الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأملات في نص خلافي/الفاتحة نموذجا....(كامل).

ماجد الشمري

2017 / 3 / 14
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1)

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7) .

هذا النص - المنطوق الشفاهي- القول اللساني المعبر عن الضعف البشري والحاجة للمدد السماوي،والذي رفع بقرار بشري الى ذروة الكلام الالهي المقدس. و انحدر الينا من التراث الديني المدون كسردية مقدسة - قرأن مكتوب و متلو ، ثُبت في مفتتح الكتاب - الفاتحة - كسورة موحى بها لمحمد و جرى التعبد بها أيماناً على إنها كلام الله عبر قناة وحي محمد النبي . و رغم بساطة النص و سهولة الفاظه وادراك معانيه بسهولة ، إلا انه خرج خلافيا مثيرا للجدل،مزدوج الاحالة متجاذب النسب و الاصل في ماهيته - هويته - جنسيته- بيانه. فهو منقسم كصنف و نوع بين الخطاب الالهي المقدس المتلو في حينه و المدون لاحقاً كمصحف بين دفتين ، وبين انبثاقه و تجليه كشكل من صلاة او دعاء يتجه من الاسفل الى الاعلى يردده مؤمنون عابدون نحو مطلقهم المتعالي وليس هابطاً عليهم - منزل من الاعلى . هذا النص الذي شكل خلافاً و تجاذباً بين افراد من الصحابة و القراء - عبدالله بن مسعود خصوصاً- و بين الخليفة عثمان الساعي لأكمال مشروعه السياسي - الديني- القانوني في جمع و تدوين الشذرات و الاجزاء و المصاحف الموزعة و المبعثرة في الصدور ، بين الذاكرة الحافظة و المواظبة على القراءة و المرسومة - المكتوبة كأشباه سور و أيات تحتاج لتحقيق و ضبط هنا و هناك .. و أبرز الخلافات و الاعتراضات حول هذا النص - الفاتحة - صدرت من الصحابي المخضرم عبدالله بن مسعود الذي اعترض على بعض ما دون ، و ما لم يدون بأشراف السلطة الخليفية لعثمان . و الفاتحة هي واحدة من عناصر الخلاف و المشاحنة الرئيسية في هذا الشأن . بين ادعاء : أن الفاتحة هي مجرد " دعاء" كان محمد يكثر من ترديده و ذكره كصلاة و تضرع و رجاء و طلباً للهداية والاستعانة و التسديد . و بين اعتبارها - الفاتحة - سورة رسمية، فهي سورة:الحمد..الوافيه..الكافيه..ام الكتاب..القرآن العظيم..السبع المثاني.. واخيرا:اعظم سورة في القرآن-وكأن كلام الله فيه درجات او مراتب في التفضيل!- وهي وحي منزل لاشك فيه . و الجزء الاهم و الاكثر اساسية و أعتماداً من المتلو القرأني المحمدي .وامام هذ السيل من التسميات والنعوت المفخمة التي الصقت بهذا النص،اضطر ابن مسعود للسكوت على مضض وليس اقتناعا،وجعله يعلن تسليمه ورضوخه،ويلجأ الى الصمت بعد تعرضه لضغط السلطة الخليفية،ليستجيب مرغما للاكراه الملزم.فساد قرار وخيار السلطة الرسمي والذي لاخيار غيره، بتثبيتها كسورة في فاتحة الكتاب-- نسخة عثمان الوحيدة - المدونة القرأنية الخالدة التي لاتتبدل ( فالله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرأن ) ! فالسلطة الغاشمة هي من تحسم الامور دائماً !. و السؤال: هل كانت الفاتحة هي سورة من اللوح المحفوظ ، و من الخطاب القداسي الالهي الموحى و المنزل على محمد النبي الذي نطقه كقرأن؟! . أم كان العكس دعاءاً مبتكراً وابداعا ملهماً صدر عن ذات محمد و ذهنيته المتخيلة كرجاء .. صلاة.. ابتهال ..دعاء لطلب الهداية و تسديد الخطى على درب الايمان و تمجيد الله و الاستقامة و أقراراً مطلق بالوهية الله و توحيده التجريدي المنزه ؟ هذا السؤال لم يعد بذي أهمية أو اعتبار بعد أن دخلت الفاتحة و تجذرت في المدونة القرأنية . و أيضاً ان الامر سيان بين السورة و الدعاء - فكلاهما يتقارب و يتماهى في الخطاب القرأني من حيث الاسلوب و النهج فأسلوب النص المقدس : الأية .. السورة لايختلف عن شكل الادعية و الاحاديث القدسية و التضرعات و الابتهالات و حتى في المحتوى المضموني لا يوجد تميز أو اختلاف كبير . فكل الخطاب المحمدي ينبع من مصدر واحد هو المخيال النبوي -الاكثر خصوبه وغرائبية وانفتاح على الفانتازيا الخارقة للمألوف- في اتساعه و نموه و تأثره و هضمه و أقتباسه لما سبقه من تجليات الاديان و حنيفيته المحلية المكية - و الفارق الوحيد هو الغرابة و الغموض في استخدام الضمائر و اللبس بين الدعاء و السورة . فالدعاء هو نداء بشري صاعد نحو الاله في حين ان الاية أو السورة هو تنزيل و وحي هابط من الله الى النبي و من ثم المؤمنين . الدعاء هو توجه من العابدين لمعبودهم في حين أن السورة أو الاية هي رسالة و تبليغ من المعبود الالهي لعبيده البشر . و مع ذلك فالخلط و التداخل يخترق كل الخطاب النبوي بسبب اشتباك و تقاطع و فوضى الضمائر ، و عدم التحديد لصيغة المتكلم و عائديتها،التي خلقت غموضا و ضبابية في تشخيص هوية القائل . الفاتحة في برهة جمع القرأن العثماني ، اثارت لغطاً و مشاحنة ، حول هويتها و ماهيتها الرسمية الدينية بين كونها ( دعاء ) محض أو ( سورة ) قرأنية منزلة . كان طرفها الاول : عبدالله بن مسعود ، الصحابي العتيد المخضرم ، و من اوائل من أسلم في مكة . و كان محدثاً و فقيها و قارئاً تميز بالجراءة و الثبات في اعلانه عن اسلامه في فترة الضعف المكية ، و عندما كانت الدعوة تراوح في مكانها و قلة عدد من أمن بها . و كان واسع الاطلاع في اسباب النزول و التفسير ، و من الحفاظ الاوائل للقرأن الشفاهي. و كان مرجعاً وحجة في النص المقدس المتلو ، و هو واحد من اربعة اشار اليهم محمد كمرجع و ذاكرة للقراءة و السؤال و التفسير بالنسبة للقرأن . هذا الصحابي البارز و الذي اعترض على احراق المصاحف ، وأنكر ان تكون الفاتحة أو المعوذتين جزءاً من الوحي المنزل كقرأن قطع عنه الخليفة عثمان عطائه - وفرض عليه الاقامة الجبرية في يثرب . ابن مسعود هذا هو من قال بأن الفاتحة ليست من القرأن بل هي مجرد دعاء خالص لاعلاقة له بالقرأن . ورأيه هذا يشمل المعوذتين ايضاً . فهما كما قال : هي مجرد ادعية لدفع الشر و الحسد . و رقى يرقى بها من وسوسة الشيطان و الاستعاذة من شره . و اردرجهما عثمان في مصحفه كسورتان ايضاً في مدونته الرسمية المغلقة . البعض رفض ذلك ، و قبله البعض من الصحابة مع تعليلات و حجج لا تصمد للتمحيص ، و البعض الاخر أقر صحتها مع حفنة من التبريرات و التفسيرات لموقف بن مسعود و كمحاولة للتوفيق و الجمع بين الاراء . ابن مسعود الذي كان يردد بأصرار: " لاتخلطوا بكتاب الله ما ليس فيه" لم يؤخذ كلامه على محمل الجد . مع ان الجميع يتفق على ان مصحف ابن مسعود كان اوثق المصاحف . الا ان الجمع الاعتباطي الفوضوي لسور و ايات القرأن و خلط المكي باليثربي من قبل الخليفة عثمان جعل من مصحفه الرسمي هو العمدة المعتبر لكتاب الله( القرأن) و ألغى و اتلف بقية المصاحف التي كانت موجودة لدى بعض الصحابة . و ما يؤكد اعتقاد أبن مسعود هذا انه حتى في صحيح البخاري المعتمد من قبل المؤمنين ، ينكر محمد كون الفاتحة من القرأن : أنها لم تنزل في القرأن و ليس لها ان تكون من القرأن . و لكن في احاديث اخرى - أن صحت !فقد لفق ونمق وانتحل الكثير الكثير من الاحاديث التي نسبت لمحمد !- يبالغ محمد في الرفع من شأن الفاتحة بأعتبارها : أم الكتاب ! و أعظم سورة في القرأن!.وهذا الزعم الاخير اخرس المعترضون.واضفى اليقين الكامل بشرعية الفاتحة كسورة،فقد دمغت بختم الرسول القولي القاطع،والذي لاينطق عن الهوى!!..اليست السلطة الدينية النبوية هي من يقرر ماهو:الوحي المنزل،وما هو الحديث القدسي،وماهو الحيث النبوي،وماهو الكلام العادي؟!.يأتي بعده السلطة الخليفية-الزمنية-الدينية،ثم سلطة الفقهاء وحراس العقيدة،سلطة الكهنوت التي اختزلت ومركزت سلطة وكلام الله الذي تنطق به وحدها ويردده القطيع المؤمن!!...
انتهى التجاذب والنزاع،وحسمت قضية سورة-دعاء(الحمد)بأنتصار الخليفة عثمان وكتبة قرآنه،وهزيمة وصمت الصحابي ابن مسعود وتهميش نسخة قرآنه!.ودونت(الفاتحة)كسورة رسمية مقررة ومعترف بها في مصحف عثمان المعتبر والوحيد في رسمية التدين والتعبد والقراءة..واتلفت بقية المصاحف والقراءات الاخرى،واحرقت كل النسخ المخالفة لدى بقية الصحابة والقراء ومن دون آيات وسور نطق بها محمد على مدار23 عاما -زمن نبوته..لتتفرد(الكافية)متصدرة بداية المصحف الجامع كأول سورة للقرآن المحفوظ،وامه...كانت سورة(الوافية) رقم(1)وفاتحة الكتاب،في حين كان ترتيبها هو الخامس حسب النزول في السور التي قالها او نطق بها محمد..وحتى بعد اعتبار(ام القرآن)سورة رسمية ظل هناك خلافا ساريا بشأنها:عدد آياتها..مكان وزمن نزولها..عدد مرات نزولها!.و(الفاتحة)تقليديا وكما اتفق عليه تتكون من سبع آيات بضمنها البسملة،ويتفق اغلب القراء والمفسرين والفقهاء بعد تدوينها بأمر السلطان-الخليفة كنص قرآني سماوي تنزل وحيا الهيا،على انها سورة مكية ترتيبها:السورة الخامسة في النزول،والغالبية اعتبرتها(7)آيات.وشذ بعض الفقهاء عن ذلك،وعدوها(8)آيات بفصلهم:"صراط الذين انعمت عليهم"عن"غير المغضوب عليهم ولا الضالين".وقال البعض الآخر منهم:بل هي(6)آيات بعدم احتساب(البسملة)آيه من ضمن السورة!.واختلفوا ايضا في مكان قولها الاول بين مكة ويثرب،او نصفها مكي ونصفها الآخر يثربي!.او نزلت مرتين في مكة ومرة في يثرب!.وحتى في اسباب نزولها اختلف الفقهاء وتخبطوا،وخرجوا بأجتهادات وتآويلات وتفسيرات فردية متناقضة ومختلفة تبعا للهوى والقصد والتمذهب او الانحياز لطرف ضد طرف.فهم لفوا وداروا،وادلوا بآراء،وذكروا اخبارا،وفيركوا احداثا،ولكن ليس هناك من سبب للنزول محدد ودقيق ومشهود عيانا من قبل حاضرين فردا او جماعة،لااحد!.وما جاءوا به من خبر هو متهافت وغامض وغير مقنع،او جدير بالتصديق او الالتفات.فكل الروايات تتحدث وتعتمد على ما زعم ان محمد ذكره،ودون توثيق او شهادات من الصحابه.فليس هناك من سبب فعلي او حادثة تقف وراء سورة-دعاء الحمد كمبرر تاريخي وظرفي يستدعي تنشيط الوحي لانتاج هذا النص!.فنحن لانجد الا مداورة ومناقلة ضعيفة وخاطفة وغامضة لآخبار نزولها دون سبب او علة...وهاكم مثلا واحدا من عدة روايات وكلها تنويع لتدرج لوني واحد يكرر نفسه بلا ملل،وبأسانيد واهية تفتقر للتوثيق..
قال الواحدي في أسباب نزول فاتحة الكتاب:حدثنا أبو عثمان سعيد بن أحمد بن محمد الزاهد قال: أخبرنا جدي قال: أخبرنا أبو عمرو الجبري قال: حدثنا إبراهيم بن الحارث وعلي بن سهل بن المغيرة قال: حدثنا يحيى بن بكير قال: حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي ميسرة أن رسول الله كان إذا برز سمع منادياً يناديه: يا محمد فإذا سمع الصوت انطلق هارباً فقال له ورقة بن نوفل: إذا سمعت النداء فاثبت حتى تسمع ما يقول لك قال: فلما برز سمع النداء: يا محمد فقال: لبيك قال: قل أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله ثم قال: قل الحَمدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمينَ الرَحمَنِ الرَحيمِ مالِكِ يَومِ الدينِ حتى فرغ من فاتحة الكتاب وهذا قول علي بن أبي طالب.هذا كل ما ورد في اسباب نزول سورة الفاتحة فهل هو مقنع لذوي الالباب؟!.
ان نصا بحجم(الفاتحه) اثار هذا الكم الهائل من اللغط والخلاف والتنافر في التصورات والاجتهادات والتأويلات والاراء لدى جمهرة كبيرة من الفقهاء والمفسرين والقراء بهذا الوسع والترامي،فما بالكم ببقية المدونة المقدسة ومدى موثوقيتها التاريخية،وحقيقة ومصداقية حدوثها او ورودها كوقائع خبرية لتاريخ لايرقى اليها الشك او المراجعة لحيثيات الاسناد الوثائقي العلمي الصارم؟!..كان تثبيت (الحمد)كسورة رسمية ناجزة بدأت بها المدونة العثمانية للمصحف المعتمد قراءة وعبادة،هو تحصيل حاصل لاعتبارها وعدها ،وحيا منزلا ثابتا بيقين،لا دعاءا بشريا ارضيا كما زعم ابن مسعود الصحابي المغضوب عليه من قبل الخليفة عثمان!.واصبحت كما قال عنها محمد-او كما نسب اليه!-:"اعظم سورة في القرآن".تم تداولها بكثرة والحاح في:الصلوات والمناسبات الدينية والاجتماعية،وعلى رأس الادعية الدينية المتلوة:فى المآتم والاحزان ،وفي الاعراس والافراح،وفي كل صغيرة وكبيرة من شؤون الحياة اليومية للمؤمنين والمتعبدين بدين محمد!.
هذه السورة-الدعاء:الفاتحة..الحمد..القرآن العظيم..الكافية..الوافية..الخ.مامدى مافيها وماتحتويه من كلم خارق ومعجز من بيان ومعاني مضمرة،وميتالغة تحتاج لتفسير عميق،يملكه الراسخون في العلم. وهي في الاعتبار فوق مستوى وعي ولغة الناس،فما الذي جعلها بتلك الاهمية المركزية وفي صلب الكلام الالهي الموحى به لمحمد؟!.
لنقرأ متن النص قراءة سريعة،ونرى ماجاء فيها من كلمات:"بسم الله الرحمن الرحيم،الحمد لله رب العالمين،الرحمن الرحيم،مالك يوم الدين،اياك نعبد واياك نستعين،اهدنا الصراط المستقيم،صراط الذين انعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين".فماذا نجد ونفهم؟!.الذكر الغزير لاسماء الله_هل هي اوصاف للذات السامية؟.ام هي اوصاف ابتدعها واطلقها محمد على ربه؟!...الرحمن..الرحيم..رب العالمين..مالك يوم الدين..هذه الاسماء هي ليست مجرد اسماء لذكر الله فقط،بل هي تمجيد وتنزيه،واعلاء وتفخيم لمكانة الله الاعظم،واقرار لاشك فيه بعبودية المؤمنين لربهم الواحد الاحد.وضرورة تفرده وامتيازه بالعبادة والاستعانة،واليه وحده يجب التوجه ليمنحهم الهداية والارشاد الى الصراط المستقيم.ويقينهم المصدق بالبعث والحساب والحياة الاخرى،ورجائهم من ربهم ان يمن عليهم بما من على الذين من قبلهم بنعمته وهداهم ونجاهم من مصير الاقوام والجماعات البائدة العاصية والمنحرفة عن استقامة الدين وخرق اوامر وتعاليم الرب،الذين غضب الله عليهم،ومن ضلوا عن دياناتهم وخرجوا عليها وحرفوها وجحدوها...هذا بأختصار هو كل ما يخرج به القاريء لسورة الفاتحة.فالسورة بشكل عام تحض على العمل الديني الصالح والالتزام بقوام الدين المستقيم،وشكر الله على نعمته بعباده،وحمده والثناء عليه،"الحمدلله"والاخلاص له:"اياك نعبد"والانتساب للجماعة المؤمنة السعيدة:"صراط الذين انعمت عليهم".وذكر اسماء الله الحسنى:"الرحمن الرحيم".والحث على الاستقامة:"اهدنا الصراط المستقيم".والتذكير بيوم الآخرة والمعاد:"مالك يوم الدين"..هذا كل ماهناك،وماتنطوي عليه السورة-الدعاء-الحمد...
كلمات بسيطة يعيها ويفهمها جميع المؤمنين المتعبدين بدين محمد و دون وسيط او مفسر..ولكن المفسرين والفقهاء-حراس العقيدة،وكهنة المعبد-بالغوا في تضخيم وتفخيم وتقعير وتوليد المعاني الخفية والدلالات الباطنية المزعومة،واغوارها العميقة وبعد مراميها التي لاتتكشف الا للراسخين في العلم من (عدماء) الدين اياهم!.فجعلوا من حمولتها البيانية اعجازا مدهشا تنوء تحت ثقله اللغة وتقصر،بل تعجز عن اللحاق بأذيال سمو ورفعة مايكمن خلف النص من درر السوبر لغة من لاهوت كوني،عجز العقل عن فهمه وادراك معمياته،واستحالة الوصول الى اطلاقه وكماله
مخيال نبوي منفلت ولده وعززه وبنى عليه ومنه الخيال الاسلامي لتكتمل دائرة المطلق والمقدس.الم يرفع ويعلي محمد الرسول من قيمة وشأن(الفاتحة)وبالغ في مدحها،وهول من تعظيمها بتطرف لامزيد عليه؟!.فجاء اولئك وهؤلاء ليزاودوا في تأويلاتهم وشرحهم وتفسيرهم المتقعر،ليشطحوا ويغالوا لاثبات مركزية وقطبية تلك السورة ومكانتها كعمدة وبؤرة لدائرة الايمان والعبادة،كسورة من7آيات ولكن معادلة لنصف الوحي القرآني المنزل بمعيار النبي.بل هي(القرآن العظيم)ب(ال)التعريف وبأطلاق غير مستثني!.وماكان مجرد دعاء يردده محمد وألسن المؤمنين عبر القرون كأبتهال وتضرع ورجاء وطلب الهداية والرحمة والسداد،بات اليوم ركنا بالغ الاهمية من اركان الصلاة،ولاتجوز او تصح الصلاة بدونه!.فأذا لم تقرأ الفاتحة في صلاتك عدت تلك الصلاة باطلة!.كما روي عن ابي هريرة عن محمد انه قال:"من صلى صلاة لم يقرأ فيها ام القرآن فهي خداج ثلاثا"!!.وابتلع حوت السورة قمر الدعاء!..
قبل الولوج لسورة-دعاء-الحمد،لنخوض في كلماتها تفحصا وتحليلا،لرؤية طبيعة الخطاب الشفاهي ودلالاته للسامع،واعتماله وتفاعله بين اطراف الخطاب المعنيين،واتجاه اشارته المصدرية:من اين؟والى من؟...نطرح نقاطا ثلاث كملاحظات تستوجب البسط والتوضيح والتبيان،ليتسنى للقاريء العزيز:الاحاطة بالصورة البانورامية الكاملة والشاملة لهذا النص الاشكالي-الخلافي،وتحديد هويته التصنيفية-نسبه،من اباه؟!الله ام محمد؟-محل الخلاف-من خلال استعراض بنية وطبيعة الخطاب القولي-الشفاهي،وسيرورة الكلام المنطوق واتجاهاته الموزعة على المستقبلين.الرسالة..المرسل-الراسل..رسول الرسالة-المرسل اليه الذي يبث وينشر ما انتدب اليه،من كشف فحوى الرسالة-السورة-الدعاء..
ولمرة اخيرة نعري سطح النص من جلده المتقرن السميك.ليبقى الحكم للقاريء المتأمل والمتمعن في حيثيات الفاتحة اولا واخيرا،فنحن لانصدر احكاما ولانقطع بشيء.فهو عرض وقراءة لااكثر..والنقاط الثلاث ضرورية ولابد منها لما سنتناوله لاحقا.وهذه الملاحظات الثلاث هي:
1-الضمائر المتشابكة وتعددها:في كل المدونة القرآنية-العثمانية التي انجزها عثمان وحملت اسمه نسبا-قرآن عثمان-كناشر للكتاب المقدس.لانجد ضمير الله (أنا)المتكلم واحدا ثابتا مستمرا على شاكلة مستقرة في سرد النص الالهي كما هو مفترض في كلام صادر من ذات الله كمرسل ومتكلم مع نبيه عبر وسيطه الملائكي(جبريل).فحتى يكون مضمون وشكل السرد المقدس متسقا ومنسجما مع نسق النص الذي يتحدث فيه الاله مع مبعوثه ونبيه،يجب ان يكون القول على وتيرة واحدة لاتتغيير.فهذا يتفق مع بلاغة التعبير ويسر ايصاله للمتلقي في كل النثر الادبي،فما بالك بالقول القداسي المرسل من الله؟!.فبدلا من هذا نجد:كم من الضمائر المتعددة المتصادمة والمتزاحمة في فوضى اعتباطية عارمة لافي السور وحدها،بل وحتى في الآيه الواحدة،بين الله-محمد-جبريل!.فالخلط حاضر وموجود في اغلب الآيات بفضل او سبب التداخل والتقاطع والقفز بين الضمائر واشتباكها،بين ضمير:المتكلم..المخاطب..الغائب.في كل مقطع وآيه،فيغيب عن الفهم،ويضيع التمييز،وينعدم التباين والاختلاف بين تعدد الاصوات وتنوعها وانزلاقها من ضمير لاخر،فيزداد غموض الخطاب والرسالة وازدواجية صوت الله ومحمد وجبريل فلا تعرف من المتكلم:هل هو الله او محمد ام جبريل؟!..
فهم يتبادلون ادوار الضمير المنقسم والمتشظي دون صعوبة وكأنهم واحد يتعدد صوته ويتنوع!.تلك الضمائر التي تنتقل وتتبادل الاماكن والازمنة،بين:ضمير متكلم مفرد،وضمير متكلم للجمع!.ومن ضمير الحاضر الى ضمير الغائب!.وتجري لعبة الذوات المتكلمة من قبل متكلم لايدرك انزلاقه في تقمص الادوار والانوات على طول وعرض المدونة القرآنية التي ختمت واغلقت الى الابد كتابو لايمس..هذه الظاهرة الملموسة والتي يدركها كل قاريء للقرآن-المؤمن لايلتفت اليها ابدا،فهو يمر عليها مرور الكرام لانها كلام الله طبعا،فهي محل ايمان لانقد!-نرى اشتباك ضمير ال(نحن):"نحن خلقناكم"بضمير ال(انا):"اني أنا الغفور الرحيم".بضمير (يا)المتكلم:"واذا سألك عبادي فأني قريب".بضمير ال(ألف):"أنا نحن نزلنا الذكر".بصيغة(الغائب):"هو الذي ارسل رسوله بالهدى".بضمير المخاطب ب(التاء):"ومارميت اذ رميت ولكن الله رمى".وبصيغة ال(الكاف):"ما ودعك ربك وماقلى".وبالخطاب المباشر كنداء:"ياليها المؤمنون"او:"يا ايها النبي".او:"ياايها الذين آمنوا".او للعموم:"يايها الناس".او بأستخام لفظ(قل):"قل ان صلاتي ونسكي".وغير ذلك الكثير من التنويع في الصيغ المعقدة في تشكيل ضمائر الوحي الالهي التي نقلها الساعي الملائكي ونطق بها محمد النبي المتلقي كما وصلته دون تدخل كقناة اتصال ناقلة و محايدة!.-وكأن الله متعدد وليس واحد!-..
2-مفردة"قل"وكثرة استخدامها:هناك الكثير من السور المكية التي ورد في بدايتها لفظ(قل).بعض هذه ال"قل"كان مناسبا لسياق السورة،والبعض الآخر كان نافلا لالزوم له فهو مقحم على النص وشاذ كما في سورة(الكافرون) فقد كانت هذه ال(قل)مربكة وغريبة-تحدثنا عن ذلك في مقالنا عن سورة الكافرون ولن نكرر ماجاء فيه هنا-.فمشكلة لفظ ال(قل) هو نطقها الاعتباطي،وورودها الجزافي في صدر اغلب السور المكية،وتذبذب استعمالها.فهي تحشر في سورة كنافلة لالزوم لها،وتغيب عن سورة تحتاجها بالحاح حتى ينسجم قولها كضرورة لبدء السورة،كما في سورتنا قيد التأمل-الفاتحة- مثلا،والتي كان يجب ورود مفردة"قل"في بدايتها حتى تتحقق كسورة منزلة وحيا -وفقا للتصور الديني الايماني-.،فهي هنا منطقية لأستقامة المعنى اللاحق لنصها او قولها،فتكون على هذا النحو:قل الحمد لله رب العالمين...الى اخره.فلو كانت الحمد على هذا الشكل والصيغة لمنعت من الخلاف عليها والتجاذب حولها بين ان تكون سورة او دعاء.فذكر"قل" يحسم المسألة،فهو تأكيد على ان الخطاب الالهي هو فعلا موجه لنبيه.فتكون السورة مثالية في قداستها مدعومة بأمر الله:"قل".ولكن باختفائها يصبح من المنطقي لغويا وعقليا ان يكون القول نوعا من الخطاب الصاعد من عبد لمعبود،من مؤمن الى اله،من انسان الى المطلق لا العكس!.
ومع ذلك كان هناك بعض من هذا القول-الفعل(قل)يأتي متسقا مع نص السورة كنداء وأمر او طلب لمحمد للقيام بواجب التبليغ والاخبار وتوصيل رسالة الهدايةالالهية الكاملة للناس.
3-ماهية الدعاء وطبيعته:تتميز الادعية بطابعها البشري المحض،والمنطلق من عالم البشر السفلي-الارضي المرفوع-الصاعد بأتجاه العالم العلوي-السماوي.نتيجة الخاصية الذهنية الدينية،وماهية النوازع المتواكلة والقاصرة والمتسمة بالتسليم والعجز والجبريةpredestination في الطبيعة الانسانية،وتوسلها واعتمادها على قوى ماوراء العالم الارضي الخارقة الحامية.فألادعية هي دائما وحصرا ترتفع وتصعد وتنطلق من ارواح وافئدة وعواطف البشر المنصاعين المستسلمين لمشيئة وقدرية الفوق السماوي البعيد ولكن المتحكم والمقرر للمصائر.لذا من غير المنطقي ان يكون الدعاء نازلا او منحدرا من الاعلى الى الاسفل،من الله الى عباده!.فالعكس هو الصحيح.
هناك أدعية هي فعلا أدعية بأمتياز كالمعوذتان.ولكن اقحم على هذين الدعائين كلمة(قل)لتصبحا قسرا سورتان رغم الطبيعة الدعائية الواضحة فيهما:لطرد الارواح الشريرة والشياطين،والعوذلة كنجاة من الحسد والنفث في العقد.الخ.والاستعاذة بالله هي دليل واضح على انهما دعائان بشريان لاغير..صحيح ومعروف ان هناك الكثير من السور المكية واليثربية تحفل بألادعية المرفوعة لله على ألسن شخوص وانبياء محددين بأسماءالعلم الخاصة بهم،ولكنها تبقى أدعية فردية-ذاتية وتجارب خاصة شخصت تلك الذوات التي دعت ربها واعلنت ماترومه وتتمنى تحقيقه:كالذرية،والملك،ورفع الضر،والطمع بالغفران والانتصار..الخ.وكأمثلة على تلك الايآت الداعية للاله طلبا للعون وتحقيق الاماني،مثل:مخاطبة ابراهيم لربه:"رب هب لي من لدنك ذرية طيبة انك سميع الدعاء"/ابراهيم-40.وزكريا ايضا خاطب ربه داعيا بنفس امنية ابراهيم ونفس المفردات-آل عمران-38.وآدم دعا ربه:"ربنا ظلمنا انفسنا وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين"/الاعراف-23.ودعاء نوح:"اني مغلوب فأنتصر"/القمر-10.ودعاء سليمان:"رب اغفر وهب لي ملكا لاينبغي لاحد من بعدي انك انت الوهاب"/ص-35.ودعاء ايوب:"وأيوب اذ نادى ربه اني مسني الضر وانت ارحم الراحمين"/الانبياء-84.وغي ذلك من ادعية وردت في آيات الدعاء.ولكن تبقى هذه الادعية كرجاء وطلب فردي لشخص معرف ووحيد يسعى لخير او هدف خاص به لايشمل غيره.في حين ان سورة-دعاء(الحمد)هو دعاء عام جماعي-جماهيري مطالبه عامة وتجريدية بلا تحديد مادي خاص،وينطبق ساريا على جموع المؤمنين المجهولين افرادا وجماعات،ممكن ان يكون دعاءا خاصا وفي نفس الوقت عاما شاملا،وفي اي زمان او مكان.وايضا لان الفاتحة كلها هي خطاب تمجيد وتعظيم للذات الالهية،ودعاء ورجاء واستعطاف واسترحام،مناجاة وصلاة،ابتهال ونفثة مكلوم عاجز،من اولها الى اخرها.ولم تقتصر على آيه واحدة،او على اسم مجرد لمن دعى بالفاتحة.هذه هي النقاط الثلاث التي اردنا تبيانها قبل ان ندخل على السورة-الدعاء متفحصين كلماتها بتجرد عقلي ومنطقي،ودون تحيز او تعسف في التفسير او التأويل...
البسملة:هي لازمة تتكرر في كل المدونة القرآنية وفي مفتتح كل السور بأستثناء سورة التوبة-التي كان فيها الله متوترا وغاضبا،فلم يعير التفاتا لايراد اسمه في بداية نص التوبة!-،فهي متربعة في صدر السور كعنوان جبري-ضروري !لامناص منه لبدء القراءة.فبأسم الله تبدأ سور الله،وبأسمه تنزل تياعا،وبتنجيم استمر مايقارب الربع قرن.ولانها كذلك فسنتجاوزها عابرين الى المقطع الذي يليها:"الحمد لله رب العالمين،الرحمن الرحيم،مالك يوم الدين".فماذا تعني كلمة (الحمد)؟.ان من معاني الحمد:الثناء والشكر والامتنان،والاقرار بالفضل.وكل هذه المعاني متعلقة بالناس وحاجاتهم المطلوبة،في انتظار تلبيتها،او بعد تحققها وحدوثها.وهي قطعا دعاء وطقس ديني صاعد نحو الرب من عبد الرب.ومن اللامعقول ان ينزل الحمد من الله على مخلوقاته؟!.فالله لايحمد نفسه!.فهل يحمد الله نفسه هنا؟!-لوافترضنا انه كلام الهي وليس بشري!-.ام هو الله يحمد الها اخر غيره-الآخرالغائب-؟!...الحمد لله....الله الحاضر المتكلم يحمد الله الغائب المشار اليه ب:الحمد لله رب العالمين!.فهل يستقيم الخطاب المنطوق على هذا النحو الغامض؟!.فهل هناك ألهان:احدهما يحمد والآخر يتلقى الحمد والشكر الذي يسبغه عليه الاول؟!.سنتخيل الله عند ذلك: ممسكا مرآة يحدق فيها مخاطبا صورته قائلا:الحمد لله رب العالمين!.فهل كان الله نرجسيا،عاشقا لذاته،يتمحور حول اناه؟!.هذه الاسئلة يفرضها منطوق ودلالة الآيه،وليس من مجيب!.لذا يصبح النص متهافتا عسير التصديق والفهم،فيما لو كان سورة،ولكن اذا قلبناه الى دعاء -صلاة يصبح واضحا وسهلا على الاسماع لانه منطلق ومتوجه من مؤمن عابد الى الهه المعبود.
المؤمنون الخاشعون المتقون الحامدون الشاكرون هم لاغيرهم من يحمد الله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين،وليس الله من يقوم بذلك،فهو الاله يدرك ذاته وصفاته!.فالله يعرف نفسه جيدا كرب للعالمين وكرحمن وكرحيم وكمالك ليوم الدين وغني عن قوله.فهذا مايؤكده ويردده كتسبيح كل الداعون الممجدون والمعظمون لله.فهذا واجبهم كخشوع وعرفان وامتنان وشكر على النعم والاحسان والعطايا السابقة واللاحقة،فيكون الحمد ديدنهم في الدعاءوالصلاة.
ان محمد النبي بقدر ماجرد الله ونزهه في توحيده كواحد احد لدرجة الرفعة السامية والقداسة،والمفارقة والتفرد عن سائر مخلوقاته:"ليس كمثله شيء".بقدر ذلك التجريد الوحداني الخالص،قام ايضا وبأتجاه معاكس،فجسد الله وجسمه وجعله قريبا من الانسان:"فأذا سألك عبادي عني فأني قريب أجيب دعوة الداعي اذا دعان".فأصبح شبيها بالانسان،وتم حشوه بالحواس والاعضاء!.فهو يملك اطرافا وعيون وسمع ويتحدث العربية، اله قبليا يجوب اطراف يثرب ،يراقب ويتدخل حتى بالصغائر والتوافه والترهات:"الغائط"و"الحيض"و"النكاح"...الخ مما حفل به القرآن من شخصي حميمي،ويومي وعابر وفردي خاص!.فبات واحدا من اهل يثرب:يجالسهم ويسترق السمع مطلعا على اسرارهم،وما يفعلون حتى على اسرة نومهم من اشتباك جنسي!.
في الجزء الثاني من الفاتحة نقرأ:"اياك نعبد واياك نستعين".ومعنى هذه الآيه:أياك انت..الله..ربنا.نحن عبادك:نعبدك،وأياك انت:الهنا وربنا وخالقنا،نحن عبيدك،مخلوقاتك،نحن العاجزون المستعينون بك،وبك فقط نتمسك ونستعين راجين عطفك ورحمتك.ليس هناك ابسط واوضح من ذلك في التعبير والافصاح عن دعاء الداعين وصلاة المصلين وتوسل المؤمنين،ورجاء الضعفاء والتماس الخاشعين،اكثر دلالة من هذا النداء البشري المعلن،هناك بون شاسع وبعيد عن ان يكون هذا القول كلاما الهيا موجها للبشر،فهو كلاما بشريا بأمتياز وخالصا في مغزاه ودلالته كدعاء لمؤمن بمادة ايمانه.."اياك نعبد واياك نستعين"سيكون هذا القول طرفة سمجة لو قالها الله!.فهل يعبد الله نفسه وبذاته يستعين؟!..
نمضي الى ختامية النص،المقطع الاخير من(الكافية):"اهدنا الصراط المستقيم،صراط الذين انعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين".وهنا ايضا نجد سياق ومضمون المقطع،يبدو متماهيا ومنسجما في دلالته على الدعاء،ولايخرج عن ذلك.فهو ايضا نداء بشري مرفوع الى الكائن العلوي الاسمى.وطلب ورجاء وسعي للهداية والسداد والاستقامة."اهدنا":انت يا ربنا وبارينا..ارشدنا وقدنا وخذ بيدنا نحن المحتاجين لرشادك واشارتك لانارة دربنا الى صراطك المستقيم،ولتنجينا من هوة الضلال والضياع والخسران.كما فعلت من قبل مع الذين شملتهم بعنايتك ولطفك ونعمك،وجنبنا مصير من حل بهم غضبك ونقمتك،وكانت مشيئتك ان يسدروا في غيهم وضلالهم حتى تعاقبهم بنار جحيمك وسعيرها الابدي..اليست هذه العبارات هي مادة القول الجوهرية التي تلهج بها كورالات المؤمنين،وبأيدي مفتوحة ومرفوعة نحو السماء هي الصلاة- الدعاء النموذجي بكل ابعاده الايمانية؟!.واذا لم يكن الامر كذلك،فكيف ستكون صيغة الدعاء وشكله؟!. لم يعد واردا،او مثمرا او صالحا للمجادلة والخلاف اعتبار الفاتحة دعاءا بشريا منطلقا من العالم السفلي الى العالم العلوي،من الارض الى السماء،ومن التحت الى الفوق.نابعا من قلوب وارواح ووجدان الخائفين والحالمين والطامعين برضى الرب،مالك الدين والعبيد، وتعبيراعن الضعف والمسكنة،ترفعه ارواح معذبة محرومة حزينة،آملة بخير الدنيا وعقبى الآخرة.تبتهل وتتوسل الخالق بالشفقة والرحمة،ليعوضها عن بؤسها وذلها الدنيوي المقيم،بنعم ومسرات خالدة حتى ولو كانت مؤجلة لحياة آخرى كلها رفاهية وبلهنية ولكن بعد الموت!.ذلك النداء وصرخة الروح في عالم بلا روح.ذلك الدعاء-التنهيدة الحرى والتي تخفق به قلوب مؤمنة مجروحة،ترجو وتحمد وتعبد وتستعين بربها الاوحد ليقودها لسبل الرشاد والحق وجزاء العمل الصالح-العبادة-ويجنبها الضلال والانحراف عن صراط ربها،لينالوا بركته،ويأمنوا غضبه وعقابه.او العكس وعدها سورة هبطت وتنزلت عليهم وحيا سماويا من الاعلى،ومن خلال نبيهم الاسمى...من الله...الى نبيه..ومن ثم الى اتباعه الذين اهتدوا بدينه..فالامر سيان!.فقد تداخلت السورة بالدعاء والدعاء بالسورة،وانتهى الامر..
فهل كان عمل الخليفة عثمان هو مجرد اجراءا شكليا،وقرارا سلطويا بأدراج الفاتحة نصا قداسيا في مدونته؟!.او كان اقتناعا صادقا وسلوكا نابعا من خشوع وايمان بصحة ما اقدم عليه؟!.ام كان شكلا من الصراع السياسي والايديولوجي اتخذ مظهرا دينيا اصوليا بكتاب الدين الجديد الذي صار دستورا-حمال اوجه يصلح لاستنباط الاحكام والقوانين الملائمة للسلطة الزمنية والسيطرة الايديولوجية للمجتمع اليثربي الذي اخذ في التوسع والامتداد الى الخارج من خلال الغزو والفتح المسلح؟!.هل حرف عثمان قرآنه:اضاف او حذف او عدل او غير صيغ الآيات ونصوص القول النبوي؟!.ام كان عثمان امينا مخلصا لدين نبيه وصاحبه،وفعل الصواب بجمعه القرآن ككتاب مقدس اسوة ببقية اديان الكتاب ؟!..او لاهذا ولاذاك بل هي اعتبارات اخرى،فرضت نفسها تماشت مع الظرف ليستجيب لمستجدات جديدة؟!.هل تشابه الامر واختلط الكلم النبوي بين مانسب لله ومانسب اليه،.بين من قال ورتل ودعا اول مرة،وبين من شرع وقنن ودون وأمر اخر مرة وفي مابعد؟!.
كل هذا الفيض من الاسئلة لم يعد جديرا بالطرح وفات اوانه. على ازمنتنا الحديثة.فقد تحولت الى اشباح واخيلة،ولكنها حاضرة تجوب في العقول،وتلتصق بالذاكرة، وتموربها اغوار النفس المتراكمة والمعتمة.فهي فوق طاولة التاريخ وصالحة للنبش والاجترار واعادة انتاجها وتوظيفها بطرق شتى.فعشرات الاجيال رحلت وبلت،ولا زالت تلك الاطياف المروية عصية على الاندثار تتفرع وتتجذر وتخلد كتراث ميت-حي،يحكم الاحياء الاموات!!.في تأملاتنا لنص(الحمد)السورة-الدعاء-الصلاة لم يكن هدفنا اثيات او نفي شيء من التاريخ،ولم يكن لنا قصد او هدف لتفنيد او دحض،ولااقرار او تأكيد فكرة او تأويل حيثيات وتفاصيل ذلك النص الخلافي،ومحاولة التوفيق بين الاراء ومادة البحث.كل هذا لم يرد في ذهننا،بقدر ماهو مراجعة وتشكيك ونقد لكل ماورد في المرويات التراثية-هذا على فرض تاريخيتها كوقائع!-والتي اتخذت سمة الايقونات،او اللعنات حسب المذاهب والنحل.واهملت في تعصبها اسس وغايات التجارب الدينية،لتلد مسوخ من تلك التفرعات التي ابتعدت عن الاصل لتسود الكراهية والصراعات الدموية،ورفض الآخر المختلف داخل العقيدة او الدين الواحد.ومابدأ(ثورة)او اصلاحا ورغبة في التغيير على مستوى الفكر ومباديء الاخلاق وخير الانسان.انتهى للجمود والتعصب والمصالح والعنف الدموي والتهتك!.فلنصفي حسابنا مع الماضي،ونلتفت لحاضرنا المتداعي بالتأسيس،حتى يكون لنا مستقبل..ولنفكر بعيدا و خارج الصندوق!!!.
..........................................................................................
وعلى الاخاء نلتقي...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كاتدرائية واشنطن تكرم عمال الإغاثة السبعة القتلى من منظمة ال


.. محللون إسرائيليون: العصر الذهبي ليهود الولايات المتحدة الأمر




.. تعليق ساخر من باسم يوسف على تظاهرات الطلاب الغاضبة في الولاي


.. إسرائيل تقرر إدخال 70 ألف عامل فلسطيني عبر مرحلتين بعد عيد ا




.. الجيش الإسرائيلي يدمر أغلب المساجد في القطاع ويحرم الفلسطيني