الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الله في فكر عمر الخيام8 /25

داود السلمان

2017 / 4 / 18
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


يقول الخيام:
كم آلم الدهر فؤاداً طعيــن
وأسلم الروح ظعين حزين
وليسَ ممَن فاتَنا عائــــــدٌ
أسألهُ عن حالةِ الراحلــين
في هذه الابيات يشكو الخيام الشاعر من الدهر، لأنه آلم قلبه بمفارقة الاحبة، وعصره عصراً، بحيث تركه مطعوناً يعاني حرقة الالم، تلك الحرقة التي لا يقاسيها الا من مرت به تلك الخطوب والمحن، وقد وصلت الى الروح. والشاعر هنا يلقي عتبه ولومه على الدهر!، فهل يا ترى أن الدهر هو من سبب له تلك الفجيعة؟.
مبحث في الدهر
ما هو ادهر؟:
جاء في (قاموس المعاني): "الدّهْرُ: مُدَّةُ الحَياةِ الدُّنْيا كُلُّها وَتُطْلَقُ على أَلْفِ سَنَةٍ. (وَقالُوا مَا هِيَ إِلاَّ حَياتُنا الدُّنْيا نَموتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلاَّ الدَّهْر) الجاثية آية 24.
والدهر هو الوقت حسب ما عرّفه أينشتاين: "هو البعد الرابع في الفيزياء بحسب نظريته النسبية، أمّا حسب ما يعتبره الناس: فهو وسيلة لترتيب الأحداث في تسلسل زمني منتظم، سواء أكانت أحداث من التاريخ البشري، أو أحداث وقعت في الماضي، أو هو عبارة عن ربط لأحداث معينة ستقع في المستقبل بالوقت والعمل على جدولتها وترتيبها بشكل دقيق ومنظّم، أو يمكن اعتباره على أنّه الفترة الزمنية التي تفصل بين الأحداث أو التعبير عن نقطة ما على خط الزمن".
والدهر او الوقت من اهم الامور التي تتعلق في حياة الانسان وتحتاج الى تنظيم ودقة وعدم ارباك، لأن بخلاف ذلك تحل الفوضى ولا يعرف الانسان رأسه من قدمه، بل تختل عنده الموازين، ولا يستطيع كيف يعمل وما هو العمل او الحل الذي يفعله حتى يسيطر على اعماله، ويرتب اوقاته؟.
وهناك حديث مشهور ينسب الى النبي، يقول: " لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر". وافهم من هذا الحديث بأن الله هو الذي يرتب الدهر، يعني الاوقات: صبح عصر غروب، ليل نهار.
وذكر ابن منظور في "لسان العرب" مادة (دهر): الدهر: الأمد الممدود، وقيل: الدهر ألف سنة. قال ابن سيده: وقد حكي فيه الدهر، بفتح الهاء: فإما أن يكون الدهر والدهر لغتين كما ذهب إليه البصريون في هذا النحو فيقصر على ما سمع منه، وإما أن يكون ذلك لمكان حروف الحلق فيطرد في كل شيء كما ذهب إليه الكوفيون- قال أبو النجم :
وجبلا طال معدا فاشمخر ..... أشم لا يسطيعه الناس، الدهر".
وقال الزبيدي في (تاج العروس): " الدَّهْرُ قد يُعدُّ في الأسماء الحُسْنَى لِمَا وَرَدَ في الحَدِيث الصَّحِيح الذي رَواه أبو هُرَيْرَةَ يَرْفَعه. قال الله تعالى: " يُؤذِيني ابْنُ آدَمَ يَسُبُّ الدَّهْرَ وإنَّمَا أنَا الدّهْرُ أُقِلِّبُ اللَّيْلَ والنَّهَارَ ". كما في الصَّحِيحَين وغَيْرِهما. وفي حديث آخرَ: " لا تَسُبُّوا الدّهْرَ فإنَّ اللَه هو الدَّهْرُ "وفي رواية أُخْرَى " فإنّ الدَّهْرَ هو الله تعالى". قال شيخُنا: وعَدُّه في الأَسماءِ الحُسْنَى من الغَرَابة بمَكَانٍ مَكِينٍ وقد رَدَّه الحافِظ بنُ حَجَر وتَعَقَّبَه في مَواضِعَ من فَتْحِ البَارِي وبسَطَه في التفسير وفي الأدب وفي التوحيد وأَجاد الكلاَم في شُرَّاحُ مُسْلِم أيضاً عِياضٌ والنَّوَوِيّ والقُرْطُبُّي وغيرُهُم وجَمَع كَلامَهم الآبِي في الإِكمال. وقال عِياضٌ: القَوْلُ بأنَّه من أَسماءِ اللِه مَرْدُودٌ غَلَطٌ لا يَصِحّ بل هُو مُدَّةُ زَمَانِ الدُّنْيَا انتهى. وقال الجوهريّ في مَعَنى لا تَسُبُّوا الدَّهْرَ أَي ما أَصابَك من الدَّهْر فاللهُ فاعِلُه لَيْس الدَّهْر فإذا شتَمْت به الدَّهْرَ فكأَنَّك أَردْتَ به اللهَ؛ لأَنهم كانوا يُضِيفون النَّوَازِلَ إلى الدَّهْرِ فقيل لهم: لا تَسُبُّوا فاعِلَ ذلك بكم فإن ذلِك هُو الله تعالى. ونقَلَ الأَزْهَرِيّ عن أبي عُبَيْد في قوله " فإن الله هو الدَّهْر" مِمَّا لا يَنْبَغِي لأحَد من أَهْلِ الإِسْلام أَن يَجْهَل وَجْهَه وذلك أن المُعَطِّلة يَحتَجُّون به على المُسْلِمِين قال: ورأَيتُ بعضَ مَنْ يُتَّهم بالزَّنْدَقة والدَّهْرِيّة يَحْتَجُّ بهذا الحَدِيث ويقول: ألاَ تَراه يقول " فإنَّ اللَه هُوَ الدَّهْر".
وقد ورد الدهر في القرآن في موضعين:
-{وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ ۚ وَمَا لَهُم بِذَٰلِكَ مِنْ عِلْمٍ ۖ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} الجاثية:24
-{هَلْ أَتَىٰ عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا} الإنسان:1
وهناك فرقة تسمى الدهرية، والظاهر انها كانت موجودة في زمن النبي.
ما هم الدهريون؟
قال الكليني: " الدَّهريَّة وهمَّ الذين يقولون ﴿وَمَا يُهْلِكُنَا إلاَّ الدَّهْرُ﴾ وهو دين وضعوه لأنفسهم بالاستحسان على غير تثَبُّت ولا تحقيق". (الكافي، ج2 ص389).
ويرى برهان الدين دلو ان: "الدهريّة هو اعتقاد فكري ظهر في فترة ما قبل الإسلام، ويشتقّ المصطلح من الدهر لاعتبارها الزمان أو الدهر السبب الأول للوجود وأنّه غير مخلوق ولا نهائي، وتعتبر الدهريّة أن المادّة لا فناء لها". (جزيرة العرب قبل الإسلام، ص 621).
والدهرية يعتقدون "أنَّه لا دين ولا ربَّ ولا رسول ولا كتاب ولا معاد ولا جزاء بخيرٍ ولا بِشرٍ، ولا ابتداء لشيء ولا انقضاء ولا حدوث ولا عطب، وإنَّما حدوث ما سُمّي حدثا تركيبهُ بعد الافتراق وعطبهُ تفريقه بعد الاجتماع". (راجع :تاريخ اليعقوبي- اليعقوبي- ج1 ص)149.
ويبدو ان الدهرية كانوا في عصر ما يسمى بالجاهلي، فقد ذكر ابن كثير في تفسيره: " كانت العرب في جاهليتها إذا أصابهم شدة أو بلاء أو نكبة قالوا: يا خيبة الدهر. فيسندون تلك الأفعال إلى الدهر ويسبونه، وإنما فاعلها هو الله تعالى، فكأنهم إنما سبوا الله -عز وجل-؛ لأنه فاعل ذلك في الحقيقة، فلهذا نُهي عن سب الدهر بهذا الاعتبار؛ لأن الله هو الدهر الذي يعنونه، ويسندون إليه تلك الأفعال". (راجع كلامه في تفسير الآية: 24 من سورة الجاثية).
واما صاحب تفسير (الميزان) فله رأي آخر اذ يقول:" والآية على ما يعطيه السياق- سياق الاحتجاج على الوثنيين المثبتين للصانع المنكرين للمعاد- حكاية قول المشركين في إنكار المعاد لا كلام الدهريين الناسبين للحوادث وجودا وعدما إلى الدهر المنكرين للمبدأ والمعاد جميعا إذا لم يسبق لهم ذكر في الآيات السابقة.
فقولهم: «ما هي إلا حياتنا الدنيا» الضمير للحياة أي لا حياة لنا إلا حياتنا الدنيا لا حياة وراءها فلا وجود لما يدعيه الدين الإلهي من البعث و الحياة الآخرة، وهذا هو القرينة المؤيدة لأن يكون المراد بقوله: «نموت ونحيا» يموت بعضنا ويحيا بعضنا الآخر فيستمر بذلك بقاء النسل الإنساني بموت الأسلاف وحياة الأخلاف ويؤيد ذلك بعض التأييد قوله بعده: «و ما يهلكنا إلا الدهر» المشعر بالاستمرار.
فالمعنى: وقال المشركون: ليست الحياة إلا حياتنا الدنيا التي نعيش بها في الدنيا فلا يزال يموت بعضنا وهم الأسلاف و يحيى آخرون وهم الأخلاف وما يهلكنا إلا الزمان - الذي بمروره يبلى كل جديد ويفسد كل كائن ويميت كل حي- فليس الموت انتقالا من دار إلى دار منتهيا إلى البعث والرجوع إلى الله.
ولعل هذا كلام بعض الجهلة من وثنية العرب وإلا فالعقيدة الدائرة بين الوثنية هي التناسخ وهو أن نفوس غير أهل الكمال إذا فارقت الأبدان تعلقت بأبدان أخرى جديدة فإن كانت النفس المفارقة اكتسبت السعادة في بدنها السابق تعلقت ببدن جديد تتنعم فيه وتسعد، وإن كانت اكتسبت الشقاء في البدن السابق تعلقت ببدن لاحق تشقى فيه و تعذب جزاء لعملها السيئ و هكذا، وهؤلاء لا ينكرون استناد أمر الموت كالحياة إلى وساطة الملائكة". (راجع ذيل تفسير الآية السابقة).
والدهريون اليوم ليس لهم وجود في عصرنا هذا ابدا، الا اذا اعتبرنا بعض الافكار والنظريات الفلسفية الحديثة، كالماركسية والوجودية والالحادية الاخرى، هي ما تميل او تنسجم من افكار ومعتقدات الدهريون.
وخلاصة كلامنا ان الخيام لم يكن دهريا، ولا يميل الى الدهريين، لكنه عاتب الدهر وذب اللوم عليه، من باب ما كان معظم شعراء العرب الذين سبقوه كانوا يفعلون ذلك، فهو هنا من باب التقليد ليس غير ، والا فأنه لا تربطه صلة بهم ، من قريب ولا من بعيد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التوتر يشتد في الجامعات الأمريكية مع توسع حركة الطلاب المؤيد


.. ما هي شروط حماس للتخلي عن السلاح؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. استمرار تظاهرات الطلاب المؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمي


.. وفد مصري إلى إسرائيل.. ومقترحات تمهد لـ-هدنة غزة-




.. بايدن: أوقع قانون حزمة الأمن القومي التي تحمي أمريكا