الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل هي حرب على - داعش - أم حرب لتقسيم المقسّم ؟

الأسعد بنرحومة

2017 / 3 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


ثلاث سنوات مرّت منذ أعلنت أميركا الحرب على ّ داعش ّ , وكوّنت التحالف الدولي الذي فاق الأربيعين دولة من أجل هذه الحرب . ولم تقتصر الحرب على "تنظيم الدولة الاسلامية" , بل تتركز الجهود على تسليح عددا من الجماعات المسلّحة مثل قوات "البشمركة"الكردية أو قوّات سوريا الدّيمقراطية بحجة أنها القوات الوحيدة المنظمة على الأرض التي يمكنها الحاق الهزيمة بالتنظيم, الى جانب تسليح عدد من قوّات المعارضة السورية .وهذا الجهد الحربي شارك فيه جميع الأطراف المشكلة للتحالف لا فرق بين الفرنسيين والأنجليزوالأمريكان والرّوس وحتى الألمان وهو ما يكشف مرة أخرى سير دول أوروبا في خدمة أهداف الولايات المتحدة الأمريكية من أجل المحافظة على بعض أهدافها . فعهد ذلك الصراع بين أوروبا بقيادة فرنسا وأنجلترا من جهة وبين أميركا قد ولى ومضى وحل محله عهد سيطرة القطب الواحد . فما أعلنه "كارل كيفن"رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الأميركي من خلال اشادته ووتأييده لاستمرار تسليح قوات البشمركة هو نفس ما جاء على لسان "ديفيد كاميرون"رئيس الوزراء البريطاني أو ما جاء على لسان "أنجيلا ميركل"المستشارة الألمانية التي دافعت أمام البرلمان عن قرار الحكومة بتسليح الأكراد . بل ان قرار الاتحاد الأوروبي الذي سمح بتسليح هذه القوات ينسجم تمام الانسجام مع خطة الرئيس الأميركي السابق "أوباما"التي وافق عليها مجلس النواب الأميركي والتي تقضي بتسليح وتدريب مسلحين معارضين سوريين لمقاتلة تنظيم"داعش".
وبالنظر الى حجم المساعدات العسكرية المقدمة لحكومة كردستان فيمكن القول بأن هذا الاقليم أصبح يمتلك من القوة ما يجعله قادرا على فرض استقلاله عن حكومة بغداد واعلان قيام "اقليم كردستان"وضم مدينة"كركوك"اليه تطبيقا للمادة140من الدستور العراقي الذي يقسم العراق الى فدراليات عرقية وطائفية.
انّ تركيز المجهود الحربي على " داعش " واعتبارها الخطر الحقيقي الذي يهدّد المنطقة ليس الّا تضليلا مقصودا وعنوانا يُتّخذ من أجل ادخال المنطقة برمّتها في أتون حرب ضروس وفتنة خطيرة تؤدّي الى تقسيم المقسّم وتجزئة المجزّأ على أسس طائفية وعرقية واثنية وفق خطّة " لافروف كيري " الذي يذكّرنا بسايكس بيكو 1916. فالجماعات المتحاربة والمتقاتلة في سوريا أو في العراق ليست داعش وحدها , وهي أيضا ليست في مواجهة داعش فقط , بل هي أطراف متصارعة فيما بينها " الكلّ ضدّ الكلّ " , وأعداد هذه القوّات تفوق بكثير عدد قوّات داعش , ولا يصدّق عاقل أنّ " داعش " تقدر على الصمود ولو لأيّام وهي في نفس الوقت تحارب جيش النظام السّوري وهذه الجماعات , وهو ما يؤكّد ما كشفناه مرارا أنّ داعش ليس الا العنوان الذّي يتمّ تحته تقسيم المنطقة وفرض مفاهيم الحضارة الغربية وعقيدتها عن الحياة في سياق الحرب المدمّرة على الاسلام والمسلمين باسم الحرب على الارهاب : فالجماعات التي تحارب تحت لواء داعش أو القاعدة لا يتجاوز 31 فرقة أو لواء ,8 جماعات لداعش و23 للقاعدة , يقابل ذلك أكثر من 97 فرقة للأكراد , و80 فرقة لما يسمّى المعارضة المعتدلة , أمّا من حيث عدد القوّات في كلّ فرقة فانّه أيضا وحسب الأرقام الرسمية وشبه الرسمية فانّ داعش هي أضعهفا وأقلّها , فقوّات الأخيرة في أفضل الاحصائيات 50ألف مقاتل بل تنخفض في ارقام أخرى الى ما بين 15و30ألف مقاتل , يقابلها 60ألف مقاتل بين جيش جيش الاسلام وأحرار الشّام من المعارضة المعتدلة , و60ألف مقاتل تابعة لوحدات حماية الشعب الكردي , وعشرات المقاتلين لقوّات سوريا الديمقراطية و20ألف مقاتل بين حزب الله وفيلق القدس و70ألف مقاتل للجيش الحرّ , هذا الى جانب قوّات الجيش النظامي , فأن لا يُذكر هؤلاء في الصراع , ويُختزل في " داعش " فالأمر مقصود لأنّه وان كان الهدف الرئيسي هو تقسيم المنطقة ومنها العراق وسوريا واليمن وليبيا في المستقبل القريب , وربّما السعودية والجزائر والمغرب في المدى البعيد , فانّ الهدف الأكبر هو فرض عقيدة فصل الدّين عن الحياة ومفاهيم الحضارة الغربية ومحاربة الاسلام ..ومن أجل الوصول الى هذه الأهداف فانّه يتمّ اثارة النعرات العرقية والطائفية والاثنين وادخال جميع الأطراف في حرب لا غالب فيها ولا مغلوب بما يرسّخ رأيا لديهم بأنّ الحلّ في استقلال كلّ طرف عن الآخر , وخاصة مع مشاركة حزب الله وفيلق القدس أيضا الى جانب النظام في هذه الحرب ضدّ الأطراف الأخرى ... فكيف تصمد " داعش " أمام مئات الآلاف التي تقاتلها ان كان الغرض فعلا محاربة داعش ؟؟؟ ولماذا لا تُذكر بقية الأطراف ؟ ولماذا يختزل الارهابي فيمن يحارب الى جانب داعش , ولا يوصف الآخر بالارهابي مع أنّ القتل قتل , وسفك الدماء سفكا للدماء سواء سفكته داعش أو سفكته الجماعات الكردية أو حزب الله أو فيلق القدس ؟؟؟
الأكراد في سوريا كما في العراق هم يقاتلون من أجل اقليمهم الخاص , أي يخدمون مشروع التقسيم , أي مشروع الولايات المتحدة الأمريكية , فالأكراد لا يقاتلون داعش , بل منذ سيطرة هذه الأخيرة على الموصل بالعراق وهؤلاء يستفيدون كل يوم من هذا الوضع الجديد ,فهم ضموا مدينة كركوك اليهم ونشروا قواتهم على طول الحدود التي يسيطر عليها تنظيم الدولة,ثم وبوصول "داعش"الى مسافة قريبة من "أربيل"عاصمة اقليم كردستان وتهجير المسيحيين من الموصل والايزيديين من سنجاركان ذلك الذريعة للولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا لاتخاذ قرار تسليح البشمرقة ,والعنوان الظاهر هو اشراك هذه القوات في محاربة "داعش"ولكن الغاية الحقيقية هي بناء جيش مسلح يمكنه حماية المولود الجديد "دولة كردستان".ومع ما تحصل عليه تنظيم "داعش "من سلاح تركه الجيش العراقي عند فراره من الموصل فان الأجواء أصبحت مهيئة أكثر من ذي قبل لاعلان فدرالية خاصة بكل طرف اذ هذا التوازن في التسليح بين البشمرقة وتنظيم الدولة وباقي قوّات المعارضة يدفع بفكرة استحالة البقاء معا في حدود دولة واحدة وهو ما ألمح اليه مسعود البرزاني بعد سيطرة قواته على كركوك حيث قال"في ظل هذه التغييرات أصبحنا نواجه واقعا جديدا وعراقا جديدا"كما قال"حان الوقت للأكراد لكي يقرروا مصيرهم".
لذلك فما أعلنته الولايات المتحدة الأمريكية من قرار اعلان الحرب على "داعش"هو مجرد غطاء على الأهداف الحقيقية من وراء اقامة هذا التحالف الدولي وهو فرض التقسيم وتحويل العراق الى مجموعة دويلات متصارعة متنافرة .وبالتالي فان تنظيم الدولة "داعش"يقدم خدمة كبيرة يكشف دوره الحقيقي في مخططات أميركا المعدة للمنطقة .
وأميركا تقوم بنفس ما قام به حلف النيتو قبل سقوط القذافي في ليبيا ,فحلف النيتو في ليبيا عمل على اطالة أمد الحرب بين الثوار والقذافي من خلال توقيت تدخله لقصف أرتال النظام الليبي والذي لا يحدث الا عندما تتغلب قوات القذافي على الثوار ,ومتى كانت السيطرة للثوار فان الحلف يتراجع عن القصف في عملية مقصودة تحافظ على توازن القوى بين الثوار وكتائب القذافي .وفي العراق اليوم أميركا وحلفاؤها تتدخل لقصف مواقع داعش متى اقترب التنظيم من خطوط حمراء على الأرض على غرار اقترابه من "أربيل"أو "سد حديثة"أو"بغداد"وماعدى ذلك فهي تتركه يتصرف في مواقع نفوذه بل وتبقي له شريان الحياة من خلال السماح له ببيع النفط عبر لبنان وتركيا .ثم بالتوازي مع ذلك تتخذ شعار"الحرب على داعش "ذريعة لتسليح الأكراد ما يجعلهم قوة قادرة على حماية حدود اقليمهم أو دولتهم الموعودة .
ولو لم تكن الغاية من تسليح الأكراد هو مقدمة لاعلان انفصالهم فلماذا لا يكون القرار بتسليح الجيش العراقي عوض تسليح المليشيات الكردية , بالنسبة لأميركا فان الجيش العراقي قام بدوره على أحسن وجه من خلال انسحابه أمام داعش وتركه كل عتاده من رشاشات ومدافع ودبابات تسلح به تنظيم الدولة ليكون أيضا قادرا على حماية مناطق نفوذه المخصصة له ضمن الاقليم الخاص ب"أهل السنة"وهو الاقليم الغربي .
وهكذا أصبحت على أرض العراق ثلاث قوات مسلحة متوازنة فيما بينها وهي "البشمركة"و"داعش"و"جيش بغداد"الذي بني على أساس طائفي أو قوّات الحشد الشّعبي ,ويكون التحالف الدولي بقيادة أميركا هو حرب على المسلمين وابقاء للاحتلال من أجل مزيد من التقسيم والتجزئة وفرض نمط حياة الغرب الكافر على المسلمين وهو العنوان الرئيسي للربيع العربي أو مشروع الشرق الأوسط الكبير . واليوم , وبعد تمرير فكرة التقسيم كحلّ للمنطقة باسم الفدرالية , وزرع الشعور الطائفي والعرقي فانّ الدّور الداعشي قد قرب انتهاؤه ولهذا نراه يتراجع في عدد من المواقع , وهو تراجع ليس بسبب انتصارات الجيش العراقي في العراق , ولا بسبب نجاح المفارضة في سوريا , ولكن لأن دورها قرب على النهاية ...
وعلى المسلمين ليس في العراق وحدها بل في جميع البلاد الاسلامية أن يعوا على خطورة مشروع الكافر المستعمر فيهبوا جميعا لافشاله وابطاله وذلك برفض شعارات الغرب من وطنية وقومية وديمقراطية والعمل على الوحدة والعيش بالاسلام ,وبالاسلام وحده ..لأنه وحده الخلاص من الوضع الرديء الكارثي الذي وصلت اليه الأمة اليوم....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبات أميركية جديدة على إيران تستهدف قطاع الطائرات المسيرة


.. ماكرون يدعو لبناء قدرات دفاعية أوروبية في المجالين العسكري و




.. البيت الأبيض: نرعب في رؤية تحقيق بشأن المقابر الجماعية في قط


.. متظاهرون يقتحمون معهد التكنلوجيا في نيويورك تضامنا مع جامعة




.. إصابة 11 جنديا إسرائيليا في معارك قطاع غزة خلال الـ24 ساعة ا