الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السيد ياسين : علم الاجتماع وجذورالشخصية القومية

طلعت رضوان

2017 / 4 / 2
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


السيد ياسين:علم الاجتماع وجذورالشخصية القومية
طلعت رضوان
بدأتْ علاقتى بالراحل الجليل السيد ياسين عام1982عندما كنتُ المسئول عن النشاط الثقافى بأتيليه القاهرة. وفكــّـرتُ فى سلسلة ندوات حول موضوع واحد (أبعاد الشخصية المصرية بين الماضى والحاضر) فدعوتُ سبعة من المفكرين مثل سيد عويس، عبدالحميد يونس، فؤاد مرسى..والسيد ياسين. وتعمقتْ العلاقة أكثرعندما عرضتُ عليه (مسودة محاضرته) لمراجعتها والتوقيع عليها، لنشرالمحاضرات فى كتاب (نشرعام1999- هيئة الكتاب المصرية) اختارالسيد ياسين لمحاضرته عنوان (الشخصية المصرية والدلالات الحضارية لحرب أكتوبر) وفى البداية قال: إنّ تعريف الشخصية القومية أنها تتسم بثبات نسبى، كما يمكن التمييزبينها وبين غيرها من الأمم، وأنّ الفضل فى ذلك يرجع إلى علماء الأنثروبولوجيا الذين أثبتوا الفروق بين شعب وشعب آخر((وأهمها اختلاف القيم والتباين فى النظرة الأخلاقية لضروب السلوك الاجتماعى المختلفة)) وأنّ أول خصائص الشخصية القومية أنْ تكون ((بالغة العراقة، وتضرب بجذورها فى التاريخ، مثل الشخصية القومية المصرية. والخاصية الثانية أنّ الشخصية القومية تتميزبالاتصال لا الانقطاع، بمعنى أنْ تكون ثقافتها القومية متواصلة وتنتقل من جيل إلى جيل وهوماحدث مع الشخصية المصرية، فى مجالات الإبداع الأدبى والعلمى والسلوك اليومى، مثلما أبدع المصريون القدماء، وأبدع أحفادهم فى العصرالحديث.
وقبل أنْ يتناول حرب أكتوبرمهـّـد بالحديث عن أسباب هزيمة يونيو1967، خاصة أنّ إسرائيل (عدوتنا) احترمتْ العلم عكس مصر، وحتى بعد الهزيمة لجأ النظام إلى ((تفسيرميتافيزيقى ساذج، والاندفاع فى تيارمن التدين الظاهر)) بدلامن البحث عن الأسباب الحقيقية للهزيمة، وأنّ انتصارأكتوبرسببه 1- أهمية التخطيط العلمى 2- أثرالجدية فى السلوك (التدريب الشاق- نموذجـًـا) 3- قدرة المصرى الخارقة على التكيف مع أعقد المبتكرات التكنولوجية 4- الجسارة فى مواجهة المجهول وتحمل المخاطر5- جماعية التخطيط وروح الفريق. واختتم محاضرته بالحديث عن سلبيات وإيجابيات الشخصية المصرية، وتمنى البحث فى كيفية القضاء على السلبيات، وتعزيزالإيجابيات وتعميقها.
000
والراجل الجليل كان غزيرالإنتاج فصدرله الكثيرمن الكتب مثل (الحوارالحضارى فى عصرالعولمة- مكتبة الأسرة- عام2005) ركــّـزفيه على سُـبل (تحديث مصر) فذكرأنّ الحداثة مشروع حضارى غربى، هومشروع الرأسمالية الأوروبية فى لحظة صعودها وانبعاثها من عالم القرون الوسطى، واعتمدتْ على مجموعة من الأسس منها 1- الفردية بهدف التخلص من النمط الاقطاعى و(منظومة القطيع) 2- العقلانية 3- الاعتماد على العلوم الطبيعية والتكنولوجية 4- المنهج الوضعى فى دراسات العلوم الإنسانية، خاصة علم الاجتماع 5- تبنى خطة للتقدم الإنسانى، بمراعاة أنّ تاريخ البشرأثبت التقدم من مرحلة إلى مرحلة (أرقى)
وأشارإلى أنّ اهتمامه بالعولمة بدأ عام1990عندما أدرك أنّ سقوط النماذج القديمة يستدعى منه البحث عن إطارنظرى متماسك، يسمح له بوصف وتفسيرالعالم المعقد الذى نعيش فيه، ومن هنا كان كتابه (العولمة والطريق الثالث) وفرّق فيه بين (سياسات العولمة) و(أيديولوجية العولمة) المصطلح الأول يعنى بتحليل السياسة، بينما الثانى يهتم بتحليل (قيم العولمة) التى أدّتْ إلى (ظاهرة الرأسمالية المتوحشة) التى لاترحم الضعفاء تحت سياط (المنافسة) التى لاتراعى قدرات كل طرف، بمعنى عدم توفر(شروط الندية) فهل- مثلا- تستطيع مصرمنافسة اليابان أوألمانيا..إلخ؟ وذكرأنّ (العولمة) ليست جديدة، فكل عصركانت له (خصائص العولمة)
وساق مثالابما كتبه المفكرالأمريكى (اتجلهارت) فى الستينيات فى كتابه (الثورة الصامتة) فأثبت الانتقال من القيم المادية إلى قيم مابعد المادية. واكتشف (بالبحث الميدانى) أنّ شعوب أوروبا تطرح أسئلة عن (معنى الحياة) وأسئلة أخرى عن (نوعية الحياة) وأنه أجرى أبحاثه الميدانية فى أوروبا والصين واليابان وآسيا، فأصدركتابـًا بعنوان (التحول الثقافى فى المجتمعات المتقدمة) وتلاه بكتابه (التحديث ومابعد التحديث)
وذكرأ. ياسين أنّ (اتجلهارت) بحث43مجتمعـًـا، من أفقرالمجتمعات إلى أغناها. واعتمد على (عينات قومية) وأنه درس70%من مجموع الإنسانية المعاصرة. ومعنى ذلك أنّ فى الكتاب تمثيل كامل للمجتمعات الغنية والفقيرة. وركــّـزعلى ظاهرة (عصرما بعد الثورة الصناعية) والانتقال إلى (عصرالثورة المعرفية) والانتقال (من الحداثة) إلى (مابعد الحداثة)
لم يكف علماء الاجتماع والسياسة عن البحث المستمرعن مخرج لمواجهة (الرأسمالية المتوحشة) فظهرتْ (نظرية الطريق الثالث) التى حاولتْ الجمع بين (حركية الرأسمالية) و(تحقيق العدالة الاجتماعية) وكان من رأى أ. ياسين أنّ الطريق الثالث يمكن اعتباره التطبيق العملى لفكرة مابعد الحداثة. وأنّ الوصف السوسيولوجى للمجتمع العالمى الراهن هوالانتقال من المجتمع الصناعى إلى (مجتمع المعلومات العالمى) الذى هونموذج متكامل فيه أبعاد سياسية/ اقتصادية/ ثقافية. وعلى ضوء ذلك أشارإلى (كيفية تحديث مصر) فى مرحلة ما بعد الحداثة، فذكرأنّ مصرتعانى من خمس مشكلات أساسية (اجتماعية وسياسية واقتصادية) ومن بين هذه المشكلات 1- أنّ مصرتفتقرإلى رؤية استراتيجية، للتعامل (مع العولمة) باتجاهاتها المختلفة. ولاتوجد لدينا رؤية متماسكة مُحدّدة فى هذا المجال، وضرب مثلا بالخلاف بين مجلس وزراء مصر، ووزارة الخارجية، ووزارة الصناعة فى (موضوع الشراكة الأوروبية) وزارة الصناعة تقول إنها ستدمرالصناعة المصرية، وستغلق العديد من المصانع وتسريح أعداد كبيرة من العمال. والخارجية مع التوقيع. ومجلس الوزراء حائربين الوزارتيْن، فوقــّـع رئيس الجمهورية بالحروف الأولى. وهذا يكشف عن عدم تبلوررؤية استراتيجية مصرية.
2- أنّ مصرتفتقرإلى سياسة تكنولوجية مُحدّدة، بينما إسرائيل دخلتْ مجال تكنولوجيا الفضاء بعد أنْ تجاوزتْ مرحلة تكنولوجيا المعلومات. رغم أنّ مصرتمتلك (طاقات بشرية) من العلماء الذين لايجدون التشجيع (فلامعامل ولا أجهزة حديثة لاجراء التجارب ولاميزانية للبحث العلمى) فتكون النتيجة هجرة العقول المصرية 3- ليس لدى مصرسياسة (معرفية) أى الانتقال من مجتمع المعلومات إلى (مجتمع المعرفة) حيث ستصبح هى الأساس الأول لتوليد (الثروة) وهى التحدى الحقيقى لمواجهة العولمة والرأسمالية المتوحشة. وقال إنه من المحزن عدم وجود سياسة معرفية فى مصر. وبالعكس عندنا مؤشرات على تخلف المؤسسة البحثية والتعليمية. ثم أسهب فى شرح الوضع البائس للجامعات المصرية.
3- مصرتعانى من مشكلة (تداول السلطة) ولايوجد أى توجه (سياسى) لحلها 4- تخلف الجماعة الثقافية المصرية عن متابعة التطورات العالمية والفكرالعالمى، وكشف تحليل الخطاب الفكرى المصرى عن (وجود سلفية فكرية) وإعادة إنتاج الخطاب القديم 4- تفتقرمصرلسياسة ثقافية شاملة، ترفع الوعى الثقافى والاجتماعى والكونى للمواطن. والسبب وجود انفصام بين ثقافة النخبة وثقافة الجماهير، خاصة مع شيوع الفكرالخرافى المُـعادى للتفكيرالعلمى، والذى ينشره التيارالسلفى (من ص221- 232)
وشرح الراحل الجليل جهود المفكر(توماس كون) حول جوهرتفسيرالعلم، وكيف تطورالبحث، وأنّ السبب هو(نموالمعرفة العلمية) وأشارإلى كبارفلاسفة العلم مثل (كارل بوبر) الخاص بالإبداع النقدى، فى مجال العلوم، وأنّ العلم ينمومن خلال النقد الدائم للنظريات العلمية السابقة، سعيـًـا وراء نظريات أكثراكتمالا، وأقدرعلى تفسيرالظواهر(الطبيعية) بطريقة أكثردقة. وأنّ مناهج العلم الحديث تقوم على ترك المناهج القديمة وتبنى غيرها باستمرارفى ديمومة متواصلة لاتنقطع (ص372)
000
والراحل الجليل كما اهتمّ ببحث (الشخصية المصرية) اهتمّ كذلك ببحث (الشخصية العربية) وتناول ذلك الموضوع فى الكثيرمن دراساته وكتبه مثل كتابه (الشخصية العربية: بين مفهوم الذات وصورة الآخر- هيئة الكتاب المصرية- عام2015) وفيه استعرض- فى البداية- المناقشات التى تدوربين الباحثين الأوروبيين ((عن الفروق بين الشخصية البلجيكية أوالهولندية أوالإيطالية..إلخ. وأنّ الإدارة الأمريكية جمعتْ عددًا من الأنثروبولوجيين وعلماء النفس لبحث سمات الشخصية القومية اليابانية)) (ص39، 41) وأنّ البحث فى خصائص الشخصية القومية بدأ- بصفة خاصة أثناء الحرب العالمية الثانية ((بهدف إخضاع بعض الشعوب)) وهذا مافعلته إسرائيل فى أبحاثها عن الشخصية العربية. وأنّ الأنثروبولوجى (داسون هويبل) فسّـرالاهتمام الأمريكى بهدف سيطرة الأجهزة الحكومية الأمريكية على أبحاث العلوم الاجتماعية (قال ذلك رغم أنه أمريكى الجنسية) وأنّ الأنثروبولوجية (روث بندكت) التى تخصّـصتْ فى بحث الشخصية اليابانية كانت ترأس قسم التحليل بمكتب المخابرات الأمريكية لأعالى البحار. واعترفتْ (مارجريت ميد) أنّ أبحاث الشخصية القومية لبعض الشعوب الغرض منها إمداد السلطات العسكرية والجهات الحكومية بالبيانات لفهم القيم السائدة لدى الشعوب، فأحدث هذا الاعتراف اضطرابـًـا شديدًا لدى الباحثين الذين اكتشفوا أنّ الأبحاث يتم توظيفها لأغراض غيرعلمية (ص55) وانتقد أ. ياسين الباحث الأمريكى (هويبل) لأنه تكلم بغيريقين عن الشخصية القومية المصرية بغيرمقارنة مع غيرها من الشخصيات القومية (ص61)
أما الباحث لويس كامل فقد قسّم الشخصية العربية إلى بدوية وريفية وحضرية. وبعد أنْ تعرّض بالتفصيل لكل منها كتب أ. ياسين أنّ الباحث ربط ربطـًـا وثيقا بين التكوين الاقتصادى/ الاجتماعى وبين الشخصية العربية. أما عند الباحث (عبدالجليل الطاهر) فقد تناول الشخصية العراقية وربط سماتها وتطواتها بالمراحل المختلفة منذ الحضارة السومرية والبابلية والآشورية.
000
كان الراحل الجليل السيد ياسن لايكف عن العمل الدؤوب، ولذلك كلــّـف عددًا من الباحثين لتناول موضوع (الدولة التنموية: رؤى نقدية للمشكلات وسياسات بديلة) وبالفعل استجاب12 باحث، فصدرتْ الأبحاث فى مجلد (عن المركزالعربى للبحوث والدراسات- عام2016) وفى البحث الذى كتبه السيد ياسين ذكرفيه أنّ ((العقل التقليدى هوالمقدمة الطبيعية لنشأة العقل الإرهابى، خصوصًـا فى صورة تفجيرالإرهابى لنفسه، مما يكشف عن خطورة تغلغل الأفكارالتكفيرية فى عقول الأصوليين))
وعن تجربته فى العمل الميدانى ذكرأنّ علماء الاجتماع استقروا على قصورالتنمية (من فوق) وبالتالى اقترحوا أنْ تكون (من أسفل) أى (التنمية الجماهيرية) وأنه شارك فى تطبيق هذا المفهوم فى أطاربحث مع جهازتنظيم الأسرة فى عهد د. عزيزالبندارى، لتنمية مجموعة من القرى، أبرزها (برج نورالحمص) وتشكل فريق بحث شارك فيه د. نادرفرجانى ود. عبدالباسط عبدالمعطى والفنان عزالدين نجيب، الذى كلفناه بتأليف كتاب عن محوالأمية فى ضوء نظرية عالم الاجتماع (باولوفريرى) وأنجزعزالدين نجيب الكتاب، وجاءتْ مفرداته من واقع بيئة الفلاحين (زرع، حصد ، قمح، شعير..إلخ) وتحمّـس الفلاحون وواظبوا على حضورفصول محوالأمية، إلا أنّ المباحث أدركتْ أنّ ((هذه محاولة يسارية لرفع وعى الفلاحين)) فجمعتْ نسخ الكتاب وأعدمتها. وصدرقرارسيادى بإيقاف البحث (من ص223- 225)
***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س


.. كل يوم - د. أحمد كريمة: انتحال صفة الإفتاء من قبل السلفيين و




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: صيغة تريتب أركان الإسلام منتج بش


.. عشرات المستوطنين الإسرائيليين يقتحمون المسجد الأقصى




.. فلسطينية: العالم نائم واليهود يرتكبون المجازر في غزة