الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إشكالية الدين والدولة الوطنية .. في مصر أولا والعراق ثانيا (2)

جعفر المظفر

2017 / 4 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


إشكالية الدين والدولة الوطنية .. في مصر أولا والعراق ثانيا (2)
جعفر المظفر
ثمة مشكلة جاء الإسلام ليحلها : العلاقة ما بين الإنسان والخالق, لكن هذا الحل حينما يتسيس يتحول هو أيضا بدوره إلى مشكلة يتعارك فيها الديني مع الوطني, السمائي مع الأرضي. اليهود على العموم هم بصدد إعلان إسرائيل دستوريا كدولة يهودية, وهي كذلك بإعتراف العالم حتى بدون إعلان دستوري, إذ ان الإعلان عن تأسيس دولة إسرائيل من خلال وعد بلفور قد أقر علانية وجودها كدولة قومية ليهود العالم.
بين اليهود الدولة واليهود الدين هناك مجتمع يتماهى فيه الدين والقومية ضمن حالة "وطنية" جامعة لا يتناقض فيها التاريخ مع المستقبل. إن إسرائيل : الدولة والمجتمع, الدين والسياسة, هي ورشة تنقيب عن كل أثر تاريخي يؤكد على وجود الدولة القديمة وسيكون لكل من تلك الآثار "قدسيته" التي تزيد عمق الآصرة ما بين التاريخ والحاضر والمستقبل, ويوم يتحدث الإسرائيلي عن دولته العلمانية الديمقراطية المتحضرة فهو لن يجابه إشكالية مجتمعية متأسسة على التناقض بين الخطاب الوطني والخطاب الديني. إن التاريخ هنا تخلقه حالة إنسجام وتفاعل بين الحاضر والماضي والمستقبل. في هذه الحالة نتنياهو هو إمتداد ثقافي وسياسي للنبي والملك سليمان, أما السيسي فهو حالة مركبة, ولكن متنافرة, بين الديني والوطني, فهو فرعوني التاريخ إسلامي الديانة, وفي بعض حالاته هو مؤمن وكافر في ذات اللحظة, وهو نصفان, أحدهما يعيش في قصر القبة حاكما لمصر, والثاني يعيش في الأزهر محكوما بشيخه. الأول يحكم الدولة والثاني يحكم المجتمع, حتى كأننا به وكأنه مخلوق برأسين وعقلين في ذات اللحظة.
ولقد تيسر للإخوان المسلمين أن يحكموا مصر لمدة عام بعد الثورة على نظام مبارك التي أجلست مرسي العياط على كرسي الرئاسة. ولو لم تكن الدولة المصرية (عليمانية) التكوين لشرعت قانونا حازما يحرم تشكيل الأحزاب ذات الهويات والعقائد الدينية ولا يسهل الإلتفاف عليه كما فعل الأخوان حينما حصلوا على إجازة عملهم كجمعية وليس كحزب. أما الدولة العليمانية فقد كانت هي ذاتها غارقة في تكتيكات إستثمارية للمسألة الدينية. وكان السادات قد حاول أن يلعبها بشطارة حينما قص شريط الحكم, بعد وفاة عبدالناصر بمقص (الرئيس المؤمن) مبتدئا موسم نتف ريش الطيور الناصرية بملقط إسلاموي يستهدف على الجهة الأخرى سرقة الخطاب الإسلامي من أصحابه الإخونجية, أو على الأقل مشاركتهم به, لمخاطبة شارع يسهل إغواءه.
ولأنه لا شيء في عالم السياسة يعطى مجانا فإن الإخوان المسلمين لم يتركوا الفرصة تفوت دون أن يكون لهم نصيبهم الكبير من الأرباح. بعد سنوات قليلة سيذهب السادات نفسه قتيلا في حادثة المنصة على يد المتطرفين الإسلاميين في واحدة من أكثر حوادث الإغتيال غموضا في تاريخ العالم يوم تسلق خالد الإسلامبولي, الضابط في الجيش المصري, ظهر دبابته ليذهب بعدها مشيا على الأقدام وبخطوات ثابتة ليرش أهل المنصة بوابل من الطلقات ثم يعتلي سورها ليطلق الرصاصات التي تضمن موت الرئيس.
وفي غضون سنوات قليلة سيتمكن الإخوان المسلمون من الهيمنة على نظام الحكم, وكان ذلك كله قد أتى بمساعدة صراع لم يتم حسمه بشكل جيد داخل جسم الدولة العليمانية وضمن خطابها السياسي والإجتماعي.
لكن الصراع بين الهوية الدينية للدولة والمجتمع سرعان ما طفى على السطح سريعا. إن فوز الإخوان من خلال عملية ديمقراطية مٌغَّفَلة ومٌسْتغفلَة كان في حقيقته إيذانا ببدء جولة صراع حادة على معركة حسم الهوية المصرية, اما المتصارعون فكان يمكن وضعهم بشكل رئيسي في خانات ثلاثة, في الأولى كان هناك الإخوان الميالين سريعا إلى حسم الهوية الدينية للدولة والمجتمع, وهؤلاء لم يكونوا في وارد طبخ المعركة على نار هادئة, بل راحوا منذ اليوم الأول بعد إستلامهم للحكم يعملون على أخونة الدولة, وكانت هناك إشارات واضحة تؤكد على أنهم جادون في ذلك, ولو كان قدر لهم أن يظلوا فترة أطول لما ترددوا عن خوض معركة تحطيم الأصنام كما فعلت داعش في كل من سوريا والعراق, وربما كان مقدرا أن تكون آثار أبي زعبل ورأس ابي الهول من ضمن ما يتهدم في معركة حسم بين خصمين دينين عنيفين, الفرعونية الكافرة التي ستجد نفسها في مواجهة حتمية مع خصمها الإسلامي اللدود المستعد, خاصة في هذه المرحلة لتفريخ جيوش من التكفيرين الذين يتنافسون على موقع من هو الأكثر إلتزاما بتعاليم وخطاب الإسلام الديني والسياسي.
أما الخصم الثاني فكان يضم جمهور ثقافة مصر العميقة المتطلع للحفاظ على هويتها التاريخية, لا من خلال الحفاظ على معالمها الآثارية كآثار وإنما حماية ما ترمز له على صعيد بناء دولة مدنية علمانية لا تخضع باي مستوى لإشتراطات الإسلام السياسي, وتأخذ بنظر الإعتبار التنوع الديني وحتى القومي المنصهر ضمن هوية مصرية وطنية يتساوى تحت مظلتها الجميع.
الخانة الثالثة ضمت بين صفوفها قوى الدولة الوسيطة ذات الرأسين والمتمثلة بالمؤسسة العسكرية ومعها موظفي الدولة الكبار وقياداتها واحزابها الوارثة لدولة مصر (العليمانية) الحديثة, وقد قادها السيسي نفسه. وفي هذه المعركة تقدر لقوى الخانة الأخيرة الإنتصار لإعادة الدولة المصرية ذات الشخصية المزدوجة والمحكومة من قبل قصر القبة وقصر الأزهر سوية.
لقد خسر الأخوان المسلمون معركتهم السياسية, لكنهم لم يخسروا معركتهم الإجتماعية والثقافية التي تستمد بعض عناصر قوتها من الخطاب العليماني للدولة والمجتمع المصري. أما أنصار الدولة الوطنية فلم يربحوا نصرا ناجزا وإنما ربحوا خسارة عدوهم, وكان الرابح الحقيقي هي القوى الوسيطة التي وضع التاريخ الوسطي في يديها قدرة الحفاظ على المخلوق ذا الرأسين اللذين يتحكمان بجسد واحد واللذين يسمحان لمصر بالحركة الدائرية حول محور يتقاسمه قصر القبة وقصر الأزهر, وفي النهاية كان هناك ثمة إتفاق بين القصرين, أن لا تسير مصر لا إلى الخلف ولا إلى الأمام, بل ان تبقى دائرة حول جسدها ذا الرأسين الذي يفقدها قدرة القرار والذي يجعلها مفتوحة على أن تكون دولة إستجابة فقط.
والحال أن المقارنة بين إسرائيل ومصر سوف يضعنا أمام المشهد التالي إن إسرائيل تحتفظ بوحدة الهويتين الدينية والقومية, ولا يحتدم على أرضها صراع الهويات, وذلك يمنحها القدرة على أن تكون دولة بهوية "وطنية" متماسكة وذات تاريخ غير متخاصم مع المستقبل بل هو مٌفعَّل في خدمته, هنا التوراة تشتغل حال الطلب في خدمة الهوية وبالتالي في خدمة الدولة ولا يمكن لقوة إسرائيلية ضمن الدولة او المجتمع أن تدعي انها اقرب إلى التوراة وإلى التاريخ اليهودي من الأخرى, اما مصر فهي محكومة بواقع يضع الديني ضد الوطني مؤسسا لحالة مركبة من المساومات والتنازلات والتذبذبات التي غالبا ما تعمل ككوابح لأية حركة نهضوية وتجعل المجتمع مهيأ لحالات من التراجع والنكوص.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اما الاسلام او العلمانية
nasha ( 2017 / 4 / 11 - 06:26 )
هنالك فرق كبير بين اسرائيل وهويتها اليهودية وبين مصر وهويتها الاسلامية.
اليهودية ليست ديانة فقط وانما قومية . اليهودية لا تملك امتداد ديني ثقافي مؤثر خارج حدود اسرائيل في العالم وكذلك اليهودية كديانة ليست تبشيرية ولا تسعى الى التوسع بالتهويد .
ولذلك اسرائيل لا تسعى لفرض ثقافتها اليهودية في العالم وتكتفي بقبول الثقافة العلمانية السائدة في معظم دول العالم ولا تشكل العلمانية اي مشكلة بالنسبة لها.
اما الاسلام فهو دين متعدد القوميات والاعراق وله امتداد جغرافي واسع وله تاثير ثقافي على اتباعه والاسلام دين تبشيري توسعي يحاول المؤمنين به فرضه على العالم بكل السبل بما فيها القوة .
مصر ممزقة بين ثقافتين الاسلامية والعلمانية
مصر في مفترق طريقين وتعيش في الوقت الضائع ولابد لها من اختيار احد الطريقين . اما الاندماج مع العالم والعيش بسلام او اختيار الطريق الاخر والدخول في نزاعات لا نهاية لها مع العالم.
تحياتي


2 - مسلم أعتز باسلامي
مؤمن إسلام ( 2017 / 4 / 11 - 07:36 )
طز بالعلمانية طالما هي دعوة جاءت من نصراني مثلك يا ناشا


3 - ناشا وشجرة التين واليهود ويسوع
حماده ولعه ( 2017 / 4 / 11 - 10:04 )
الاخ ناشا ظريف جدا يدافع عن قتلة مصلوبه يسوع وهو ارثوذكس عجيبه
ناشا كتابك المقدس وخاصة العهد الجديد تكلم عن اليهود وساكتب مقالة بهذا الخصوص وسواء نشرت أو لم تنشر ستجدها عند سامي لبيب بآخر مقالة له .


4 - راح نشوف
nasha ( 2017 / 4 / 11 - 10:15 )
غصبا عنك وعن أي متعصب عنصري ستسود العلمانية


5 - زين اقرأ يا بتاع العلمانية المقالة إذا نشرت
حماده ولعه ( 2017 / 4 / 11 - 11:12 )
واذا ما نشرت دلل الرابط يوصلك
وهم اروح انسخ مقالة للاخ عناد قديمة عن العلمانية مع الرابط واقراها


6 - الإسلام السياسي بين السنة والشيعة
حماده ولعه ( 2017 / 4 / 11 - 11:21 )

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?t=0&aid=465128


7 - العلمانية وصراع الأديان ومصر نموذجا لؤي ثابت
حماده ولعه ( 2017 / 4 / 11 - 11:22 )

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?t=0&aid=466649


8 - رمتني بدائها وانسلت
حماده ولعه ( 2017 / 4 / 11 - 11:29 )
عدد: 719796 - راح نشوف
2017 / 4 / 11 - 10:15
التحكم: الحوار المتمدن nasha
غصبا عنك وعن أي متعصب عنصري ستسود العلمانية
إرسال شكوى على هذا التعليق 0 أعجبنى المزيد-الاشراك

الرد

رَمَتْنِي بِدَائِهَا وانْسَلَّتْ !!!!


9 - يسوع بين شجرة التين وشجرة الغرقد !
حماده ولعه ( 2017 / 4 / 11 - 11:33 )
أبونا حماده ولعه ريو دي جانيرو
يسوع بين شجرة التين وشجرة الغرقد !

مقالة تم وضعها لعيونك اخ ناشا
بحال عدم النشر كما هو متوقع اقراها من خلال رابط يوضع قريبا.


10 - اليهود ويسوع بين شجرة التين وشجرة الغرقد !
حماده ولعه ( 2017 / 4 / 11 - 11:37 )
خذ الرابط ما تنشر كالعادة
https://www.facebook.com/story.php?story_fbid=161137617743704&id=100015423996398

اخر الافلام

.. السيسي ينصح بتعلم البرمجة لكسب 100 ألف دولار شهريا!


.. تونس.. رسائل اتحاد الشغل إلى السلطة في عيد العمّال




.. ردّ تونس الرسمي على عقوبات الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات


.. لماذا استعانت ليبيا بأوروبا لتأمين حدودها مع تونس؟




.. لماذا عاقبت الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات تونس؟