الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نص عن قصة حقيقية

دينا سليم حنحن

2017 / 3 / 14
الادب والفن


نص مأخوذ عن قصة حقيقية.
تــحت العشـريــن
دينــا سَــليم

بالكاد أستطيع مسك القلم، لكني سأكتب، هل أتجرأ لخوض التجربة، لكني سوف أكتب، وبدأت أكتب.
تحت العشرين كنت، أكتب بعد أن فقدت وليدي الأول، سأبدأ من حيث كنت في المشفى بعد أن عانيت من آلام نوبة الحصو المكدس في المرارة، وعندما أخبروني أنني سوف أمكث هنا عدة أيام، فرحت جدا، جئت ومعي حقيبتي التي ملأتها بأدوات الكتابة، وكأنني ذاهبة إلى نزهة أو فندق ما، أخبروني أن عمليتي بسيطة، فاستئصال المرارة أصبح من أسهل العمليات التي تتم دون فتح جسد المريض، لكني أخبرتهم بأنني أعاني من الصداع وآلام شديدة في البطن وربما من ارتفاع الحرارة أيضا، صدقوني وارتفعت الحرارة فعلا، لهذا السبب مكثت في المشفى عدة أيام، وبدأت أكتب بحرية، يا لفرحتي، أعلن أنني سأنتفض ضد الظلم والوحشية التي يعاملني بها زوجي ووالدته.
أحببته وارتبطنا، فهو الرجل الأول في حياتي، أقمنا في ضيعته النائية، الضيعة وجه آخر للحياة وضياع كل شيء جميل تحمله الفتاة التي تولد وتتثقف في المدينة، أو لنقل، التنازل عن أشياء كثيرة بما أن الثقافة وأسلوب الحياة والتعاطي مختلف.
استلمتني والدته منذ البداية، وطلبت مني أن أخلع ثوبي الأنيق وألبستني ثوبها الفضفاض، ثم جمعت شعري المسدل الناعم على ظهري وأخفته بمنديل (الأويا)(1) وقالت (هيك بتصيري عن حق وحقيقة فلاحة يا بنت المدن)، خنقتني رائحة الدخان عندما أحضرت لها أرغفة العجين لتخبزها في موقد الحطب، ولولا إصراري على الرفض لأجلستني مكانها في وجه النيران لكي أخبز مئة رغيفا كل يومين، وعندما قلت لها، (أنا لا أقوى على هذا العمل الشاق) صاحت وبضحكتها الهستيرية قالت (ومين قال لك تاخذي إبنا منا، بنات عمو كثار وبعرفوا يقعدوا على المؤأدة (الموقد)، ليش خليتيه يحبك)؟
وعندما اشتهيت اللبنة التي صنعتها بيديها، غمّست لقمة من الخبز الطازج، ضربتني على كف يدي قائلة (اغمسِ البيض المقلي لأنه لا ينتظر واتركِ صحن اللّبنة للغد)، الخير وفير، لكنها نزعة السيطرة التي تمتعت بها والجبروت القاتل في طبعها، وعندما مكثنا في بيتها لأول مرة بعد الزواج، منحتنا سريرها قائلة (هذا السرير بجيب أولاد ذكور، أنجبِ لنا الذكور فقط، هذا السرير لكما هذه الليلة فقط فلا تعتادا عليه).
مرّ الشهر الأول بدون حمل، سألتني فخجلت البوح لأن هذا الأمر يخصني وحدي، وأردت منعها من التدخل في خصوصياتي، لكن زوجي قال معترضا (شو يعني، ما في حمل من أول شهر، شو مفكرتيني مش زلمة، الشهر الجاي إن لم يحصل حمل سأعيدك إلى عائلتك) مما شجعها التدخل في شؤوننا الخاصة.
عاقبتني وطردتني من سريرها إلى غرفة أخرى صغيرة تحتوي على سرير واحد مفرد، نام زوجي عليه ونمت أنا تحت قدمية، لم يسعنا السرير، فاضطررت الانتقال إلى كرسي الراحة لأنام داخله، ومضيت فيه حتى استدار بطني، اعتاد من في البيت على عدم شكوتي، ولم يفكروا بمنحي أي سرير يمنحني الراحة بما أنني حامل، وأنني قبل أن أكون كنتهم أنا ضيفة جاءت من مكان بعيد لكي تنشئ أسرة وعائلة مع الذي أحبته، بل وبدأت الطلبات تنهال علي من كل صوب، ألغيت وجودي ككيان لكي أسلم منهم، علقت فساتيني الجميلة في الخزانة وارتديت عباءات العمل، وإن حصل وصففت شعري عبثت به ووبختني قائلة (شو مفكري حالك صباح، فكي وحطّي المنديل اليوم عنا شغل كثير، بدك تهزي معي البرغلات)، هززت البرغلات(2) وحركت القمح المسلوق على التنور، وفرشت الحنطة على السطح، حمّصت القهوة (وبئلت)(3) جمعت البقول، فرشت الفرش وعرّبت الزيتون، شطفت تحت العِنبة وفركت الجدران، نكشت الأحواض وتسلقت سدّة المطبخ ورتبت المحصول في العليّة، قالت لي (هياك قوية يا بنت المدن، خلص انزلي أحسن ينزل الطفل ويتهموني فيك) أجبتها بكل مرارة: (شكرا لأنك منحتني وقتا للقراءة، فبالكاد أجد وقتا لأفعل)، هبط جوابها على رأسي مثل الصاعقة (بدك تتثقفي وتتكبري علينا، اسمعي، اعتادي إن دخلت المطبخ ووجدت أي شيء في الجرن، حتى لو ملعقة شاي وحيدة، أن تشطفيها)، لكننا عشرة في البيت، قلت شاكية، أجابت بصرامة (حتى لو كنا عشرين، ما في حدا بقنى(4) حدا اليوم ببلاش، وابني مش مقصر معك)، قلت باكية (لم يمنحني ابنك ما وعدني به من حياة مرفهة، لقد كذب علي) أجابت بجواب يدل على انحلالها الأخلاقي (بس أكيد عم يبسطك)؟!
حزمت حقيبتي وخرجت من البيت بهدوء دون أن أخبر أحدا، توجهت إلى ساحة القرية لكي أستقل المركبة المتجهة إلى المدينة القريبة، ثم أردت استقلال القطار السريع إلى مدينة أخرى ومن هناك ركوب حافلة أخرى وثم مركبة أخيرة حتى أصل بيت عائلتي، لحق بي زوجي، وفي الشارع، طبطب بقسوة على كتفي، التفتُ وإذ بي أرى الشرار يقطر من عينيه، قال زاجرا ( إن صعدت في المركبة سيكون آخر يوم فيما بيننا، ولن أتعرف على الطفل الذي في بطنك، وسأطعن بشرفكِ، وسأدعك تركضين خلفي مثل السعدانه لكي أمنحك قسيمة الطلاق، فكري جيدا قبل أن تذهبي... عودي معي بهدوء الآن).
عدت منكسة الرأس عاقدة معه اتفاقية وهي أن أعامل معاملة إنسانية وليس معاملة الخادمات، مرت الأيام وولد طفلي، حمله عاريا وطاف به في الدار متفاخرا، قائلا (أنا الوحيد من اخوتي الستة الذي رزق ببكر ذكر، جميعهم بكّروا في بنات)، ومرت الأيام عاصية مشاكسة خشنة، مرض الطفل ثم مات وبقيت عالقة بين أنيابهم وهم يوجهون لي اللوم، وسمعتها أكثر من مرة وهي تقول (وجهها شؤم، من يوم ما دخلت بيتنا والمصائب عم تتكرفت (5) علينا كرفتة)!
حان الوقت الآن لكي أنتفض ولفة الورق هذه التي بين يدي ستكون شاهدة على أول انتفاضتي، ولن أخرج من هنا إلا وقد انتهيت من تدوين قصتي، ولن أتوقف حتى أكتب المزيد دون أن يدري بي لا هو ولا والدته، ليعلموا أنه توجد حرمة لبنات الناس، خاصة إن كانت الزوجة غريبة.
.......
(1) الأويا: غطاء الرأس تطرّز حوافه بالمكوك أو السنارة
(2) البرغل: حبوب من القمح تُسلق ثم تُجرش تُستعمل في الطّبخ ، تُؤكل أو تُقدَّم مع أطعمة أخرى.
(3) (وبئلت) جمع البقول في الحقول التي تنتجها الأرض في فلسطين دون رعاية وذلك بعد هطول الأمطار.
(4) قنى: لزم
(5) تتكرفت: تتهافت








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية


.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال




.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي


.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا




.. ياحلاوة شعرها تسلم عيون اللي خطب?? يا أبو اللبايش ياقصب من ف