الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


84 مع مراسلات بيني وقارئين للكتاب الأول

ضياء الشكرجي

2017 / 5 / 7
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


84 مع مراسلات بيني وقارئين للكتاب الأول
ضياء الشكرجي
[email protected]o
www.nasmaa.org

هذه هي الحلقة الرابعة والثمانون من مختارات من مقالات كتبي في نقد الدين، حيث سنكون مع مقالات مختارة من الكتاب الرابع «الدين أمام إشكالات العقل». وهذه الحلقة ستعرض بعض المراسلات مع قراء قرأوا كتابي الأول «الله من أسر الدين إلى فضاءات العقل»، قبل صدور الثاني «لاهوت التنزيه العقيدة الثالثة» والثالث «مع القرآن في حوارات متسائلة»، وسأجعل الإضافات بين قوسين مضلعين [هكذا].

مع أسئلة قارئ للكتاب الأول
كتب لي في 27/09/2015 أحد الذين قرأوا كتابي الأول من مجموعة «كتب لاهوت التنزيه»، أي كتاب «الله من أسر الدين إلى فضاءات العقل»، رسالة بعد فراغه من قراءة الكتاب، اشتملت على مجموعة أسئلة، أجبته عليها، واستأذنته بنشرها، فأذن لي مشكورا، مع رجائه بعدم ذكر اسمه، بل بالرمز إليه بالحرفين الأولين، هما (أ.ك). وأدناه رسالته:
السلام عليكم أستاذنا الفاضل ضياء الشكرجي المحترم
بداية نهنئكم بقدوم عيد الأضحى المبارك، وكل عام وأنتم بخير، وينعاد عليكم بالصحة والسلامة وتحقيق الأماني.
أكملت اليوم قراءة كتابكم القيم الموسوم «الله من أسر الدين إلى فضاءات العقل»، وقد استمتعت بقراءته، برغم صعوبة المواضيع المطروحة وعمقها، وكوني من غير المختصين في هذا المجال، كوني طبيبا وغير مختص بالعلوم الدينية والفلسفية اللاهوتية، فاعذرني إن لم أفهم بشكل جيد ما طرحته، ولكن لديّ بعض الأسئلة والتعليقات، أرجو أن يتسع صدركم لقراءتها، وسأطرحها على شكل نقاط:
1. بداية الفصول الأولى للكتاب فيها إطالة واستخدام لمصطلحات قد تكون صعبة على المتلقين، ولكن هذا لا يمنع أنك استخدمت أسلوبا منهجيا مقنعا متسلسلا، يمكن الاعتماد عليه في إقامة الحجة. ولكن كنت أتمنى أن يكون أبسط، لكي يتمكن غير المختص من الفهم بسهولة، ولكن هناك نقطة إن طريقتكم في الاعتماد على فهم العقيدة في هذه الفصول جاء فقط من خلال التراث الإسلامي، أو ربما اليوناني، ولم يستفد من الفلسفات الأخرى الشرقية أو الغربية (ربما لخلفيتكم الحوزوية)، ولكني أعتقد إن هكذا مواضيع تحتاج إلى الاستئناس بآراء أخرى من الفلسفات العالمية المطروحة.
جوابي: هذا التشخيص كله وبكل تفصيلاته صحيح ودقيق جدا، وهو يمثل نقطة الضعف في كتابي، أو في أطروحتي عموما، ومن الطبيعي إن كل فكر وكل نتاج بشري يشتمل على نقاط قوة ونقاط ضعف، وشخصيا لا أكابر بعدم الإقرار بنقاط الضعف لديّ. أعني من ناحية صعوبة البحث للقارئ غير المختص، وأيضا من ناحية عدم الاستفادة من الفلسفات الأخرى.
2. القارئ للكتاب يلاحظ مدى صدقكم مع نفسكم، وعدم إمكانية أن تفعل أي شيء غير مقتنع به، وهذه على قدر ما هي صفة جميلة، ولكنها متعبة لصاحبها فالله يكون بعونكم.
جوابي: دون أن أبالغ في التواضع، ولا أن أقع في شراك النرجسية، أقول إن الصدق يمثل عندي قيمة أخلاقية عليا، هي عندي سيدة القيم الأخلاقية، لذا أحاول جهدي أن أكون صادقا مع نفسي، مع الله، مع الناس. أشكر لك حسن ظنك وتشخيصك لهذه النقطة.
3. سؤالي الأساسي لماذا لم تطرح الأسباب الواضحة، وما هي الأمثلة عليها تلك التي جعلتك تتحول من ما أسميته «المذهب الظني» إلى الحالة التفكيكية بين الإيمان والدين.
جوابي: هي ثلاثون سنة من 1977 ولغاية 2007، أي منذ يوم تحولي من الإلحاد لخمسة عشر عاما، إلى الإيمان بالله وبالإسلام مع الالتزام، ثم تسيُّس تديني، بتأثر بمحمد باقر الصدر والثورة الإسلامية والخميني. هذه الثلاثون سنة لم تكن على وتيرة واحدة، بل جرى فيها تطور ونمو وترشد. إذن التحول الذي حصل عندي عام 2007 لم يكن طفرة فجائية، بل هي عملية تحولات تراكمية، كالجنين الذي ينمو داخل الرحم، فهو عندما يولد يرى الناس إنسانا صغيرا كامل الأعضاء قد ولد، لكنه كان في الرحم ينمو ويتطور وتتكامل أعضاءه وأجهزة جسمه. أصبحت عام 1977 متدينا، شديد الالتزام، مع الوقت بدأ تديني ينحو منحى معتدلا، ثم أخذ منحى عقليا، بالأخص عام 1997 بدأ ينشأ عندي ويتجذر منهج خاص بي، أسميته بمنهج «تأصيل مرجعية العقل»، ومن يتابع مقالاتي، سيكتشف هذا النمو والتطور. [وأزعم أني بينت حججي في اعتماد الإلهية العقلية اللادينية فيما بعد الكتاب الأول، لاسيما الثاني والثالث.]
4. هل يمكن اعتبار التحول العقائدي الذي حصل لك سببه أو قد يكون أحد أسبابه الموقف السياسي ورؤية الرفاق القدامى يخونون ما كانوا يدعون أنها مبادئ وأخلاقيات ينتمون لها؟ وبمعنى آخر لو لم يحصل هذا التحول السياسي في تفكيركم، ربما لم يرافقه تحول عقائدي؟ وبالتالي هل يمكن للإنسان أن يؤمن بفصل الدين عن الدولة سياسيا دون أن يفصل الدين عن الإيمان؟
جوابي: كل من التحول السياسي، والتحول الميتافيزيقي سارا عندي بطريقين مستقلين عن أحدهما الآخر. لكن هل يعني ذلك إن أحدهما لم يكن له تأثير على الآخر؟ لا أستطيع أن أنفي ذلك، لكن هذان التأثير والتأثر المتبادلان لم يكونا حاضرين في وعيي الظاهر. فأنا مثلا أصبحت من الناحية السياسية علمانيا، وذلك في نهاية 2006، مع إني كنت مؤمنا وملتزما بالإسلام، وبلورت رؤية شرعية لعلمانيتي، وحتى العلمانية السياسية نمت، من إسلاموية خمينية، إلى إسلامية معتدلة نسبيا وناقدة للتجربة الإيرانية، ثم منفصلة عن النهج الخميني، ثم إسلامية ديمقراطية منذ 1993، وجاءت تجربتي عام 2005 مع الإسلاميين لتكمل رحلة الانفصال الفكري سياسيا مع الإسلاميين. نعم يمكن أن يكون الإنسان مؤمنا وملتزما دينيا، وعلمانيا من الناحية السياسية، لكن هؤلاء نادرون جدا جدا، وكوني مررت شخصيا بهذه التجربة، أي الجمع بين الإيمان والالتزام الديني والعلمانية السياسية، أثبتت لي تجربتي هذه إمكانية ذلك. وهناك رجال دين من المؤسسة الدينية هم علمانيون. [لكن تحولي الفكري في القضايا الميتافيزيقية بكل تأكيد لم يأت كردة فعل، لكن لا أنفي إن التجربة تسهم بدرجة أو أخرى في ترشيد الفكر المجرد عنها أي عن التجربة نفسها.]
5. أحسست إنه لديك ردة فعل شديدة من تدينكم السابق، بدليل إنك تذكر تعمدكم اتخاذ اتجاه غير القبلة في الصلاة استنادا إلى الآية «أَينَما تُوَلّوا وُجوهَكُم فَثَمَّ وَجهُ اللهِ»، وهذا تناقض واضح، كونك تركت الآية الأخرى «فَوَلِّ وَجهَكَ شَطرَ المـَسجِدِ الحَرامِ، وَحَيثُما كُنتُم فَوَلّوا وُجوهَكُم شَطرَهُ»؟
جوابي: صدقني أنا لم أتعامل في تحولاتي بردود الفعل، بل هو نمو وتطور تراكمي. طبعا عندما كنت مؤمنا بأن القرآن كتاب الله، وأن الإسلام دين الله، كنت ملتزما بـ «فَوَلِّ وَجهَكَ شَطرَ المـَسجِدِ الحَرامِ»، وبكل تفاصيل لوازم الإسلام، ولكني اعتمدت بعد ذلك «أَينَما تُولّوا فَثَمَّ وَجهُ اللهِ» ليس التزاما بالقرآن، وإنما لأني رأيت هذا النص القرآني منسجما مع عقيدتي الجديدة. صحيح كنت حينها ما زلت أعتمد ما أسميته بـ «المذهب الظني»، الذي كان يراوح بين احتمالَي إلهية وبشرية الإسلام، لكني كنت أقرب إلى الاحتمال الثاني، لذا تركت التوجه للقبلة، لأن ذلك أقرب فلسفيا إلى تنزيه الله، وتركت استعمال التربة في السجود مما يفعله الشيعة، لأني اعتمدت التجرد عن التمذهب، وغيرها. وفي كتابي الثاني الذي سيصدر بإذن الله في تشرين الثاني من عام 2015 أعني كتاب «لاهوت التنزيه العقيدة الثالثة» كما وعدني الناشر، والذي صدر في ربيع 2016 وسأفصل أكثر في لاهوت التنزيه، وفي الثالث سأناقش مسائل قرآنية، وفي الرابع [هذا] والخامس أواصل بحوثا أخرى في نقد الدين.
6. ألا تعتقد إن نظرية الإيمان واحتواء الأديان والمعتقدات (وهو ما أميل له شخصيا) أفضل وأعم وأشمل من التفكيك بين الإيمان والدين؟ بمعنى الإيمان بالله وحده وتوحيده مع احترام واحتواء جميع الأديان (حتى غير السماوية)، باعتبار أنها جميعا تدعو إلى أفكار مشتركة من حيث وجود إله، والدعوة إلى أخلاقيات إنسانية جميلة، ونبذ الشر والقبح.
جوابي: البهائية على سبيل المثال حاولت إيجاد دين عالمي يجمع كل الأديان، لكنها تحولت إلى دين مستقل. شخصيا لا أرى القول باحترام الأديان صحيحا، وإنما أنا أتبنى احترام اعتقاد الناس بعقائدهم وأديانهم، واحترام إيمانهم، وكما أحترم أيضا قناعة الملحدين بإلحادهم. فكلمة احترام دين ما، تعني اعتقادي بصحة ذلك الدين، وهذا يحتم عليّ اعتناقه، لكني أقول أنا أحترم قناعة المؤمنين بذلك الدين، وأدعو للتعايش بمحبة وسلام بين كل البشر على أساسَي العقلانية والإنسانية، واللتان تبقيان في الالتزام بهما وتطبيقهما نسبيتين. [بتقديري إن نقد الدين ونفي نسبته إلى الله مما تحتاجه الإنسانية حاجة ماسة.]
7. هل استطاع ضياء الشكرجي أن يؤثر في محيطه بنشر أفكاره هذه أم ظل وحيدا؟ طبعا أكيد هناك أناس اتهموك شتى الاتهامات، ولكن هل هناك من حاول مناقشتكم مناقشة بطريقة علمية وموضوعية؟ وكيف يمكننا الاطلاع على هكذا مناقشات؟
جوابي: نعم هناك تأثير، لكنه غير مستهدف من قبلي، لأني لا أحاول أن أؤثر على أحد، إلا إذا أراد أن يستمع إليّ ويتعرف على عقيدتي. هناك مجموعة من متدينين، تأثروا بدرجة أو بأخرى، ومنهم من تحول، أو على وشك. لكني لا أحاول أن أفرض قناعاتي على الآخرين، إنما أعرضها، وأترك وأحترم لهم خياراتهم، فهدفي تحريك العقل، وليصل كل إلى النتيجة التي يصل إليها. والتأثر الذي لمسته عند البعض متفاوت، فمنهم من ترك التقليد، ومنهن من تركت الحجاب، ومنهم من بدأ يشك في موضوعة المهدي، ومنهم من اقتنع ببشرية الدين، وإن كان ما زال لا يجرؤ على حسم الموقف، وعلى الأقل أصبح العديد يقبل الاستماع إلى مثل هذا الكلام، ويحترمه، حتى لو لم يقتنع به، أو اقتنع ببعض دون البعض الآخر. [نعم، جرت مناقشات مع متدينين يتمتعون بانفتاح محدود، وكذلك ملحدين، وذلك على صفحات الإنترنت، إما كمقالات رددت بمثلها، وأحيانا بأكثر من حلقة، أو في حقل التعليقات والردود لمقالاتي المنشورة. وأدرجت الكثير منها في كتبي.]
وختم رسالته بعبارة:
ختاما أحب أن أوجه تحياتي واحترامي الشديد لكم أستاذي الفاضل، وتمنياتي لكم بدوام الصحة والسلامة.
أ.ك
بغداد
27-9-2015

رسالة من وفي البطاط
جوابا على رسالتي التي عممتها عبر البريد الألكتروني على أصدقائي ومعارفي، أخبرهم بصدور كتابي الأول من هذه المجموعة، أجابني السيد وفي البطاط من هولندا، فحصل بيننا تبادل الرسائل أدناه.
رسالتي القصيرة التي عممتها:
تحياتي.
لمن له اهتمام، وصل والحمد لله كتابي «الله من أسر الدين إلى فضاءات العقل» إلى بغداد وعمان والمغرب، علاوة على وجوده في بيروت، كما ستصلني كمية منه خلال أسبوع أو عشرة أيام إلى عنواني في هامبورغ.
ضياء
أجابني:
اليوم أكملت لكم تحريركم، ورضيت لكم فضاء العقل فكرا جديدا.
أستاذي العزيز ضياء.
تحياتي وسلامي، مبروك على طبع الكتاب الأول وتوزيعه على بعض البلدان، متمنيا أن يحقق نتائج طيبة على مستوى القراءة، وكذلك يتحرر من خلاله كل مسجون دينيا.
ثم عاد ليكتب:
أستاذي العزيز ضياء.
لا أعرف في بالي فكرة أريد أن أتشاور بها معك، لا أدري إن كان وقتها مناسبا أو متأخرة بعض الشيء، أو ربما لا داعي لها. أنت بالتأكيد من له القرار الأول والأخير بالأخذ بها أو العزوف عنها.
فكرتي تتلخص بمسألة التنزيهية، أو لأسمها (الصحيفة الشكرجية)، إذا صح التعبير. أقول هل هناك داع لطرح هذه السيمفونية. إذا كان هناك خالق لهذا الكون، أتصور لسنا بحاجة، ولا هو أيضا إلى أدعية وأوراد، أو سيمفونية تنزيه، كما أحببت أنت أن تسميها. ربما تكون أنت ذائبا في التنزيه، كما ذاب الخميني في الإسلام (للمزح فقط على هذه العبارة)، ولكن هل هذا يدعوك أن تستغرق في سيمفونية وأوراد التنزيه؟
حبي واحترامي لك، وأرجو ألّا يخالطك الشك أني أستهزئ، أو أستخف بسيمفونية التنزيه، وبرأيك وبأفكارك، حاشا أكيدا، ولكني أقول لو ينصب بالغ اهتمامك على دحض الأديان، وتنوير المتمسكين بالإيمان بها، وكما أنت تفعل طيلة العشر السنين الأخيرة، مركزا على هذه الأفكار، ومؤسسا هذه الفكرة. أما الخالق وإثباته بالطريق العقلي والفلسفي، فهو أمر جميل، ولا بأس به، وأعلم إنه قد ثبت عندك بالدليل العقلي والفلسفي وجود الخالق. ولكن هل وجود هذا الخالق يدعوك ويدعوني أن نستغرق في تنزيهه؟ أرى، وإن كنت لا أرقى إلى قول هذا، لا داعي لها.
أتمنى أن تكون فكرتي (نصيحتي)، طبعا إن أنا كنت قادرا على نصيحتك، وأنا أصغر منك سنا وعلما، خصوصا على المستوى الديني. أكرر فكرتي، أن تنظر أنت إليها للمستقبل البعيد، إذا كان لها جدوى.
حبي وتحياتي واحتراماتي لك أستاذي العزيز.

وفي البطاط

جوابي:
مجرد رأيت اسمك، فتحت الإيميل، وأهملت ما سواه مما وصلني من جديد.
رسالة رائعة، أحبها وأحب صاحبها.
سأنقلها إلى الوورد، ثم أتأمل فيها، وأجيبك عليها.
والآن مع جوابي:
عزيزي وفي
جميل ما بدأت به رسالتك «اليوم أكملت لكم تحريركم ورضيت لكم فضاء العقل فكرا جديدا».
شكرا لك على تهنئتك بكتابي، والذي أتمنى كما تمنيت «أن يحقق نتائج طيبة، على مستوى القراءة، وكذلك أن يتحرر من خلاله كل مسجون دينيا»، أو لا أقل الكثير من القابعين في زنزانات المقدس الموهوم.
فكرتك جميلة ومهمة، وتستحق الاهتمام بها، والتأمل فيها، ومناقشتها. وإنك لترقى إلى قول ما تقتنع به، وأن تنقد، وتقول لما لا ترى داعيا له، ألّا داعي له. وأنت أهل لأن تنصح، ولا يلعب السن أي دور في ذلك، فرب طالب يكون مؤهلا لنقد أو نصح أستاذه، بل قد يتجازه في أمور، دون أن يعني أني أقصد بأني هنا الأستاذ وأنت الطالب، بل على سبيل تقريب الفكرة.
سؤالك المشروع جدا: «هل هناك داع لطرح هذه السيمفونية»، أجيب عليه، حتى مع فرض وجود داع لها، فهي لا تمثل ضرورة لا بد منها. ففعلا كما تفضلت: «إذا كان هناك خالق لهذا الكون، فلسنا بحاجة، ولا هو أيضا بحاجة، إلى أدعية وأوراد، أو سيمفونية تنزيه، كما أحب أنا أن أسميها». هي مهمة بالنسبة لي، كما سأوضح، لكن ليس بمستوى أن «أكون ذائبا فيها»، ولا من شيء «يدعوني أن أستغرق فيها.»
وأطمئنك لم «يخالطني الشك بأنك – حاشا لك - تستهزئ أو تستخف بسيمفونية التنزيه، أو برأيي، وبأفكاري»، وفعلا إنه «لينصب بالغ اهتمامي على نفي إلهية الأديان، وتنوير المتمسكين بالإيمان بها، وكما أنا أفعل طيلة السبعة سنين الأخيرة.» وأخبرك أني لا أقول بأن إيماني «بوجود الخالق يدعوني – بالضرورة - أن نستغرق في تنزيهه»، بل هو تعاطٍ وتفاعلٌ شخصي، لا يعتمد مناهج الدعوة والتبشير، كما تفعل الأديان. فلكل إنسان طقوسه، هناك من له طقس أن يُصبّح على القهوة العربية وصوت فيروز، وهناك من يمارس طقس السماع إلى أم كلثوم، مقترنا بشرب العرق، وهناك من يمارس طقوس الممارسة الجنسية في أجواء معينة، وبإضاءة خافتة، وهكذا هناك طقوس في الطعام، وغير ذلك من الأمور. عندما يمارسها الشخص لنفسه، ويستمتع بها، فلا ضرر في ذلك، لكن ليس له أن يفرضها على الآخرين.
أرجع لأفكر معك، ما إذا كان للتنزيهية أو ما سواها من طرح للاهوت التنزيه من فائدة. من ناحية أنا معك؛ إن الأهم عندنا هو نفي إلهية الدين، وإثبات أنه ليس إلا نتاجا بشريا، وليس وحيا إلهيا. ولعل لاهوت تنزيه الله، لا يكون مطلوبا لذاته، بقدر ما يكون طريقا لإثبات نفي الدين. أنا لا أخاطب في ذلك اللاإلهيين، أو من يسمون بالملحدين، لأنهم بسبب لاإلهيتهم، فهم لادينيون بالضرورة، ولا يشكلون مشكلة، لا للبشرية، ولا لله نفسه، ولا لفكرة الإيمان، فإلحادهم محترم، بمقدار ما يمثل ذلك قناعتهم، لاسيما إذا تحلوا بالإنسانية والعقلانية. مشكلتنا مع الدينيين، ولذا من أجل دحض دعوى إلهية مصدر الدين، لا بد من الانطلاق من مشترك معهم، وهذا المشترك هو الإيمان، وهنا تأتي فكرة التفكيك بين الإيمان والدين، ونفي وهم التلازم بينهما، وعندما أعرض الإيمان من خلال فلسفة تنزيه الله، فهذا التنزيه هو الذي يقود إلى نفي الدين، خاصة عندما نثبت إن الدين لا ينزه الله، بل ينسب إليه الكثير مما لا يليق بكماله وجلاله وجماله وحكمته وعدله ورحمته. التنزيهية ليست طقوسا عبادية، بقدر ما هي خلاصة لعقيدة التنزيه، وإن كنت شخصيا ولنفسي أتعبد بها في صلاتي الخاصة. ذلك عندما أقول فيها: «متعالٍ عن وصف المتكلفين، متسامٍ عن وهم الواهمين»، أريد أن يكون ذلك مدخلا لتخطيء أكثر مقولات الدينيين، ثم أؤكد هذا المعنى بقول «متنزه عن جُلّ ما نسب إليه كل دين»، وهنا لم أعمم تخطيء مقولات الدين، إذ قلت «جُلّ» ولم أقل «كل»، لكني لم أبرئ واحدا من الأديان بقول: «كل دين». وعندما أقول: «لا يثيب لمجرد إيمانه أحدا من المؤمنين»، فأنقض أهم مقولة من مقولات الأديان، التي تدعي إن الإيمان يمثل المعيار الأساسي للثواب عند الله، بل أنفي كليا أن يكون عدم الإيمان سببا لعقاب الله، عندما أقول: «ولا يعذب لكفره أحدا من الكافرين»، ثم أبين الفكرة البديلة لدعوى الأديان حول سبب الثواب والعقاب، عندما أقول «إنما بإحسانه يثيب المحسنين، آمنوا به أو لم يكونوا يؤمنون»، فالكفار المحسنون مثابون، ثم أقول: «وبعدله يجزي المسيئين، كفروا به أو كانوا من المؤمنين»، فالمؤمنون المسيئون يجزون، وربما يعاقبون على سيئاتهم، ولا يشفع إيمانهم لهم، بل هو سبب إضافي لإدانتهم. ومن هنا أقول: «تعالى عما تقوّل عليه المتقوّلون»، من أنبياء ورجال دين، «وتنزه عما توهم معرفته الواهمون»، من بسطاء المتدينين. وهنا قد يأتي السؤال، عمن يجيب على أسئلة الإيمان واللاإيمان، فأقول: «إنما العقل رسوله، والضمير رقيبه»، وليس موسى وعيسى ومحمد. ولا أحكام وفقه الدين، والتخويف بالنار، والتطميع بالجنة، ما يدعو إلى العمل الصالح، وترك الظلم والإساءة إلى الناس، بل هو الضمير. ثم أريد أن أقول إن طروحات الأديان حول الثواب والعقاب تتعارض مع العدل الإلهي، لذا فـ «هو أعدل مما يتوهم جل أهل الدين». وتفصيل كل ذلك يأتي في الكتب الأربعة وما بعدها بتيسير الله. [ولعلي أضيف، أن التنزيهية مهمة عندي، كونها تمثل خلاصة عقيدتي، وخلاصة ما يلتقي وما يفترق لاهوت التنزيه عن لاهوت الدين، مدعيا أن مضمون التنزيهية أرقى من مضامين الكتب المقدسة للأديان الثلاثة، وأؤكد أني أعني المضمون، لا الأسلوب، لاسيما أسلوب كتاب الدين الثالث، فقد يرى البعض أنه أعظم من تنزيهيتي من حيث البلاغة، لكن التنزيهية أرقى وأنقى من حيث المضمون، وأكثر انسجاما مع ضرورات العقل الفلسفي.]
تحياتي ومحبتي.
ضياء








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي


.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي




.. كاتدرائية واشنطن تكرم عمال الإغاثة السبعة القتلى من منظمة ال


.. محللون إسرائيليون: العصر الذهبي ليهود الولايات المتحدة الأمر




.. تعليق ساخر من باسم يوسف على تظاهرات الطلاب الغاضبة في الولاي