الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المشروع الروسي - السوري

محمد أحمد بكور

2017 / 4 / 22
دراسات وابحاث قانونية


مشروع الدستور الروسي – السوري
سياسة استعمارية
وإغتصاب لحق الشعب السوري

دراسة تحليلية إعداد
المحامي محمد أحمد بكور

نشرة وكالة سبوتنيك الروسية مشروع دستور سوري جديد... و صرح وزير خارجية روسيا لافروف أن الدستور وضعه خبراء روس، و بإقتراحات من دول المنطقة، ثم عرض اقتراح آخر بتشكيل لجنة صياغة من (24) عضوا مناصفة بين النظام و المعارضة و يضاف لهم (6) من الخبراء الروس، في مؤتمر استانا – كازاخستان، الذي إنعقد في 23-24 /1/2017 و ضمَ روسيا-تركيا-ايران-وفد النظام و فصائل من المعارضة المسلحة، و خلاله وزَع الوفد الروسي هذ المشروع على المشاركين.

و لإهمية الدستور بشكل عام و لخطورة هذا المشروع و ليس لإهميته بشكل خاص، و تأثيره على مستقبل الدولة السورية، سنتناوله بالدراسة و التحليل لنكشف ما يبيت لوطننا، و عرض مفهوم الدولة و الدستور:
- تطور مفهوم الدولة السياسي و القانوني و أشكالها و مؤسساتها السياسية و اختصاصاتها، عبر المسيرة التاريخية، و سلطاتها بشكل مختصر.
- كما سنتناول الدستور بشكل عام و مشروع روسيا بشكل خاص، ليدرك القارئ خطورته على الوطن، و أنه إغتصاب لحق الشعب، و لنعي ما يخطط لبلادنا عبر تفاهمات و اتفاقات بين روسيا و الولايات المتحدة كيري – لافروف، و يخطئ من يظن أن خلافا جوهريا بينهما، و إنما هي خلافات ثانويه للتنفيذ على الارض و تحديد مناطق النفوذ، كما أنه من خطأ الإعتقاد أن الأدارات الأمريكية تتناقض باستراتيجياتها، لأن هذه لا يضعها فرد و إنما مؤسسات عديدة: الكونكرس-الخارجية-الدفاع-اجهزة المخابرات-المؤسسات الاعلامية-مراكز الدراسات-اللوبيات و خاصة الصهيوني- و المراكز المالية و التجارية...

و هذه الاستراتيجيات ترسم لمئة عام، لذا من الوهم تصور اختلاف الادارة الجديدة لترامب عن ادارة اوباما اختلافا أساسيا، و إن كنا نتمنى ذلك، و الأعمال و التصرفات هي المعيار.
إن ما يطفو على السطح يشبه إتفاقية سايكس –بيكو منذ مئة عام و التي عقدت بين روسيا و فرنسا و انكلترا من حيث المضمون (قبل أن تنسحب روسيا بعد الثورة البلشفية)، و كما ولدت هذه الإتفاقية التجزئة لسوريا الطبيعية و خلقت دولة يهودية في فلسطين، إن الإتفاقات و التفاهمات الجديدة تهيء لتجزئة من نوع آخر و ليس لإنشاء دولة كردية فقط بل دول طائفية و مذهبية، لضرب قلب الأمة العربية أو شلّه عن العمل و للقضاء عليها لاحقا و التخطيط لتعديلات في الحدود الإقليمية لسوريا كرشاوي لدول الجوار، عن طريق إعطائها شرعية مزيفة من خلال دستور روسيا-السوري، كما أنه يعد نموذجا أكثر سوءا من خلق دولة إتحادية.
و كما كانت أميركا في المقعد الخلفي عام 1918 خلال مؤتمر الصلح لتبنيها مبادئ ويلسون ال(14) التي قدمها للكونكرس في 18-1-1918.
إن أوربا العجوز و العاجزة إحتلت في هذه المرحلة المقعد الخلفي في الاتفاقات... و بكلمة مختصر إنه مخطط صهيو-صليبي-شرقي-غربي و للأسف تسهم فيه جهات عربية.
و لإيضاح هذا الهدف سنتناول الدولة، و مفهوم الدستور و الدستور الروسي-السوري لتفسير التفاهمات و المؤتمرات و المساوامات و المقترحات، و لكي لا ننخدع كما انخدع قادة الثورة العربية عام 1917.


الدولة

نستعرض مراحل التطور للوصول لمفهوم الدولة المدنية الديموقراطية و انواعها و أشكال إداراتها.
لقد خلق الله الإنسان فردا، قال تعالى ((و إذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة...))البقرة(30).
بما أن الفرد مخلوق عاقل، أدرك أنه عاجز عن إخضاع و تسخير الطبيعة لمصالحه و تأمين متطلباته و إحتياجاته، فأضطر للتعاون مع غيره، و هذه نقطة البداية لتشكل الجماعة، أسرة-عشيرة-قبيلة تقوم على رابطة الدم، و كمرحلة متجاوزة لما سبق تكون الشعب من التزواج و الإختلاط و الدمج، و تشكلت المجتمعات، و أصبحت حقائق موضوعية غير قابلة للنقض أو التقادم، لأنها حقائق واقعية، و ليست في عالم إفتراضي.
لقد رافق هذا التطور تطورا من نوع آخر في مصادر السلطة من القوة البدنية-الأسرية-شيخ العشيرة... كسلطات بدائية، سبقت نشوء الدولة، و الشعب كنسيج إجتماعي تجمعه أواصر تختلف عما سبقه، كما يختلف عن غيره من الشعوب، و له حيز جغرافي معين سميّ وطنا، هكذا تشكلت الدولة شعبا و أرضا و تاريخا و فكرا و آمالا و طموحات يتقاسم أفرادها السراء و الضراء، و تولدت فكرة الوطنية.
إن الضرورات العملية لهذا التطور اوجبت وجود سلطة تدير و تنظم كافة مناحي حياة المجتمع، و تحدد الحقوق و الواجبات، و علاقات الافراد ببعضهم و بالدولة و هذه بمؤسساتها. إن جذور مفهوم الدولة السياسي و القانوني، يغوص في أعماق التاريخ أسهم في صنعه و صياغته فلاسفة و علماء إجتماع يونانيون بشكل كبير جدا في الفترة بين 1000 – 500 ق.م، و منهم إفلاطون في كتابي (الجمهورية و القانون) تعرّض فيهما لكيفية ممارسة السلطات السياسية، و سقراط و أرسطو في كتابه أثينا.

لقد حق الأوربيون نقلة نوعية في هذا المجال أمثال هوبر – لوك –توما الايكويني – مونتسكيو – و جان جاك رسو الذي نشر كتابه عام 1762م حول الدولة و السلطة و الحق الطبيعي، و صاغ نظريته السياسية الإجتماعية فكانت طفرة في تحديد العلاقة بين الحاكم و المحكوم، و تكييفها عن طريق عقد إجتماعي، يتنازل فيه الأفراد عن حريتهم الطبيعية لتكوين سلطة، ثمّ تسترد تلك الحقوق بواسطتها، أي الإنتقال من الحق الطبيعي الى حق بشري، و هذه أساس فكرة الدستور، و لإستحالة تحقيق ذلك مباشرة في مجتمعات إتسعت و كبرت، فالشعب المنشئ للسلطة ينتخب ممثلين عنه، و لم يشترط الإجماع بل الأكثرية.

إن حصر السلطة العليا بالشعب هي الديموقراطية (مصطلح يوناني يعني حكم الشعب) فهي إذا حصرا بالشعب و للشعب وليس لإي جهة غيره ملكا كان أو رئيسا أو جهة اجنبية روسية-أمريكية-إقليمية أو أمم متحدة.

هكذا حدد روسو بأن الشعب هو صاحب السيادة بشكل مطلق، و رجال السلطة و الحكم يستمدون الحكم منه، و هكذا إستكمل مفهوم الدولة السياسي كشخصية معنوية إعتبارية تقوم على ثلاثة أركان:
1. الشعب
2. الأرض
3. السيادة أو السلطة
إن هذا التطور إستوجب إنشاء مؤسسات للسلطة، و تحديد كيفية ممارستها و وظائفها و علاقاتها ببعضها، و هي مضمون الدستور كقانون أعلى منشأ لها، و أهميته تكمن بتحويل الأفكار و السياسات الى قواعد دستورية تشكل اساسا للروابط القانونية و السيادة، و سوف نتناوله لاحقا بالتفصيل بعد شرحنا لأشكال الدولة.

أشكال الدولة

إن دستور أي دولة هو الذي يحدد شكلها و سلطاتها و توازنها و تعاونها... و على هذا الأساس تصنف الدول:
1. دولة واحدة أو بسيطة كسوريا.
2. الدولة الأتحادية أو المركبة (الفيدرالية).

و يوجد نوع آخر و لكنه لا يدخل ضمن مفهوم الدولة، لابد من الاشارة اليه لإزالة الإلتباس و كشف خطأ من يعطيه صفة الدولة، كي يتمكن القارئ أين موضع سوريا في دستور روسيا-السوري. و هذا النوع هو إتحاد الدول (الكونفدرالية).

و تختلف السطات في هذه النماذج الثلاثة عن بعضها، و هذا يقتضي التفريق بين مفاهيم الدولة-السيادة أو السلطة و الحكومة، فالدولة كما أشرنا لها أركانها الثلاث، أما السيادة فهي ركن من أركانها، كما صاغها فقهاء فرنسا الدستوريين و حددوه بمؤسسات السطلة الثلاث: التشريعية-القضائية و التنفيذية، أما الحكومة فهي إحدى هذه المؤسسات و الأجهزة التي أنيط بها الحكم و التنفيذ.

الدولة البسيطة

و هي دولة واحدة شعبا و أرضا و سلطاتها تكون:
- سلطات مركزية تتركز في العاصمة كسوريا حاليا، أو سلطات لا مركزية يتم توزيع الوظائف و تقاسم السلطات الإدارية مع المحافظات، و سنشرح كل منهما باختصار.

- الإدارة المركزية:
كما قلنا تتركز كافة السلطات في المركز، سواءا كان نظاما جمهوريا-رئاسيا أو ملكيا و في هذا الشكل تدار الدولة من العاصمة، و يعين المحافظون و روؤساء البلديات و الموظفون الكبار من المركز، و هو نظام بيروقراطي يخلق معوقات و صعوبات للمواطن و الدولة، و تزداد المركزية سوءا في النظام الرئاسي، الذي يحصر كافة السلطات بشخص الرئيس و يؤدي للاستبداد.

- اللامركزية الإدارية:
و هذا النوع من الإدارة يخضع للقانون الإداري، و يتم فيه توزيع الوظائف الإدارية بين العاصمة و المحافظات و الأقضية، و تمارسه المجالس المحلية و المحافظون و روؤساء البلديات التي تنتخب مباشرة من الشعب.
إن هذا النموذج يعتبر متطورا و يوسع الممارسة الديموقراطية، فالمجالس المحلية تأخذ شريعتها من الإنتخابات، و ليس بالتعيين من حكومة المركز، و من محاسنه يمنع الإنفراد بالسلطة و الجنوح نحو الإستبداد و النظام الشمولي، و تمركز السلطات بيد فرد أو عدد من الأفراد، و تساعد على التربية لإحترام الديموقراطية و تعزيزها و على تداول السلطة، و تؤدي لتحقيق الأفضل للمصالح، و تحديد أدق للأحتياجات، و أولية المشاؤيع لكل محافظة، و سرعة في الإنجاز، و التخفيف من أمراض البيروقراطية، و تحمل مسؤولية المتابعة و الإشراف و الرقابة، و تخفيف الضغط الإداري عن العاصمة...
إن للمركز إلزام الإدرات المحلية العمل وفق الدستور و مبادئ الدولة لتحقيق المصالح العليا للشعب، لهذا يحتفظ بحق الرقابة و المحاسبة و المساءلة.
إن الدولة البسيطة أو الواحدة سواءا كان نظام الإدارة مركزيا أو لا مركزيا، لها دستور واحد، و علم واحد، و مجلس تشريعي واحد، و السيادة لسطات المركز و لا تقبل التنازل أو التفويض لأي جهة، أو دول تحالف أو أمم متحدة، و إلا كانت سيادتها منقوصة و فاقدة للاستقلال الحقيقي.
بعد أن بينا أنواع الإدارة المعروفة للدولة البسيطة، فإن الواجب يفرض تبيان المصطلح الذي تبناه فصيل من المعارضة السورية، أطلق عليه منصة القاهرة، و هذا المصطلح:
اللامركزية الديمقراطية: إن هذا المصطلح لا يعدو كونه تلاعب بالالفاظ و حذلقة كلامية و غامضا، و هذا الغموض مقصود من واضعيه و مرتبط بهدفه ارسال رسائل الى من يهمه الأمر، لتسويق أنفسهم و أنهم يتحلون بالمرونة و فاتحين الأبواب للمساوامات على مستقبل سوريا و ثوابتها الوطنية.

الدولة الإتحادية

و هذا الشكل للدولة ليس تقاسم للوظائف الإدارية كما سبق شرحه في الدولة الواحدة، و أنما تقاسم للساطات السياسية و هذا الشكل يدخل في إطار الأنظمة السياسية.
إن هذا الشكل للدولة يتم بإتحاد إقليمين أو دولتين أو أكثر، و تتمتع بشخصية واحدة، لكنها تتصف بالإزدواجية في التشريع و الحكم، فلها دستورها و مؤسساتها و قضاءها و حكومة إتحادية، و بنفس الوقت لكل اقليم أو دولة فيها لها دستورها و سلطاتها، و مثال على ذلك كندا-العراق-روسيا... و تنص دساتير هذه الدول الإتحادية على جنسية البلد كندية-عراقية-روسية، و لهذا يجب عدم الخلط بين اللامركزية الإدارية و التي تناسب سوريا و الدولة الإتحادية بالمفهوم السياسي.

إتحاد الدول (الكونفدرالية):

كما سبق إتحاد بين دول مستقلة، و لا تشكل كيانا دوليا له شخصية معنوية واحدة، رغم أن لها دستورا مشتركا ينص على تشكيل هيئات سياسية للتنسيق في مجالات: الخارجية-الدفاع-النقد...، و لها برلمان واحد، و الدول المكونة لها تحتفظ بشخصياتها المعنوية و دساتيرها و مؤسسات سلطاتها الخاصة بها... و مواطنوها يحملون جنسيات دولهم و نظامها ينص على إمكانية الإنسحاب منها، وفق آليات حددها دستور الإتحاد، و أوضح مثال على ذلك الإتحاد الأوربي و الإستفتاء على خروج بريطانيا منه.

الدستور

لأهميته و لنتمكن من أدراك خطورة المشروع الروسي نختصر بعض المفاهيم، و هي تعريفه، إصداره، تعديله و إلغاءوه.
تعريفه:
هو مجموعة من القيم الفكرية و السياسية و الإجتماعية و الإقتصادية و الثقافية، تتضمنها وثيقة رسمية مكتوبة (و قد يكون الدستور غير مكتوب كما في بريطانيا) تحولت لقواعد دستورية، نتيجة عقد إجتماعي و سياسي، كما صاغها جان جاك روسو، محددا أن الشعب مصدر وحيد لتحديد شكل دولته و السيادة، و هو المالك لها و صانع للسلطات و إختصاصاتها و ممارستها...

و له الحق بإلغائها أو تعديلها حسب مقتضيات المصالح العامة، وفق قواعد و آليات يجب إحترامها من المحكومين و الحاكمين و هذه الوثيقة هي القانون الأعلى للدولة، و مرجعية و دليل و مرشد لإصدار القوانين و تتفوق و تسمو عليها.(دراسة منشورة للكاتب عام 2012 مقارنة بين الدساتير الديموقراطية و الإستبدادية).
إصداره:

يتم إصدار الدستور وفق آلية حددها القانون الدستوري كما يلي:
1. إنتخاب جمعية تأسيسة إنتخابا حرا و مهامها حصرا إعداد دستور، و يكون أعضاؤها من فقهاء القانون ذوي الإختصاص و يتمتعون بكفاءة و خبرة قانونية و عليمة و عملية عالية، من ذوي الشهادات الجامعية
2. تعد مشروعا للدستور، و ينشر في وسائل الإعلام لمدة محددة لإطلاع الرأي العام عليه، و افساح المجال لمناقشته، و تقديم الملاحظات و المقترحات عليه، و تعديل البعض و إلغاء آخر...
3. يعرض المشروع بصيغته النهائية بعد إنتهاء مدة إطلاع الرأي العام عليه على الأستفتاء، الذي يجب أن يتم في مناخ كامل من الحرية للشعب و الأحزاب و منظمات المجتمع المدني و في ظل قضاء مستقل، و لتأكيد نزاهة الإستفتاء و أنه جرى حسب المعايير الدولية، يمكن دعوة الجامعة العربية و الأمم المتحدة للرقابة و الإشراف.
4. إذا حاز المشروع على اكثرية أصوات الناخبين، يكون قد نال الموافقة، و أكتسب الشرعية و أصبح نافذا و ساري المفعول.

و لا يجوز لمجالس النواب مهما أختلفت مسمياتها، أن تضع دستورا، لأنها أحد عناصر السلطة كما مر سابقا و تختص بتشريع القوانين، و لأنها تمثل إتجاهات سياسية و عقائدية للاحزاب و الكتل التي تتشكل منها و تخضع لقناعاتها، و للتوافقات و التفاهمات الفئوية المرحلية و هي ذات طبيعة مؤقتة، و هو ما يتناقض مع طبيعة الدستور الذي يمثل المصالح العامة، و يتمتع بالثبات و الديمومة النسبية. فمهمتها تشريع القوانين التي تعتبر مرجعيتها القواعد الدستورية.

التعديل أو اللإلغاء

قد تتغير الظروف و تقتضي المصلحة العامة تعديل الدستور أو إلغاءه لهذا حددت القواعد و الآليات التي يجب إتباعها، لأنه ناتج عن إرادة شعبه الحر صاحب الحق المطلق و عن عقد إجتماعي كما مر معنا. و في غياب الإرادة الحرة أو وجود معوقات و موانع مادية أو معنوية تشوب حريته يعتبر باطلا فكيف إذا إغتصبت دولة أو جهة ما هذه الإرادة يعتبر باطلا بشكل مطلق، لغياب الطرف الأساسي في العقد الإجتماعي، و يعتبر عقد إذعان، يعبر عن إرادة الجهة التي فرضته و هذا هو حال مشروع الدستور الروسي-السوري.
و توجد سوابق تاريخية مشابهة في بلادنا، فرضها الإنتداب الأنكليزي عام 1921 على فلسطين. و الصراع الذي جرى بين الإنتداب الفرنسي و القوى الوطنية السورية، و إضطرار فرنسا تحت ضغط المقاومة الشعبية على إنتخاب هيئة تأسيسية أصدرت دستور عام 1928، و الذي لم يعجب الإنتداب، فأراد تعطيل إرادة الشعب،
و طلب إلغاء المواد:
2-73-74-75-110 و 112 بذؤيعة أنها تعرقل و تعيق واجباته، و لما رفض طلبه أصدر المندوب السامي تأجيل العمل به لمدة 3 أشهر، ثم ألحقه بقرار تعليق الجمعية لإشعار آخر، أصدر بعدها في 22-5-1930 إعلانا دستوريا، ألغى مفعول المواد المشار إليها بإضافة المادة 116 التي نصت على أن أي حكم من الأحكام لا يصبح ناجزا إلآ بموافقة الحكومتين السورية و الفرنسية، و قد رفضته المعارضة لأنه حق حصري للشعب لا يقبل المشاركة و التنازل و حالت دون تطبيقه، حتى نالت سوريا استقلالها في 17 نيسان 1946.
بعد أن بينا أهمية الدستور في الدولة الديموقراطية الحديثة و حق الشعب حصرا في إصداره، نتناول مشروع الدستور الروسي-السوري لإيضاح إغتصاب روسيا و من معها لهذا الحق في إعداده و صياغته و خطورة مضمونه لتفتيت المجتمع و تفكيك الوطن.
إن مساعي روسيا مستغلة الظروف لفرضه و كذلك ما يطرحه ستيفان دي مستورا الوسيط الدولي هو سياسة إستعمارية بإشراف الأمم المتحدة، التي تلعب نفس دور عصبة الأمم في فرضها الإنتداب، و إن منطلق روسيا هو مصالح إستعمارية ينطلق من خلفية صليبية. أن ما يطفو على السطح بين الإدارة الأمريكية و روسيا من خلافات يحاول البعض تضخيمها و يروج لها آخر، أنما هو وهم لا يتعدى التنافس على مساحات النفوذ و حصص كل منهما، و يذكرنا بالتنافس الفرنسي – الأنكليزي على تطبيق إتفاقية سايكس بيكو و ما جرى على خرائطها من تعديلات بعد إنتهاء الحرب الأولى، فرضتها موازين القوى على الأرض (أنظر بحثنا حصاد 3 سنوات 8-2-2014).
و نحيل كذلك القارئ لمراجعة ملفات مفاوضات مؤتمر الصلح عام 1918 بين فرنسا و بريطانيا و أمريكا التي كانت تعمل خلف الكواليس، و حاليا فإن أوربا و أصدقاء سوريا يلعبون دور (الكومبارس).

الدستور الروسي – السوري

بعد أن عرضنا مفهوم الدستور السياسي و القانوني، و أنه حق مطلق للشعب في ظل حرية تامة، يعبر فيها عن رأيه و إختياراته، فإن مقارنتها مع مشروع روسيا نجده إغتصاب لهذا الحق و إعتداء على السيادة، و سنتناول بعض مواده و أخطارها المستقبلية، و أنه مشروع تفتيت و تفكيك بإمتياز، و هو أخطر مما حاول الإنتداب الفرنسي فرضه، مستغلة الصراع المعقد و اطلاق يدها من قبل أمريكا و اسرائيل، و تواجدها العسكري، فهي تسابق الزمن لفرض خارطة جغرافية إنفصالية لإسباغ شرعية دستورية زائفة تنتزعها من أطراف الصراع، و بكلمة أخرى ممن لا يملك هذا الحق، مستخدمة كافة الوسائل العسكرية و الحصار و التجويع و التهجير... و إستغلال الظروف اللاانسانية، و معارضة ضعيفة لا تملك قرارها، و بالأحرى فإن كل أطراف الصراع ليسوا أكثر من كرة ملعب قدم تتقاذفها أحذية اللاعبين اسرائيل-روسيا-أمريكا، لأن القضية السورية خرجت من إيديهم.

لنعد الى مشروع الدستور الروسي
بعد عرضنا لمفهوم الدولة الحديثة الديموقراطية، و أنواعها الواحدة (مركزية-لامركزية إدارية) و الدولة الإتحادية، و إن المالك الوحيد لإصدار الدستور هو الشعب. نتناول بعض المواد و المفاهيم التي وردت فيه و مقارنتها بالمبادئ الأساسية.
1. إن إعتراف وزير خارجية روسيا كما ورد في مقدمة البحث بأن خبراءها قد صاغوه، هو إعتراف صريح باغتصاب و سلب حق الشعب السوري الحصري بإجماع فقهاء القانون الدستوري، و هو حق لا يقبل التصرف أو التفويض أو توكيل الغير أو تفويضه، كما لا يقبل أن يشاركه به غيره إلا إذا كان خبراؤها هم الشعب. و نتساءل هل يوجد سابقة لدولة مستقلة ذات سيادة أن وضع دستورها من قبل دولة أخرى حتى العراق في ظل إحتلال 2003 وضع دستوره خبراء عراقيين بغض النظر عن مضمونه و محتوياته.
2. إنه إعتداء على سيادة دولة سوريا كدولة مستقلة.

لقد ورد في المشروع - تعتمد سلطة الشعب و أولوية القانون و مساواة الجميع بالحقوق دون فرق أو تمييز.
- تشكل وحدة الشعب السوري المادة الأولى الفقرة1-2-3 أساسا لسوريا وطنا غير قابل للتجزئة لكافة مواطنيها...و المادة (2) الفقرة 2 أن شعبها متعدد القوميات و الطوائف و مصدرا للسلطة... و حق تقرير المصير حق سياسي للشعب.

إن هذه العبارات مليئة بالتناقضات و المفاهيم الغامضة عن سابق اصرار و تصميم، فهو يتكلم عن وحدة الشعب و المساواة و يتبعه أنه شعب متعدد...
إن هذا التناقض لا يخفى عن المشرعين الروس الذن صاغوه، إنه محاولة حسب ظنهم لإرضاء جميع الأطراف، ليأخذ كل منهم ما يناسبه، و لزرع بذور خلافات و صراعات مستقبلية. إنه رسم لسياسة إنفصالية بذريعة التعددية و حق تقرير المصير إنطلاقا من قاعدة استعمارية قديمة فكرية-سياسية-فرق تسد.

لقد تحدث المشروع عن وحدة سوريا أرضا و شعبا شكلا، لكن حقيقته و مضمونه هي التجزئة و التقسيم الى مناطق و أقاليم أثنية و طائفية بإسم الحكم الذاتي، فالأخوة الأكراد حوالي 10% موزعون على الساحة السورية، و لا يضمهم حيز جغرافي واحد و عاشوا مع إخوتهم عربا و تركمان قرونا عديدة، و لا أكثرية لهم إلا بإقضية صغيرة، و ما يجري على الأرض بدعم روسي-أمريكي و إسرائيلي يفسر سياسيا أنه لإيجاد كيانات و كانتونات إنفصالية، و يدعون بالحرص على وحدة سوريا...

إن إدعاء الكورد بالمظلومية إدعاء كاذب و يخفي وراءه مصالح دول أجنبية، فالمظلومية أصابت الشعب السوري بشكل عام نتيجة تمركز السلطة السياسي و الإداري و لم يصبهم إلا القليل منها، و أن إدعاءهم قدموا عشرات الضحايا فإن مناطق العرب السنة قدمت عشرات الألوف، و التاريخ يشهد بأن أكثر رؤوساء الجمهورية هم من الكورد و لم يثر يوما أي حساسية، و هذا الموضوع يحتاج الى بحث مستقل و لكن لتوضيح بإن المظلومية ليست وراء أندفاع بعضهم للتغيير السكاني إستعدادا للانفصال، و إنما تبعية عدد من قياداتهم للخارج، و ميولهم العنصرية و لا تمثل الرأي العام الذي يعبر عن نفسه بأنه جزء من نسيج سوريا و تاريخها المشترك.

فالشعب السوري الذي يعيش على جزء من سوريا الطبيعية و شكل دولته الحالية بموجب إتفاقية سايكس بيكو، هو شعب واحد منذ مئات السنين، و مواطنون متساوون، و نسيج إجتماعي واحد و إن تعدد ثقافيا و مذهبيا و دينيا.

إن الهويات الفرعية ليست نقيضا أو متعارضة مع الدولة المدنية الديموقراطية، التي تضمن مساواة الجميع دون تمييز لأي سبب، و هذا يفرض طرح سؤال على الروس و من خلفهم، هل توجد دولة في العالم عنصرا و دينا واحدا؟ فروسيا نفسها تتكون من قوميات متعددة روسية-بشكرية-تتارية-اوكرانية-شيشانية-أرمنية... و سكانها مسيحيون و إسلام، و الولايات المتحدة العظمى هي دولة مهاجرين، و تضم عشرات القوميات و الديانات، من أعراق مختلفة بيضاء-أوربية –أفريقية-آسوية و عرب و دياناتهم مسيحية بطوائفها و اسلام بمذاهبه ، يهود و شكلت شعبا واحدا يحمل الجنسية الأمريكية و وصلت الى أقوى دولة منذ وجد الأنسان على كوكب الأرض.

محتويات المشروع الروسي:

- السطلة التشريعية المادة (34): نص على تشكيل جمعيتي تشريع
1. جمعية وطنية للمناطق.
2. جمعية الشعب.

و بكلمة مختصرة نص على إزدواجية السلطة التشريعية و على تقاسم السلطات و المسؤوليات حسب المادة (15) الفقرة3، لكنه أعطى التفوق و الأولوية السياسية لجمعية المناطق، و تجنب أن يسميها جمعية إتحادية (للمكونات) إمعانا في التضليل و أعطاها الحقوق التالية:
حق عقد إجتماعات منفردة – حق التشريع – حق إقرار القوانين لتصبح نافذة - حجب الثقة عن الحكومة – إقرار الحرب و السلم – الموافقة على ترشيح رئيس الجمهورية – تأدية القسم أمامها المادة (76) الفقرة2 – تنحية الرئيس أي إقالته – تقديم إستقالة الرئيس للجمعيتين في المادة (62) الفقرة1 – تولي الجمعية منصب الرئيس في حال عجزه و عجز رئيس الوزراء عن تولي المنصب – تعيين إعضاء المحكمة الدستورية العليا المادة (77) الفقرة2 – الإشتراك مع جمعية الشعب لتعديل الدستور المادة (80) الفقرة1.

- و نص المشروع على التمثيل النسبي للإقليات و هذا يتناقض مع المادة الأولى في مشروعه التي تحدثت عن وحدة الشعب.
و نتساءل هل دستور روسيا الإتحادية أو حلفاءها ينص على التمثيل النسبي للأقليات و الطوائف، و المحاصصة بتعيين نواب رئيس الوزراء و الوزراء حسب التمثيل العرقي و الديني؟ و نص على إعطاء حريات للمنتمين للأقليات، أليس هذا تناقضا مع وحدة الشعب طالما هم مواطنون في الدولة المدنية الديموقراطية، و يتمتعون بالمساواة أمام القانون، و ليس لأقلية أو أكثرية حقوقا خاصة، و يعد هذا تمييزا بين فئة و أخرى، و يتناقض مع قواعد القانون الدولي و حقوق الإنسان و المساواة. فالشعب مواطنون و ليس أديانا و مذاهبا و أعراقا، و يتناقض مع ما ورد في مقدمته، التي أعترفت بالشعب السوري في الدولة القائمة على تقاليد قرون طويلة، و نص على مساواة الجميع أمام القانون و التضامن الإجتماعي دون تمييز، و في متن المادة (64) الفقرة3 تحدثت عن مكونات أقليات-محاصصة-تمثيل نسبي، و هذا يتعارض مع ما أشادت به المادة 1 عن تعزيز التراث الوطني للوحدة الوطنية.

- لقد تعمد المشروع إغفال إن الإسلام هو أحد مصادر التشريع، علما بأن أكثر من 90% من الشعب السوري مسلمون و من حقه أن يقرر ماهي مصادر التشريع و يأخذ ما يراه مناسبا، لأن التشريع من أعمال السيادة، و الدين الإسلامي تراث و تاريخ للمسلمين و غيرهم، و التشريع عامة يقر الأخذ بالتقاليد و الأعراف و العادات، أي تكرار أمر على وتيرة لعدة مرات، فكيف يتجاهل تراث تناقله الشعب لأكثر من 1400 عام، فلكل شعب أن يقرر مصادر تشريعه، فسنغافورة هذا البلد الآسيوي متعدد القوميات و الأديان و نظامه علماني و قضاءه يعتبر الثاني نزاهة في العالم، يقرر حتى الآن الضرب بالعصا لبعض العقوبات، إنه عدوان آخر على الشعب و تراثه و سيادته.
- و الأخطر مما ورد سابقا منح البرلمان تغيير حدود الدولة و هو يتناقض مع ما ورد في مشروعه عن وحدة سوريا في الجزء الأول المادة (9 ) الفقرة2 أراضي سوريا غير قابلة للتفريط إلا عبر إستفتاء، و كلمة إستفتاء تعبر عن النوايا للتجزئة و التقسيم و لا إجتهاد في مورد النص.

نجزم ليس خطاءا أو جهلا ما تضمنه المشروع من مغالطات، إنما هو تعبير عن نوايا و مخططات، يراد من ورائها التنازل عن أراض من الوطن كرشوة للدول المجاورة، و أولها التنازل عن الجولان.

يتبين مما عرضناه سابقا أن المشروع تضمن توزيعا للسلطات السياسية، و هذه من سمات الدولة الإتحادية، أما اللا مركزية الإدارية فهو تقاسم و توزيع الوظائف الإدارية فقط.
و ألغى المشروع صفة العربية من أسم الجمهورية، و هو يخالف السائد في العالم بأن الدولة تأخذ صفتها من أكثرية سكانها، فأمريكا كما ذكرنا دولة مهاجرين و لكن جنسية المواطنين جميعهم أمريكية.

رئيس الجمهورية

لقد حدد المشروع عمره بأربعين سنة و بتمتعه بالجنسية السورية، و حذف شرط أن يكون بالولادة من أبويين سوريين لإفساح المجال أمام متجنسين من الشيشان أو الروس أو الأفغان أو إيران...، و الأخطر من ذلك إذا ربطنا جنسية الرئيس بالمادة (55) التي منحته تسوية شؤون الجنسية أي إطلاق يده في إعطاءها للإجانب الذين أرسلوا لدعمه، و تطبيق الأفكار التي تقول أن سوريا لمن يدافع عنها، و حرمان من يستحقها من مئات السنيين، و في المادة (21) الفقرة1 ورد إن الجنسية تنظم بقانون، و تجاهل المشروع التعرض للجنسية كما تنص دساتير العالم إما بحق الدم أي لكل سوري ولد من أبويين سوريين أو لأب أو لأم سورية، أو بحق الأرض الذي يعتبر كل من ولد على الأرض هو سوريا، و بعد ذلك ينظم القانون كيفية التجنس على أن لا تعطى لإغراض التغيير السكاني أو لإسباب سياسية.

• نصت المادة (60) الفقرة2 بأنه قائد أعلى للقوات المسلحة و غيرها من التنظيمات المسلحة.
• المادة (10) الفقرة3 حقه في إنشاء وحدات غير القوات المسلحة.
• إن ما تقدم من إعطاءه هذا الحق، هو لشرعنة المليشيات لتتحكم بالبلاد و على غرار ما حدث في التاريخ من حكم للمماليك.
• إعطاءه حق المبادرة التشريعية بالمادة (45) الفقرة1 و هو تجاوز على حق السلطة التشريعية.
• إعطاءه حق إجراء إستفتاء للقضايا المهمة بشكل مطلق و ترك له السلطة التقديرية.
• تسمية رئيس الوزراء و نوابه و الوزراء و إعفاءهم و قبول إستقالاتهم بالمادة (64) الفقرة1.
• تحديد الإتجاه العام لأعمال مجلس الوزراء المادة (63) الفقرة3، و هذا يعني أنهم موظفون عنده.
• المادة (80) إعطاءه حق إقتراح تعديل الدستور.
إن هذه الصلاحيات هي تكريس للنظام الإستبدادي الشمولي.

و تضمن المشروع في المادة (7) الفقرة 3 بأن معاهدات سوريا جزء لا يتجزأ من نظامه القانوني.
و هنا يجب التمييز بين نوعين من المعاهدات، لأنها ليست كلها جزء من القانون الدولي، أما النص بشكل مطلق فهو تعسف و خطأ قانوني.

و تصنف المعاهدات الدولية:
1. معاهدات ملزمة، و هي التي تعتبر جزءا من القانون الدولي، و يمكن فهم هذا لسمو القانون الدولي على الوطني في هذا النوع.
2. المعاهدات الثنائية، و هذه قد تكون مشروعة و ملزمة، و معاهدات غير مشروعة و التي يشوبها عيب قانوني تعتبر غير ملزمة، لعقدها في ظروف غير طبيعية و تطبق عليها:
المادة (62) من إتفاقية فيينا إنسحابا-فسخا-انهاءا و تقادما.

إن روسيا تبغي إعطاء بعض إتفاقياتها التي عقدت تحت ضغط ظروف الصراع و إكراه مادي و معنوي، يتناقض مع المصالح العليا للوطن صفة المشروعية و تلزم بها الأجيال و تكبل بها الدولة لأنها عقدت في ظل إختلال الإرادات للتعاقد مما يشكل عيبا قانونيا يجعلها باطلة، فروسيا تتصرف كدولة إحتلال، مخالفة قواعد القانون الدولية، مستغلة بعض التفاهمات مع النظام، و تتصرف بعيدا عنها و هذا ما يفسره رفض وفد النظام إستلام ورقة المشروع، كما رفض وفد المعارضة ذلك، وهذه أهم نقطة إيجابية في مؤتمر إستانا لرفض الطرفين إغتصاب حق الشعب.
و لابد من المرور سريعا على بعض المواد:
• المادة (12) سمحت بالإجبار على العمل في إطار أوامر المسؤولين.
• المادة (21) الفقرة2 المقابر مقدسة و أماكن العبادة مواقع دينية و ثقافية. إن إحترام قدسية المقابر و إعطائه الأولية على أماكن العبادات لكل الديانات إستهتار و إستهانة بمقدسات الشعب.
إن هذا المشروع يؤسس لنزاعات و حروب محلية و إقليمية تستمر لعشرات السنين، ما يخالف مقاصد الأمم المتحدة بحفظ السلم و الأمن الدوليين.
إن قراءة ما يجري على الأرض من تواجد قوات أجنبية متعددة و إنشاء مطارات و قواعد، و نزوح و لجوء و تهجير لتغيير البنية السكانية لبعض المناطق برعاية روسية و بصمت أو مشاركة الأمم المتحدة أحيانا تحت عنوان المصالحات هو التنفيذ العملي لهذا المشروع.

تدخل الأمم المتحدة عبر الوسيط الدولي ستيفان دي مستورا

إن المادة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة حددت أهم وظائفها بحفظ السلم و الأمن الدولي، و حل المنازعات التي تقود لإخلال بهما و تسويتها، و من هذا المنطلق كلفت عدة وسطاء توالى الواحد تلو الآخر: كوفي عنان-الأخضر الإبراهيمي-دي مستورا كوسيط دولي بين النظام و المعارضة، فمهمته واضحة و محددة، و طرق حل المنازاعات و آلياتها معروفة و يوجد سوابق دولية كثيرة.

إذا دي مستورا هو وسيط و ليس مندوبا ساميا، و يمنع عليه التدخل للتأثير على إرادات الأطراف المتنازعة بالتهديد و الإكراه و سلب الحقوق، فتارة يهدد بتشكيل وفود و أخرى يعمل على إصدار دستور، و يبتز ما يسمى بالمعارضة لفقدان معظمهم الإرادة و بما يخالف ميثاق الأمم المتحدة، لأنه كما سبق في المادة (2) الفقرة 7 لا يوجد ما يسوغ تدخله في شؤون السلطان الداخلي، و هل يوجد أهم من الدستور المنشأ و الخالق لهذا السلطان. فوظيفته العمل لإيجاد حل سياسي و تسوية الأزمة و التقريب بين الأطراف للوصول الى قواسم مشتركة دون ضغوط أو إكراه، و إن تدخله في الشؤون الداخلة إعتداء سافر على السيادة و السلطان الداخلي، فكما أنه ليس من صلاحية روسيا وضع دستور للبلاد كذلك لا يحق لدي مستورا أو الأطراف المتفاوضة هذا الحق، لأنه ملك مطلق للشعب، و له إجراءته و ضوابطه كما مر سابقا.

و بما أن مقررات جنييف و مجلس الأمن تنص على تشكيل هيئة أو جسم إنتقالي، لابد من قواعد دستورية تحكم هذه الفترة المؤقتة و تحدد مراحلها التالية. لقد إقترحنا منذ عام 2005 إعادة العمل بدستور 1950، نكرر إقتراحنا أن يكون مرجعية المرحلة الإنتقالية، حتى يتم إنتخاب جمعية تأسيسية تضع دستورا يواكب المستجدات و الأوضاع الحالية. إن أسباب إقتراحنا لهذا الدستور كونه صدر بإرادة شعبية حرة و وفق آليات الدول الديموقراطية، و ألغاءه تم بإنقلاب عسكري. لقد صدرت عدة دساتير في أعقاب الإنقلابات المتتالية لفرض الأمر الواقع، أو ما يطلق عليها الشرعية الفعلية، و هي تتناقض مع الشرعية الدستورية، و من هنا يستمد دستور 1950 شرعيته، و في حال عدم التوافق على جعله مرجعية، يجب الإتفاق على وثيقة مرحلية تكون جسرا للعبور من الوضع القائم الى الوضع الجديد، و نقترح بعض المبادئ العامة التي يجب أن تحتويها، إن توفرت الإرادة و النوايا الحسنة.

1. التمسك و الحفاظ على وحدة سوريا شعبا و أرضا، و عدم جواز التنازل عن أي جزء من أراضيها.
2. الحريات حق مقدس و لا يجوز المساس بها.
3. احترام حرية التفكير و العبادة و التعددية الثقافية و الحزبية.
4. المساواة أمام القانون دون تمييز كمواطنيين لا مكونات.
5. إخراج كافة القوى غير العربية من البلاد.
6. إصدار عفو عام عن كافة الجرائم السياسية.
7. ضمان مشاركة جميع المواطنين: سكانا-نازحين-لاجئين-مهجرين للمشاركة جميعا في الإنتخابات لأنها مرحلة تأسيسية لعقد إجتماعي و جمهورية جديدة.
8. عقد مؤتمر وطني للمصالحة.
9. إعتماد اللامركزية الإدارية و تقاسم الوظائف الإدارية بين العاصمة و المحافظات.
10. إستقلال القضاء و هو وحده المسؤول عن إقامة العدل و المحاسبة أمام المحاكم.
11. إعادة الجيش و المؤسسة العسكرية و الأمنية للدفاع عن الوطن و الحفاظ على إستقلاله و سيادته و وحدته و أمنه.
12. حصر حمل السلاح بالدولة فقط.

إننا ننبه الدول الأقليمية أن تعي جيدا أن تجزئة سوريا سيطال دولهم، و لا يحتاج الموضوع لتفكير كثير و منظرين و مفكرين، إن قراءة ما يجري على الأرض يكشف النوايا و المخططات، فإذا كانت الدول الكبرى و إسرائيل قد حققت هدفها الأهم لإثارة الصراع الطائفي و القومي في سوريا فأنه و لا شك قد خلق حالة عامة في المنطقة و هذه تحمل بذور المراحل اللاحقة، فعلى العقلاء من مسؤولي هذه الدول أن يجنبوا بلادهم الصراعات و التقسيم بالعودة الى لغة العقل و الحوار بين الأطراف الأساسية العرب-ايران و تركيا للوصول الى علاقات حسنة جوار و تطبيع العلاقات فيما بينهم و الإتفاق على استراتيجية أمنية للمنطقة و التوقف عن الأوهام و أضغاث الاحلام بتشكيل أمبراطوريات، فملامح المرحلة القادمة أصبحت ساطعة كضوء الشمس. فروسيا الدولة الكبرى التي تدعي أنها تعمل وفق القانون الدولي، فأنها تمارس الأزدواجية بأعلى مراحلها، فعندما يتعلق الأمر بتشكيل هيئة إنتقالية أو حاكمة... تقول هذا حق للشعب و هي تغتصبه، و هي تدعي الحفاظ على وحدة سوريا و سيادتها تعمل على تجزئتها الى مكونات إثنية و طائفية، بما يخالف تشكيل الدول القائمة في العالم، إذ لا توجد دولة دينا و عرقا صافيا، فالتعددية الثقافية و الدينية للإنتماءات الفرعية لا تتناقض مع الولاء للهوية الوطنية، و أن الصراع ليس سببه تعدد الإنتماءات و فرعية الهويات، بل سوء الإدارة و التصرف، و إن الظلم وقع على الجميع دون إستثناء.

في الختام يجب أن يعي الجميع معارضة و موالاة أن القضية خرجت من أيديهم، و أصبحوا كأحجار الشطرنج، و الحسم العسكري غير مسموح به لأي طرف و أن الحل السلمي و التسورية السياسية يجب أن تكون هدف الجميع، لوقف حمامات الدم و الدمار و الإتفاق على مشروع وطني، يحافظ على وحدة البلاد شعبا و أرضا، في ظل الحرية و الديموقراطية و اللامركزية الإدارية.

و نعتذر من القارئ من التكرار لأن الهدف منه التأكيد على حق الشعب كمصدر أساسي و وحيد للدستور و للسلطات و المالك لها.
و نأمل أن نكون قد حالفنا الحظ لتبيان بعض مخاطر ما يخطط لوطننا، فالكمال لله وحده و هو وراء القصد و منه التوفيق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شبح المجاعة يخيم على 282 مليون شخص وغزة في الصدارة.. تقرير ل


.. مندوب الصين بالأمم المتحدة: نحث إسرائيل على فتح جميع المعابر




.. مقررة الأمم المتحدة تحذر من تهديد السياسات الإسرائيلية لوجود


.. تعرف إلى أبرز مصادر تمويل الأونروا ومجالات إنفاقها في 2023




.. طلاب يتظاهرون أمام جامعة السوربون بباريس ضد الحرب على غزة