الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المهدوية بين الأنتظار والخلق الذاتي لها

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2017 / 3 / 30
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


المخلص المنتظر واحدة من الأفكار الإنسانية التي ما أنفك الكثيرون في رجاء أنتظارها كحل لإشكاليات الوجود ويعدون الأمر هو نتيجة منطقية لأنتشار ظاهرة عدم التوازن بين واقع الإنسان الراهن وبين ضروريان العدل وإعادة تموضعه في منظومة ترتكز على المساواة والعدل المنشود، هذه الظاهرة في التفكير البشري وخاصة فيما يتعلق منها بوعي الإنسان الذي تصنعه فكرة الدين، وتتناغم مع حلمه بعالم يسوده الأمان والأستقرار وتخفيف حدة التفاوت بين أفراده، جذرت في العقول فكرة الأنتظار لهذه اللحظة التأريخية والصبر على تحمل نتائج خطأ الأخر وخطيئته في محاولة منه لأستيعاب وأحتواء العجز الذاتي عن مقاومة كل أشكال الأنحراف والتزييف والقهر.
وهذا ما جعل من الفكرة كشكل عام واحدة من عناصر التخريب والتسويف وفقدان الإنسان القدرة على التحدي وخلق حالة نهوض مستمر له في عالم لا يؤمن أصلا بالمجهول المنتظر بقدر ما يؤمن بالحقائق الواقعية والمنطق العملي للبقاء، فكرة المهدوية بحقيقتها الجوهرية ليست أنتظارا للمجهول القادم أذن على أفتراض صحة الإيمان بها، بل خلق حالة وعي يومي وتفصيلي وممارسة لا تنقطع من أننا يجب أن نكون عنصرا خالقا لها وموجدا لمعطياتها ومقدمتها العملية، وأول الطريق أن يجعل كل منا من نفسه مهدي لنفسه ومخلص لها من أثام الظلم الذاتي أبتدأ، فسر المهدوية هو سر خلاص الإنسان من حالة الظلم لنفسه ومنها للغير، حتى يستطيع أن ينشر العدل والإحسان ويحيي قيمة الإنسان المصلح في واقعه قبل أن ينتظر من يصلح له حاله.
الفكر الديني في عمومه يركز على الأستسلام التام لهذه الفكرة وعلى لزوم البقاء في حالة ترقب لها، وهذا الفكر برغم أن فيه الكثير من التفصيلات والتحديدات التي تنافي فكرة المهدي المخلص، إلا أن ما يظهر منه على سبيل الشيوع في غالب الديانات هو أمتداد لحالة مأزومة أصلا ملخصها أن الإنسان عاجز أن يكون بمفرده منقذا وأن القوة الفوقية هي من تتحمل رفع حالة اللا توازن وحالة الطلم، هذه القضية أو الفكرة التي تحمل السماء المسئولية لا تخلو من ظلم هي الأخرى، ظلم الإنسان وظلم السماء وبالتالي تبرئة قوى الشر وأولها فعل الإنسان ذاته من المسئولية عما أسس وعما كسب وعما يجب أن لا يكون أصلا.
فالله أو السماء أو القوى الفوقية بعد أن منحت الإنسان كل ما يمكن أن يكون قادرا على المواجهة وزودته بتقنيات الوعي والإدراك، لن تتدخل في كل مرة بفسد فيها الإنسان وجوده ولا تشارك أصلا في تغيير ما أختاره بوعيه أو جهله، إلا في حدود ما لا يعلم بالقوة وأنه واجب أو عليه أن يعرف أن ما لا يعلمه يحتاج إلى تذكرة أو أشارة ليمارس عملية التعلم وصولا للعلم به حتى تبلغه الحجة، قضية الإنسان مع واقعه قضية شخصية ونتيجة حتمية للتجربة وخلاصتها، فكلنا يعرف أن الظلم إنحراف وأن الشر من صنع وجودنا ومع ذلك نمارس الظلم كما نمارس الأنحراف والأنجرار نحو الخطيئة دون أن نستفيد أصلا من تجربتنا معهما.
هذا ليس مبررا كافيا لأن نلزم السماء أن تبعث مخلص أو منقذ وعلينا أن ننتظره ليكون حلا لعجز ذاتي، فمن لا يستطيع تجاوز حالة الظلم وهو يعلم ويعرف ما يعني الظلم، لا يمكنه أن يؤمن بفكرة المهدي ولا يمكن أن يتعامل معها أصلا، لأن الظالم أو من يقبل الظلم أو يروج له أو لا يقاومه كوظيفة طبيعية أعجز من أن يدرك معنى العدل، وأعجز من أن ينتظر عادلا مجهولا يمنحه ما هو أصلا من واجباته الأساسية في الوجود، الحل دوما هو في قرار الإنسان والحل دوما في إرادة واعية تعرف أن تفرق بين الأحلام والواقع على أنهما نقيضان حتى يتحول الحلم إلى فعل على الأرض وفي خضم حركة الواقع.
قد يتهمنا البعض أننا نربك في بعض أساسيات الفكر الديني المتأصل في وعي الإنسان ونحاول الأعتداء على الإيمان بالدين، هذا الإرباك في الحقيقة ليس من جانبنا ولا نتبرأ منه ولكن ما نمارسه من نقد فكري إنما نمس به التابو التقليدي الذي يتمسك به الكثيرون دون فهم لحقيقته ولا تلمس لجوهر الفكرة بذاتها بعيدا عن كونها جزء من الإيمان بالدين أو هي نتاج أفكار بشرية عن نتائج قراءة ما، المهدوية ليست حلا ولا يمكن أن تكون حلا إلا إذا أمنا وأقول مخاطبا المؤمنين بكل دياناتهم أن مشاريع السماء كانت كلها فاشلة ولم تنتج حلا للإنسان، وإلا ما معنى أن تكون لنا أديان ورسل وكتب وعبادات نؤمن بها ولن تستطيع أن ترسي للحلم الإنساني بالعدل من واقع، فهل هذا أن القادم المجهول سوف يمتلك قدرات أعظم وأكبر مما سبقه من أنبياء أو رسل؟ ولماذا تأخرت السماء بالحل أصلا وهي ترى أن الإنسان عبث وأفسد وظلم ولا بد من مصلح فوقي له؟.
إن مراجعة ونقد الفكري الديني الموروث يضعنا دائما أمام حقائق مغيبة صنعها الإنسان كحلول وقتية أو لتصورات تتعلق بالفشل عن التفسير والتأويل لحقائق الدين وأفكاره، فليس كل ما نؤمن به تأريخيا هو محل تقديس وألتزام به بعلاته، ولا يمكن جعل أساس تفكرينا ثبوت المخيله الدينية التقليدية على أنها كل وكامل الحقيقة، فما كان من تسليمات أو ثوابت هي وبكل أوجه التعامل معها هو محض أفكار إنعكاسية عن مراحل زمنية للعقل الإنساني في سيرورته نحو الكشف والتقرير، وهي جزء من التجربة الوجودية للإنسان في إدراكه للوجود وما بعد الوجود المحسوس، والتي تخلق حقائق ظنية تتطور تبعا لما بنتج عن تعاملها مع الواقع أولا ومع قدرته على أن يطور هذا الواقع كوظيفة، والمهدوية كفكرة تخضع لنفس النظام والمنهج هذا، وأن تسخر في جانبها التجديدي الإصلاحي لصالح حركة الواقع ولا ينبغي لها أن تتوقف على أن الإنسان عاجز أن يبتدع ويجدد أفكاره، وصولا للخلاص الذاتي من إفرازات التعامل القسري للدين والمعرفة وإخضاعهما للذاتية التصورية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!


.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي




.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي


.. كاتدرائية واشنطن تكرم عمال الإغاثة السبعة القتلى من منظمة ال




.. محللون إسرائيليون: العصر الذهبي ليهود الولايات المتحدة الأمر