الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وكلاء الله أم متوكلين عنه؟

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2017 / 4 / 4
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


وكلاء الله أم متوكلين عنه؟


في خطاب ديني فيما يبدو له خصوصية توجيهية عامة لافتة للنظر ورد في خمس مواضع في القرآن الكريم يثبت الله بها مفهوم يبدو للبعض أنه أحادي التوجه، بمعنى أن مدياته محصورة في توجيه لفت نظر إلى مسألة علاقة النبي بأتباعه، هذه النصوص ضمن آيات تنتهي بلازمة محل القصد وهي (وما أنت عليهم بوكيل) أو (ما أنا عليكم بوكيل)، فهل يا ترى أن الإشارة بالوكالة يراد منها نفي وإثبات موضوع واحد وبأتجاه واحد ليقرر في النهاية أن الرسول ليس بمحمل أو بموضع المسئولية عن مصير من أتبعه؟، من المؤكد أن التعمق في القراءة بقودنا للتفكير في حقيقة النص ومدى قدرته أن يحمل لنا أكثر من صورة ومن توجه.
لو أعدنا النظر أكثر من مرة في النص تنكشف لنا حقيقة مفادها أن الخطاب ليس موجها بالضرورة للنبي فقط ولا محصور بنفي أدعاء ما لا يدعيه البعض بأحادية الموضوع، من سياق عام لورود النص في منظومة موضوعية نجد أن الخطاب يحتمل الحالات التالية:
• الظاهر والمعروف تقليديا هو أن نفي الوكالة ينصرف إلى أن الرسول ليس وكيلا عنهم أي عن أتباعه فيما يخص العمل بما يجب أو ما يلزم، فالمعروف أيضا ومن خلال سياق المهمة المكلف بها النبي أنه نذير من الرب دون أي زيادة في ترتيب المسئولية عن لاحق الإنذار{وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ }الرعد7، هذا التوصيف الوظيفي ورد كثيرا في النصوص بل هي القاعدة الأساسية التي تتفرع منها كل واجبات الرسول، فالمهة أذن أن تنذر من حولك ولا واجب خلاف ذلك إلا من أراد المزيد، نفي الوكالة يتسق هنا مع ثبوت مهمة الإنذار وصولا للإعذار وإلقاء الحجة فقط.
• القراءة الثانية وما أنت عليهم بوكيل وما أنا عليكم بوكيل تدور في نفي تمثيل النبي لنفسه وكيلا عن الله بينهم، فهو في أخر بشر وحدود علاقته بالله في حدود الوظيفة، فمن أمن فهو يؤمن بالله ومن كفر بما جاء فالكفر لا يحمل النبي وزر ما نتج من الإنسان المنذر، وهنا يقطع النص فكرة أن الأنبياء وكلاء عن ربهم في الأرض{قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً }الكهف110، لتبقى العلاقة بين الله والمؤمن علاقة مباشرة من خلال النص المبلغ لبقاء النص وفناء الناقل، وهذا ما يعني أن الرسل والأنبياء هم ليس أكثر من واسطة إيجابية بين الله والناس.
• الوجهة الثالثة وهي التي تعني طرح فكرة معاكسة للقراءة السابقة وتدور في نفس العلة، وهي نفي الوكالة عن الناس أمام الله، أي أن النبي ليس وكيلا عن الناس وممثلا لهم ينقل رسائلهم له مباشرة، فهو بذلك يضع الرسالة الدينية في موضع النهاية في حال رحيله حين لا يكون له وجود حتى يكمل المهة، فوجود النبي هنا حالة حيادية مجملها أن الرسل والأنبياء لا يتكلمون باسم الناس مؤمنهم وكافرهم كوكيل مفوض منهم{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ }يونس108، فهو اي الرسول النبي ينقل لهم خيارات ويعرض عليهم فكرة بحدودها دون أن يجعل من نفسه ناطق عنهم أو رسول لهم عند الله.
هذه القراءات تشير إلى حقيقة دارجة اليوم وتعتبر من أساسيات تفكير غالب بل الأعم الأغلب من طروحات المتدينين حول كونهم وكلاء الله في الأرض، وهذه الوكالة هي أمتداد لمهة النبي في أن يفرض إرادة الله على البشر بمختلف الوسائل، منها مثلا الحديث عن قول لا أشك في لحظة واحدة أنه مع أفتراض صحته قد تم فهمه على أصل حقيقة مقصده المعرفي الكامل، وهو حديث (علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل) على أفتراض أن أنبياء بني إسرائيل كانت وظيفتهم تجسيد إرادة الله في الأرض، فمن لا يملك الوكالة أصلا لا يمكنه نقلها لغيره لا أفتراضا بالنص ولا معنويا بالدلالة، فهو يدعو لسبيل على فرض الخيار الغير ملزم إلا لمن حمل نفسه مسئولية خيار الإيمان {قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }يوسف108.
فالعلماء والدعاة والمبشرين بالدين اليوم غالبهم يدع الوكالة ويدع أنه مكلف شرعا بنشر الدين مستعينا بآيات ما يسمى بآيات السيف والقوة والتي في تفحصها القصدي نجدها أما أنها وردت في ظرف محصور بعلة نزولها، أو لمعالجة حالة وقتية لا تتعلق بالدعوة بقدر ما تتعلق بتدبير طبيعي كالدفاع عن النفس أو لمواجهة حالة لا خيار فيها لبقاء الدين أما الموت وأما سل السيف دفاعا عن خطر، الخاص والمحدد بحد لا يمكن أن يعمم على أساس منهج تكليفي عام، فمنها مثلا على التخصيص والتحصيص النص التالي{وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ }البقرة190، فالقتال محصور بمن يقاتلهم ولا يتعدى هذا الموضع أبدا، وأيضا يجري التحصيص والتخصيص هنا في هذا النص ولا يتعداه أبدا{الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً }النساء76.
المشكلة الكبرى في الفكر الإسلامي هي محاولة تأسيس مفهوم عام على نص جزئي وأضطراري، وجعل ما هو عام محصورا في دائرة زمنية ينظر لها الفقهاء والعقائديين على أنها مرتبطة بزمن فسخ حكما تطور في السيرورة العامة، والحقيقة أن أدعاء البعض أن قضية الناسخ والمنسوخ وأن بعض أحكام ما يعرف بالفترة المكية تحولت إلى مجرد إشارة تأريخية لا تعمل، إنما يشرعنون لحالة تحريف وتزييف لمفاهيم أصلية الغرض منها أستبدال الجزئي بالكلية ومن ثم البناء على النتيجة هنا لتكوين رؤية تنسب للدين على أنها من الكليات الثابتة أو من ثوابت العقيدة، وهم بذلك يستغلون هذه الحالة لبسط مفهوم الوكالة عنوة وبناء نتيجة تراكمية تقول أن الله عاجز أن يمارس قدرته بمحاربة الكفار وقتلهم وأوكل هذه المهمة للنبي وهم ورثته تنتقل لهم الوكالة تلك بهذه الصورة.
الخطر في الموضوع ليس إدعاء الوكالة فقط ولا تحريف العام والخاص، ولكن ما نشهده اليوم وبناء على تراكم التراث الفكري المبني على تلك النتائج جعلت من الدين ظاهرة إجرامية بينة لا تحتاج لدلائل على إدانتها طالما الجميع يؤمن أن القوة هي المفتاح لما يريد الله أن يفعله، هذه القوة تلغي كل حقائق الدين الأصلي وتلغي مفاعيل الخيار وتثبت مبدأ من ليس مع الفكرة هذه فهو عدو الله، هذا ليس تجنيا على الفكر الإسلامي بل هي صفته التي تحمله في طيات ما يفكر به غالب المسلمون اليوم والذين يظنون أن المبدأ لا حياد عنه ولا تبديل طالما هناك مؤمن بنظرهم وهناك كافر، هذا الصراع ليس صراعا من أجل الدين ولا لسبيله بل هو صراع مبتدع منحرف تزيفي في كل تفاصيله ومعطياته وأسسه أستنادا لنصوص القرآن والثابت من أحكامة التي تشكل نسقا واحدا مع ما سبقه من أثر رسالي.
إن التصدي لتصحيح المفاهيم وكسر تراكم الفكر التكفيري لا يتم بأستخدام ذات القوة القوة التي يتسلح بها دعاة منهج الوكالة، بل لا بد من مناقشة الأسس التي يعتمدون عليها ومن خلال حوار معرفي قادر على فضح التزييف وكشف عورات ما ترسخ من تراث أخذ سمة العصمة والثبات في العقل الإسلامي من خلال التركيز والتكرار ومنع وتحريم حتى المناقشة فيه، هذا المنهج المعرفي لا ينتج بالنهاية كما يفهم حماية الذين لا يؤمنون بالدين فقط، بل يحمي العقل الإنساني من مزيد من التدهور النكوصي الذي يقود بالنهاية إلى فاشية دينية مرعبة تقل في الإنسان المتدين حتى شعوره الفطري الإنساني أنه كائن عاقل ومتعقل وله أرتباط بالله هدفه أن يسعد ويثبت وجوده على أنه قادر على صنع مجتمع متعاون ومتكاتف ومتعارف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص


.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح




.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة


.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س