الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المبدع والنائم!

محمد طه حسين
أكاديمي وكاتب

(Mohammad Taha Hussein)

2017 / 3 / 14
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


المبدع والنائم!
محمد طه حسين
المبدع هو من لا يتمسك بنمط سلوكي معين، هو الذي لا يتثبت على نمط خلقي أو قيمي ساكن، الأبداع سمة خاصة وفريدة بأشخاصٍ وصلوا الى مستوى من الوعي يفهمون أنفسهم وذواتهم ويقدرونها، يشعرون بحقوق الآخرين في الأختلاف في الآراء والميول والرغبات والحركة وأستخدامهم لكل هذه، شريطة أن لا يتجاوز مالك ذاته ملكية ذوات الآخرين.
الذات المبدعة هي من تراوغ وسط بدائل كثيرة وتتبنى أسلوباً لحياتها ينعكس انتباهها واحساسها وادراكها وفهمها وفي النهاية ثقافتها التي هي منظومة وعيها بالكامل. المبدعون هم منفتحون على عالمهم الداخلي أولاً، والعالم الخارجي ثانياً، والجمال والمشاعر والأفكار والقيم ثالثاً. الأبداع هو البحث الدائم وهو المُنتَج الحتمي للأستقلالية والحرية والفرادة والأرادة المالكة للفرد وحده.
الأبداع لا يُختزل في الدوران حول الرموز والأيقونات والأطر الفكرية والأجتماعية والثقافية والدينية والميثولوجية والأنشاد على أنغامها وهواها ، الذين يذكرون ما مضى ويبتهلون لما فات، ويبكون على الامجاد ويتحيرون لما لا يفهمون ويتلهفون لما لم يأتي بعدُ، هم أُثبِتوا على مرحلة الطفولة في التأريخ، وهم في حالة فطام الى أن يرحلوا بأرواحهم وأبدانهم.
المبدع يعيش لحظات الخلق وهو المتحول دوما من المخلوق الى الخالق، خالق لأسلوبه في العيش، خالقٌ لأرادته، لحريته، لحياته التي يمتلاها بالمعاني والخبرات، الى أن يتغلب على اليأس الوجودي الذي يهدد كرامة وعزة نفس الفرد ويلتهمها.
يقول أبراهام مازلو في كتابه " الحياة الآن وهنا" : (أن المبدع لا يعيش في الماضي ولا يتربص في المستقبل، أنه يعيش اللحظة الراهنة).
خلاقية المبدع تقف ركائزها في الآن وفي الهُنا، الأبداع هو ظاهرة تظهر لمن لديه عيون، لمن لديه آذان، لمن يشم ويلمس ويتذوق، ومن ثم يدرك ويشعر ويفكر ويتعالى على ذاته ليصل مرتبة رؤية الجمال والسباحة في الخيال، وبعدها أن يأخذ مسافات معقولة من نفسه كي يحاورها بغية أتخاذها مشروعاً بنائياً مستمراً لا يتوقف الى أن يزول ويفنى.
هنا في جغرافيتي، وسط أهلي وأبناء جلدتي، في مدينتي، قريتي، وفي حدود دولتي، لم أرى الى الآن مبدعاً بكل سمات وصفات الأبداع والمبدعين، لم ألحظ خلاقاً لشيئ جديد، لفكرة جديدة، لعمل أصيل، لا في السياسة ولا في البناء الحضاري ولا في البناء الثقافي ولا في البناء الأجتماعي و.....الخ، تأريخ مخجل، أرث محبَط، يا للكارثة والهول.
ثباتٌ مُمِلّ، بقاءٌ يائس، تمسكٌ عنيدٌ بالنمطية في كل المجالات المذكورة، النمطية في تربية الأبناء، النمطية في النظام الأسري، في النظام التربوي والتعليمي الأساسي والعالي، في النظام السياسي، النمطية في عبادة الأوثان الدينية والمذهبية والسياسية والسوقية والسلعية و....الخ.
أننا لسنا الّا عبدة لأوثان، عبدة الأباطيل والتماثيل البشرية الناطقة بأسم كائنات الأحلام، كائنات الخيال، ولكن ليس الأحلام التي يراها المبدع وليس خيال الخلاق، وأنما الأحلام المليئة بأضغاثٍ لا تفسرها الّا تلك الأوثان.
الأبداع ليس مستحيلاً ولا قدرياً، انه فكرٌ، عقلٌ، عملٌ، ينمو في أطلاق الأرادة، تنمية الحرية، أيجاد ما فقدناها من العدالة منذ الازل، أنه تصميمٌ، وأستقامة، لا يملكهما الّا المبدع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كاتدرائية واشنطن تكرم عمال الإغاثة السبعة القتلى من منظمة ال


.. محللون إسرائيليون: العصر الذهبي ليهود الولايات المتحدة الأمر




.. تعليق ساخر من باسم يوسف على تظاهرات الطلاب الغاضبة في الولاي


.. إسرائيل تقرر إدخال 70 ألف عامل فلسطيني عبر مرحلتين بعد عيد ا




.. الجيش الإسرائيلي يدمر أغلب المساجد في القطاع ويحرم الفلسطيني