الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ياهودايزم [10]

وديع العبيدي

2017 / 3 / 15
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


امبراطورية مسيحية عالمية..

باعتناق القيصر قسطنطين لعقيدة الصليب، اصبحت المسيحية الديانة الرسمية للامبراطورية الرومانية في القرن الثالث الميلادي، يوم كانت الامبراطورية الرومانية هي الاكبر والاعظم بلا منافس.

في القرن الثالث قبل الميلاد سعى الاسكندر المقدوني توحيد اقطار الارض في نظام حكم موحد ومنظومة ثقافية هللنستية تقارب بين أبناء البشر من كل الامم والاعراق والالوان. لكن ما فات الاسكندر ومعلمه ارسطو، هو اعداد البيت الداخلي وبناء النظام السياسي الامبراطوري، بوصفها جزء من استكمال منظومة الفكر والثقافة، قبل اطلاق الحملات العسكرية، من غير مرجعية حكم سياسي راسخ.
لقد اهمل الاسكندر، ومن قبله والده، مجلس السينات والنظام الدمقراطي الذي عرفته أثينا. ولم يهتم الاسكندر بانشاء مجالس حكم في الاقاليم الجديدة. متأثرا بفلسفة الحكم الشرقي/ العراقي القديمة، متمثلة في حكم الفرد الشمولي، الملك ورأس الحكومة والقائد العسكري والكاهن الاعلى للبلاد. ولو كان للاسكندر مجلس حكم يشرف على الحكم، ودولة راسخة الاركان والمؤسسات الهيكلية، ما ضاعت جهوده، هباء.
كان الاسكندر – الرجل الصالح- قد تخذ خلال حملته العسكرية من –بابل الكلدانية- مركزا عسكريا، وعاصمة امبراطورية مؤقتة لمدة ثماني سنوات حتى وفاته فيها -بعدوى مرض الجدري – حسب الروايات. وقبل وفاته كان والده الملك قد اغتيل، وتفكك اتحاد كورنثه الذي شكل بداية فكرة توحيد اوربا – اوربا الموحدة-، مبتدأ مشروع توحيد العالم. وهو ما اجترأته امبراطورية روما بعدها، ومضت به قدما – للامام!.
فكرة الامبراطورية العالمية، ولدت إذن، من رحم تجربة الاسكندر الاكبر. وتجربة الاسكندر كانت استنساخا لتجربة سرجون الاكدية مؤسس اول مبراطورية كانت عاصمتها على مبعدة كيلزمترات من بغداد الحالية –بغديدا-.
لكن روما درست تجربة الاسكندر وشخصت كل أخطائها، ومزاياها، ولم تقم من غير معالجة نواقصها وتجاوز أخطائها؛ ما ساعد على قيامها الانتصاري، واستمرارها قرابة الفي عام. ولم تنته الامبراطورية الرومانية البيزنطية، وانما تفتت الى عدة امبراطوريات اوربية، رسمت خريطة العالم المعاصر، ومن أحضانها ولدت اوربا الحديثة.
وكما استعادت روما تقاليد النظام السياسي الدمقراطي لاثينا الاولى، واصلت الدول والمجتمعات الاوربية الحديثة ما بعد بيزنطه- نظام الحكم الاثيني الدمقراطي في اساسه. وهذا ما يجعل الدولة والثقافة الاوربية، امتدادا متصلا للنظام الاغريقي. كما أن الدولة الشرقية والشرق اوسطية، هي امتداد متصل، لنظام الحكم الشمولي الفردي لبابل واشور والفراعنة، منذ القدم.

أودّ القول -هنا-، ان الرواية التاريخية حول اعتناق الامبراطور المسيحية، هي رواية ساذجة، قد تناسب شخصا عاديا، ولكن ليس قائد امبراطورية عظمى. وفحوى الرواية، ان القيصر رأى في منامه حلما، استيقظ على أثره وتبع رسالة الحلم. وهي رواية دينية سطحية، لما تزل تتكرر في قصص اختبارات المنتصرين. وهي طالما تكررت في قصص –أحلام فرعون مصر- التي فسّرها له يوسف يعقوب اسحق، وقصص حلم نبوخذ ناصر الذي فسره دانيال. وكل من الشابين العبرانيين [يوسف، دانيال] اللذين فسّرا حلم ملكهما، تم مكافأتهما بتصدر الحكومة –رأس وزراء- في مصر وبابل.
الحياة والتاريخ والعالم لا يتم بناؤه بهاته السطحية، ولا تنحل معضلاته هكذا. بل ان تأويل قيام الامبراطورية المسيحية، هو التفاف على الاسباب العقلية والابعاد الحقيقية لقرار القيصر.

ثمة أمران، طالما تم تغييبهما جيدا من الذاكرة، كما لو انهما انتهيا خارج التاريخ..
1- وحشية الاضطهاد والارهاب اليهودي الديني والسياسي العالمي المتصل ضد أتباع (يسوع) في كل مكان كم العالم القديم. ويلحظ ان التقليد الكنسي يحصر الاضطهاد في الدولة الرومانية، ولا يتناول حملة الاضطهادات في الممالك الشرقية يومذاك، مثل ايران والهند والصين. وذلك، أن الكنيسة القبطية هي الوحيدة التي سجلت تاريخها المحفوظ لليوم. وكانت مصر تابعة للنفوذ الاغريقي- الروماني- البيزنطي حتئذ. بينما سكتت الكنيسة الاشورية والكلدانية والسريانية عن تاريخ الاضطهاد والاستشهاد، ايام خضوعها للنفوذ الفارسي.
2- يقابل ذلك، اسطورة الصمود المسيحي وقوة الايمان للمسيحيين الاوائل، الذي لم يتنازلوا عن عقيدتهم رغم اهوال التعذيب ووحشية طرق التعذيب واساليب القتل التي تعرضوا لها، متسلحين فيها بقوة الروح وانتباذ الجسد والعالم الدنيوي.

تشكل فكرة الاضطهاد والالم جوهر العقيدة اليسوعية، في اطار الصراع بين الجسد والمادة وقوات العالم من جهة، وبين الروح والسمو والملكوت، بالمقابل. وقد عاش يسوع وعلم بذلك في حياته، وتبعه يولس في طريقه، تعليما ومعاناة، وكانت عقيدة الالم والاحتمال والصبر، اساس بناء المسيحية عبر الزمن وانتشارها وشعبيتها وقوتها المتجددة حتى اليوم.
المسيحية هي منبع ومصدر فكرة التضحية والشهادة من اجل المبدأ والموقف، الذي انتشر الى عقائد دينية وسياسية وفلسفية. وليس في كل تعليم يسوع والرسل، اشارة الى امتيازات وحوافز ارضية أو ملذات وترف ارضي. وفي جملة واحدة، مثل (التواضع والزهد) شخصية يسوع وتلاميذه الاوائل.
وفي تعليمه هاجم يسوع الفريسيين والكهنة الذي يطيلون ثيابهم الفاخرة ذات الاذيال والاجراس المشكلة بالاحجار الثمينة والذهب والفضة –[يمكن الاطلاع على طبيعة ثياب الكهنة وبهرجها في اسفار ...]- كما هاجم الاغنياء بقوله الشهير: دخول الجمل من سم الخياط، أسهل من دخول غني في الملكوت!.

قد لا توجد احصائية رسمية عن عدد ضحايا الاضطهاد خلال القرون الثلاثة الاولى بعد صلب يسوع الجليلي، والمعروفة كنسيا باسم (عصر الشهادة)، لكن كلا من ظاهرتي الاضطهاد – من جانب اليهود-، والشهادة الصامدة – من قبل اتباع يسوع الجليلي-، -وكلاما من فلسطين شرق المتوسط!-، كانت موضع مراقبة ودراسة من قبل الرومان – دولة ومجتمعا ومفكرين-.
وتشير المصادر العامة ان التضحيات القاسية واحتمال الالام من اجل تبعية (الطريق)، كانت سببا مباشرا في انتشار المذهب الجديد، وازدياد نسبة معتنقيه من الرومان وبقية الامم. بل ان بعضهم كان يتوسل الشهادة من خلال اعلان تبعيته ليسوع، مما كان يستفز ويغيض اعدائهم.
ففي القرون الثلاثة الاولى كانت (المسيحية) قد انتشرت جيدا في ارجاء امبرطورية روما، وان استمرار سياسة الاضطهاد والقمع والاعدامات، لا يؤدي لغير نتائجها العكسية. فقرار وقف الاضطهاد كان مطروحا قبل وصول قسطنطين للحكم، ولكن بشكل شخصي وجزئي ومشروط. وهذا يعني..
1- البحث عن وسيلة جديدة واسلوب مختلف، لمواجهة انتشار المذهب الجديد.
2- انتشار المسيحية بشكل مضطرد في ارجاء الامبراطورية، مما يعني تراجع شعبية الديانة الرومانية القديمة.
3- دراسة اسباب وابعاد انتشار المسيحية، وسر اعتناق الناس لها، رغم ما يترتب عليها من الام وتضحيات. وكانت تلك الدراسات تنتهي باعتناق بعض الدارسين انفسهم لها، كما هو من قبل الفلاسفة والمثقفين والادباء الرومان يومذاك.
4- انتشار الديانة (المانوية) الشرقية في ارجاء الامبراطورية لم يؤثر على امتداد شعبية المسيحية وانتشارها بين المثقفين.
5- كانت نظرية الحكم الروماني تؤكد على ترسيخ الوحدة الاجتماعية والبناء الداخلي للامة، وعدم السماح لأسباب تشرذمها وتقسيمها خارج اطار النظام الروماني الاجتماعي والثقافي. ومع حصول تغير ثقافي اجتماعي في قاعدة المجتمع، فشلت الدولة في تحديده والسيطرة عليه، كانت مصلحتها في مسيرتها.

وهكذا.. وجدت الامبراطورية أن تستبق الامر، بدل ان تجد نفسها عرضة للتمرد والتفكك، او مجبرة على قرار ياتي من الاسفل. فقرار اعتناق المسيحية رسميا، والذي حصل عقب قسطنطين، كان ذات بعد سياسي استراتيجي يخدم المصلحة العليا للدولة ووحدة المجتمع الروماني، اكثر منه قرارا دينيا شخصيا.
وهذا لا ينفي – طبعا- اعجاب المسؤولين الرومان بالقوة السرية الكامنة في هاته العقيدة، المختلفة عن كل ما سبقها وما عداها. وكان الحصول على سرّ تلك القوة غير المادية المحركة للظواهر المادية: الاجتماعية والسياسية والعسكرية، هو مطمح وديدن القادة الرومان، الذين لم ينفكوا عن طلب بركة وحماية المعبد!.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجماعة الإسلامية في لبنان: استشهاد اثنين من قادة الجناح الع


.. شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية




.. منظمات إسلامية ترفض -ازدواجية الشرطة الأسترالية-


.. صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها




.. كاهنات في الكنيسة الكاثوليكية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24