الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النصوص الدينية وأثر الراهنية الزمنية على بسط الفكرة الدينية ح2

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2017 / 5 / 12
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


فالنص الديني من خلال أحكامه ودلالاته وقصديات معني أيضا من حيث الوظيفة بتنظيم العلاقة بين الإنسان وذاته في محاولة منه لوضع أسس تقديرية لهذه العلاقة وربطها بموضوع الخير والحق والمصلحة الشمولية، هناك عشرات النصوص التي تشير إلى هذه العلاقة وتحددها، مثال تعريضي وليس حصري على هذه العلاقة {بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ }القيامة14، وأخر {إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلَـكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }يونس44، فالإشارة إلى النفس لا تعني مجموعة القوى المحركة داخل البدن والمرتبطة بالمجسات الحسية أو ما يعبر عنها بالحواس الخمس، بل هنا تأت بمعنى الذات الفردية للإنسان التي تشكل أساس شخصيته المميزة بوجوده.
أما العلاقة الثانية والتي لها أرتباط مشترك بين الفكر كتجربة وعلاقة جدلية مع الزمن، هي علاقة الإنسان وغيره سواء أكان الغيرية وصفية مجردة أو واقعية حقيقية، فالدين كما هو معروف معرفة عقلية رابطة بين الإنسان والعقل المطلق كغير، هنا الإنسان مختزلا بالعقل لا بالتكوين المادي، فكل ما يدور في هذه العلاقة يلعب الزمن دورا مهما ممتدا من لحظة الوعي بالعلاقة وأنتهاء بالهلاك والفناء الحتمي وممتدا أيضا إلى ما بعد الواقع المدرك ذاتيا أو ما يسمى بالعالم الأخروي، هذه العلاقة تمتد ولا تنتهي فهي تدور في فلك الزمن المجرد كما تدور في فلك النص الديني {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً }الفرقان27.
هذا مفهوم الأخر المعني بالكلام السابق هو الغير الفوقي الغيب المدرك ذهنيا لا حسيا، وهناك الغير المماثل المحسوس المقابل الذي يخضع أيضا لحكم النص الديني وتنظمه ذات الفكرة الدينية،{ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }المائدة2، فتنظيم العلاقة البينية بين الإنسان والأخر كائنا ما كان من حولي أيضا مرتبط بالزمن ومتغير فيه، {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ......وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُواْ أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ}البقرة233.
هذا الربط الزمني مع النص يؤكد أن عامل الزمن ليس مجرد مقياس دلالي لتفقيم الحدث أو الحكم فيه، بل أكثر من ذلك أن التطور والتمدد والتعاقب يمثل حقيقية في تغير دلالات النص وأحكامه، ومن هنا فليس ما يسمى ربط الزمان بتطور والوقائع والأحكام هو مجرد أفتراض نظري يمكن تجاوزه في القراءة والبناء خارجا عنه، بل أن مراعاة هذا الجانب من أهم وسائل كشف الملائمة والتوافق بين الموضوع وفعله وبين الموضوع والواقع، بناء على جدلية الزمن والإنسان، تلك الجدلية التي يعرفها الفلاسفة بمفهوم الزمن الذاتي من خلال ربط المعرفة بالوعي.
الزمن والإحساس به تجربة والوعي فيه أيضا تجربة لا سيما إذا عرفنا أن التجربة كمفهوم يعني بسط الفعل وحدوثه في ظل عاملي الزمن والمكان وينتهي بخلاصة، بمعنى أخر معرفيا إن التجربة (تعني القيام بإعادة إحداث ظاهرة ما، تمت ملاحظتها في شروط محددة، لدراستها كوسيلة لمعرفة القوانين المتحكمة في الظواهر) ،هنا يكون أستنساخ التجربة ذاتها صعب إلا في حالة ثبوت العالمين وعدم تبدلهما، فالصلاة والصوم والعبادات الأخرى تتكرر زمنيا كتجربة على أساس أن تماثل العاملين فقط، فالنص الديني الذي يحدد زمن التجربة كالصلاة خمس مرات يوميا والصيام في كل عام شهر واحد والحج مرة في كل سنه، ينظر النص للعبادة ليس من منظور الواجب (الألية) بل من زاوية فائدة التكرار في تعزيز النتيجة والأستفادة من التدين كظاهرة سلوكية ترتقي بفكرة الإنسان عن نفسه وما حوله وتطورها نحو تحقيق فكرة الخير والحق، فهو أي النص أستخدم الزمن للتراكم النوعي لا الكمي فهي النتيجة بالنهاية أن التجربة مع الزمن تعزز النتيجة فقط.
يقول المفكر الباحث الفرنسي "أوليفييه روا" في كتابه (تجربة الإسلام السياسي) في قضية مهمة لم يلتفت لها دارسي الفكر الديني عن أهمية التجربة ودور المجرب في بناء المنظومة الفكرية الدينية، (اعتقد الإسلامويون بأن وجود مجتمع سياسي إسلامي (كتجربة زمنية محددة سلفا) شرط ضروري لكي يتمكن المؤمن من الارتقاء إلى الفضيلة، ولكن من جهة أخرى، لا يستطيع مثل هذا المجتمع أن يكون فاعلًا إلا عبر فضيلة أولئك الذين يتقوم بهم (أصحاب التجربة)، ولا سيما القادة. بعبارة أخرى: ما من مجتمع إسلامي عند الإسلامويين إلا بالنصاب السياسي، لكن المؤسسات السياسية لا تعمل إلا على أساس فضيلة من يتولونها، وهذه الفضيلة لا تصير عامة إلا إذا وُجد مجتمع إسلامي؛ إنها حلقة مفرغة في النهاية) .
فالإسلاموية والسلفية وعموم الفكر الديني الذي يرفع شعار عودة الإسلام للحياة العامة بشكله التفليدية، يرفعون من قيمة التجربة من دون النظر إلى عاملي الزمن المتحرك والبيئة (المكان والحال والضرورة) من قائمة أهتمامهم في تطبيق النص الديني، هذه الإشكالية تعزز الفشل ولا يمكنها أن تعيد أكتشاف الفكرة الدينية وفقا للمتغيرات الكونية والتبدلات البنيوية في المجتمع، النص كما قلنا ليس كيانا منعزلا عن الوجود كونه لغة أولا وفكرة ثقافية ثانيا وإنعكاس للواقع المجتمعي بنقطة زمنية محددة.
إن وهم إعادة أنتاج الرؤية الدينية مرة أخرى كتجربة وأقحامها في الحياة كما هي دون إعادة قراءة الواقع الذاتي لها ودون مراعات التبدلات الموضوعية التي تغيرت بمفاهيمها وإدراكاتها الحسية والنوعية تضع الدين في مواجهة مع الإنسان الكائن المتغير بالقوة، والذي لا يمكنه أن يتنازل عن مكسبه التأريخي لمجرد رغبة البعض في أستنساخ تجربة يقول القائمون عليها أنها عانت من الأخفاق المتكرر بصيغتها الراهنة، وهذا التناقض بين الطرح الوضعي ومع كونها تجربة ترتبط بالماضي أكثر سيجعلها أيضا بحاجة أولا للنقد والتجديد وبحاجة ماسة للتعديل من خلال إعادة أستكشاف النص ومحاولة فهمه مجددا على ضوء نتائج التجربة وليس على ضوء قدسية النص وتخليه عن تأثير الأبعاد الكونية المحيطة به.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مخاوف من استخدامه كـ-سلاح حرب-.. أول كلب آلي في العالم ينفث


.. تراجع شعبية حماس لدى سكان غزة والضفة الغربية.. صحيفة فايننشا




.. نشاط دبلوماسي مصري مكثف في ظل تراجع الدور القطري في الوساطة


.. كيف يمكن توصيف واقع جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة؟




.. زيلنسكي يشكر أمير دولة قطر على الوساطة الناجحة بين روسيا وأو