الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إيران والتجربة القومية

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2017 / 4 / 17
مواضيع وابحاث سياسية



من أهم عوامل مكونات الدولة المعاصرة قدرتها على إبراز الهوية الجامعة لمجتمعها الخاص والتي تعبر من خلالها عن طبيعة وقيم وخصائص شعبها، حتى في الدول المعاصرة التي تنخرط بشكل طبيعي في عالم العولمة وما بعد العولمة فإنما هي تسير بهذه القاعدة في محاولة منها لتجديد مفهوم الهوية، وليس إنكارا أو تفريطا لها، أمريكا الدولة الأكثر بروزا في هويتها العولمية تسعى للحفاظ أيضا على طريقة العيش التي تتبعها وأساليب التعبير عنها، دون أن يعني ذلك أنها في سبيل التخلص من الهوية الأمريكية التقليدية، بل الرأي العلمي الأجتماعي يقول أن المجتمع الأمريكي من خلال العولمة يحاول منح العالم الخارجي خصائص الهوية الأمريكية وبالقوة.
هذه المقدمة البسيطة والتي تحتاج للكثير من الكلام والتنظير ستكون مقدمة للذين يدعون أن مفهوم الدولة المعاصرة والهوية الشخصانية لها لم يعد ذا أهمية في ظل سياسات الأنفتاح والدمج العالم في أطار كونية العالم الحديث، الكلام هذا يدل على تجاهل حقيقي لما في الواقع من حقائق، والدليل أن بريطانيا رائدة العولمة وصانعة الأحداث العالمية تراجعت عن خطوتها في أن تكون ذا هوية أوربية تتماهى مع قيم القارة، ولكن وجدت نفسها أخيرا بين خيار فقدان الخصيصة الإنكليزية أو الأندماج مع عالم متعدد الهويات، في الشأن الإيراني يظن الكثير إن إيران دولة ذات هوية دينية محددة ومبالغ في إظهارها للخارج كدولة ذات قيم أيديولوجية إسلامية تسعى لأن تكون نموذج للهوية الإسلامية لنطاق واسع من المسلمين وتحديدا الشيعة منهم.
الحقيقية التي يبرزها الكثير ممن ينظر في مجال الهوية الوطنية لإيران يرى أن نظرية ولاية الفقية التي أطلقها السيد الخميني في منتصف الستينات من القرن الماضي، وطبقها على المجتمع الإيراني نجحت بتحويل الهوية القومية الإيرانية بطعمها الفارسي إلى دولة غكر وأيديولوجيا تتميز بروحية القيادة الدينية التي تبني معطياتها من الدين الإسلامي، وبذلك يعد هذا التحول مثالا على أن بإمكان الدين والفكر الديني أن يصنع مشروع حياتي ينقل المجتمع من حال إلى حال، لو تأملنا الواقع الإيراني من قرب وملاحظة الصيرورة المزعومة نجد أن المجتمع الإيراني بطبيعته المحافظة على الهوية التأريخية له لا يمكنه أن يتحول خلال بضعة سنوات من هوية لأخرى.
هناك فاصل زمني حقيقي في التجربة الإيرانية يبدأ من عام 1979 ولغاية 1989 يتمثل بالخطاب التأريخي ومحاولة بناء سياسة وطنية وفرض نمط ديني على كافة نواحي الحياة متخذة من الدين والمذهب عنوان لها، فخاضت حرب الثمان سنوات بأعتبارها المبشرة بأنتصار المدرسة الدينية على المدرسة القومية التأريخية، وعززت هذا الخطاب بممارسات فكرية وطقسية راعت فيها أظهار الجانب الديني على أنه هو وجه الحياة الإيرانية الجديد، ولكن نتائج حرب الثمان سنوات أسقطت هذا المشروع وأسقطت معها مفهوم ولاية الفقية بأعتبارها مرتكز الهوية الإيرانية، وتحولت ولاية الفقية من مبدأ ديني حياتي شامل إلى مجرد لعنوان سياسي حاكم يقود من جديد الهوية التأريخية لإيران عبر المنطق الفارسي القديم المتمثل بتراث إيران وحلمها القديم بأن تكون مركز من مراكز الأستقطاب في المنطقة وصوت مسموع إقليميا ودوليا.
النهضة الإيرانية اليوم ليست نتاج ولاية الفقية ولم تكن أنجازا محسوبا لها، بقدر ما هي تفعيل للحلم القديم وتجديد لشروط الهوية القومتاريخية التي يشعر بها الإيراني بأعتزاز، ويقدمها حتى المنطق الديني، إيران اليوم دولة تنمو وفق مصالحها الأستراتيجية وصراعاتها لأجل تحقيق وجودها كدولة محورية تتزعم أتجاه ديني تزعم سياسي وليس روحي، هذا ما يفسر لنا قوة النهضة بعد هزيمة عام 1988 الأستراتيجية، نعم أستفادت إيران تماما من نتائج الهزيمة والإنكسار وحاولت ترميم البيت الداخلي مع المحافظة على الشعار الجامع، وهو شعار ولاية الفقية الذي يظن الكثير من الناس أنه من مكتشفات السيد الخميني، فولاية الفقية مبدأ إسلامي عام لا يمن لمسلم أن يدعه خارج إلتزامه بالدين، ولاية الفقية هي فكرة إسلامية متجذرة في العقل الديني مردها حكم ثابت، وهو وأطيعوا أولي الأمر منكم، بل أن ولاية الفقيه تجدها أشد تمسكا عند الضاد الفكري للشيعة، فالوهابية من الحنابلة تتبنى الشعار وبقوة، في حين أن فرق وطوائف إسلامية مثل الشيعة الزيدية لا يرون الولاية بهذا الحد إلا بشروطها الخاصة.
إيران اليوم بكل ما تطرحه من تجربة حضارية دولة قومية تأريخية هويتها الأولى هوية ثقافية عنصرية بمعنى أستنادها لعنصر الشعب، تؤمن بالدين مصدرا من مصادر الحياة ولكنها لا تعول عليه حقيقية في بناء مجتمعها الخاص المتجذر بأعتزازه بالتاريخ لكنه أيضا يجعل من هذا التأريخ صانع لأحلام المستقبل وبناء دولة حقيقية، دولة تعتمد على مشروعها التأريخي وبأساليب أكثر برغماتية وأشد فطنة وحكمة مما يتميز بها جوارها الإسلامي، لتتزعم بدورها جناحا هاما منه وتخوض صراعاته لأجل أن لا تتكرر تجربة ولاية الفقيه في صورتها الأولى حيث قدمت العقيدة بدل المصالح وعمدت وجودها بالدم بدل أت تسير في طريق أخر لتحقيق أهدافها ومطامحها بأمة إيرانية لا تموت.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن يوقع حزم المساعدات الخارجية.. فهل ستمثل دفعة سياسية له


.. شهيد برصاص الاحتلال الإسرائيلي بعد اقتحامها مدينة رام الله ف




.. بايدن يسخر من ترمب ومن -صبغ شعره- خلال حفل انتخابي


.. أب يبكي بحرقة في وداع طفلته التي قتلها القصف الإسرائيلي




.. -الأسوأ في العالم-.. مرض مهاجم أتليتيكو مدريد ألفارو موراتا