الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بوصلة الأيّام

نادية خلوف
(Nadia Khaloof)

2017 / 5 / 8
الادب والفن


تشرق الشمسُ صباحاً، وأنظرُ أمامي أعرفُ أنني في الغرب . وجهي يقابلها . الأمر لم يعدْ كذلك . فقدت بوصلة الاتّجاهات وبوصلةُ الفصول والأيّام .
لم نعد نحدّد أماكن تواجدنا بالجهة . ندلّ عليها بأسماء الأماكن المعروفة، ونطلب منهم أن يلفّوا على جهة اليمين أو اليسار. نصل دون أن ننظر إلى قرص الشمس وظلّها إن كان الوقت ظهراً أو عصراً. لم تعد تعنينا هذه الأشياء. شخص ما فكّر بالنيابة عنا، وقرّر لنا كلّ ماعلينا فعله حتى أننا بقينا نعرّفُ عن أنفسنا باسم الشركات التي نعمل بها ، ضاع الكثير من هويتنا الشخصية والعامة . أعطينا لذهننا إجازة أزلية كي لا نرهق أنفسنا ، وبعد يوم من الركض وراء لقمة العيش نلتهم طعامنا، ونسكنُ إلى الخمول .
افتقدنا الكثير من الأشياء التي تعطي لحياتنا معنى. تماهينا مع الطبيعة على سبيل المثال .لم نكتسب سوى القلق والهمّ ، ليس لدينا الفسح الكافية لنميّز بين الغرب والشرق والشمال والجنوب. ليس لدينا الحرية في اختيار أمر ما فكلّه يقدم لنا في غلاف جميل .
عندما يغادرُ الإنسان أماكنه الأولى التي اكتسب فيها هويته الاجتماعية . يعتقد أن الزمن سيعودُ به إلى الوراء يوماً ويلاقي تلك الأماكن ويتمعّن في قرص الشمس ويميّز بين الجهاتِ وبين الفصول . ويختزنُ تلك الأمنية في وجدانه إلى أن يفارق الحياة دون أن يعرف أن الإنسان يعبثُ في الأماكن فيحوّل المدن العامرة إلى حطام ويشوّه داخل الإنسان، وما إن نعود ولو ليوم واحدٍ إلى أماكننا ، حتى نكتشف الخراب الذي ألمّ بنا جميعاً ، ونفقد الأمل .
في يوم من الأيام كان للفصول طقوس تفرضُ نفسها ، ففي الصيف تكون الحريّة والحياة الجميلة ، وفي البساتين تنضجُ الفواكه والثمار ، ويأتي الخريف وموسم البذار . ثم الشتاء الذي يعرّي الأشجار ويضمنا إلى دفئه كي نستقر مع سكون لياليه وصوتُ أمطاره . يجنّ الربيع في داخلنا قبل الأشجار .
أصبحنا نحصل على كلّ مانريد من جميع الفصول في يوم واحد. ألغينا طقوس الطبيعة . فأصبحتِ الفواكه الصيفية تنضجُ في الشتاء ، ولا نرى الربيع إلا من خلال صور اصطناعية لا تثير في داخلنا سوى الوحدة والتشتت ، لا نسأل عن الساعة . بدلاً من أن نحسبها على ظلّ الشمس ،نحسبها على وقع الازدحام أو البطالة أو الفراغ ، صياح الديك أصبح يأتي بعد الضهر، يختلط الحابل بالنابل ونضيع في نفوسنا . نضيع في الأزمان والأماكن فلا نعرف من نحن وعلى أيّ طريق نسير .
كيف يمكننا استعادة الجمال ؟
الشعور بالجمال يملأ نفوسنا. لو أعدنا لأنفسنا تلك الهوية الإنسانية العميقة التي تجعلنا نمتلك أوقاتنا، وجهاتنا ، وأماكننا دون أن نخسر التواصل مع الحداثة ، أن نفهم الغاية من وجودنا ،ويمتلئ داخلنا بذلك الربيع الدائم الذي يقرع على قلوبنا وعقولنا ويجعلنا متوفزين وجاهزين للإبداع .
لا أعرف لماذا تصبح الأمور السهلة من أصعب الأشياء. . .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية


.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال




.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي


.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا




.. ياحلاوة شعرها تسلم عيون اللي خطب?? يا أبو اللبايش ياقصب من ف