الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


- الفضيلة عند سقراط - من -دهشة فعل التفلسف كعقلنة - في الجزء الرابع الأخير من الحلقة الأولى في حوارنا مع البروفيسورة خديجة زتيلي في -بؤرة ضوء-

فاطمة الفلاحي
(Fatima Alfalahi)

2017 / 4 / 12
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


" الفضيلة عند سقراط " من "دهشة فعل التفلسف كعقلنة " في الجزء الرابع الأخير من الحلقة الأولى في حوارنا مع البروفيسورة خديجة زتيلي في "بؤرة ضوء"

https://i58.servimg.com/u/f58/19/60/38/08/5510.jpg

تألّق الوعي الفلسفي مع سقراط (469 - 399) ق.م وهو ينحو بالفلسفة اليونانية إلى مطارح لم تعهدها من قبل فيُشّكل علامة فارقة في تاريخها بشكل خاصّ وفي تاريخ الفلسفة الإنسانيّة أو العالميّة بشكل عامّ، فالفلسفة قبله طبيعيّة ومعه وبعده إنسانيّة وسياسيّة وأخلاقيّة. ورغم أنّه لم يترك لنا نصوصا مكتوبة إلاّ أنّ أفكاره وصلت إلينا عن طريق مفكرين آخرين من أمثال أرسطوفان، كزينوفان، وأفلاطون. لكن أشهـر وأهمّ المصادر التي أفاضت في شرح فكره ومذهبه وتعاليمه الفلسفيّة كانت فلسفة أفلاطون ومحاورات الشباب منها على وجه الدقّة. لقد انبرى سقراط لتعليم الفضيلة لشباب أثينا فاتُّهِم جرّاء ذلك بالمروق عن الدين وإنكار آلهة أُثينا وإفساد عقول الشباب، فحكمتْ عليه المحكمة بالإعدام وتمّ تنفيذه بشرب كأس من السّم، ما جعله يستحق لقب أول شهيد للفلسفة. لم يحاول سقراط في الأثناء الهروب من أقداره أو الفرار من سجنه رغم أنّ أحد تلامذته عرض عليه المساعدة، وتروي محاورة (الدفاع)، التي كتبها أفلاطون متأثرا بموت أستاذه سقراط، حيثيات المحاكمة وكيف دافع سقراط عن نفسه وعن مبادئه الفلسفية وكيف أدانته هيئة المحكمة، ويجيء حكي أفلاطون في الدفاع بأسلوب أخّاذ ولغة عميقة ومؤثرة، ما يجعـل هذه المحاورة من النصوص الفريدة التي كتبها أفلاطون وهو لا يزال شابا يعتنق مبادئ سقراط ويعكس مدى حزنه وتأثره الشديد بتلك المأساة التاريخيّة.

لقد قرأتُ هذا النصّ الأفلاطوني أكثر من مرّة، ودرّسته لطلابي باستفاضة شديدة ولم أمّل يوما من معاودة قراءته كلما اشتقتُ إليه فبعض النصوص يستوطنك ويشدّك إليه ولا يبوح لك بأسراره دفعة واحدة، وكلما أتحتَ له حيّزا في وجدانك أتاح لك هو أيضا فرصة التمتّع به واستكشاف بواطنه، وفي حقيقة الأمر إنّ قراءة محاورات أفلاطون، بشكل عام، هو بمثابة اكتشاف فكري وإنساني وجمالي ولغوي لا نظير له في التاريخ. إنّني لم أعتبر أفلاطون يوما فيلسوفا يونانيا وحسب بل عالميا ومعاصرا أيضا، ويعود ذلك إلى طبيعة الموضوعات التي طرحها في الحقول المعرفيّة التي تمرّس بها. وفي محاورة الدفاع كما في محاورات أخرى لأفلاطون يلتبس علينا الأمر، في مشهد جمالي، حيال هويّة النصوص وطريقة تصنيفها، ويتبادر إلى الذهن السؤال: هل نحن نقرأ لأفلاطون أم لسقراط، أم أننا نقرأ لأفلاطون السقراطي أو سقراط الأفلاطوني؟ بوصف سقراط لم يكتب شيئا وهو في المحاورات يستعير لسان تلميذه أفلاطون، هذا الأخير الذي يدعو أستاذه أيضا في كلّ مرّة كان الفصل في قضيّة فلسفية بعينها لا يتطلّب التماطل أو التجاهل أو التأجيل!

لا شكّ أنّ قراءة تراث بهذا الزخم وكذلك الاشتغال عليه يُتيح فرصة الحصول على مكاسب معرفيّة لا حدود لمداها، وفضلا عن ذلك يتيح الفرصة لصناعة خطاب جديد يهتجس بالسؤال وتأويل النصّ داخل الثقافة اليونانيّة ومن خارج هذه الثقافة أيضاً، وهذا ديدن الباحث الرصين الذي لا يكتفي بالاستيعاب فقط والقراءة السطحيّة لمنجزات القدماء بقدر ما يستثمرها ويقف عند مآلات تلك الأفكار في سياقات تاريخيّة ومعرفيّة لاحقة، وإنّ الفلسفة اليونانيّة تدفع بهذا الاتجاه على اعتبارها الجدّة الشرعيّة للفلسفة الغربيّة. صحيح أنّ النصوص تُقرأ في حضورها التاريخي، ولكنها تقرأ أيضا خارج سياقها التاريخي بغية تأسيس ثقافة جديدة تستأنس بمعطيات الواقع وتتفلسف على ضوئه، وهذه الرؤية هي رديفة للنقد. وأودّ أن أضيف أن التراكم المعرفي يصنع المشاريع الفكريّة الجديدة ويفضي إلى الحوار الخلاّق والإنساني العميق. ولعل السعي إلى أطروحات جديدة يفرض نفسه عندما لا يعود الماضي قادراً على تفسير الأشياء تفسيرا معقولا ومقنعا بمعطيات الحاضر، فتصبح معه الحاجة ملحّة إلى طرح أنماط جديدة في التفكير، فلا توجد كلمة نهائية في المعرفة وفي الفلسفة وحتى في العلم.

تأثرتُ بإيقاع الحضارات القديمة وبروحها، ووقفتُ مُنبهـرة أمام سحر الإغريق ومنجزاتهم العلميّة والأدبيّة والفلسفيّة - وأنا التي سكنها هاجس القراءة منذ الطفولة وقد تصفحتُ فيها كتبا أدبيّة وفكرية وعلميّة في المكتبة المتواضعة، التي كانت تؤثث بتنا، من دون فهم مضامينها بطبيعة الحال في تلك السنّ المبكّرة من حياتي – وقد أثمرتْ قراءاتي لأفلاطون في مرحلة الجامعة وبعد مرحلة الماجستير والدكتوراه كتابي الموسوم أفلاطون: السياسة، المعرفة، المرأة، الذي تناولتُ فيه أطروحة البناء المعرفي للسياسة عند أفلاطون ومكانة المرأة فيه طارحة السؤال: هل ثمّة بالفعل علاقة بين النظريّة المعرفيّة لأفلاطون والنظريّة السياسية له؟ وهل يمكن أن نجاري الرأي القائل أنّ آراء أفلاطون في السياسة تجد ما يبرّرها وتكتسب مشروعيتها من البناء المنطقي للأطروحات المعرفيّة ما يجعل هذا الموقف النظري ينسحب على الممارسة السياسيّة ومكانة المرأة في المجتمع؟ وفي غمرة السؤال الذي طرحْتُه أبحرتُ في الماضي وفي محاورات أفلاطون، على وجه التحديد، لاستخلاص المعنى منها. ولم ينج أفلاطون في رحلة البحث تلك من معاول النقد والإقرار في ختام دراستي المشار إليها سابقاً، بأن فلسفته أفرزت ثنائيات هرميّة مُنمّطة تنتهـي إلى ترسيخ قيّم الأعلى والأدنى، فكل ما يتعلّق بالأعلى كان يُمثل حسبه الرجل وكلّ ما كان لديه صلة بالأدنى كان يرمز إلى المرأة، ما ينجرّ عنه في نهاية المطاف الإطاحة بقدرة النساء على الفكر والإبداع. وتقرّ دراستي تلك بتعسّف تلك النصوص ورؤيتها للعالم من زاوية واحدة فقط وتوطين فكرة المركزيّة الذكوريّة، لافتة الانتباه في السيّاق ذاته أنّ أفلاطون في الوقت الذي كان يُرسّخ فيه قيّم الذكورة كان يؤكّد أيضاً على تصوّراته الفلسفيّة التي تضمّنتها مُنجزاته الفكريّة ونظريته للمعرفة تحديدا، والتي مفادها ترسيخ بنية المعرفة التي ترفع من شأن العقل وتحطّ من قيمة الحواس.

وعطفا على ما سبق ذكره فإنّ الكاتب ليس بإمكانه تصنيف نفسه بل وقد يقلقه أن يسعى إلى ذلك لأنّ مهمته تنأى عن هذا المطلب، فما بالك إذا كان هذا الكاتب نفسه ممن يتمرّسون بالفلسفة؟ هذه الأخيرة لا يمكنها أن تزدهر إلاّ في فضاء الحريّة وخارج أطر التصنيف. ولهذا أترك أمر تصنيفي إلى ما بعد موتي فقد يبوح ما أكتب بما قد يستحقّ أن يجد طريقه إلى التصنيف! ولا أخفي سرّا إذا قلتُ إنني أحاول بكل ما أملك من جهد ووقت وإرادة لكي أكتب نصوصا جديرة بالقراءة والاهتمام تكون نوعيّة وذات قيمة وبعيدة قدر المستطاع عن التسطيح والاجترار، وأطمح أيضاً إلى نصّ فريد يكتبني مستقبلا، كما أسعى أن يتحقّق في كتاباتي المستقبليّة ما يسمّيه نزار قباني بـ الشرط الانقلابي ، فكل كتابة جديدة، حسبه، لا تحقّق هذا الشرط ستغذو «تأليفا لما سبق تأليفه، وشرحا لما انتهى شرحه... [مضيفا] الكتابة الحقيقيّة هي نقيض النسخ»، وفي تصوّري فإن هذا الحلم مشروع ونبيل ويستحقّ المغامرة والمثابرة والجهد المبذول، فلا بأس من المعاناة لمن يعشق القمر!


انتظرونا عند " مَن يكتب مَن؛ تكتبين، أم تكتبك الكتابة؟" من "دهشة فعل التفلسف كعقلنة " في الحلقة الثانية من حوارنا مع البروفيسورة خديجة زتيلي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البنتاغون يعلن البدء ببناء ميناء مؤقت في غزة لإستقبال المساع


.. أم تعثر على جثة نجلها في مقبرة جماعية بمجمع ناصر | إذاعة بي




.. جو بايدن.. غضب في بابوا غينيا الجديدة بعد تصريحات الرئيس الأ


.. ما تأثير حراك طلاب الجامعات الأمريكية المناهض لحرب غزة؟ | بي




.. ريادة الأعمال مغامرة محسوبة | #جلستنا