والاقوال تعبيرا عن الايمان بهما ، اي بمعنى نصرة الحق ضد الباطل .. ونصرة الخير ضد الشر بالدعم المادي والمعنوي .. اذ لا يكفي لاكتساب صفة الفضيلة ان يكون الانسان ملتزما هو شخصيا بقيم الحق وفعل الخير ... بل يجب ان يقف متضامنا بالافعال والاقوال مع قضايا الحق واعمال الخير تعبيرا عن الايمان بالقيم الانسانية ودفاعا عن حقوق الانسان في كل مكان وزمان .
ـ مفاهيم التضامن الانساني تشمل : التعاون الايجابي ، التكافل الايجابي ( صفة الايجابي تطلق على الانحياز الى قيم الفضيلة ) ، الانحياز الى الحق ضد الباطل ، والى الخير ضد الشر ، المشاركة المادية والمعنوية والاعلامية في دعم واسناد الحق والعدل والخير، الوقوف مع حقوق الانسان في كل مكان في العالم ، المساهمة والدعم المسلح لنصرة قضايا الحق والخير في كل مكان ، كذلك من مظاهر التضامن الايجابي الاجتماعي .. الحفاظ على مصالح المجتمع وممتلكاته العامة والخاصة شكلا و جوهرا ، والوقوف ضد كل من يلحق الضرر متعمدا بمصالح المجتمع وممتلكاته .
ـ التضامن مع حقوق الانسان في كل مكان لا يعتبر تدخلا في الشؤون الداخلية او اعتداء على خصوصية الاخرين ، بل هو واجب انساني تفرضه مباديء الاخوة الانسانية ، التضامن مع قضايا الحق والعدل هو واجب على كل انسان ان كان التضامن ماديا او معنويا ، فالانسان هو انسان اينما تكون محل اقامته وكيفما يكون انتمائه الجغرافي او القومي او الاثني او العرقي او الثقافي ، ومن يعتدي على حقوق الانسان في أي بقعة من العالم فقد اعتدى على حقوق كل البشر في العالم .
ذكرنا سابقا بان القيم الايجابية تنتج سلوكا ايجابيا وتتمثل بالفضيلة ، اما القيم السلبية فانها تنتج سلوكا سلبيا وتتمثل بالرذيلة ، وان الحق هو حالة كل سلوك يسلكه الانسان بالافعال او بالاقوال ليحقق من خلاله وضع الشيء في مكانه الصحيح المعبر عن الحقيقة ، ونقول هنا اذا كانت الحركة تعبير عملي عن الحياة فان السلوك هو صورة هذه الحركة ، وبالتالي يترتب على هذا الوصف تعريف واضح للسلوك ، والعوامل المؤثرة في انماط السلوك ، وتفسير لدوافع السلوك البشري ، وبيان مواصفات السلوك الايجابي :
ـ السلوك : هو كل فعل او كلام يصدر عن الانسان عن كامل ارادته ووعيه واختياره والذي يعكس طبيعة القيم الكامنة في أعماقه ونوع الجينات الوراثية التي يحملها ، وبالتالي من سلوك الانسان نستدل على طبيعة اخلاقه ونوع معدنه ، وهذا السلوك قد يكون ايجابيا او يكون سلبيا استنادا الى عوامل معينة تؤثر على السلوك ، ويتحمل الانسان البالغ نتائج سلوكه ان كان ايجابيا او سلبيا تعبيرا عن ادراك المسؤولية في النتائج المترتبة عن الافعال او الاقوال
ـ أنماط السلوك ثلاثة : 1) السلوك الايجابي : وهو سمة السلوك الحسن ، السلوك الصالح النابع من عقيدة صالحة وضمير حي ، أي عقيدة الحق والخير ويتصف بها دعاة الفضيلة 2 ) السلوك السلبي : وهو سمة السلوك السيء ، السلوك الفاسد النابع من عقيدة فاسدة وضمير ميت ، أي عقيدة الباطل والشر ويتصف بها دعاة الرذيلة 3) السلوك المحايد : هي سمة السلوك غير المنحاز لا الى الحق ولا الى الباطل ، ويمكن اطلاق صفة الهامشية على هذا السلوك ، فهو السلوك الذي لا ينتج النفع للاخرين ، وفي نفس الوقت لا يسبب لهم الضرر ، أي لا تجد منه خيرا ولا شرا .
ـ العوامل الدافعة للسلوك البشري ثلاثة : 1 ) عوامل جاذبة تدفع الانسان للقيام بفعل تجاه الاشياء التي يحبها ويميل اليها لانها تسبب له الشعور باللذة والمتعة والارتياح 2 ) عوامل نافرة تدفع الانسان للقيام برد فعل تجاه الاشياء التي يكرهها ويتجنبها لانها تسبب له الشعور بالاذى والحزن والانزعاج . 3 ) عوامل محايدة وهي لا تدفع لأي فعل او رد فعل وتتمثل بسلوكية اللامبالاة .
ـ العوامل المؤثرة في أنماط السلوك للافراد : 1 ) عوامل ذاتية وهذه تتعلق بتكوين الانسان ذاته ويقصد بها المورثات او الجينات التي ورثها من والديه وفقا لقوانين الوراثة الطبيعية والتي تحمل معلومات سماته وخصائصه البدنية وقدراته العقلية لتنعكس في سلوكه وتصرفاته فطريا او غريزيا . 2 ) عوامل البيئة الاجتماعية والجغرافية المحيطة بالفرد ، وتشمل هذه العوامل طبيعة القيم والاعراف والمفاهيم الاخلاقية الشائعة في المجتمع والاسرة ، هذه القيم والمفاهيم انعكاس لطبيعة العقيدة او الثقافة السائدة في المجتمع ولطبيعة الظروف المعيشية والاقتصادية والاوضاع السياسية التي يخضع لها المجتمع ، وكذلك هي انعكاس للاحداث التاريخية الماضية التي مر بها المجتمع والتي تركت رواسبها في اعماق الوجدان الاجتماعي ، هذه العوامل تساهم في صنع وتشكيل النمط السلوكي العام لافراد المجتمع او ما يسمى بالسلوك الجمعي ، كذلك هناك عوامل البيئة الطبيعية الجغرافية المحيطة بالانسان وتشمل المؤثرات المناخية ( الحرارة والرطوبة والرياح واشعة الشمس ) من حيث الكمية والنوعية ، وكذلك طبيعة التضاريس والغطاء النباتي للارض التي يحيا عليها الانسان والتي تؤثر جميعها تأثيرا مباشرا على الحالة النفسية للفرد ومزاجه الشخصي وبالتالي على نمط السلوك العام لافراد المجتمع . 3 ) التجارب الشخصية القاسية والحوادث العنيفة والامراض التي أصيب بها الانسان خلال حياته والتي تركت آثارها على قدراته البدنية او العقلية أو النفسية ، هذه التجارب الشخصية تترك اثرا في شخصية الانسان ورسم معالم سلوكياته ، ومن الطبيعي ان الزمن يلعب دورا في احداث تغيير في السلوك الشخصي للانسان بحكم كبر سنه وتوسع خبرته في الحياة .
ـ العوامل الوراثية لها تأثير على كيمياء الجسم من خلال التحكم بالفعاليات الخاصة بالغدد التي تفرز الهورمونات والانزيمات داخل مجرى الدم لينتقل تأثيرها الى الدماغ فتتحول الى ردود افعال او سلوك قد يكون عدواني او يكون سلمي ... اي ان اضطرابات السلوك انما هي تعبير عن اضطرابات الغدد وهذه ناجمة عن خلل اوعيوب في الجينات الوراثية ، ولذلك نقول ان سلوك الانسان وتصرفاته تخضع لكيمياء جسمه ... بدليل ان الانسان عندما يتناول مؤثرات كيميائية ذات مواصفات معينة فان تصرفاته تتغير سلبا او ايجابا حسب نوع المؤثرات الكيميائية التي تناولها .. الى ان ينتهي مفعول هذه المؤثرات في جسمه ليعود الانسان الى تصرفاته السابقة وفقا لمعلومات جيناته الوراثية ، كما ان سلوك الانسان عندما يكون مريضا يختلف عن سلوكه عندما يكون بصحة جيدة وهذا دليل على ارتباط السلوك بكيمياء الجسم .
ـ مفهوم السعادة في عقيدتنا : السعادة هي تعبير للدلالة على الشعور الحسي بالمتعة واللذة والراحة والاستقرار النفسي دون ان تكون هناك اي نوع من انواع الضغوط على النفس ، السعادة هي غاية كل انسان ، ولكنها غاية صعبة المنال وتكاد تكون مستحيلة ، الانسان كائن حي تحكمه قوانين الطبيعة حاله كحال جميع الكائنات الحية على سطح هذا الكوكب ، والانسان لا ارادة له ولا حرية له امام سلطة قوانين الطبيعة ، الانسان كائن ضعيف أمام قوى الطبيعة التي قد تنتهك حقوقه الانسانية فتدمر ممتلكاته وتسلبه حياته أو تحيلها بؤسا وعذابا ، والانسان لا قدرة له على مجابهة تلك القوى أو كبح جماحها أو التحكم في مسارها ... وهذا ما نطلق عليه ( ظلم الطبيعة للانسان ) فالكوارث الطبيعية والحوادث المأساوية والاوبئة القاتلة والامراض المستجدة مع تطور وسائل الحضارة وكذلك متاعب الشيخوخة هذه كلها تجعل السعادة المطلقة أملا مستحيل المنال ، اضافة الى ظلم الانسان لاخيه الانسان من خلال جرائم الاعتداء على الحياة وعلى الممتلكات وعلى الحريات ، وفي الماضي حيث عالم الاساطير والخيالات الجامحة لجأ مؤسسوا الاديان الى اختراع نظرية الحياة الثانية ( عالم ما بعد الموت ) ووعدوا اتباعهم الملتزمين بسعادة مطلقة بعد الموت في مكان يسمى ( الجنة ) التي تتوفر فيها كل مستلزمات السعادة الابدية التي يتخيلها انسان ذلك الزمان ، ولكن بقيت تلك النظريات والسيناريوهات والروايات عن عالم ما بعد الموت حلما في عالم الخيال ... وبقي الانسان منذ القدم يحمل على اكتافه أعباء الحياة ومصاعب العيش الكريم ... يحدوه الامل بالخلاص من عذابات الارض ومحن الدنيا ...ولا خلاص الا بالراحة الابدية ... وبقيت السعادة المطلقة حلما يداعب خيال الانسان
ـ سعادة الانسان حسب رؤيتنا ممكن أن تتحقق بشكل نسبي ومعقول اذا توفرت ثلاثة مستلزمات :
1 ) الصحة : ان يحيا الانسان سليم العقل والنفس والبدن ... الصحة أعظم سعادة .. لن يعرف قيمتها العظيمة الا من حرم منها
2 ) الامن : ان يحيا الانسان آمنا على حياته وعلى ممتلكاته من ظلم وعدوان أخيه الانسان ... الامن والسلام ركيزة أساسية في بناء السعادة الانسانية
3 ) الحرية : ان يحيا الانسان حر التفكير وحر الارادة وحر الاختيار , لا سلطان على تفكيره سوى ضميره , ولا ارادة تسيره سوى ارادته الحرة المستقلة , ويتمتع بحرية الاختيار والانتماء وفقا لقناعاته هو شخصيا ... يتبع الجزء الثالث








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس.. تناقض في خطاب الجناحين السياسي والعسكري ينعكس سلبا عل


.. حزب الله.. إسرائيل لم تقض على نصف قادتنا




.. وفد أمريكي يجري مباحثات في نيامي بشأن سحب القوات الأمريكية م


.. شاهد: شبلان من نمور سومطرة في حديقة حيوان برلين يخضعان لأول




.. إيران تتحدث عن قواعد اشتباك جديدة مع إسرائيل.. فهل توقف الأم