الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صديقتي كريستين

شادية الأتاسي

2017 / 4 / 11
الارهاب, الحرب والسلام


صديقتي كريستين

في كل المرات التي كانت كريستين ، تأتي فيها لعندي ، كانت غالبا تبكي
وعندما تبكي كريستين يحمر وجهها ، وترتسم في عينيها نظرة حائرة ، كطفلة تعاقب على ذنب لاتدري ماهو
هي ليست طفلة ، هي امرأة كبيرة الآن
قد تكون حكاية كريستين /هنا/ حكاية عادية جدا ،ما بين أب أدمن الكحول وأدمن ضربها ، وأم اختارت اللامبالاة واكتفت بالصمت
وعندما بلغت كريستين الرابعة عشر ،أشهرت السكين في وجه والدها الذي اغتال طفولتها ،وغادرت المنزل .
وعندما عرفت الرجل ، لم تعرف الحب ،
وعندما عرفت الأمومة لم تشعر بها ،
وعندما ماتت والدتها ،التي لم تراها منذ غادرت المنزل ،قرأت خبر موتها من الصحف
تقول كريستين المدمرة نفسيا وعاطفيا ، وهي تبكي بحرقة ، انها لا تدري إن كانت تحب ابنتها كباقي الأمهات ،ولا تدري إن كانت تشعر بالحزن على رحيل والدتها

لكن الحياة ليست دائما على هذه القتامة ، أشرق الحب ذات يوم وقلب حياة كريستين ، أسمته الرجل الحقيقي ، اقتلع كل السموم التي التي عششت في قلبها وروحها ، وأعادها إلى المكان اللائق بها من الحياة ، وعندما سألتها ماذا يعني لها ،أجابت ببساطة أنه توأم روحها .
هذا الرجل كان عربيا ، وببساطة سوريا من ابناء بلدي ، يحمل الجنسية الأميركية ، من ضحايا هذه الحرب المجنونة التي تدور رحاها على أرض بلدي .
لكن هذا الرجل الذي أسمته كريستين بالرجل الحقيقي ، اختفى فجأة ، بحثت عنه في كل جهات الأرض ومغاربها ،نادت كل من تعرف لمساعدتها ، خاطبت كل المنظمات الدولية والإنسانية ،حتى استطاعت أخيرا أن تعلم أنه يقبع سجينا /سياسيا/. في أحد السجون الأميركية
تركت كريستين عملها ،وتركت كل شيء، و جندت نفسها من أجل مساعدة رجلها الذي أحبته،وجدت نفسها وحيدة ،الجميع تخلى فجأة عن هذا الرجل ، الجميع نصحها أن لا تقترب ،هو خط أحمر ، ممنوع الاقتراب منه ، ولكن مع دهشة محاميه أمام دأبها و قوة اصرارها ،أشفق عليها وأعلمها أنه قد حكم عليه بالسجن ثلاث سنوات ،و ما عليها إلا أن تنتظر
ومن أجل هذا الرجل ، هي تتعلم العربية ،وتدرس القرآن ، وتعد الأيام لتكون معه وله ،

وفي كل مرة كانت كريستين تأتي لعندي ،كانت تحمل في حقيبتها بعضا من الأوراق المطبوعة ، هي رسائلهما الالكترونية ، الشيء الوحيد المسموح لهما ،تفردها كريستين أمامي باعتزاز ، تبتسم تلك الابتسامة المواربة ،فأعلم فورا الى ماذا تشير ، ارى التماعة عينيها وتورد وجهها ،وأشعر بنبضات قلبها ، رسائل أشتم منها رائحة حب تعبق مع رائحة المداد الأسود ، أكاد أرى ذلك الرجل الذي أشعر /بجيناته تكاد تتحرك في دمي/ ، في ظلام سجنه المرمي في براري مجهولة ،منكبا في زاوية مظلمة باردة ، ليكتب كلمات عشق رومانسية لامرأة بعيدة ، تنتظر على الطرف الآخر ، كلمات حب مجنحة ، تعبر سماء المحيط الحر ، تجتاز المسافات ،تتطاير منها الفراشات الملونة ، تفوح منها رائحة الحب ، ، كلمات صغيرة،كافية لأن تأوي إليها أحلام كريستين وتطمئن ،لأن تعطي تلك المرأة الشجاعة ذلك الدفق لتستمر في معركتها بالدفاع عن رجلها ، يقول لها:
صغيرتي ، وجودك يهبني الحياة ، ولولاه كنت انتهيت،
أنت من يعطيني القوة ، لأبقى مستمرا ،في هذا الظلام الدامس ،ابقي معي ، دعمك يدفئني

هذا الصباح ،أتتني كريستين ،وجنون الألم يصرخ في عينيها ، هو في /المنفردة/. الآن وربما يبقى بها ،حتى نهاية محكوميته
لم أكن أملك أي قوة ، لكي أهدئ من ألمها ، تركتها تتحدث وتبكي ما شاء لها الحديث والبكاء ،وذهبت بأفكاري بعيدا ، تخيلت هذا الرجل/ومثله الآلاف سواء أكان من بلدي أو من أي مكان آخر من العالم / ، محشورا في مساحة أقل من المتر ،يأتي عليه الصباح ،ويتعاقب الليل ،وتمر الأيام تليها السنون ، وهو هكذا ، ينتظر
افكر وأطرح أسئلة ربما هي بدون جواب ،
ليس أقلها تلك العناوين الجوفاء ، والمفردات الغبية ، الخالية من المعنى ، لكل كلمات العدالة والحق والحرية
ومضاداتها من مفردات الظلم والقهر والذل والغربة والاقتلاع ، وكل متعلقاتها
ذلك الشتات غير المتناهي ، الذي يهوم في أتونه أبناء بلدي ،باحثين عن خبزهم ونارهم في دهاليز ذلك العالم المتحضر /المعفن /
تلك الطرقات الوعرة التي / انبحتوا/. في مجاهلها ، تطويهم المسافات ,ويترصدهم الموت على أرصفة المنافي ا،يواجهون العالم بأحلام صغيرة ، و مشاريع مؤجلة ،وإيمان بريء
من بقي هناك ، وهوليس هناك
ومن جاء الى هنا وهو ليس هنا
سنبقى دائما بين، بين
ولن نعود أبدا كما كنا ،ولن نصبح أبدا كما نريد
وسيبقى العالم ، ينظر إلينا ، يشرب نخبنا ،متوجا على عرش من الدم








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قادة الجناح السياسي في حماس يميلون للتسويات لضمان بقائهم في 


.. دعوات أميركية للجوء إلى -الحرس الوطني- للتصدي للاحتجاجات الط




.. صحة غزة: استشهاد 51 فلسطينيا وإصابة 75 خلال 24 ساعة


.. مظاهرات في العاصمة اليمنية صنعاء تضامناً مع الفلسطينيين في غ




.. 5 شهداء بينهم طفلان بقصف إسرائيلي استهدف منزلا في الحي السعو