الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أناييس نن في مختارات من يومياتها... حيث الحياة بإمتلاء وإيثار وصداقات مؤثّرة

شكيب كاظم

2017 / 4 / 27
الادب والفن


أول مرة، طالعت عيناي اسمها، يوم قرأت كتاب (اعترافات هنري ميللر في الثمانين) الصادر في ضمن سلسلة (كتاب الهلال) سنة 2000 والذي ترجمه خالد النجار، ويحتوي على اللقاء الثقافي المطول الذي أجراه الأديب والصحفي (كريستيان دي بارتا) والذي أخذ للقاء أهبته، بأن قرأ المنجز الإبداعي لهذا الأديب المشاكس المنفلت ذي الوجه الجنكيزخاني، المولود في مدينة نيويورك في السادس والعشرين من كانون الأول سنة 1891والمتوفى في السابع من حزيران سنة 1980 الذي عاش الحياة من كل أطرافها، وعبَّ من لذائذها إلى حدّ التخمة، والذي عاش وقتا طويلاً مع عشيقته (أناييس نن) التي دخلت حلبات الأدب من خلال العديد من رواياتها، التي لم تلق اهتمام القراء والنقاد، بل حازت الشهرة والمجد، ولكن بعد وفاتها سنة 1977 لمعاناتها مرض السرطان، عن عمر زاد على الأربعة والسبعين عاماً، من خلال نشر يومياتها، والتي كانت تتحدث فيها عن حاجات جسدها، كما لو كانت تتحدث عن كيفية إعدادها طعام العشاء! هذه اليوميات التي ترجمت إلى لغات عدة، جعلتها تدخل عوالم الأدب الفضائحي من أوسع أبوابه، فهي لا تتورع عن أنْ تعترف أنّها في انتظار الحبيب، وهي غير مرتاحة، أنها مشحونة بالشهوة وأنّها تحيا في كوميديا بهيجة إذا قبلها شخص أو ضاجعها!!

لقد ارتبطت الكاتبة الفرنسية (أناييس نن) بعلاقات صداقة مع عديد الأدباء والشعراء والسياسيين، وكانت حياتها في باريس من أخصب سنوات حياتها، إذْ إنّها عاشت في كوبا وأمضت عقودها الثلاثة الأخيرة في الولايات المتحدة الأمريكية، وماتت في لوس أنجلس، عاشت في باريس سنوات العقد الثلاثيني من القرن العشرين، وحوادث صاعقة تقترب من تغيير الحياة، إذ عاشت سنوات صعود أدولف هتلر إلى رأس السلطة في ألمانية، ونياته لاستحصال حقوق ألمانية في الأراضي التي سُلخت من الجسد الألماني، بسبب هزيمتها في الحرب العالمية الأولى حقوقها في الألزاس واللورين، فضلاً على إرهاصات الحرب الأهلية الإسبانية، بسبب الانقلاب العسكري الذي قاده الجنرال فرانسسكو فرانكو (1893- 1975) ضد حكومة الجمهوريين اليسارية.

تتعرف على الشاعر اليساري القادم من بيرو (غونزالو) الذي يُصَدِّع رأسها بشعارته اليسارية، وبضرورة القتال ضد فرانكو دفاعاً عن الجمهورية، أناييس نن، ما كانت تأبه لطروحاته، إنّها تؤمن (بأنَّ لا شيء بوسعه تغيير الطبيعة الإنسانية.. أعرف جيدا أنَّ الإنسان يستطيع تغيير نفسه سايكولوجيا، وهذا الرعب والجشع يجعلانه لا إنسانياً (…) وهذا تغيير في الأدوار التي نحصل عليها من الثورات. تغيير الرجال في السلطة (…) هذا كل شيء (…) والشر سيبقى (…) إنّه لإثم ورعب مفزع وعجز ذلك الذي يجعل الرجال قساة، وليس من نظام يستطيع الحد من الرعب) تراجع ص122.

لكن (غونزالو) هذا الذي يهدد بالانتحار إذا ما اضطر للعيش في عالم فاشي، وأنّه سوف يموت بعد أنْ يقتل عشرة من الفاشست، وأنّه كان يرى في الحرب إذا ما اندلعت، بداية لثورة تطيح بالنازية الألمانية الهتلرية، سرعان ما يهرب من باريس مع أول بارقة من بوارق الحرب، في آب 1939 وهو الشهر الذي تندلع في آخر يوم منه الحرب، إذْ تهاجم القوات الألمانية، بولندة لتحتلها بعد أيام قليلة، في آب كما تقول أناييس نن في يومياتها لصيف 1939 سافرنا جميعا، هنري إلى اليونان ليقيم مع (لورنس داريل) أنا ذهبت إلى (سان تروبيز) مع (هيلبا) و(غونزالو). سانت تروبيز، فردوس بشواطئها الرملية المحاطة بغابات الصنوبر.. حياة (تاهيتية) نمضي النهار في السباحة.. نطهو الطعام تحت الأشجار قريبا من الشاطئ، المقاهي تنشط في الليل على امتداد الميناء.. موسيقى، رقص، نتناول إفطارنا في المقهى صباحا.. تراجع ص 135.

لقد كنت وأنا أقتني كتاب (أناييس نن. اليوميات. مختارات) الذي نقلته إلى العربية، الروائية والقاصة والكاتبة العراقية المغتربة لطفية الدليمي، والصادرة طبعته الأولى عن دار المدى للثقافة والنشر سنة 2013أتوقع أنْ أقرأ شيئاً من تلك اليوميات التي أشار إليها هنري ميللر في الكتاب الذي حوى اعترافاته والذي ذكرته آنفاً، فضلاً على ما قرأته عنها وإذ كنت أعلم أنّ يوميات أناييس نن، أضاءت عقود عمرها السبعة، ولا سيما سنوات عقود الثلاثينات وحتى السبعينات، وهي التي تمثل سنوات وعيها وتأثيرها، وتقع في مجلدات عدة، أو كما تصفها المترجمة لطفية الدليمي في مقدمتها للكتاب بـ(جبل من الكراسات التي أودعتها أناييس في أحد بنوك (بيركلي) الشهيرة) لكن صفحات الكتاب التي تقترب من مئتي صفحة، جعلتني أحدس أنَّ الدليمي، اختارت خلاصة الخلاصات من هذه اليوميات، وهو ما تأكد عندي وأنا أقرأ مقدمتها للكتاب تاركة الأحاديث المنفلتة، التي قد لا تأتلف مع ذوق المجتمعات العربية، واقفة عند خصيصة من خصائص هذا المجتمع التي لا تفصل بين حياة الكاتب وما يكتب، أو بين المترجم وما يترجم، وجعله متماهياً مع كتاباته، لذا فإنّ الكاتبة المترجمة لطيفة الدليمي، ومن أجل النأي بنفسها عن هذه النظرة القاصرة لمجتمعاتنا لنتاجات المبدعين قررت ترجمة اليوميات التي تعد جزءاً من توجهات تلك العقود، وإرهاصاتها ورأيها بالعديد من المبدعين والسياسيين الذين التقت بهم وعقدت صداقات معهم، واضعين في الحسبان أنَّ أناييس نن، كانت أشبه بصاحبة صالون ثقافي يؤمه المبدعون فضلاً على أنها كانت تقترب من سلوك الشاعر أزرا باوند، الذي عرف عنه سعيه لتقديم المعونة والمساعدة، لمن يطلبها من أصدقائه الأدباء، والمساعدة في نشر مخطوطاتهم وهو يشعر بالسعادة حين يكتشف كاتباً عبقرياً مجيداً، ولم يتردد في أنْ يلجأ إلى الإغواء أو الضغط بهدف أنْ يكتب أولئك الذين يعنونه بطريقة جيدة، كما كان مسكونا بالرغبة الحارة في أنْ يكتب هو أيضاً شيئاً جيداً، وهذا ما كان يقوله صديقه الشاعر ت. إس. إليوت، وقد قرأت ذلك في كتاب جميل عنوانه (متاهات. نصوص وحوارات في الفلسفة والأدب) ترجمه الأديب التونسي حسونة المصباحي وراجع الترجمة العبقري العراقي الدكتور قدامة الملاح، ونشرت طبعته الأولى في بغداد سنة 1990? وهذه أناييس نن، وقد هرب أصدقاؤها قبل نشوب الحرب، هنري ميللر إلى أثينا، والشاعر الثوري غونزالو مع زوجته هيلبا إلى سان ترويز، فقد كانت تتجول بين مكاتب البريد بعد أنْ تلقت أموالاً عن حقوق نشر كتبها كي ترسلها إليهم، لم يكتف هنري بالحصول على مساعدات من أناييس، بل إنّه يكلّفها أنْ تأخذ أشياءه الثمينة ومخطوطاته من المطبعة، لأنَّ بقاءها في باريس مجازفة كبرى (…) المخطوطات ذات قيمة عالية مذكراً إياها بأنه يرغب في ترك هذه الأشياء لها، وموصيا إياها إذا ما غادرت باريس نحو أمريكا، بسبب ظروف الحرب، بأن تأخذ مخطوطاته وكتبه معها.

لقد قلت مرة وأنا أتحدث عن الرسائل المتبادلة بين غسان كنفاني (اغتاله الموساد الصهيوني يوم الأحد 9/7/1972) وغادة السمان، والتي نشرت رسائله إليها وأغفلت نشر رسائلها إليه بحجة احتراقها أثناء الحرب الأهلية اللبنانية (1975 – (1989وأبانت الضعف الإنساني لغسان، أنّ الرسائل تكون صادقة تماما لسبب مهم أنَّ من يكتبها، لا يضع في حسبانه أنها ستنشر يوما، بسبب خصوصية الرسالة، وأنّها لا تعني سوى المرسل والمرسلة إليه، وهذا الأمر ينطبق على المذكرات واليوميات، وهذا ما دونته أناييس نن مبينة رأيها في اليوميات وكتابتها رائية أنّها تكشف عن عادات كثيرة؛ عادة الأمانة والصدق في الكتابة، فليس ثمة من يعتقد أنَّ يومياته سيقرأها الآخرون (…) ثم عادة العفوية والحماسة، من هنا يأتي صدق الشهادات التي دونتها أناييس بشأن العديد من الحوادث والآراء والشخوص، مما هو مبثوث في هذا الكتاب الجميل الجدير بالقراءة، إذْ جاءت هذه الآراء بعيدة عن دواعي المجاملة أو تطييب الخواطر، الذي يحذقه الشرقيون، وتقل وطأته لدى الغربيين، فهي ترى في سيمون دوبوفوار ظلاً لسارتر، وأنها وجدت كتابها (الجنس الآخر) عملا عتيق الطراز ولأجل أنْ لا تخالف سارتر في (وجوديته) أراها – وكأنها مثله – تنكر عواطفها وقوة حدسها فتبدو نساؤها في رواياتها زائفات وغير حقيقيات وتبدي رأيها في الأديبة (غروترود شتاين) قائلة: إنّها التقتها مرة واحدة ولم ترق لها شخصيتها لأنّها كانت تصرّ على فرض سيطرتها وشخصيتها على كل المحيطين بها – تراجع ص182.

رأيها بالروائي هنري ميللر، أنّه يحب بأسلوب بدائي، يستمتع، يأخذ، ينتفع، من غير أنْ يمنح شيئاً من نفسه، كلّ الأشياء يجب أنْ تكون من أجله ومن أجل عمله ولفائدته الشخصية ومهنته وشهواته ومباهجه، في حين كانت تحدس أنَّ أندريه بريتون (المتوفى خريف سنة (1966هذا الأديب السريالي، بل موجدها وقد جاء لزيارتها، أنّه سيغمرها بأجواء شاعرية ويثير حساسيتها وحدوسها، وينشط أجواء حياتها، لكنها وجدته رجلاً عقلانياً، يروي أقواله بنوع من القدسية والمهابة، أشبه بملك يتحدث إلى الرعية وليس كزميل فنان يتحدث إلى فنان مثله.. تراجع ص186 وتصف (أدموند ويلسون) بأنّه ناقد تقليدي غير ملهم.

تصف الشاعر الشيلي بابلو نيرودا الحائز على جائزة نوبل للآداب سنة 1971والذي توفي بسبب إصابته بالسرطان سنة 1973 واستغل أعداء الانقلابيين الذين وثبوا على السلطة بانقلاب عسكري قاده الجنرال أوغستينو بينوشيت في الحادي عشر من أيلول سنة 1973وأزال حكم المدني الذي وصل الرئاسة عن طريق صناديق الانتخاب (سلفادور اللندي) استغل أعداء الانقلابيين موت نيرودا، زاعمين قيام الانقلابيين بقتله، هذا الأمر الذي ظلّ يعتمل في الصدور حتى صدر أمر في نيسان 2013 باستخراج الجثة وفحصها للتأكد من أسباب موته ظهرت النتائج أنّه توفي بسبب استفحال المرض الخبيث الذي أودى به. أناييس نن تصفه بالبدانة وشدة الشحوب، ثم ألقى قصائده بصوت باهت واهن، وفي موضع آخر تصفه بالشحوب والترهل والاضطراب، كانوا يلقبونه (يوغرت) (أي اللبن) بسبب شحوب لونه، تراجع ص 95 – ص 120 في حين تبدي إعجابها بالأديب البريطاني (لورنس داريل) صاحب روايتي (حقل الحيوان) و((1984 وزوجته (نانسي) ما أدهشتني لأول وهلة.. عيناه.. كانتا حادتين متوقدتين نبوئيتين، كان طفلاً في إهاب رجل عجوز (…) كان التواصل بيني وبين داريل فوريا – شعرت بالصداقة منذ النظرة الأولى مع حاجة ملهوفة للحديث. ص 127 فضلاً على رأيها بالعديد من الأدباء والكتاب والسياسيين، الذي لم تصل نتاجاتهم إلينا ولم نتعرف إليهم.

إنَّ الأديبة لطفية الدليمي، وقد نقلت إلينا مختارات من يوميات أناييس نن، نائية بنفسها عن نقل يومياتها الصريحة فإننا لنطمح أنْ يتولى المغامرة بترجمة يومياتها وذكرياتها الصريحة، أحد مترجمينا الحذاق للتعرف عن كثب على خلجات ونوازع هذه الكاتبة التي جاءت شهرتها من خلال نشر هذه اليوميات، وقد يتولاها المترجم العراقي طبيب الأسنان القاص علي عبد الأمير صالح، الذي ترجم كتابها (دلتا فينوس) والذي تولت دار المدى نشره سنة 2007 وهو كتاب نصوص حسية، كتبت من أجل الحصول على المال، يوم طلب أحد الناشرين من صديقها الكاتب هنري ميللر كتابة نصوص إيروتيكية حسية صريحة، لقاء مبلغ من المال، فرفض هنري ذلك عادا ذلك تقليلا من شأنه، فتولت أناييس نن المهمة، واضعين في الحسبان، أنَّ هنري كان بحاجة ماسة للمال، الذي ينفقه بشراهة، وأنَّ كتبه ما كانت تدر له دخلاً يستطيع به العيش، وهو ما سبق أنْ أشرت إليه سابقا في تقديمها خدمات جلّى لأصدقائها وصديقاتها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لورنس داريل؟!
ماجد الشمري ( 2017 / 4 / 27 - 11:22 )
ليس لورنس داريل هو من كتب مزرعة الحيوان ورواية1948 بل الكاتب الانكليزي جورج
. اورويل.اما داريل فقد كتب عدة روايات ومنها رباعية الاسكندرية الشهيرة وهو المقصود في اشارة اناييس اليه والى زوجته نانسي

اخر الافلام

.. حورية فرغلي: اخترت تقديم -رابونزل بالمصري- عشان ما تعملتش قب


.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا




.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ


.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث




.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم