الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انْطباعاتٌ عنْ زيارتي الأولى للبْنانَ (2) متحفُ الحياةِ البحْريّةِ والبرّيّةِ في جعيتةَ

رائد محمد نوري

2017 / 5 / 6
سيرة ذاتية


يقعُ في جعيتةَ قريباً من مغارتِها الطَّبيعيّةِ العجيبةِ معلمانِ سياحيّانِ آخرانِ جميلانِ هما :- متحفـُ المشاهيرِ ، ومتحفـُ الحياةِ البحريّةِ والبرّيّةِ .
ربّما أكتبُ لاحقاً عن متحفِ المشاهيرِ ، لكنـّني اليومَ شغوفـٌ بالكتابةِ عن متحفِ الحياةِ البحريّةِ والبرّيّةِ ؛ لأنـّهُ –حسب ظنـّي يشكّلُ أعجوبةـَ تحدٍّ بشريٍّ لبنانيٍّ خلّاقٍ *
تأسّسَ المتحفـُ على يدِ طبيبِ الأسنانِ د. جمال يونس في صورٍ جنوبَ لبنانَ عامَ 2002 ، ثمَّ انتقلَ في عامِ 2015 ليستقرَّ على قمةِ جبلٍ في جعيتةَ شمالَ بيروتـَ .
يدخلُ السّائحُ المتحفـَ من فمِ القرشِ العملاقِ وينحدرُ ثلاثةـَ عشرَ متراً تحتـَ قمّةِ الجبلِ إلى حيثـُ المغارةـُ الصّناعيّةـُ التي تتكوّنـُ من ستـِّ حجراتٍ – مغاورَ – تضمُّ أكثرَ من 2000 نوعاً من الكائناتِ البحريّةِ والبرّيّةِ المحنـَّطةِ التي عرفـَتْها البيئةـُ اللّبنانيّةـُ والمنطقةـُ ، وتضمُّ – كذلكَ - بعضَ الكائناتِ الأخرى من بقيّةِ أنحاءِ العالمِ . في المغارةِ –أيضاً – مجموعةـُ أصْدافٍ نادرةٍ وأحجارٌ ثمينةـٌ وأخرى شبهُ ثمينةٍ في صورتِها الخامِّ ، هذا فضلاً عنْ مجسّماتٍ لأشجارٍ ولسمكةِ قرشٍ عملاقةٍ وسفينةٍ حربيّةٍ فينيقيّةٍ .
حرصَ صاحبُ المتحفِ على تزويدِ متحفِهِ بمرافقـَ خدميّةٍ وترفيهيّةٍ ، ففيه مطعمٌ و 7 شاليهاتٍ ومحال لبيع التـِّذكاراتِ .
يذكرُ الإعلامُ أنـَّ المتحفـَ ينفردُ بثلاثةِ أرقامٍ قياسيّةٍ هي :-
1 أكبرُ مجسّمٍ لسفينةٍ حربيّةٍ فينيقيّةٍ عملاقةٍ بطولِ 40 متراً وارتفاعِ 7 أمتارٍ .
2 أكبرُ مجسّمٍ للقرشِ الأبيضِ بطولِ 35 متراً وارتفاعِ 5 أمتارٍ .
3 أكبرُ مغارةٍ صناعيّةٍ محفورةٍ داخلَ الجبلِ ؛ تحتوي على كلِّ موجوداتِ المتحفِ بمساحةٍ تزيد على 4500 مترٍ مربّعٍ *
يخبرُنا التـّأريخـُ أنـَّ الفينيقيينـَ –جدودَ اللّبْنانيينـَ الذينـَ علَّمُوا البشريّةـَ الأبجديّةـَ - امْتلكُوا قلوباً حرـّةـً شجاعةـً محبـّةً للحياةِ ، وأرْواحاً شغوفةـً بالتـَّحدّي والمغامرةِ ، لا المقامرةِ .
اسْتـَهواهمْ البحْرُ الأبْيضـُ المتوسّطُ فمخرُوا عبابَهُ بسفنِهمْ الحربيّةِ والتـِّجاريّةِ مدفوعينـَ برغْبةٍ عارمةٍ للاكتشافِ والمعرفةِ ، لا بل هيمنَتْ سفنـُهمْ عليهِ حتـّى صارَ يسمّى في بعضِ فتراتِ التـّأريخِ باسمِهمْ :- (بحْرُ فينيقيا ذو العظمةِ ) .
ترى ، أيحقـُّ لنا القولُ :- للفينيقيينـّ يرجعُ فضلُ بذرِ بذرةِ البرجوازيّةِ الأولى في تأريخِ المجتمعِ الإنسانيِّ ؟!
ربَّما .
ورثـّ جمالُ يونسُ جُدودَهُ الفينيقيينـَ . مارسَ في مدينتِهِ الجنوبيّةِ صورٍ رياضةـَ الغطسِ ، فكانـَ على تمّاسٍّ معَ البحرِ وسحرِهِ وجاذبيّةِ كائناتٍهِ الحيّةِ . رغبَ في أنْ تظلَّ كائناتـُ البحرِ السّاحرةـُ معَهُ ، وأنْ يظلَّ معَها .
حقـَّقـَتـِ المصادفةـُ رغبتـَهُ . درسَ يونسُ في ثمانينيّاتِ القرنِ الماضي طبَّ الأسنانِ في رومانيا ، وفي أثناءِ دروسِ التـَّشريحِ كانـَ عليهِ الحفاظـَ على الأعضاءِ المشرّحةِ سليمةـً ، فاكتشفـَ بذلكَ التـّحنيطَ الذي أتاحَ لهُ أنْ يكونـَ قريباً من الأحياءِ البحريّةِ التي أحبَّ ، وشـُغفـَ بها .
مارسَ يونسُ بعدَ عودتِهِ إلى صورٍ هوايتـَهُ الجديدةـَ ، فكانـَ يحنـِّطُ الكائناتِ البحريّةـَ التي يصطادُها أو التي يشتريها من الصّيّادينـَ ليحنـّطَها . الهوايةـُ تطوَّرَتـْ ، فصارَ الطّبيبُ الشـّغوفـُ بتحنيطِ الكائناتِ البحريّةِ النـّافقةِ يحنـّطُ كائناتٍ برّيّةـً تهدى إليهِ أو يشتريها منـَ الصَّيّادينـَ . ملأَتـْ الكائناتـُ المحنـّطةـُ بيتـَهُ وعيادتـَهُ ، فكانـَ يهدي أصدقاءَهُ ومرضاهُ بعضاً منها .
في عامِ 2001 ، وفي أثناءِ الاحتفالِ بصورٍ عاصمةـً للسّياحةِ العربيّةِ ، قدَّمَ يونسُ للنـّاسِ شيئاً منـَ البيئةِ الطّبيعيّةِ للبنانـَ والمنْطقةِ في مجموعةٍ تضمُّ أكثرَ من 500 كائنٍ محنـّطٍ للاشتراكِ في معرضٍ يقامُ بالمناسبةِ . فكانـّتـْ مجموعتـُهُ هذهِ النـَّواةـَ لمتـْحفِهِ الذي تأسّسَ في صورٍ عام 2002 ، ثمَّ انْتقلَ في عامِ 2015 لجعيتةـَ *
يستعمل يونس الطّريقةـَ الفرعونيّةـَ في التـَّحنيطِ ، إلّا أنـَّ فرادةـَ تجربتِهِ ، وتميّزـَهُ يكمنانِ في تحدّي تحنيطِ الكائناتِ البحريّةِ من أسماكٍ ورخويّاتٍ ! . فمنـَ المعروفِ أنـَّ لهذهِ الكائناتِ جلوداً وأجساماً تجعلُها عصيّةـً على التـَّحنيطِ وفقـَ الطّريقةِ الفرعونيّةِ التي يفْرغـَ المحنـِّطُ فيها جسمَ الكائنِ المحنـَّطِ منْ أعْضائهِ الدّاخليّةِ ، ويبْقي على اللّحمِ والعظمِ .
شغفـُ يونسَ بالبحرِ في صورٍ ، وبكائناتِهِ الجميلةِ جعلَهُ يحاولُ ويحاولُ حتى تكلّلَتْ محاولاتـُهُ بالنـَّجاحِ ، الأمرُ الذي دعا مؤسسةـَ ناشنالجيوكرافك تثمّنـُ عملَهُ ، وتوجّهُ لهُ شهادةـَ تقديرٍ وتميّزٍ كونُهُ أوّلَ منْ حنـَّطَ الكائناتِ البحريّةِ *
لماذا أرى في تجربةِ د. جمال يونس أعجوبةً لبنانيّةً خلّاقةـً ؟!
هي أعجوبةـٌ لبْنانيّةـٌ خلّاقةـٌ ؛ لأنـَّ روحَ يونسَ الفينيقيّةـَ البرجوازيّةـَ الحرّةـَ قبلَتْ التـَّحدّي ، فحوّلَتِ الشـَّغفـَ بالبحرِ وكائناتِهِ إلى هوايةٍ ، ثمَّ حوّلَتْ - بشيءٍ منـَ المغامرةِ والقروضِ ودعمِ الأصدقاءِ - الهوايةـَ إلى متحفٍ يحفظـُ للبنانـَ والمنْطقةِ شيئاً مهمّاً من ذاكرتِهما الطَّبيعيّةِ ، ويضيفـُ لخارطةِ لبْنانَ السّياحيّةِ معْلماً سياحيّاً يسعى لأنْ يكونـَ لزائريهِ مصْدرَ متْعةٍ وفائدةٍ وإلهامٍ *




بغداد :-
مساء الجمعة 5-5-2017








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قضية احتجاز مغاربة في تايلاندا وتشغيلهم من دون مقابل تصل إلى


.. معاناة نازحة مع عائلتها في مخيمات رفح




.. هل يستطيع نتنياهو تجاهل الضغوط الداخلية الداعية لإتمام صفقة


.. بعد 7 أشهر من الحرب.. تساؤلات إسرائيلية عن جدوى القتال في غز




.. لحظة استهداف الطائرات الإسرائيلية منزل صحفي بخان يونس جنوبي