الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خبل أديب ليلة هزيمة قلاش ! عدنا ...!!

محمد القصبي

2017 / 3 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


كان مساء حزينا .. أنسحق تحت وطأة جبروت الصوت المنفر الذي يطفح به مكبر نقابة الصحفيين عن تطورات فرز الأصوات ، وتنظيرات الجلسات الجانبية داخل سرادق عبد الخالق ثروت حول سير عمليات الفرز..توقعاتهم تلاحقني :عبد المحسن هو النقيب ..!
أكابد كي لاأصدق ..
أعرج على يحي قلاش .. فقط لمجرد السلام ..سيدة تجلس في مواجهته تتمتم وهي تحاول الابتسام : جلال كان يهزم وكنا نحتفل به ..!!
إذا ..معسكر يحي يقر بالهزيمة !
يتشبث بابتسامة بلا رصيد في القلب وهو يمد لي يده ..لكني فوجئت به يضمني ..أضمه في عنفوان! ..
لم نكن أصدقاء .. بل ما يربطنا أشبه بجدول -لايصل أبدا إلى حجم النهر- من التواصل الإنساني يترقرق بالمودة والاحترام كلما التقينا أو تهاتفنا ..مثله ناصري ..أمي الحنون صوت العرب.. من سرسوب ثديها تلقمت وأنا طفل إحساسي بالوطنية ،حتى لو أخطأت احيانا فإني مازلت أحن لفيوضات عطائها ..لكني لست مثل الكثير من جوقته.. أضع صورة عبد الناصر في غرفة نومي كلما هممت بأداء واجباتي الزوجية ، فأمثل في حضرته مستأذنا ! ..و صباحا أنهش لحم البواب الذي أوصاني به خيرا..وفي المساء أصعد المنصات لأشدو :مصر يامه يا بهية !
في عناقنا لم أقل ..وبدوره لم يقل ..لكن ونحن متلاحمان شعرت بأن شيئا يوحدنا ..الإحساس بالهزيمة .. بالانكسار ..
ولاأدري مصدر القوة التي خلعتني من بين ذراعيه ..وساقت قدمي المتثاقلتين إلى خارج المكان ..لتلاحقني هتافات عبر مكبر الصوت :عبد المحسن ..عبد المحسن ! .. أكاد أصطدم بجندي من قوات الأمن التي تحيط بالمكان.. .. أعتذر ..يسألني : معك قلم يا أستاذ ..!أتأمل تقاسيم وجهه التي تبدو وكأنها حفريات أشلاء معركة عمرها عقودا.. قرونا ،وانتهت بهزيمته ..ولاشيء في لمعة العينين التي تلوح في عتمة رصيف نقابة المحامين على مرار الهزيمة ..بل الاستسلام ..اعتياد على الاستسلام ! ..اعتذرت ..فوجئت بزميل له يسأل مرافقي أيضا عن قلم..! ..هم إذن يبحثون عن نصيبهم من غنائم معركة انتخابات نقابة الصحفيين ..بعضا من الأقلام التي كان يوزعها أنصار المرشحين ..!
على طريق العودة إلى المنزل تمتم صديقي الصحفي : -الداخلية منذ أيام اتصلت بالصحفيين ؟
سألت بغير اهتمام :أي صحفيين ..
ذكر سبعة أسماء .. أعرفهم جيدا ..ومنذ سنوات ..كانوا يبحثون عن أوفر تايم ..عن دور ..عن سكة إلى كرسي رئيس التحرير ..فطرقوا أبواب الحزب ..الشاذلي.. الشريف ..عز ..ومنهم من رأى في لاظوغلي بوابة المجد ..قلة منهم يملكون أدوات المهنة ..إجادة اللغة ..الحس الصحفي ..قدرا من الثقافة ..لكن الجميع تنضح أعماقهم بطموح جامح للوصول ..ولايعنيهم إن تقاطع مع طموح الوطن ام لم يتقاطع ..ومنهم من كابد في تخليق فكرة أراحته ، وشرع ينظر لها ..أنه من خلال الحزب ..من خلال لاظوغلي يناضل من أجل حماية الدولة ..
مرة كتبت عنهم : هؤلاء لو حكم شارون مصر لانضموا فورا إلى حزب الليكود !
منذ أكثر من عام ..كان أحد المسئولين يزورني في بيتي ..وكالعادة سحب خارطة الوطن من دواخله ..وكعادتي فعلت مثله ..ورغم الكثير الذي يوحدنا .. كانت الخريطتان مختلفتين في بعض التفاصيل ..لكنه فاجأني ..حين قطع أحد فواصل الصمت ليتمتم في أسى : الداخلية رجعت !!!
انتفضت عيناي.. تحاصرانه في هلع بحثا عن المزيد ..عن الحيثيات ..لم يزد ..وانقطعت زياراته ! هل دفع به اليأس إلى الاعتزال..الانعزال ؟!
لكنني اكابد .. حتى لاأرى ما قال حقيقة ..وفي كل تنظيراتي مع الأصدقاء أردد : زمن لاظوغلي انتهى ..هل رأيتم ..للرقابة الإدارية الآن اليد الطولى في محاربة الفساد وليس لاظوغلي .وزيرفاسد قبضوا عليه في ميدان التحرير ..السيسي رجل نظيف ..ولن يسمح ببقعة فساد تلوث نظامه !
وحين سألني رئيس مجلس إدارة مؤسسة صحفية سابق عن تحليلي لدوافع لقاء الرئيس بالأمن الوطني ..قلت ربما ليشكرهم على جهودهم في ملاحقة الإرهابيين ..
ويبدو أن كلامي لم يكن مقنعا فزدت :ربما لنزع فتيل غضب صامت بدواخلهم من انحسار دورهم ..
ألهذا كنت مؤرقا لما رأيته حماقة ارتكبها مجلس نقابة الصحفيين حين أتاح ملاذا آمنا لمطلوبين قضائيا !ومواجهة الداخلية لحماقة المجلس باقتحام عنتري للنقابة !!
يومها كتبت على الفيس بوك ساخرا :
-بنتي بتسألني : لو انت عضو في مجلس نقابة الصحفيين كنت هتعمل أيه ؟قلت : كنت أقترح على المجلس توجيه برقية شكر لوزير الداخلية لأنه عمل من أعضاء المجلس أبطال !
سألتني : طيب بتنصح وزير الداخلية بأيه ؟ قلت : إنه يوجه برقية شكر للرئيس السيسي لأنه صابر على كل بلاويه ..إللي كل بلوه منها تغير نظام دولة ..مش بس وزير! !!!!!!

......
ينبهني صديقي ..حين أوقف السيارة أمام مسكني بمدينة نصر وهو يضحك :
-ماذا بك .. وكأنك لست من هذا البلد ..كنا هكذا وسنظل هكذا ..ما الجديد ..؟ عشرات مثل عبد المحسن مزروعون في الفضائيات وغير الفضائيات يخرجون لسانهم لي ولك كل ليلة ..!
وأنا أحشد قواي لأنفلت من السيارة ..قال : بالمناسبة ..كرم جبر اختاروه رئيسا للهيئة الوطنية للصحافة !
أشرت له بيدي مودعا دون أن أرد ..
أمام المصعد فاجأني جاري :عدنا ..!
تطلعت إليه في صمت مستفسرا ..فزاد :
-مبروك عليكم عبد المحسن !
الالتصاق الجغرافي ..حيث ترتبط شقتينا بجدار واحد لم يترجم إلى تقارب انساني ..لاشيء سوى تحايا تقليدية أمام المصعد كلما التقينا ..
حتى أحد أيام صباحات فبراير 2011 ...التقيت به وأسرته أمام المصعد ..ملابس كاجوال على غيرعادته وأحذية رياضية .. و.. كل يحمل حقيبة خفيفة .. حاولت أن أكسر حدة ترقب المصعد سائلآ : أجازة ؟
فقال ضاحكا : بل عمل مهم جدا ..في ميدان التحرير ! تفحصتهم في دهشة..
مثلي وأسرتي ..كنباويون بإفراط .. معرفتهم باسم رئيس الجمهورية فقط لأنه مكث أكثر مما ينبغي في المنصب .! لاشيء يشغلهم سوى الوظيفة والدراسة والطعام والنادي والفسح ..ولاأظن أنه يعرف إن كان مرشد الأخوان محمد بديع أم كمال الشاذلي ..هذا مالاحظته منذ سنوات خلال اجتماع اتحاد ملاك العمارة حين خاض أحدهم قبل بدء الاجتماع في حديث حول أسباب عدم اكتمال مستشفى الأخوان المجاورة ..!
الآن يحشد أسرته ليصرخوا في ميدان التحرير في مواجهة مبارك و العادلي والحزب ورجال الأعمال الفسدة : كفى!!!
سألته : هل تابعت انتخابات نقابة الصحفيين ؟
-نعم ..
-وإحساسك الآن !
كما قلت لك :عدنا !! العادلي عاد ..
الكلمات تنفرط بأسى من بين الشفتين اللتين تنفرجان عن ابتسامة رأيتها من قبل ..لاأدري متى ..!
في الصباح التقيته ..سألني :وجهك مرهق ..ألم تنم جيدا ..قلت محاولا الابتسام : لم أنم أبدا ..
- انتخابات النقابة !
قلت : أشعر بالخوف !
قال مبتسما وهو يودعني : لاتخف ..أنا وأولادي نعرف جيدا الطريق إلى التحرير !!
تأملت وجهه بدهشة ..لم يكن جاري ..بل أحمد راتب ..منذ يومين شاهدت رائعة وحيد حامد " طيور الظلام " للمرة ربما المئة ..
في الفيلم شخص وحيد حامد منذ أكثر من ربع قرن الحالة المصرية بأنها صراع على السلطة بين الأخوان " رياض الخولي "والحزب غير الوطني "عادل إمام " ، وثمة طرف ثالث نقي شريف يتابع ما يجري في سلبية " أحمد راتب "، لكن حين فاض الكيل ب" أ"راتب " واندفع يوم 25 يناير . عشرات الملايين من المصريين البسطاء إلى الميادين ، نجح في عزل مبارك ، إلا أن الإخوان سرقوا فرحته - فرحتنا -، ليندفع مجددا إلى الميادين في 30يونيو لتصحيح مسار الثورة بعزل الإخوان وشوائب الثورة ..6أبريل و6أمشير والاشتراكيين الثوريين ، و..أيضا نجح ، لكن الوجوه المقيتة في مؤسسة مبارك تتسلل يوما وراء يوم إلى الواجهة لتسرق فرحته -فرحتنا - ..ليتابع جاري "أحمد راتب " مايجري في هدوء ..

والآن.. وأنا أتأمل ابتسامته الهادئة وهو يغادر المصعد...عرفت متى رأيت تلك الابتسامة ..أحد صباحات فبراير 2011 حين كان يرتدي وأسرته ملابس الكاجوال ... في طريقهم إلى الميدان !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رفح: اجتياح وشيك أم صفقة جديدة مع حماس؟ | المسائية


.. تصاعد التوتر بين الطلاب المؤيدين للفلسطينيين في الجامعات الأ




.. احتجاجات الجامعات المؤيدة للفلسطينيين في أمريكا تنتشر بجميع


.. انطلاق ملتقى الفجيرة الإعلامي بمشاركة أكثر من 200 عامل ومختص




.. زعيم جماعة الحوثي: العمليات العسكرية البحرية على مستوى جبهة