الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دامداماران [6]

وديع العبيدي

2017 / 4 / 24
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


وديع العبيدي
دامداماران [6]
في علم الاجتماع السياسي..

تغليب فكرة البداوة على سكان شبه الجزيرة العربية، أشاع نظرة غير صحيحة حول صورة المنطقة، وذلك بسبب استسهال التعميم وعدم فصل الجغرافيا عن التاريخ والسيرورة الزمنية. ولا عذر او تبرير لهذا الاستسهال من قبل القدماء او المحدثين، غير الاستهانة بروح العلم والامانة التاريخية.
وقد اشرت في مكان آخر"*" ان ظاهرة البداوة كانت محصورة في خريطة جغرافية محددة، وكان ظهورها خلال حقبة زمنية محددة بظروفها. ولم تكن في أي حال، حالة عامة لعموم جغرافيا سكان شبه جزيرة العرب، ولا ظاهرة ازلية دائمة. فاهمال الزمكان في قراءة التاريخ العربي كان مجازفة مجافية للمنطق والحقيقة.
ومن هنا رأيت تثبيت محاولة في التاريخ السياسي للمنطقة قبل اللاسلام قدر الامكان. على اعتبار ان الظاهرة السياسية لا تكون بغير حقيقة الاستيطان، وبلوغ الوعي الاجتماعي مستوى لائقا، لادراك ضرورة التضامن والتكافل، وتقسيم الواجبات والحقوق داخل الجماعة المتحالفة.

درج الاقدمون على تحديد المقصود ببلاد الجزيرة او (العرابيا) بخط وهمي يمتد من رأس العقبة حتى شاطئ الخليج المقابل- (جواد علي في المفصل)-× والقول أن [حدود العرب عند أهل الجغرافيا لا تتجاوز شمالا الخط الذي فرضوه بين (ايلة) وخليج العجم، ولا تتعدى تخوم الكوفة. وهذا على التقريب ما كان الروم يدعونه بلاد العرب الميمونة]- (جرجس سال في كتابه: حقائق عن العرب في الجاهلية)-.
وفي ضوء هذا التحديد يمكن تقسيم سائر بلاد الجزيرة الى ستة اقسام..
اليمن- الحجاز- تهامة- نجد- اليمامة- البحرين.
وقد اضاف اليها العروبيون المعاصرون – في القرن العشرين- كلا من [العراق- وبلاد الشام] التي ضمت للحكم العربسلامي غزوا بعد العام (636م)، بعدما كانت ممالك وطنية مستقلة بذاتها، ومرتبطة كل منها سياسيا باحدى الامبراطوريتين الفارسية والرومانية على التوالي.
وردّي في هذا المجال، أنه، إذا كان اهل اليمن وصفوا اهل الحجاز بـ(المستعربة)، فماذا يدعى [اهل العراق والشام] الذين هم أقدم من أهل اليمن تاريخا، ولهم وضعهم وصفتهم المميزة في بدايات الاستيطان والحضارة الانسانية.
على ان دخول مقطع (است-) العربي على الكلمة يحيل على العجمة وضد الاصالة. وما نزال نقول ان [الاستكراد] او [التكريد] يضاد الروح الكردية، ومثله [الاستعراب/ التعريب] ضد الاصالة. فالمستعرب لا يكون عربيا، وانما يضعه موضع (الهجنة= اختلاط الجنس والانتماء) الذي صنفته الدولة العربسلامية تحت عنوان (الموالي)، أي سكان المستعمرات بالاصطلاح الحديث.

كانت اليمن اقدم مواطن الكيانات السياسية في صورة المملكة التي تسودها عوائل حاكمة تتناوب الحكم في ذراريها. وقد اكتسبت اليمن تقاليد الحكم من جوارها التاريخي العريق لمملكة الحبشة/ أثيوبيا التي كانت تشمل عموم القرن الافريقي. ومن المحتمل انها وراء انشاء مملكة اكسيوم [100- 940 م] الممتدة على جانبي مضيق المندب الافريقي والاسيوي.
ويختلف المؤرخون في جعل عاصمة اكسيوم في شمال اليمن، ويقول غيرهم انها كانت في موقع اريتريا اليوم وامتدادها الجغرافي شمال اليمن. لكن الثابت ان ممكلة اكسيوم كانت ذات نفوذ تجاري بحري، يسيطر على جنوب بحر القلزم/ الاحمر من الجانبين.
وثمة من يزعم ان اكسيوم كانت مملكة مسيحية، تابعة لمملكة النجاشي. رغم ان نشأتها تسبق التاريخ المسيحي. وهذا يقود الى ظاهرة الهوية والطبيعة الدينية لممالك اليمن المخالفة لمسيحية اكسيوم والنجاشي، وهي اليهودية. وفي المصادر التراثية ترد عبارة (مملكة نجران)، وهي اشارة لاكسيوم غالبا.
وقد تعارف تاريخ اليمن القديم على عدة ممالك أو عوائل ملكية متعاقبة، منها..
المملكة المعينية [1000- 24 ق. م.]..
وهي مملكة عبرية على رأسها كاهن اعلى يدعى (مذود) اشتقاقا من اسم المجلس او القصر الذي يقيم فيه واسم القصر (مذود) بحسب لغتهم المختلطة بين العبرية والحبشية القديمة. وربما كان هذا المجلس/ القصر هو مركز الاجتماع الديني [congregation saal]، يساعده مجلس استشاري [على غرار الكهنة المساعدين والشمامسة والعمال في النظام الكنسي التقليدي]، ويحضر الشعب في المجلس- أو المجالس المتوزعة حسب الاقاليم والمناطق- في مناسبات دورية لتداول وتنظيم الحياة العامة، واسم الشعب (عمي) كما هو في اللغة العبرية. لم تكن مملكة معين ذات نفوذ عسكري او تطلعات سياسية خارج الحدود. ولم يكن الحاكم متسلطا او مستبدا، وفي الغالب يكون في معيته وعهده اكثر من شخص من عائلته يحمل لقب الحاكم وصلاحيته، دون تداخل السلطات او طروء صراعات حكم، لغلبة الطابع الاجتماعي الديني على صورة المملكة، وغياب الاغراض والمشاريع ذات الطابع السياسي العنيف أو العسكري.
وما زال تاريخ اليمن القديم في طور التحقيقات والابحاث العلمية وفق مناهج علم الاجتماع السياسي والتنقيبات الميدانية. وقد قسم المستشرق الالماني فرتز هومل [1854- 1936م] أسماء ملوك معين في ثلاث طبقات، كل منها يضم أربعة ملوك، ثم اضاف لها طبقة أخرى تضم ملكين.
اما الفرنسي كليمان هوار [1854- 1926م]، فقد صنف ملوك معين في سبع طبقات، تضم الأولى أربعة ملوك، والثانية خمسة، والثالثة أربعة، والرابعة اثنين، والخامسة ثلاثة، فيما تضم كل واحدة من الطبقتين السادسة والسابعة ملكين. ويكون المجموع اثنين وعشرين ملكا.
وقد صنف الانجليزي جون فيلبي [1885- 1960م] الحكم المعيني في خمس سلالات، كان على رأس الأولى (اليفع وقه)، وجاء في آخر السلالة الخامسة الملك (تبع كرب) الذي دام عهده عشرين عاما [650 - 630 ق. م.]. وكان مجموعهم اثنان وعشرين ملكاً،
وبحسب الامريكي وليم اولبرايت [1891- 1971م]: إن ملوك حضرموت هم الذين أسسوا مملكة معين، في حدود القرن الرابع قبل الميلاد. و كان الملك (اليفع يثع) أول ملوكها، وهو من ابناء الملك (صدق ايل) ملك حضرموت. ويرى من عدم وصول كتابات سبئية ما بين السنة "350" والسنة "1000" قبل الميلاد، أي إن السبئين كانوا في خلال هذه المدة أتباعاً لحكومة معين.
وعلى العموم فإن هذه الأسر أو السلالات لا تعني إنها كل الأسر الملكية في (معين). وقد يكون ثمة عدد آخر من الأسر والملوك الذين حكموا قبلها بسنين او قرون كثيرة.

المملكة السبأية [900 ق.م.- 275 م]..
وهي عبارة عن اتحاد قبلي سياسي، ضم كل الممالك اليمنية النافذة خلال الحقبة مثل ممالك [حضرموت والمعينية والقتبانية]، وهي بذلك تمثل حالة متقدمة اكثر رقيا ووعيا من الممالك والمراكز السياسية والتجارية التي كانت تظهر وتندثر في المنطقة، أو تتآكل بفعل الصراعات والتنافسات الطارئة.
وقد وردت اشارات لمملكة سبأ في الادبيات الاغريقية والرومانية والبيزنطية والحبشية كما في العهدين القديم والجديد والقرآن. وكشفت التنقيبات الاثرية عن غير قليل من اثار سبأ القديمة، وما زال المؤرخون في محاولة تنسيق تلك التواريخ وتدقيقها كرونولوجيا.
و(سبأ) اسم قبيلة مشهورة تنسب الى جدّها (عبد شمس)، ودعيت سبأ لأنها أول من [سبى: سبيا] حسب المرويات اللغوية الشفاهية. وتشتهر سبأ بانشاء السدود العظيمة، ومنها سدّ العرم الذي احيطت به جملة خرافات وأساطير. لكن ذلك لا ينفي عناية السبأية بالعمران والري كما يتضح من قصورهم وحذقهم في نحت الصخور وتنظيم الحياة المدنية والعامة.

المملكة الحميرية [110 ق. م. – 525 م]..
حمير: مفردة حبشية معناها (احمر)، نسبة الى (العرنج) وهي عمامة حمراء كان يرتريها رجالهم، وأحيانا كان الواحد من الأعيان/ الملوك يدعى (عرنج). وحمير: قبيلة عبرانية من أصول سبأية، نجحت في السيطرة على المملك الاربعة [كونفدرالية سبأ] وانشاء مملكة موحدة مركزها في (ظفار يريم)، فهي اول مملكة موحدة شملت بلاد اليمن وعُمان، وكان لها تحالف وثيق مع مملكة كندة في مركز نجد منذ القرن الثاني قبل الميلاد.
ويرتبط ظهور مملكة حمير بالاضطرابات التي دهمت اواخر المملكة السبأية الاتحادية جراء فقدانها السيطرة على الملاحة البحرية وخطوط قوافل التجارة، مما تسبب في اصطراع الاقيال –تسمية لرؤوس الاقطاع المتنفذين اقتصاديا- واضطرارهم للاستثمار في الارض والزراعة. ولذلك تميزت مملكة حمير باعتماد اقتصادها على الزراعة والانتاج الحرفي بشكل اساس،
وساهمت من خلال استيعاب تغيرات الظروف الاقتصادية والسياسية، في تحويل التوجه الاقتصادي للسكان واعادة تنظيم علاقتهم بتالارض والاعتماد على الذات والحرف اليدوية. مما يشكل نقلة نوعية في الوعي الاقتصاسياسي وانعكاساته الاجتماعية.
وكان لقرب عهد حمير بتزايد النفوذ السياسي للحجاز وظهور الاسلام، اثر سلبي في القضاء على تجربتها السياقتصادية والاجتماعية المتقدمة من جهة، وتدمير سائر اثارها ورموزها، على غرار حملات الدمار البدوي التي شملت كل مراكز الحضارة والعمران –حسدا وانتقاما- في انحاء الجزيرة واطراف العراق والشام.
واضافة لدورها ونشاطها السياسي والتجاري، مع المملك والامم السائدة في عهدها، لها اشارات وذكر في اثار الاغريق والروم وبيزنطه والحبشة، اضافة لأسفار العبرانيين. ويذكر ان خط (المسند) الذي عثر عليه الاثريون وعدّوه اشارات اولية للعربية، هو المعروف بالخط (الحميري) حيث عرفوا بكتاباتهم واثارهم الادبية والدينية التي تم تضمينها لاحقا عبر برنامج (التعريب) في ما عرف بديوان الشعر الجاهلي والادب الجاهلي الذي منه أدب الكهان وسجع الكهان.
ان فهم الحضارة الحميرية واستعادة –تخليص- اثارها المدروسة والمشوهة او [المستعربة] سوف يكشف الكثير من الغاز وطلاسم التراث العربي واشكالوية لغة القرآن.

لا جرم اذن، أن هذه الممالك تميزت بطبيعتها الدينية/(العبرانية) – وليس هويتها فحسب- حيث كان ملوكها – كهّانا- وهي الظاهرة الخصوصوصية اليمنية شبه الفريدة في المنطقة، بله التاريخ عامة. ان فكرة [كاهنملك] أو [الحكم الكهنوتي] لم تتحقق في تاريخ اسرائيل نفسها، وبقي الفصل واضحا بين الملك والكاهن/ (النبي)، مع فصل الامور الدينية والكهنوتية عن الامور السياسية والعسكرية والمدنية العامة.
ويتضح من التاريخ العبراني ان اللعنة لم تفارق ممالكهم وملوكهم من أولها حتى نهايتها، وقد تعرضت لجانب من هذا الامور في مضان آخر. لكننا بالمقابل، لا نملك معلومات وافية عن سيرورة الحياة اليومية والسياسية لممالك اليمن ما عدا القليل من المرويات الشفاهية – الاخباريات- الذي تغلب عليه الخرافة والمبالغات اللغوية، مما لايعتد به في البحث العلمي.
ولا يكاد التاريخ والاخباريات تورد شيئا عن ممالك عُمان والبحرين واليمامة/ الاحساء، مما ينافي منطق الحقيقة التاريخية وقدمية المنابت الحضارية والمدنية لها. وفي رأيي، ان كل الاقاليم التي ارسلت اليها وفود أو نصب لها حكام وولاة وقضاة في صدر الاسلام، هي ممالك معروفة سابقة لظهور مملكة الحجاز الاسلامية، مما يقتضي البحث والحفريات والنظر في بطون الكتب القديمة.

وقد كانت نجد – وسط الجزيرة- مركزا لأكثر من مملكة، كان آخرها مملكة كندة [200 ق. م.- 633م] التي لا يذكر من أمرها شيء غير ان آخر ملوكها الشاعر المعروف حندج ابن عمرو ابن اكل المرار [520- 565م] المعروف بامرئ القيس أو الملك الضليل. الذي جاز اليه الملك عقب مقتل والده بأيدي بني أسد، وسعى للاخذ بثاره فلم ينجده العرب، فانصرف عنهم مستنصرا بالفرس، ثم بالروم، وقصة موته الغريبة في طريق عودته من كونستانت نوبل ولقائه قيصر الروم. وقبره اليوم بأسيا الصغرى – جنوبي أنقرة- وعليه (نقش النمارة) أو الاثر الكتابي الوحيد لخط عربي قبل الاسلام، حسب زعم بعض المؤرخين، مع حقيقة ان الخط واللغة هي ارامية سريانية، وليست عربية. ويعترف جواد علي بصعوبة قراءتها او فك طلاسمها، لعدم اعتباره – وغيره- بتاريخ ظهور ونشأة اللغة العربية المتأخرة عن الاسلام، وتأخر ظهور الرسم والتشكيل الكتابي [المسند والكوفي والاندلسي] وتبلوره على مدى قرون.

ويذكر الاخباريون والرواة وكتاب السيرة- [الطبري مثلا]-، مدى اهتمام محمد بشخصية امرئ القيس ومعرفة اخباره من أحد أحفاده، واحتمال تأثير ذلك في تكوين وبلورة افكار الزعامة والملك لديه لاحقا. ويبقى الدمار المنظم والمحو التام لاثار تلك الممالك الجزيرية السابقة للاسلام، مما يستثير الغرابة والأسئلة.
ان الاثار الوحيدة التي نجت من الدرس التام هي اثار ممالك اليمن، بينما تم تسوية سواها بالأرض. وعندما يذكر الرواة ارسال فلان ومعه جماعة لمحو [وثن، صنم]، فلا بد أن يتخاطر للذهن، ما هو كائن بجانب الصنم او حواليه من عمران ومدائن وأثار ونقوش أخرى.
ولا يعقل ان [الها] له عباده في مكان، ليس له معبد، وأن هذا المعبد (أو) الصنم، كائن في قفرة من الأرض. وهذا أحد أسباب اخفاق العرب في علم التاريخ، وصعوبة الركون لرواياتهم، التي تعارف الاخباريون انفسهم على تكذيب بعضهم البعض فيها!.

مملكة الانباط [169 ق. م.- 106م]..
وعاصمتها بترا/(البتراء)، وهي المذكورة لدى الاخباريين باسم (ثمود) ودعيت كذلك بـ(الحجر). وصفها بطليموس الجغرافي: [الحجر مدينة بترا، وهي واقعة في القسم الشمالي من بلاد العرب بين الحجاز والشام، وهو القسم الذي دعاه (بتريا) نسبة الى بترا المذكورة. وانما سمى المدينة بهذا الاسم، لأنه سمع أهلها يقولون لها بلغتهم [سلع/ سالع] وتفسيره صخرة. فنقل معنى هذا اللفظ الى لغته اليونانية فقال (بترا)= صخرة، وسمى الناحية كلها بتريا]- (جرجس سال [1697- 1736م]- م. س. ص72).
وقد ورد ذكر (سالع) في كتب العبرانيين، مرة باعتبارها ملجأ لاهل مؤاب في (اشعياء بن آموص 16: 1)، ومرة باعتبارها امتدادا لاراضي الادوميين في وادي الملح (سفر الملوك الثاني 14: 7). وكانت مركزا مهما على طريق حركة القوافل التجارية بين جنوب اليمن ودمشق الشام. وكانت ما تزال عامرة في أيام السيد المسيح [4 ق. م.- 30م]، ويقال ان زوجة بيلاطس [10 ق. م. – 38م]الحاكم الروماني على اليهودية الذي اعدم اليسوع في ولايته، كانت منهم.
يستخلص منه ان قيام بعض الممالك على طرق حركة القوافل التجارية، واستمرارها كان استجابة لحاجات تجارية سياسية ستراتيجية، وكانت تحظى بدعم وتكافل من سلسلة المراكز التجارية الاخرى والامبراطوريات السائدة يومها، الرومانية والحبشية والفرعونية، ذات الصلة بالتجارة.
وبحسب المصادر الكتابية، فقد استمرت مملكة الانباط اكثر من الف عام. وعندما تحولت بعض خطوط التجارة من البر الى البحر، تراجعت أهميتها، وانتابها الوهن، في القرون المسيحية الاولى، وربما كانت نهايتها تمهيدا لنشأة الغساسنة في الشام والمناذرة على طريق الحرير نحو الشرق.

مملكة الغساسنة [220- 638م]..
وهي الاخرى تشكل امتدادا لمراكز حماية وخدمة قوافل التجارة، وتصريف منتجاتها. وقد أنشاها بنو أزد في وسط الشام، عند ماء يقال له (غسان) فدعوا باسمه. وتعود نشأتها الى القرن الثالث قبل الميلاد واستمرت اكثر من ستة قرون، وفي حسابات المؤرخ الجغرافي ابي الفداء: [1273- 1331م] دامت [616 عاما]. كان الواحد من ملوكها يدعى (الحارث) وقد جاء ذكرهم في سفر اعمال الرسل (8: 24) ورسالة كورنثوس (11: 32) حول قصة بولس الطرسوسي [5- 67 م] في دمشق. وكان ملوكها عمالا للروم على حدودهم الشرقية. انتهت على يد الغزو الاسلامي [629- 636 م]. وفي عام (636 م) ولي أبو سفيان ولاية الشام، وأنشأ فيها مملكته التي استمر أمرها في بني أمية [662- 750 م]. ولم ينقطع ذكرهم منها أو صيتهم عليها بعد تولي العباسيين في العراق. ويلحظ منه أصول نشأة التقابلية العراقية الدمشقية وما يحكمها من حل وشدّ سياسي وديني عبر التاريخ، وظلالها القاتمةعلى المجتمعات والحكام في البلدين حتى اليوم.

مملكة الحيرة [268- 633 م]..
أنشأها مالك بن فهم من ولد كهلان الحميري في ارض الكلدان من ارض العراق، ثم انتقل ملكها بطريق المصاهرة الى بني لخم المعروفين بالمناذرة، واستمر حكمها حتى دخول خالد ابن الوليد [592- 642 م] وقضائه عليها. وقد دام حكمها حسب حسابات ابي الفداء [622 عاما]. وفي عام (655 م) نقل علي ابن ابي طالب [599- 661 م] مركز حكمه من الحجاز الى الحيرة في العراق، وابتنى دار الامارة في الكوفة على جانب منها، كما هو المتبع في اعمار المدائن الاسلامية على حافات المدن القديمة واطلاق اسماء جديدة عليها. وعند وفاته جعل قبره في طرف منها، ومن بعده استمر امرها في ولده واقاربه. و ومع قيام الدولة العباسية [750- 1258م] في العراق ترسخت مركزا للتشيع وشيعة علي حتى اليوم.

هاته القراءة السريعة، ليست بحثا او توثيقا تاريخيا كاملا ومقصودا في ذاته، وانما هي مجرد استعراض واشارات للاحالة عند الحاجة لمصادرها الاصلية. وانما الغرض منها اعطاء صورة الممالك والحياة السياسية في بلاد الجزيرة وشمالها، ومدى تعالق وتجاذب هاته التجارب على ظهور وتمدد مشروع الدولة الحجازية الاسلامية.
والقولن بجاهلية عصر ما قبل الاسلام، وهو الاصطلاح الذي اعلنه (الاسلام) يفتقد الصحة والموضوعية، ومحاولة بائسة لمنح نفسه مشروعية الوجود. وكالعادة، عمد رجالات المشروع الاسلامي – بالسيف والقلم- تحقيق معنى المصطلح وتبريره ميدانيا، وبما يثبت لللمتاخرين، صحة الدعاوى الاسلامية، بعد تدمير وتشويه التاريخ العمراني والاجتماعي والسياسي والثقافي للمنطقة.
وهذا هو الغرض من هاته المراجعة في محالة نفض الغبار وكشف الستار، واستعادة الوجه الحقيقي والهوية الاصلية لمنطقة الشرق الاوسط.
ــــــــــــــــــــــــ
• انظر: وديع العبيدي: في علم اجتماع القبيلة- مكتبة الحوار المتمدن؛ كذلك: في علم اجتماع البداوة، للمؤلف موقع جماليا للثقافة والفنون.
• جرجس سال :[George Sale (1697- 1736)] مستشرق انجليزي من مواليد كنت/ كانتربري، له ابحاث عدة عن العرب والاسلام والقرآن، من اثاره: ترجمة القرآن للانجليزية/ (1734م)، ووضعه القاموس العام في عشرة اجزاء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجماعة الإسلامية في لبنان: استشهاد اثنين من قادة الجناح الع


.. شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية




.. منظمات إسلامية ترفض -ازدواجية الشرطة الأسترالية-


.. صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها




.. كاهنات في الكنيسة الكاثوليكية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24