الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أمُّ قِرْفَة والكِتَابُ المُقَدِّسُ

ناصر المنصور

2017 / 3 / 24
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الكتاب المقدس - العهد القديم -
سفر القضاة
الإصحاح التاسع عشر

1 وَفِي تِلْكَ الأَيَّامِ حِينَ لَمْ يَكُنْ مَلِكٌ فِي إِسْرَائِيلَ، كَانَ رَجُلٌ لاَوِيٌّ مُتَغَرِّبًا فِي عِقَابِ جَبَلِ أَفْرَايِمَ، فَاتَّخَذَ لَهُ امْرَأَةً سُرِّيَّةً مِنْ بَيْتِ لَحْمِ يَهُوذَا.
2 فَزَنَتْ عَلَيْهِ سُرِّيَّتُهُ وَذَهَبَتْ مِنْ عِنْدِهِ إِلَى بَيْتِ أَبِيهَا فِي بَيْتِ لَحْمِ يَهُوذَا، وَكَانَتْ هُنَاكَ أَيَّامًا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ.
3 فَقَامَ رَجُلُهَا وَسَارَ وَرَاءَهَا لِيُطَيِّبَ قَلْبَهَا وَيَرُدَّهَا، وَمَعَهُ غُلاَمُهُ وَحِمَارَانِ. فَأَدْخَلَتْهُ بَيْتَ أَبِيهَا. فَلَمَّا رَآهُ أَبُو الْفَتَاةِ فَرِحَ بِلِقَائِهِ.
4 وَأَمْسَكَهُ حَمُوهُ أَبُو الْفَتَاةِ، فَمَكَثَ مَعَهُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، فَأَكَلُوا وَشَرِبُوا وَبَاتُوا هُنَاكَ.
5 وَكَانَ فِي الْيَوْمِ الرَّابعِ أَنَّهُمْ بَكَّرُوا صَبَاحًا وَقَامَ لِلذَّهَابِ. فَقَالَ أَبُو الْفَتَاةِ لِصِهْرِهِ: «أَسْنِدْ قَلْبَكَ بِكِسْرَةِ خُبْزٍ، وَبَعْدُ تَذْهَبُونَ».
6 فَجَلَسَا وَأَكَلاَ كِلاَهُمَا مَعًا وَشَرِبَا. وَقَالَ أَبُو الْفَتَاةِ لِلرَّجُلِ: «ارْتَضِ وَبِتْ، وَلْيَطِبْ قَلْبُكَ».
7 وَلَمَّا قَامَ الرَّجُلُ لِلذَّهَابِ، أَلَحَّ عَلَيْهِ حَمُوهُ فَعَادَ وَبَاتَ هُنَاكَ.
8 ثُمَّ بَكَّرَ فِي الْغَدِ فِي الْيَوْمِ الْخَامِسِ لِلذَّهَابِ. فَقَالَ أَبُو الْفَتَاةِ: «أَسْنِدْ قَلْبَكَ، وَتَوَانَوْا حَتَّى يَمِيلَ النَّهَارُ». وَأَكَلاَ كِلاَهُمَا.
9 ثُمَّ قَامَ الرَّجُلُ لِلذَّهَابِ هُوَ وَسُرِّيَّتُهُ وَغُلاَمُهُ، فَقَالَ لَهُ حَمُوهُ أَبُو الْفَتَاةِ: «إِنَّ النَّهَارَ قَدْ مَالَ إِلَى الْغُرُوبِ. بِيتُوا الآنَ. هُوَذَا آخِرُ النَّهَارِ. بِتْ هُنَا وَلْيَطِبْ قَلْبُكَ، وَغَدًا تُبَكِّرُونَ فِي طَرِيقِكُمْ وَتَذْهَبُ إِلَى خَيْمَتِكَ».
10 فَلَمْ يُرِدِ الرَّجُلُ أَنْ يَبِيتَ، بَلْ قَامَ وَذَهَبَ وَجَاءَ إِلَى مُقَابِلِ يَبُوسَ، هِيَ أُورُشَلِيمُ، وَمَعَهُ حِمَارَانِ مَشْدُودَانِ وَسُرِّيَّتُهُ مَعَهُ.
11 وَفِيمَا هُمْ عِنْدَ يَبُوسَ وَالنَّهَارُ قَدِ انْحَدَرَ جِدًّا، قَالَ الْغُلاَمُ لِسَيِّدِهِ: «تَعَالَ نَمِيلُ إِلَى مَدِينَةِ الْيَبُوسِيِّينَ هذِهِ وَنَبِيتُ فِيهَا».
12 فَقَالَ لَهُ سَيِّدُهُ: «لاَ نَمِيلُ إِلَى مَدِينَةٍ غَرِيبَةٍ حَيْثُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ هُنَا. نَعْبُرُ إِلَى جِبْعَةَ».
13 وَقَالَ لِغُلاَمِهِ: «تَعَالَ نَتَقَدَّمُ إِلَى أَحَدِ الأَمَاكِنِ وَنَبِيتُ فِي جِبْعَةَ أَوْ فِي الرَّامَةِ».
14 فَعَبَرُوا وَذَهَبُوا. وَغَابَتْ لَهُمُ الشَّمْسُ عِنْدَ جِبْعَةَ الَّتِي لِبَنْيَامِينَ.
15 فَمَالُوا إِلَى هُنَاكَ لِكَيْ يَدْخُلُوا وَيَبِيتُوا فِي جِبْعَةَ. فَدَخَلَ وَجَلَسَ فِي سَاحَةِ الْمَدِينَةِ وَلَمْ يَضُمَّهُمْ أَحَدٌ إِلَى بَيْتِهِ لِلْمَبِيتِ.
16 وَإِذَا بِرَجُل شَيْخٍ جَاءَ مِنْ شُغْلِهِ مِنَ الْحَقْلِ عِنْدَ الْمَسَاءِ. وَالرَّجُلُ مِنْ جَبَلِ أَفْرَايِمَ، وَهُوَ غَرِيبٌ فِي جِبْعَةَ، وَرِجَالُ الْمَكَانِ بَنْيَامِينِيُّونَ.
17 فَرَفَعَ عَيْنَيْهِ وَرَأَى الرَّجُلَ الْمُسَافِرَ فِي سَاحَةِ الْمَدِينَةِ، فَقَالَ الرَّجُلُ الشَّيْخُ: «إِلَى أَيْنَ تَذْهَبُ؟ وَمِنْ أَيْنَ أَتَيْتَ؟»
18 فَقَالَ لَهُ: «نَحْنُ عَابِرُونَ مِنْ بَيْتِ لَحْمِ يَهُوذَا إِلَى عِقَابِ جَبَلِ أَفْرَايِمَ. أَنَا مِنْ هُنَاكَ، وَقَدْ ذَهَبْتُ إِلَى بَيْتِ لَحْمِ يَهُوذَا، وَأَنَا ذَاهِبٌ إِلَى بَيْتِ الرَّبِّ وَلَيْسَ أَحَدٌ يَضُمُّنِي إِلَى الْبَيْتِ.
19 وَأَيْضًا عِنْدَنَا تِبْنٌ وَعَلَفٌ لِحَمِيرِنَا، وَأَيْضًا خُبْزٌ وَخَمْرٌ لِي وَلأَمَتِكَ وَلِلْغُلاَمِ الَّذِي مَعَ عَبِيدِكَ. لَيْسَ احْتِيَاجٌ إِلَى شَيْءٍ».
20 فَقَالَ الرَّجُلُ الشَّيْخُ: «السَّلاَمُ لَكَ. إِنَّمَا كُلُّ احْتِيَاجِكَ عَلَيَّ، وَلكِنْ لاَ تَبِتْ فِي السَّاحَةِ».
21 وَجَاءَ بِهِ إِلَى بَيْتِهِ، وَعَلَفَ حَمِيرَهُمْ، فَغَسَلُوا أَرْجُلَهُمْ وَأَكَلُوا وَشَرِبُوا.
22 وَفِيمَا هُمْ يُطَيِّبُونَ قُلُوبَهُمْ، إِذَا بِرِجَالِ الْمَدِينَةِ، رِجَالِ بَنِي بَلِيَّعَالَ، أَحَاطُوا بِالْبَيْتِ قَارِعِينَ الْبَابَ، وَكَلَّمُوا الرَّجُلَ صَاحِبِ الْبَيْتِ الشَّيْخَ قَائِلِينَ: «أَخْرِجِ الرَّجُلَ الَّذِي دَخَلَ بَيْتَكَ فَنَعْرِفَهُ».
23 فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ الْرَّجُلُ صَاحِبُ الْبَيْتِ وَقَالَ لَهُمْ: «لاَ يَا إِخْوَتِي. لاَ تَفْعَلُوا هذِهِ الْقَبَاحَةَ.
24 هُوَذَا ابْنَتِي الْعَذْرَاءُ وَسُرِّيَّتُهُ. دَعُونِي أُخْرِجْهُمَا، فَأَذِلُّوهُمَا وَافْعَلُوا بِهِمَا مَا يَحْسُنُ فِي أَعْيُنِكُمْ. وَأَمَّا هذَا الرَّجُلُ فَلاَ تَعْمَلُوا بِهِ هذَا الأَمْرَ الْقَبِيحَ».
25 فَلَمْ يُرِدِ الرِّجَالُ أَنْ يَسْمَعُوا لَهُ. فَأَمْسَكَ الرَّجُلُ سُرِّيَّتَهُ وَأَخْرَجَهَا إِلَيْهِمْ خَارِجًا، فَعَرَفُوهَا وَتَعَلَّلُوا بِهَا اللَّيْلَ كُلَّهُ إِلَى الصَّبَاحِ. وَعِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَطْلَقُوهَا.
26 فَجَاءَتِ الْمَرْأَةُ عِنْدَ إِقْبَالِ الصَّبَاحِ وَسَقَطَتْ عِنْدَ بَابِ بَيْتِ الرَّجُلِ حَيْثُ سَيِّدُهَا هُنَاكَ إِلَى الضَّوْءِ.
27 فَقَامَ سَيِّدُهَا فِي الصَّبَاحِ وَفَتَحَ أَبْوَابَ الْبَيْتِ وَخَرَجَ لِلذَّهَابِ فِي طَرِيقِهِ، وَإِذَا بِالْمَرْأَةِ سُرِّيَّتِهِ سَاقِطَةٌ عَلَى بَابِ الْبَيْتِ، وَيَدَاهَا عَلَى الْعَتَبَةِ.
28 فَقَالَ لَهَا: «قُومِي نَذْهَبْ». فَلَمْ يَكُنْ مُجِيبٌ. فَأَخَذَهَا عَلَى الْحِمَارِ وَقَامَ الرَّجُلُ وَذَهَبَ إِلَى مَكَانِهِ.
29 وَدَخَلَ بَيْتَهُ وَأَخَذَ السِّكِّينَ وَأَمْسَكَ سُرِّيَّتَهُ وَقَطَّعَهَا مَعَ عِظَامِهَا إِلَى اثْنَتَيْ عَشَرَةَ قِطْعَةً، وَأَرْسَلَهَا إِلَى جَمِيعِ تُخُومِ إِسْرَائِيلَ.
30 وَكُلُّ مَنْ رَأَى قَالَ: «لَمْ يَكُنْ وَلَمْ يُرَ مِثْلُ هذَا مِنْ يَوْمِ صُعُودِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ إِلَى هذَا الْيَوْمِ. تَبَصَّرُوا فِيهِ وَتَشَاوَرُوا وَتَكَلَّمُوا».

تفسير الكتاب المقدس - العهد القديم - القمص تادرس يعقوب
القضاة 19 -

تفسير سفر القضاة
اللاوي وسريته /
اللاوي المتغرب وسريته:

كانت السرية زوجة شرعية لكنها في درجة أقل من الزوجة العادية، إذ كانت غالبًا من العبيد اللواتي يشترين بثمن، وكانت أحيانًا السرية من أسيرات الحرب...
يروي لنا هذا الأصحاح عن لاوي كان يقطن متغربًا في عقاب جبل أفرايم أو عند سفحه كما جاء في بعض الترجمات، وكانت له سرية من بيت لحم يهوذا ارتكبت الزنا، إذ خافت هربت إلى بيت أبيها. ربما سمع زوجها عن توبتها وحزنها الشديد على ما ارتكبت فذهب إليها ليطيب خاطرها. وهناك أمسكه والدها ثلاثة أيام يقدم فيها واجب الضيافة حسب العادة، وبعد انتهاء الضيافة التقليدية بكر الرجل للسفر لكن والد الفتاة أظهر محبة بقوله: "اسند قلبك بكسرة خبز وبعد ذلك تذهبون" ،
وبعد الأكل ألحّ عليه أن يبقى يومًا رابعًا. وإذ تكرر الأمر في اليوم الخامس أصر اللاوي أن يرحل في غروب اليوم ومعه الغلام وحماران مشدودان له ولسريته.

اللاوي يميل إلى جبعة بنيامين:
انطلق اللاوي وسريته والغلام إلى يبوس (أورشليم) حيث كان يسكنها اليبوسيون، وإذ أراد الغلام أن يميل ليبيت سأله اللاوي أن يذهبوا إلى جبعة بنيامين أو الرامة ليبيتوا بين إخوتهم اليهود، وإذ حلّ بهم الليل في الجبعة توقفوا في الساحة ولم يضمهم أحد للمبيت.
في المساء تقدم إليهم رجل شيخ قادمًا من الحقل، وكان غريبًا عن جبعة؛ يبدو أنه رجل فقير جاء يعمل كأجير طوال اليوم في الحقول. تقدم الشيخ للاوي وتعرف عليه وعرف أنه لا يجد من يستضيفه. قال اللاوي: "عندنا تبن وعلف لحميرنا وأيضًا خبز وخمر ليّ ولأمتك وللغلام الذي مع عبيدك، ليس احتياج إلى شيء" ، وكأنه يود تأكيد أنه ليس في حاجة إلاّ إلى المبيت. استضافه الفلاح الشيخ الفقير وإذ كانوا يطيبون قلوبهم إذ برجال بني بليعال يحيطون بالبيت قارعين الباب طالبين من الشيخ أن يُخرج الضيف. هنا تعبير "بني بليعال" يراد به البطالون والأشرار الذين لا يخافون الله.
حاول الشيخ إقناعهم بالعدول عن ذلك بإخراج ابنته العذراء والمرأة السرية للاوي يفعلون بهما ما يشاءون ولا يفعلون شرًا باللاوي فلم يقبلوا... هكذا يكشف عن استهانة الرجال بالنساء في ذلك الحين، واستخفافهم بخطية الزنا، فحسب إخراج ابنته وامرأة الضيف لهم ليفعلوا بهما الشر أكرم من أن يفعلوا شيئًا بالضيف. أمسك اللاوي بسريته وأخرجها إليهم إنقاذًا للموقف، فصنعوا معها الشر طوال الليل، فجاءت في الفجر وسقطت عند الباب ويداها على العتبة فاقدة الحياة
الأمر الذي ربما لم يكن يحدث لو باتوا في يبوس بين الغرباء.
إن كانت قد ارتكبت الشر بإرادتها من أجل لذة الجسد، فها هي تموت حتى جسديًا بسبب ذات الخطية، فصارت لها شهواتها هي شوكة الموت. أما بسط يديها على العتبة فكان علامة استغاثتا برجلها الذي في جبن ألقى بامرأته خارجًا للشر لينام داخل البيت مستريحًا... إنها بهذا تخاطب ضميره الإنساني، وتمثل صورة مؤلمة لا تفارق ذهنه كل أيام حياته!
حملها اللاوي على الحمار وانطلق بها في بيته ليقطعها بالسكين مع عظامها إلى اثنتي عشر قطعة ليرسلها إلى جميع تخوم إسرائيل، يطالبهم عمليًا بالثأر، ويشكو لهم فظاعة بني جبعة. لقد ارتكب عملًا وحشيًا بسبب شدة غيظه ورغبته في إثارة إسرائيل على جبعة... وبالفعل كان الأمر مثيرًا للغاية، حتى أن كل من رأى قطعة من جسم المرأة قال: "لم يكن ولم يُر مثل هذا من يوم صعود بني إسرائيل من أرض مصر إلى هذا اليوم، تبصروا فيه وتشاوروا وتكلموا" .
هذه قصة مُرّة بحق تعلن ما وصل إليه الكل من بشاعة ووحشية!
إذ كتب البابا أثناسيوس الرسولي بخصوص المرارة التي حلت بالكنيسة بسبب الأريوسيين في خطاب دوري للأساقفة لم يجد ما يصف به الكنيسة من معاناة فقال أن ما تعانيه الكنيسة أقسى مما عاناه هذا اللاوي من جهة زوجته. وأقسى من كل اضطهاد، فإن اللاوي تضرر في شخص واحد هو زوجته أما ما فعله أريوس فأساء إلى إيمان الكنيسة كلها.

اعتراض وجواب عنه !!
كيف يعرض الكتاب المقدَّس قصة سيئة مثل عاهرة الكاهن واغتصابها وتقطيعها (قض 19)؟
يقول "جوناثان كيرتش": "رواية شمشون ودليلة من الصعب أن تكون الأكثر شناعة في القصص الوحشية التي نجدها في سفر القضاة، الدائرة المتصاعدة للإثم والفضيحة التي تبلغ ذروة دامية من الاغتصاب الجماعي والجريمة الجماعية في قصة المسافر اللاوي وسريته".
ويقول "ليوتاكسل": "يقول "بولينغبروك".. {ولكن ما الذي نستطيع قوله عن أهالي جبعة وهم أكثر إثارة للاشمئزاز من الكلاب وقت السعار؟ والآن حق لنا أن نتساءل: هل يمكننا أن نصادف في غير الكتاب الذي ينسب إلى "روح القدس" صورة أشد كراهية من الذي وقع بهذا اللاوي الذي يُرجَح أن يكون غبار الطريق قد غطى لحيته الكهنوتية وزادها قزارة، وعلى ذلك أثار شهوة رجال مدينة جبعة كلهم؟}.
ويتابع " بولينغبروك " قائلًا {في قصص التاريخ القديم كلها لا تقع على ما هو أكثر قباحة من هذا العفن، فالملاكان اللذان جاءا إلى سدوم كانا شابين نضرين مقدَّسين بل وربما فاتنين أيضًا كما هو حال الملائكة كلهم، وهو أمر من شأنه إثارة شهوة أهل سدوم، أما أهل جبعة فقد بلغوا الدرك الأسفل من العهر}".

الجواب
1- خصَّص الله سبطًا للكهنوت والرعاية الدينية وهو سبط لاوي، فكان منهم الكهنة الذين يُصعِدون الذبائح عن الشعب ومنهم اللاويين الذي يساعدون الكهنة في أداء أعمالهم، وأيضًا ينتشرون في 48 مدينة وسط الشعب يعلمونهم الشريعة ويحرسونهم من الانحراف العقيدي ويوقظون فيهم الوعي الديني والأخلاقي، ويصلون من أجلهم " ليبكِ الكهنة خدام الرب بين الرواق والمذبح ويقولوا أشفق يا رب على شعبك ولا تسلم ميراثك للعار" (يؤ 2: 17) وفي عصر القضاة أهمل الشعب في تقديم العشور للاويين والكهنة، مما جعل اللاويون والكهنة يهملون في واجباتهم الدينية، وصاروا يلتمسون أي مصدر للرزق، حتى أنه في أيام نحميا عملوا كفلاحين في الأرض.
وكان من هؤلاء اللاويين لاوي له عبدة فأعتقها وتزوجها، ثم انحرفت في الزنا وخشت زوجها فهربت إلى بيت أبيها، وذهب زوجها ليستردها، وفي الطريق باتوا في جبعة، فأحاط بالبيت رجال بني بليعال طالبين اللاوي ليصنعوا معه الفحشاء، فنصحهم صاحب البيت " وقال لهم لا يا أخوتي لا تفعلوا شرًا. بعدما دخل هذا الرجل بيتي لا تفعلوا هذه القباحة. هوذا ابنتي العذراء وسريته دعوني أخرجهما فأذلُّوهما وافعلوا بهما ما يحسن في أعينكم وأما هذا الرجل فلا تعملوا معه هذا الأمر القبيح" (قض 19: 23، 24)
فأخرج اللاوي سريته فاغتصبوها وفي الصباح سقطت المرأة ميتة على عتبة البيت، وماتت بذات الخطية التي ارتكبتها من قبل بإرادتها، وإذ زوجها يناديها " قومي نذهب " فلا مجيب، فحملها إلى بيته وقطَّعها إلى اثنتي عشرة قطعة وأرسلها إلى تخوم إسرائيل، فأثار كل بني إسرائيل ضد أهل جبعة، وعندما رفض سبط بنيامين تسليم المجرمين لهم كانت النهاية المأسوية للسبط كله.
2- فعلًا قصة سرية اللاوي من أشنع القصص الحقيقية التي حدثت في تاريخ بني إسرائيل، وأظهرت مدى الفساد الأدبي والانحطاط الخلقي الذي وصل إليه هذا الشعب، بعد اختلاطهم بشعوب الأرض، فلم يكتفوا بإهمال الغريب ولم يأووه، إنما تطاولوا عليه متخلين عن إنسانيتهم وهبطوا إلى رتبة الحيوان وأكثر، وعندما طالب بنو إسرائيل سبط بنيامين بتسليم هؤلاء المجرمين، رفض البنيامنيون وخرجوا لمحاربة بني إسرائيل، وهاجم النُقَّاد الكتاب المقدَّس وكأنه هو السبب والدافع لهذه القصة، وكأنه هو الذي نسج تفصيلاتها الكريهة، وتغافلوا تمامًا عن الذي صنع هذه القصة هو الإنسان الذي أُصيب بعمي البصيرة من جراء إهمال الشريعة الإلهيَّة، فليس المسئول عن هذه القصة الكتاب المقدَّس لأنه لم يصنعها ولم يوصي بمثل هذا الانحطاط الفاسد، إنما الكتاب ذكرها كإدانة لها وتشهير بها، وأظهر مدى فسادها ورائحتها النتنة، وذلك بهدف تحذير وإنذار البشرية على مرَّ السنين والأيام، فهذه الحادثة القذرة قد تسببت في فناء سبط بالكامل باستثناء ستمائة رجل فقط.


المصدر

الكتاب المقدس
تفسير الكتاب المقدس للقمص تادرس يعقوب
كتاب النقد الكتابي
مدارس النقد والتشكيك والرد عليها
أ. حلمي القمص يعقوب








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتفال الكاتدرائية المرقسية بعيد القيامة المجيد | السبت 4


.. قداس عيد القيامة المجيد بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية برئا




.. نبض أوروبا: تساؤلات في ألمانيا بعد مظاهرة للمطالبة بالشريعة


.. البابا تواضروس الثاني : المسيح طلب المغفرة لمن آذوه




.. عظة قداسة البابا تواضروس الثاني في قداس عيد القيامة المجيد ب