الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثالثة الأثافي... ساسة -دمية الميدان-: فقر فكريّ وفساد ماليّ وأدوار غير وطنية...

عصام بن الشيخ
كاتب وباحث سياسي. ناشط حقوقي حر

(Issam Bencheikh)

2017 / 3 / 29
السياسة والعلاقات الدولية



كان أحسن ما أثار اعجابي في أثناء استماعي لمحاضرة ألقاها الدبلوماسي الجزائري الأخضر الإبراهيمي بمناسبة إحياء ذكرى السياسيّ المغربيّ الناصريّ الراحل المهدي بن بركة في الرباط سنة 2016، قوله عن الرجل: "كان المهدي بن بركة "دينامو" أفكار، ينتج كلّ يوم 50 فكرة سياسية جديدة"، لقد وضع الإبراهيمي إصبعه على المشكلة، سياسيو القرن 21 في العالمين المتقدّم والمتخلّف على حدّ سواء، ليسوا "ديناموات" أفكار، وهم يحاصرون أنفسهم حزبيّا وإداريّا، ويعانون من التهديد والابتزاز المستمرّ، حتى استفادت الانتهازية والمحاباة والتطرّفات من تراجع الساسة وصنّاع القرار. فما ينقصنا اليوم هم: (سياسيو الدينامو)..، لذلك تراكمت المشكلات، ونقصت الحلول.

"مستشارو الظلّ"... رسامو المكائد السياسية
At the heart of political intrigues
كثيرا ما يشدّنا الانتباه لكتابات أو تصريحات منظرّين أو صحفيين "مستشارو ظّلّ"، من نوع فرانسيس فوكوياما، زبيغينيو بريزنسكي، محمد حسنين هيكل، توماس فريدمان، ألكسندر يوغن، فلاديسلاف سوركوف... وغيرهم، حين يقولون عنهم أنّهم عقول تزوّد الساسة بالأفكار، مثل: نهاية التاريخ، الأوراسيا، صيحة إفريقيا، تطبيع عربيّ كامل مقابل حدود ما قبل 67... وغيرها. لكن مهلا، كيف اكتشفهم الساسة؟، ولماذا لا يتولى هؤلاء السلطة مباشرة؟، وما علاقة هؤلاء بـ...؟ ، لقد قال كونفشيوس: "على الفيلسوف أن يصبح حاكما"... إنّه يقصد بالطبع "الحكم المستنير"، لأنّ الديمقراطية وهي "حكم الأكثرية/ الأغلبية غير المستنيرة"، قد تنتج الأغبياء والمتطرفين والجهلاء، وأكثر ما تحتاج إليه، هو أفكار بسيطة لإكمال نقائص الديمقراطية التمثيلية، بالأفكار الوجيهة للإنقاذ الاجتماعي، كمقاربات: الجوارية والتشاركية والقرب والحكمانية والترشيد، ولا يمكن لأحد في القرن ،21 أن يزعم أنّ الديمقراطية ليست (آخر أحسن اختراع بشريّ).
تنمّ هذه المزايدة، عن واقع تعود فيه الكلمة الأخيرة لصاحب رأسمال ممارسالزبونية السياسية، لكن حتى هذا الشكل من الساسة الأكثر رواجا اليوم، لم يعد يمتلك الشجاعة، لأنّ مقصلة القضاء في الغرب، لا تترك كبيرا ولا صغيرا فيما يخصّ مواجهة الفساد، وليست المشكلات التي يواجهها مرشّح الرئاسة الفرنسية اليوم السيد فيون، بأكثر النماذج فسادا في عالم السياسة. إنّنا نقصد صنف السياسيين الأثرياء، الذي يدمجون كلّ الأفكار خدمة للمصلحة السياسية، الرأسمالية والاشتراكية والتسيير الذاتيّ، العولمة والحمائيّة، السوق الحرّة والتخطيط الموجّه، الانفتاح والمحافظيّة، الماسونية والصهيونية... وغير ذلك من التركيب بين المتناقضات. وليست هذه الممارسات شيئا غير اعتياديّ، لقد حدّثنا إدغار مواران عن سمات عصر التعقيد، ودعمه الراحل زيجمونت بومان بالحديث عن الحداثة السائلة، وغيرهما كثير وكثير..، بل إنّ آخرهم عندنا في البلاد العربية، سياسيّ عربيّ إسرائيليّ يعيش في الدوحة، يقول أنّه التقى بالرئيس السوريّ بشار الأسد كثيرا قبل وصوله إلى كرسيّ الرئاسة، الدكتور عزمي بشارة، الذي يقول أنّ الثورة السورية "بعثيّة"، لأنّ الدكتور الطبيب بشار الأسد أدار دفّة الحكم البعثيّ من أيديولجية الحزب العقائديّ، نحو اقتصاد السوق وحلم "وادي السيلكون"..، فقد كان الوزير فلاديسلاف سروركوف من أنصار وادي السيلكون في روسيا أيضا، لكنّ النتيجة هي الثورات الحالية التي تعرفها موسكو ضدّ الفساد..، لقد اعترف الشيخ راشد حاكم دبي أنّ المغدور القذافي طلب منه أن ينشئ مدينة تحاكي دبي في ليبيا، وادي سيليكون ليبيّ، لكنّ أبناء القذافي تخاصموا حول حصص الصفقات، وأضحت ليبيا اليوم واديا من الدماء، بدل السيلكون.

جنون ترامب ومحاكاة سياسة بوتين...
تقليد نظرية فلادسلاف سوروكوف حول "الديمقراطية الموجهة":
رثى الرئيس الأمريكي الأسبق باراك حسين أوباما، في مقالة له في نيويوركر، نشرت بعد فترة وجيزة على انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة الامريكية، حالة (تآكل التوافق في الآراء)، التي جعلت وصول الأمة الأمريكية إلى الإجماع، حلما مستحيلا، لقد ناقض أوباما نفسه حين حاول التأكيد أنّ الحرية الأمريكية تقع وسط حاضنة مجتمعيّة حقيقية، تجعلها مختلفة عن جميع التجارب الديمقراطية في العالم، في حين أنّ الحضارة (الخرافة) الأمريكية التي تأسست على جماجم الهنود الحمر، عادت سنوات إلى الوراء بالحديث عن الغالبية البيض وبقية الأقليات الملونة (السوداء والصفراء والخضراء...). في حين نجح سلفه ترامب في مصارحة الأمريكيين، والاعتراف بأنّ الديمقرطية الأمريكية "عاديّة"، بل إنّه يطمح في تطويعها لمصلحة قاعدته الجماهيرية اليمينيّة الرقميّة، محاكاة لنظرية الروسيّ فلاديسلاف سوروكوف التي تقول أنّه (لا توجد حرية حقيقية في العالم، لأنّ كلّ الديمقراطيات تحت الإدارة، والحلّ يكمن في التأثير على المواطنين ومنحهم المزيد من الوهم بأنّهم أحرار، باستخدام حقائق غير مستقرة سريعة الزوال، فحتى تستعيد السياسة موطئ قدم لها يجب أن تتسم بالمزيد من التعقيد بعيدا عن المفاهيم الكسولة كدعم الانفتاح مثلا، وأن يكون ناتجها خلق الارتباك والقلق باستخدام خطاب ديماغوجيّ مقنع)... تختصر مثل هذه الأفكار المجنونة طريقة تفكير رجل سياسة فاسد، ألهم بوتين ثم ترامب، فالأخير ينعت في الولايات المتحدة بـ: "الحلم المزعج بلا نهاية"، لقد خلق ترامب الكثير من الأكاذيب الصغيرة عبر تويتر، وأعاد جمعها في كذبة كبرى لخلق كون موازي، مستخدما نفس تقنيات بناء الروايات الخيالية، فحين يكذب السياسيون، فذلك في الغالب لإخفاء المعلومات، أما نظرية سوروكوف فتقوم بكلّ بساطة على إدارة الديمقراطية، بطريقة "سيادية، موجّهة"، فقد كنّا نحارب التدخليّة في الاقتصاد الاشتراكيّ، لكن لا أحد رفض الاعتماد عليها مجددا في المجال السياسيّ، حتى نمارس "تقليدا للديمقراطيّة"، تقوم فيه "السلطة الرأسية" بترتيب توافق غير مرئيّ مع المعارضة، خارج النظام، يؤدّي إلى إضفاء الشرعية، على "الجنون السياسيّ"..

أوروبا الأكثر شفافية ومصارحة للذات:
نرفض الانسياق وراء دعوات التطرّف والشوفينيّة والأدلجة..
وقّعت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي الطلب الرسميّ الموجّه لمجلس الاتحاد الأوروبيّ، والقاضي برغبة لندن تفعيل المادة 50 لبدء مفاوضات خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، يقول خبراء السياسة والعلاقات الدولية أنّ أوروبا خسرت الدور البريطانيّ وحق النقض في مجلس الأمن، لكنّها لا تزال تحتفظ بالصوت الفرنسيّ ولن تسمح بالمزيد من التراجع للتجربة الوحدوية الأوروربية. صحيح أنّ أوروبا لا تزال رقما صعبا في ترتيبات السياسة العالمية، غير أنّ توجّها متسارعا لتصاعد الخطابات اليمينية المتطرّفة، الشوفينية والأدلجة، لا يمكن إنكاره في الغرب عموما، فآخر من صرّح منتقدا في هذا الاتجاه، الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي نعت السياسات الهولندية "بالنازية"، يحاول أن يصف واقعا تحوّل فيه الساسة في غالبية الدول الديمقراطية، إلى قادة شعبويّيين، مستغلين التقاطع المتراكب بين متغيّرين خطيرين، للظفر بالسلطة: (تطلعّات الجماهير غير العقلانية، وتقارير أجهزة الاستخبارات والأمن)..، لقد استفاق مؤسّسو فيسبوك وتويتر ويوتوب للظاهرة مسبقا، واستثمروا عشرات المليارات من الدولارات، لتسريع "انمحاء الاجتماعي" و "تعزيز الثقافيّ"، غياب الواقع و دعم الافتراضي، خفض مستويات الطمأنينة، وتعديد مصادر الفزع والترويع والتهديد. فتركيا على سبيل المثال، ضربت لنا نموذجا غريبا في تعزيز الشوفينية والتعصب والتطرّف للخيار الديمقراطي لحزب العدالة والتنمية، وتكتيكاته الانتخابية، والحسابات الجماهيرية لوعائي المتنافسين غولن وأردوغان، والمفارقة أنّ كليهما يتمتع بالحاضنة الغربية لما يزعم في أفكاره المستنيرة، والتي لا يقلّ عنها سخافة زعم غولن أنّه لم يخطّط للانقلاب ضدّ أردوغان من الأراضي الأمريكية، وأنّه مشغول بمنهجه السلفيّ "التربية والتوعية" الذي اختار له عنوان "خدمة". فتطبيق بسيط لا يعتمد على الأنترنت استخدمه أردوغان وغول ليلة الانقلاب، أكّدا لخبراء الأنترنت، أنّ أفكارا تقليدية لاتزال قادرة على مقاومة الخطط الجهنميّة، لقد أقلق العقيد القذافي الغرب برمّته، لأنه كان ملكا لموك إفريقيا، وزعيما قبليّا جديرا بالخشية، متبعا نظرية "مؤرّخ الإفلاسات" العلامة إبن خلدون، أول سوسيولوجيّ يلفت أنظارنا إلى ظاهرة العصبية ودورها في بناء السلطان (الدولة) والميثاق (هندسة دساتير الدول)..
وقبل الرحيل عن هذا العنصر، شخّص مالك بن نبي من الجزائر وعبد الوهاب المسيري من مصر، علاجا لظاهرة "قابلية الاستعمار" و"إشكالية التحيّز" للفصل بين الحضارات والخرافات، إذ ليست أوروبا مجموعة من "جمهوريات الموز" كما هي الدول العربية، لكنّها كما يقول الراحل تزيفتيني تودروف، القارة التي فتحت أمريكا، تعرّفت على الآخر البعيد، بنبذ الآخر القريب (المسلمين واليهود) عند طردهم من غرناطة سنة 1492م. أوروبا تعي تماما الهجوم الذي تتعرّض له من قبل حليفتها واشنطن، فالولايات المتحدة (دولة اتحادية)، بينما لا تزال أوروبا إلى تاريخ اليوم، 28 قرارا، لقد تضمن كتاب روبرت كاغان 2003 (الأمريكيون من المرخ، والأوربيون من الزهرة) إشارة إلى سخرية واشنطن من الانقسام السياسيّ الأوروبيّ، وهي تقاوم هذه الحقيقة بكلّ شجاعة، عكس العرب بالطبع.

الشيخ روحاني: التحول من العقلانية إلى التطرّف
الطبع يغلب التطبّع...
حلّ البارحة، الشيخ حسن روحاني في موسكو على رأس وفد إيرانيّ هامّ، ضيفا على الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين ورئيس وزرائه ديمتري ميدفيديف، وجب الحديث عن النموذجين السخيفين للديمقراطية في البلدين قبل الحديث عن تحركات طهران، ردّا على لقاء وليّ وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز لواشنطن، واستقباله من طرف الرئيس الأمريكيّ المنتخب دونالد ترامب، واتفاق الرياض و واشنطن على اعتبار طهران "دولة راعية للإرهاب" في منطقة الشرق الأوسط.
في روسيا، خرج العشرات من المواطنين في مظاهرات عارمة ضدّ حكومة ديمتري ميدفيديف "الفاسدة"، غير مكترثين بالاحتفاء الإعلاميّ المبالغ بعبقرية الرئيس بوتين، أكثر ما يلفت النظر في شعارات المتظاهرين، غلاء المعيشة وعدم وجود حلّ لمشكلة السكن، فالرئيس بوتين يعيش في قصر الرئاسة وحيدا بعد طلاقه، وميدفيديف غير مكترث بمسألة الأسعار أو محاصرة الفساد، وحلم سوركوف بوادي سليكون روسيّ تحوّل إلى حلم سخيف.
أما في إيران، لا يمكن إنكار القدرة الاحترافية الرهيبة للساسة الإيرانيين على "الكذب"، يجدر بنا قراءة كتابات جاك دريدا وميشال فوكو، للبحث عن السرّ في الخطاب الإيرانيّ، إذا كان ترامب قد مارس أكاذيب صغيرة، فإنّ إيران تمارس أكاذيب عملاقة، بزعمها أنّها غير مسؤولة عن عشرات الإيرانيين الذين قتلوا في ميادين صنعاء وحلب وجنوب لبنان والبحرين...، بل إنّ الديمقراطية الإيرانية التي يشيد بها إعلام المقاومة بقيادة الإعلامي التونسيّ غسّان بن جدّو، لم تعد قادرة على إخفاء الاعدامات التي طالت المعارضين والأحوازيين والسنّة والعرب، ولم تعد قادرة على إخفاء استضافة الأراضي الإيرانية للإرهابيين الفارّين من أفغانستان، فقد أضحى بقايا القاعدة الجبهة المضادة لتنظيم مجاهدي خلق، الذي تنشغل عن دعمه دول المنطقة. وفي المقابل، لا حديث عن أية حريات ديمقراطية في دول الخليج، لقد أدهشنا خبر إعدام أمير سعوديّ شاب بعد إقرار الملك سلمان حكم القصاص في حقّه، الملك سلمان يطبّق الشريعة في حقّ شعبه، ويعطّلها خارج المملكة كما عوّدنا، ولم تعد التهديدات الغربية بالربيع الخليجيّ تخيف الرياض، فقد سحبت بريطانيا 05 بالمائة من مساهمتها في الاقتصاد المشترك للاتحاد الأوروبيّ، ولا مانع للرياض لكي تمارس "الستربتيز" بما تمتلكه من حصص في الاقتصاد الأمريكيّ (07 بالمائة) لإغراء ترامب. فالسعودية ليست "مجرّد بقرة ستذبح متى جفّ ضرعها" كما قال ترامب.
يروج عندنا في الفضاء الأكاديميّ، استخدام "نظرية السلعتين" في السياسة الخارجية، لكلّ من كليف مورغان و جلين بالمر، فمن الطبيعيّ أن تمارس الأنظمة السياسية الفقيرة في طهران والرياض البيع والشراء لتحويل السياسة الخارجية إلى وكالة تجارية، ما دام البترودولار المضخة الرئيسية للإمداد، لكنّ الصراع الكلاميّ للمذهبين السنيّ و الشيعيّ سيكون "المادة الرمادية" التي تغذّي هذه التجارة البينيّة، التيلا تقدّم خدماتها للمستهلك العربيّ أو الإيرانيّ بنفس مستويات الخدمة الأوروبيّة بالطبع، فحين تتحول الدكتاتورية باسم الدين إلى غطاء للفساد الدوليّ الكبير، سيخرس العشرات من المؤمنين خشية غضب الربّ...
وخلاصة القول،
أين هم "سياسيو الدينامو"؟..، لا بدّ من رحلة للبحث عن صنّاع الحلول "نجوم العبقرية السياسية"، فما هو موجود في عالم اليوم، متطرّفون متعصّبون، شوفينيون مؤدلجون، نازيون جدد...
سأترك لك أيها القارئ البحث عن اللقب الذي يناسب كلّ حالة على حدى..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استعدادات إسرائيلية ومؤشرات على تصعيد محتمل مع حزب الله | #غ


.. سائق بن غفير يتجاوز إشارة حمراء ما تسبب بحادث أدى إلى إصابة




.. قراءة عسكرية.. المنطقة الوسطى من قطاع غزة تتعرض لأحزمة نارية


.. السيارات الكهربائية تفجر حربا جديدة بين الصين والغرب




.. طلاب أميركيون للعربية: نحن هنا لدعم فلسطين وغزة