الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تعظيم سلام لسيد سعيد

حمدى عبد العزيز

2017 / 4 / 30
الادب والفن



_____________________________________

من حسن حظي أن أتيح لي خلال مارس 2017 أن اشاهد فيلم (تعظيم سلام) تأليف وسيناريو وإخراج أستاذي وصديقي المخرج والمؤلف السينمائي الكبير سيد سعيد الذي أخرج وكتب من قبل واحد من أهم أفلام السينما المصرية علي مر تاريخها وهو فيلم "القبطان" بطولة الممثل الراحل محمود عبد العزيز وهو فيلم لم يتم طرحه للتداول العام حتي الآن وهذه قصة أخري سأعود إليها فيما بعد

الفيلم لايحكي فقط قصة رائد الإقتصاد المصري العظيم " طلعت حرب " ولا يطلعنا فقط علي تفاصيل واقعية تاريخية صغيرة عن مكان نشأته ولمحات من حياته عبر التجول في أماكن نشأته وإقامته وشهادات أحفاده وإنما يأخذنا إلي أعماق ووقائع ماوراء المروي من أحداث ولقطات تاريخية

الفيلم يغوص في تفاصيل إحدي أهم المحاولات الوطنية نحو إقامة اقتصاد وطني مصري حقيقي مستقل بسواعد المصريين من خلال رحلة كفاح الرأسمالي المصري الوطني الإستثنائي طلعت حرب في انشاء بنك مصر كأداة تمكن المصريين من بناء اقتصاد يعتمد علي القدرات الذاتية للمصريين وتواكب ذلك مع تأسيسه لصناعات وشركات مصرية أهمها علي الإطلاق صناعة الغزل والنسيج وصناعة السينما

ثم تلك الحرب الضروس والمؤامرات التي مارسها الإستعمار ممثلاً في المحتل الأجنبي وأتباعه المحليون في الضغط علي الرجل وحصاره لينتهي الأمر بأن يقدم استقالته من رئاسة مجلس إدارة بنك مصر ويتقاعد تاركاً أعمدة اقتصادية هامة ومقدرات وطنية ساهمت في إقامتها قدره هذا الرجل وعبقريته الإقتصادية والإدارية ووطنيته الصادقة التي فضل أن يمارسها علي الأرض دون ضجيج أو طنين خطابي ولذلك فضل ألا ينضم إلي أي حزب سياسي ولم يترشح للبرلمان ولم يتول أي موقع سياسي وهو الذي كان يمكن ببساطة أن يتولي أرقي المناصب وقتها
هو فضل إذن أن يتفرغ تماماً للعكوف علي صناعة التاريخ الوطني في صمت من خلال مشروعه التأسيسي العظيم
ذلك هو طلعت حرب
وذلك هو جوهر سيرته التي سارت بشكل استثنائي علي عكس قاعدة سير الرأسمالية المصرية بتشوهاتها وارتباطاتها وتبعيتها للمراكز الرأسمالية العالمية

وهنا يقدم الفيلم عبر وعي جدلي عميق ومتدفق لمؤلفه ومخرجه د . سيد سعيد مايشبه القصيدة البكائية علي حال الصناعة الوطنية المصرية بعد انقضاض الثورة المضادة عليها بهدف تدميرها بدءاً من آواخر سبعينيات القرن الماضي مع بداية التنفيذ الفعلي ليساسة ماسمي بالإنفتاح الإقتصادي وبلوغ ذروته باستكمال بيع وتدمير الصناعات الوطنية في العقود الأخيرة

نشعر بالرثاء لما انتهت إليه الصناعة الوطنية عندما تتحول بنا كاميرات سيد سعيد الشجية بموسيقاها وإيقاعاتها الشعرية بين الجدران البائسة والماكينات المعطلة لمصانع الغزل والنسيج بالمحلة وبقاع أخري من أرض الوطن وفي نفس الحل فهو يقدم لنا منهج للتفكير في الحل الجذري لأزمتنا عبر تحفيز النقاش حول ضرورة استلهام تجربة طلعت حرب التي تكمن جوهرياً في التأسيس لإقتصاد حقيقي يضمن الإستقلال الوطني عبر التصنيع مرتبطاً بالنهوض بالإنتاج الزراعي ومرتكزاً علي مخرجاته وفي سياق تنمية شاملة تنهض بالجوانب الثقافية والتعليمية للمجتمع وتضمن كرامة أفراده عبر الإهتمام بجوانب الرعاية الصحية والإجتماعية

الجميل في الفيلم أنه وبالرغم من موضوعه ومن أنه يقول ذلك بعمق واف إلا أنه لم يقع مطلقاً في فخ الخطابية الفجة ولا محاولة لوي ذراع المشاهد نحو طرح بعينه

كذلك فالفيلم تجربة إبداعية جديدة من حيث كونه لم يقف عند أسوار فكرة الفيلم التسجيلي بالعكس فقد حفل بآدوات السينما الروائية وعبر إليها في جدلية وتمازج جميلين بين العناصر التسجيلية والعناصر الجمالية السينمائية الإبداعية
فنري كاميرا د. سيد سعيد مهتمة بدقائق انفعلات المتحدثين وتعبيرات الوجوه والتعامل معها من زوايا غير مطروقة في السينما التسجيلية لدرجة أنها تعيد انتاج حالات المتحدثين لتصنع منها لغة سينمائية تعبيرية متمفصلة فيتراجع هنا التصوير بمعناه الميكانيكي لحساب التصور بمعناه الذي يعني إبداع مفردات مرئية جديدة تؤدي دوراً بالغاً في إزاحة القشرة التي تغطي عمق هذا الواقع للنفاذ عبره إلي ماوراءه

فعل ذلك د. سيد سعيد لدرجة أن جعل وجوه المتحدثين ومنهم الخبير الإقتصادي د. طه عبد العليم يلعبون - دون أن تدري أو يقصدوا هم ذلك - أدواراً تشخيصية إضافية تشكل عمقاً آخر للموضوع الذي يتحدثون فيه

كذلك لعبت الموسيقي وتدرجات سطوعها وخفوتها دوراً كبيراً بالتجادل مع حالة اللعب الإبداعي التي مارسها د. سيد سعيد بإيقاعات الفيلم المتنوعة الأدوات عبر التسارع في بعض المناطق والبطء في مناطق أخري ، وكذلك التقطيع والتدوير واستخدام الإظلام التام كلغة دلالية مضيئة لعمق الموضوع

بل تبلغ الجرأة الإبداعية سيد سعيد في ذلك الإستخدام الفني لقطع الصورة في ذروة ما من الفيلم وترك شريط الصوت فقط ثم أحياناً يستخدم الإظلام التام ليجلب المشاهد إلي قلب الحدث وإعطائه مطلق الحق في المشاركة بتصوراته الخاصة عن تلك اللحظة من الموضوع أو ذلك العمق وترك مساحة للتعامل العقلي الجدلي للمشاهد يكمل فيها في رأسه هو ومخيلته في تلك اللحظة مايراه مناسب مشهدياً لتلك اللحظة الصامتة المظلمة والمفعمة في نفس الوقت بضجيج من الأسئلة العارمة التي تؤجج النقاش العقلي وتزيد من تدفق المشاهد المتخيلة كإجابات محتملة عند المشاهدين للفيلم

ومن هنا فيمكن اعتبار الفيلم عابر للنوعية ومتجاوز لقيود التسجيلية عبر عدم المساس بالحقائق والوقائع المروية وفي نفس الوقت استخدامها كعناصر تتحرك وتطلق جماليات سينمائية عبر هذه الحالة الإيقاعية التي خلقها وأبدعها د. سيد سعيد

أخيراً
إذا لم تتبني وزارة الثقافة إتاحة هذا الفيلم للعرض فما قيمة الإدعاء بقيمة الدور الذي تؤديه وزارة الثقافة في الدفاع عن قيم الوطنية المصرية أو قيم التراث الوطني الحقيقي ؟
وإلي متي سيظل هذا الفيلم حبيساً للعلب والأدراج لا يشاهده أحد بينما يتم الإحتفاء بما هو أتفه وما هو مزيف للوعي الشعبي ؟

تلك وغيرها تساولات نطرحها ولانراهن إلا علي صحوة للضمير الوطني تضع هذا الفيلم في مكانه الطبيعي الذي يستحق كمادة تخاطب الوجدان الوطني للمصريين وتذكرهم بتجارب أبنائهم الفريدة

حمدى عبد العزيز
30 ابريل 2017








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث


.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم




.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع