الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


منع النقاب حمايةً للشخصية القومية

عادل صوما

2017 / 5 / 7
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


رغم وقوف ملايين المسلمين في شوارع مصر لإعلان رفضهم حكم الاخوان المسلمين، لم تزل الجرعة الهادفة إلى تدمير الشخصية المصرية القومية، المتسربلة بثوب الاسلام، فاعلة بقوة في العقل الجمعي المصري، الذي كان له اسلوبه الخاص ومصّر جميع الاديان الوافدة إليه لتناسب الشخصية القومية المصرية المتجذرة في التاريخ، لدرجة ان هذا العقل الجمعي فقد قدرته تماما منذ أربعين سنة على تحديد السلوك الناسب له، ومن ثمة فقد شخصيته المصرية المتميزة. أصبح "أي كلام وطحين" كما يقولون في مصر.
لا شك ان الاسلام أعطى دفعة متميزة في التاريخ، والذي ينظر إلى خريطة الخلافة العباسية التي امتدت من إيران إلى المغرب، لابد ان يدرك ان هذه الامبراطورية لم تأت من فراغ، لكن ما يميّز المستفيدين من الاسلام سياسيا من 1400 سنة عن الغوغاء الذين يسيطرون على الشارع اليوم امر عميق جدا، هو إدراكهم أن العقل الجمعي الذي كان يحكم شبه الجزيرة العربية حتى الخليفة علي بن أبي طالب، لن يستطيع ان يحكم الحضارات التي إمتد الاسلام فيها، لذلك تجاهلوا إقامة عاصمة الخلافة في مكة لاحقا، وهي الأحق إسلاميا، وجعلوها في منطقة الحضارة الاشورية لأنها الأرقى والأجدر مستقبليا وسياسيا.
الشخصية القومية
كانت النساء في منطقة الشرق الاوسط، والعالم ايضا، يغطين أجسادهن لكن كل على طريقة شخصيته القومية. فرضت البيئة الريفية وعدم وجود ادوات الحضارة الحديثة الامر، الذي تغيّر تدريجيا مع الحضارة. وما يقوله الغوغاء اليوم عن "الزي الاسلامي" هو في الواقع "زي أشوري" ورثه الاسلام كما هو كما ورث الشهور القمرية وايام الاسبوع والاسماء الشرق اوسطية. كان يرتدي هذا الزي كفار مكة ومسلميها رجالا ونساءً على السواء لأنه "زي الشخصية القومية". لم يخترع ولم يفصّل القرآن أي أزياء أو فساتين أو جلاليب. بل أن بعض نساء مكة قبل الرسول محمد بدأن يقلدن المرأة الأشورية التي إتجهت إلى عدم وضع غطاء على رأسها، ونصحها بولس الرسول في إحدى رسائله بالاحتشام والعودة إلى غطاء الرأس، وكان في جملة هؤلاء النسوة زوجات الرسول نفسه، لأن آية الحجاب، كما يُقال عنها، نزلت في الاساس لزوجات الرسول بناء على طلب من عمر بن الخطاب. وحتى هذه الآية لم يُذكر فيها الحجاب أو الحشمة بل كان هدفها عدم أذية الغير لهن: "يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يُدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يُعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما".
أزياء مختلفة
تحت حكم الامبراطوريات الاسلامية المختلفة إختلف زي المرأة تبعا لاختلاف الشخصية القومية. أرشيف الصور التاريخية يوضّح ذلك الامر، ولم تشذ المرأة المصرية عن هذا الواقع، وقد خلعت هدى شعراوي حجابها في حركة رمزية رفضا للحجاب التركي وليس الاسلامي. الحجاب التركي الذي بدأت نساء المدن المصرية الكبرى يرتدينه نفاقا أو تقليدا لنساء الأتراك اللاتي كن يشكلن الطبقة المخملية آنذاك، رغم ان الاتراك كانوا يسخرون من الصلوات الخمس ويقولون "صلا كتير إيمان يوك" ومعناها صلاة كثيرة عدم وجود إيمان.
خلعت هدى شعراوي الحجاب التركي الذي لم ترديه مطلقا نساء صعيد مصر وأريافها، لأنهن يمثلن عمق ثقافة مصر وشخصيتها، تماما كما لم يرتدين الميني جوب لاحقا، وحتى لم تلبسه معظم نساء المدن اللاتي كن يرتدين الملاية اللف التي خلدتها قطعة موسيقية لعبد الوهاب، أو زي الفلاحة المصرية الذي خلدته الافلام أو"الإيشارب أبو أويه" ومعناه غطاء الرأس ذو القطع النحاسية الصغيرة وغرضها إضفاء مسحة الاغراء. إيشارب تحية كاريوكا في فيلم "شباب إمرأة" وشادية في فيلم "ميرامار".
خلعت هدى شعراوي ضمنا العقلية التركية المتخلفة، لذلك عظمّت الرئيس كمال أتاتورك عندما قابلته: يجب أن يطلقوا عليك "أتاشرق" وليس "أتاتورك". ما يعني أن يصبح "أبو الشرق" برمته وليس تركيا، لأن "أتاتورك" تعني "أبو الاتراك".
فرض الغوغاء منذ سبعينات القرن الماضي ما أطلقوا عليه تزويرا الزي الاسلامي، وألزموه للنساء بالقوة في كل مؤسسة "تمكنوا" منها، وكان يُفرض، على سبيل المثال في الجامعات بعدما تمكنوا من اتحادات الطلبة وهيئة التدريس فيها، حرمان كل من لا ترتديه من الحصول على درجات الماجستير والدكتوراه أو الترقية، كما كانت المرأة السافرة لا تُرقّى في الاعمال أو المؤسسات التي "تمكنوا" منها، ناهيك عن عشرات الاشرطة التي تُذاع بمستويات عالية جدا تسبب تلوثا صوتيا في الشوارع وميكروفونات المساجد التي تهدد بكل آيات العذاب في القرآن المرأة السافرة، وتتجاهل تماما "آية الحجاب" لأنها تُخالف تماما مع مناسبة نزولها ما يصرخون به في وجه النساء.
نقاب الرجل
لم يوجد النقاب أبدا في أرشيف صور مصر، ولا توجد أي صورة حتى لزوجة أي من شيوخ الازهر وهي منقبة، وإبنة حسن البنا نفسه لم تكن مُنقبة، لعلمهم تماما انه لا يتناسب مع شخصية مصر القومية، لكن النقاب بدأ مع موجة الغوغاء وخدمة هدفهم "التمكين" من حكم مصر، ثم أصبح النقاب مصدر شرور كثيرة في الفترة الاخيرة، لأن الرجال بدأوا يرتدوه لعدم التعرف أمنيا عليهم أو للقيام بعمليات إنتحارية، ما جعل دولا كثيرة تصدر قوانين تحظره، ولأن مصر لم تُنجب بعد هدى شعراوي أخرى أو أتاتورك علماني، لم تنضم إلى دول كثيرة منعت النقاب في الاماكن العامة للأسباب نفسها ولمصلحة الشخصية القومية. ومنذ اسابيع قليلة أعلن وزير التعليم العالي المصري هاني هلال مرغما بعد تزايد شرور النقاب ان الجامعات المصرية لن تسمح للطالبات المنقبات بدخول الحرم الجامعي إلا بعد الكشف عن وجوههن والتأكد من شخصيتهن، واضاف "في الجامعات ليس لنا أي دخل في مدى شرعية النقاب أو حكمة ارتدائه وإنما تركنا هذا الأمر لرجال الشريعة والمتخصصين‏". وأوضح "ان قرار منع النقاب في المدن الجامعية هو قرار لرؤساء الجامعات وسأدافع عنه أمام كل المحافل التشريعية".
جاء تصريح الوزير لأن بعض الرجال احيانا يرتدون النقاب ويدخلون الامتحانات ويؤدوها بالنقود عوضا عن إمرأة ضعيفة في أحد المواد لتنجح، أو يدخلون المدن الجامعية لممارسة الجنس مع طالبات. مخالفتان شرعيتان تتمثلان في الكذب والزنا اللذين منعهما القرآن، ومخالفة قانونية تتمثل في إنتحال الشخصية، لكن يبدو ان المستفيدين من الاسلام سياسيا ضربوا عرض الحائط بالقرآن والقانون معا، والصراخ الصادر من الميكروفونات والقمامة الألكترونية التي يلقوها في آذان الناس لأن ما تبقى من عقولهم مخصص لدفع الاقساط ومواجهة أعباء الحياة الكثيرة، هي البهار الذي يمنع تذوق التزوير في كلامهم والحرام في أفعالهم.
بعيدا عن ضجيج الميكروفونات والقمامة الألكترونية والشعوب المُخدرة بها، أو تقبلها عن مضض لمنفعة ما، يبدو أن النقاب يجب أن يُمنع حماية للشخصية القومية وخصوصيتها. إرجعوا إلى أرشيف الصور والرسومات في أي بلد من البلدان الشرق أوسطية حتى إيران لتكتشفوا الشخصيات المزورة حديثا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تأهب أمني لقوات الاحتلال في مدينة القدس بسبب إحياء اليهود لع


.. بعد دعوة الناطق العسكري باسم -حماس- للتصعيد في الأردن.. جماع




.. تأبين قتلى -وورلد سنترال كيتشن- في كاتدرائية واشنطن


.. تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!




.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي